الطـريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة..هل يفعلها أوباما حقا؟! يوليو 2009

روبرت مالاى

وفقا لكل القياسات الواقعية - الاسم والعرق والأصول والتنشئة - يعد باراك حسين أوباما حقا مرشحا رئاسيا ثوريا، فبالنسبة لسياسة الشرق الأوسط فعلى الأقل يتوافرلدينا مبرر ولو كان ضئيلا يجعلنا نتخيل أنه سوف يكون رئيسا ثوريا. كان الانتهاك المتطرف للسياسة الأمريكية التقليدية التى اتبعتها إدارة بوش والتى من خلالها قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو واحتلال العراق واستبعاد ونبذ سوريا وتورطها فى الحرب بشغف شديد وغير مسئول لإعادة تشكيل المنطقة. سببا فى اعتبار الفترة الرئاسية لبوش بمثابة بركان ثائر حيث كانت الولايات المتحدة منقادة انقيادا أعمى لنظرة ايديولوجية جامدة فضلا عن ميلها الشاذ والبغيض لاختيار وتفضيل الوسائل العسكرية على الدبلوماسية. سوف تكون الخطوة الأولى لأوباما هى وضع نهاية لتلك الفترة العاصفة وهذا فى حد ذاته يعد انجازا لا يستهان به.



