الإنجليزية تدعى الفضيلة ..و الأمريكية تستعرض الفضيحة ..فيكتوريا
يوليو 2005
جمعهما عصر واحد .. القرن التاسع عشر. وطموح واحد ... رغبة محمومة للسطوة والسيطرة علي مقدرات زمانهما. إحداهما ورثت السلطان، وإمبراطورية أسطورية، فلم تكتف،
المحـتــوي
جمعهما عصر واحد .. القرن التاسع عشر. وطموح واحد ... رغبة محمومة للسطوة والسيطرة علي مقدرات زمانهما. إحداهما ورثت السلطان، وإمبراطورية أسطورية، فلم تكتف، تسربلت بمسوح الزهد المخادع لإحكام يديها علي القريب سعياً لإحاطة الكرة بأذرع الاستعمار باسم الملكية البريطانية.
والأخري لم ترث إلا الفقر، وقدرة النصب علي القريب لتصل إلي البعيد، فالأبعد. القريب الزواج من الثروة، والبعيد اللعب علي كل الحبال لامتلاك رأس المال، والأبعد سلطان عظيم باسم رئاسة الجمهورية الأمريكية.
ونبدأ القصة مع الأسبق منهما في الطموح ... الملكة فيكتوريا.
فيكتوريا الإنجليزية
نشر في السبعينيات من القرن الماضي كتاب يتحدث عن علاقة الملكة فكتوريا(Victoria) بخادمها جون براون(John Brown)، ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي تثار فيها هذه القصة، ولكنهم هذه المرة أكدوا أنه كان يدخل غرفة أرملة وندسورــ كما كانت تسمي ــ ليلاً ولا يخرج إلا بعد ساعات طويلة.
فيكتوريا هي القرن التاسع عشر، ولا نبالغ إذا قلنا أنها القرن التاسع عشر ليس لإنجلترا فقط، ولكن للعالم الاستعماري بكامله، حصلت إنجلترا في عهدها علي لقب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وحصلت هي لطول عمرها وسطوتها وتوزع أحفادها علي عدة عروش، علي لقب (أم أوروبا). فيكتوريا كانت تمثل بالفعل الفكر الإنجليزي خلال هذا القرن الذي دوخ العالم الثالث، وأثار غيرة المنافسين في أوروبا وانتهي بالحرب العالمية الأولي، كانت تمثل التحفظ الإنجليزي والتستر الإنجليزي مع ما في داخله من عنصرية ورغبة في السطو بواجهة متأنقة وباطن متعفن جعل برنارد شو أو أحد الشهود من أهلهم يسخر من جزيرة جون بول والتفاحة التي أفسدت عربة التفاح بكاملها.
فيكتوريا هي إحاطة العالم بحزام استعماري (33 مليون كيلو متر)، والسيطرة علي ربع سكانه (450 مليونا) آنذاك. فيكتوريا هي سيطرة الإنجليز علي الهند ثم علي سنغافورة عام 1849، وسيطرتهم علي الصين بفرض حربي الأفيون من عام 1839 إلي عام 1842، وسيطرتهم علي هونج كونج، وربط كل من كندا واستراليا بنظام إنجليزي خاص، ودخولهم القتال مع البوير (الهولنديين) في جنوب أفريقيا، وإقامة النظام العنصري هناك، وتصفية الصراع مع الروس بتقسيم مناطق النفوذ علي حساب أفغانستان وإيران والتبت، وتعبيد الطريق الاستعماري بالسيطرة علي جبل طارق وقبرص واحتلال مصر عام 1882، والوصول إلي باب المندب أو مخرج البحر الأحمر، والوصول إلي الصومال والخليج العربي، والسيطرة علي أفريقيا ساحل الذهب ونيجيريا وكينيا وأوغندا، ومحاولة (سيسل رودس) الوصول من الكاب جنوباً إلي القاهرة شمالاً.
مرحلة البير :
عاشت فيكتوريا إلي سن الحادية والثمانين، حكمت منها خمسة وستين عاماً (1837 / 1901)، نصبت ملكة في سن السادسة عشرة والتصق اسمها بثلاثة رجال، الأول قبل زواجها كان رئيس وزرائها لورد ملبورن (أحرار) المستهتر في سلوكه الشخصي والجذاب للملكة الصغيرة، وانقطعت صلتهما بعد زواجها. والثاني زوجها الأمير ألبير (ALBERT) الذي كان يصغرها بثلاثة أشهر، وأصبحت قصة حبهما حديث أوروبا بل وسخريتها ولكنه مات عام 1861. ثم خادمها الاسكتلندي الشرس جون براون الذي اختصته بصفحات عديدة من مذكراتها ومات 1883، وبقيت (أم أوروبا) كما يلقبها الأحباب، أو السيدة ملبورن، ثم السيدة ألبير، ثم السيدة براون كما يلقبها الكارهون أو العارفون بالخفايا الفيكتورية.
كانت عصبية المزاج ذات اهتمامات محدودة وبالتالي كانت تعرف طريقها بسهولة دون تقليب للأمور أو دفعها في ممرات فكرية متعددة. وقبل الزواج من ألبير ابن خالها كانت تستند في تسيير أمور دولتها علي رئيس وزرائها ملبورن، ولكنها ما لبثت أن اندفعت بطاقة الشباب وحرارة المزاج نحو ألبير الشاب الوسيم، وقررت الزواج منه وتركت ملبورن يقول (لقد انتهي الأمر).
ويعلق صحفي جريء في زمانها هو شارل جريفيل بأن الملكة أخذت تتعلق بألبير مع مرور الأعوام حتي تعدت الحدود، وتحول التعلق إلي نوع من الخضوع فكانت لا تطيق البعد عنه لمدة يوم واحد، وحينما ذهب للصيد في ألمانيا لمدة أربعة أيام وحده كانت تشكو بأن غيابه بالنسبة لها مصيبة كبيرة. ويتهكم جريفيل «أربعة أيام ... رغم أن جلالتها كانت لا تتورع عن إبعاد بعض وصيفاتها عن أزواجهن وعن عائلاتهن لشهور طويلة». اشترت فيكتوريا مقاطعة أسبورن في جزيرة ويت لتنفرد بألبير، وكانا يعلنان في أحيان كثيرة انعزالهما في (بالمورال) القصر الملكي الاسكتلندي في منطقة (هاي لاند) بعيداً عن المعارك السياسية الداخلية والخارجية.
في قصر وندسور كان ألبير يعمل بشكل دائم في مكتبه حتي ظهر عليه الكبر أكثر منها بكثير. ترهل وتساقط شعر رأسه، بينما احتفظت هي بقوتها وحيويتها. كان يعمل لوضع الخطط في مختلف الفروع حتي يوفر علي الملكة والحبيبة الوقت لاتخاذ القرارات في مشاكلها. يبدأ يومه في السادسة صباحاً، وأثناء تناوله الإفطار يقرأ (التايمز) ويسرح بين الحين والآخر، وينزعج إذا حاول أحد مقاطعته، ولكنه مع فيكتوريا كان صبوراً، كان يقبل تصرفاتها السطحية مع إبداء الإعجاب بصورة مصطنعة، أو عصبيتها وضحكاتها المتوترة أو عنادها أو حزنها الذي تغرق فيه حينما يموت شخص عزيز عليها، ثم تنصرف عنه فجأة. وفسر البعض موقف ألبير أنه خوف من صاحبة الجلالة، ويهمنا أن نفسر موقف صاحبة الجلالة منه. كان ألبير يمثل النموذج الذي يرضي شخصية فيكتوريا... متسلطة وجدت من يقوم بالجهد ويقدم الحلول ويحتفظ لها بالهيبة والسلطان. وتصورت في لحظة اندفاعها العاطفي أنهما سيبلغان الشيخوخة معاً، ولكنها نسيت من فرط ذاتيتها أنها تستهلكه وتعجل بشيخوخته وموته.
في أول ديسمبر عام 1861 وجدته يرتعش بصورة غير طبيعية، استدعت الطبيب جيمس كلارك وكان لا يقل عنها ذاتية فرفض أن يشاركه في الكشف أحد، وشخص المرض علي أنه نزلة برد شديدة، ولكن الحالة ازدادت سوءًا فاستدعي الطبيب وليم جيز الذي قرر أنه مصاب بالتيفوئيد.
استراحت فيكتوريا لتشخيص الدكتور كلارك فظلت تصر بعنادها رغم تدهور صحته علي أنه سيشفي قريباً، أما البير فكان يشعر بدنو أجله