المحـتــوي

[ 1 ]
وفقا لكل القياسات الواقعية - الاسم والعرق والأصول والتنشئة - يعد باراك حسين أوباما حقا مرشحا رئاسيا ثوريا، فبالنسبة لسياسة الشرق الأوسط فعلى الأقل يتوافرلدينا مبرر ولو كان ضئيلا يجعلنا نتخيل أنه سوف يكون رئيسا ثوريا. كان الانتهاك المتطرف للسياسة الأمريكية التقليدية التى اتبعتها إدارة بوش والتى من خلالها قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو واحتلال العراق واستبعاد ونبذ سوريا وتورطها فى الحرب بشغف شديد وغير مسئول لإعادة تشكيل المنطقة. سببا فى اعتبار الفترة الرئاسية لبوش بمثابة بركان ثائر حيث كانت الولايات المتحدة منقادة انقيادا أعمى لنظرة ايديولوجية جامدة فضلا عن ميلها الشاذ والبغيض لاختيار وتفضيل الوسائل العسكرية على الدبلوماسية. سوف تكون الخطوة الأولى لأوباما هى وضع نهاية لتلك الفترة العاصفة وهذا فى حد ذاته يعد انجازا لا يستهان به.
تحتل أجندة أوباما الخاصة بالشرق الأوسط مركز التكهنات الأعظم ويعد قلب هذه التكهنات هو السؤال حول قضية الصراع الإسرائيلى الفلسطيني. تتوفر بعض المؤشرات الدالة على أن الرئيس وفريقه ملتزمون تماما بالإطار العملى الواقعى والمتأنى فالحقيقة البادية عليهم انهم يأخذون وقتهم بالكامل فى مراجعة السياسات والتشاور على نطاق واسع. ومن النقاط التى كانت موضعا لدراسة فريق أوباما تلك المحاولة المتهورة لفرض نظام جديد فى الشرق الأوسط والتى قامت بها إدارة بوش وأيضا جهود بل كلينتون المتعجلة للوصول إلى تسوية شاملة. تعد بؤرة اهتمام إدارة أوباما هى على الأقل الشروع فى تحسين الأوضاع على الأرض ويشمل ذلك الوضع الاقتصادى فى الضفة الغربية. كذلك فإن لم يتم الوقف الكامــل لعملية بناء المستوطنات الإسرائيلية فعلى الأقل كبح هذه العملية ومتابعة إعادة هيكلة وتشكيل قوات الأمن الفلسطينية وتحسين العلاقات بين إسـرائيل والدول العربية.
ولكن يلاحظ أن ثمة طموحا كبيرا يفرض تواجده. لم يراهن أوباما بولايته الرئاسية على حل النزاع ولكنه لم يخجل من التحدي. الحكم على ما تم التوصل إليه من اقتراحات من قبل أوباما ورفاقه بشأن النزاع الإسرائيلى الفلسطينى يعتبر قضية ترتبط بالمصالح القومية الأمريكية. يبدو أن ادارة أوباما تستعد لتكريس عاصمة يعتد بها دبلوماسيا واقتصاديا وربما سياسيا لتحقيق هدفها وعندما تتم تسوية قضية الأرض فسوف يكون الهدف هو الوصول إلى حل الدولتين الشامل.
من الوهلة الأولى يتوافر أكثر من مبرر لجعل الحيرة والشك يتفوقان على الثبات واليقين فإذا كان هذا هو هدف الرئيس أوباما فإن هذا الهدف سوف يكون محاطا بظروف مشئومة غير مواتية. فى اسرائيل فقد تم استبدال رئيس الوزراء ايهود أولمرت - الذى لم يمل من تكرار تأكيده التزامه بالدولة الفلسطينية - بآخر وهو بينيامين نيتنياهو الذى يسمح لنفسه بشكل ظاهر للعيان أن يروج للكلام الزائف. يتسبب شركاؤه فى الائتلاف - وهم خليط من اليمينيين والاحزاب الدينية والذين يكنون كراهية شديدة للأجانب - فى جعل الأمور أكثر سوءا، حتى المشاركة من جانب إيهود باراك وحزبه العمل فى الائتلاف لا تعطى الا إحساسا ضئيلا بالراحة. كان باراك رئيسا للوزراء عندما تم تقويض المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فى كامب ديفيد عام 2000 حيث كان الدرس الأساسى الذى لاح لديه هو الشك فى كل ما هو فلسطينى فى حين كان وزير الدفاع الذى ينتمى لأولمرت يضمر بشكل ظاهر ازدرائه لكافة المحادثات التى أقامها الفلسطينيون مع حكومته وقام بطردهم واصفا تلك المحادثات بالحلقة الدراسية. فيما يبدو أنه من الصعب أن يذهب هذا التحالف الجديد لأبعد مما فعل سلفه وهذا من وجهة النظر الفلسطينية يعد غير كاف.
على الجانب الفلسطينى فقد باءت محادثات المصالحة التى تبنتها الوساطة المصرية المكثفة بالفشل فى التقريب بين الحركتين الوطنيتين فتح وحماس وتحت أى ظروف فإن الثمن الباهظ الذى دفعوه مقابلا للفرقة بينهم كان هو تفجير الأوضاع فى غزة واشتعال الحرب فى شهرى ديسمبر ويناير بين اسرائيل وفلسطين. وإذا كانت لا تزال هناك حاجة إلى إثبات فإن هذا الصراع قد أثبت أن الرئيس محمود عباس لن يستطيع الحديث حول السلام ما دامت إسرائيل مستمرة فى الحرب ضد الفلسطينيين وأن الفلسطينيين لن يستطيعوا أن يقيموا سلاما مع إسرائيل طالما أنهم فى حرب مع أنفسهم. تمتلك حماس القوة لإفساد أى تطور وسوف تستخدمها، تستطيع أن تتصرف كخصم عنيد ضد أى محاولة فلسطينية قيمة للتسوية. المفاوضات الثنائية التى فشلت عندما كان أولمرت رئيسا للوزراء وكانت حماس مجرد زمرة فلسطينية من المستبعد أن تنجح بعد انتقال الدفة إلى نيتانياهو وتحول حماس إلى حقيقة إقليمية.
وبرغم هذه الصورة الكئيبة فإن إدارة أوباما مصممة على الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق نهائى قد يكون السبب فى ذلك توافر اعتبارات أخرى لدى أوباما. من ناحية ما هو ينوى الالتفاف حول المفاوضات بين الأطراف معتمدا على تضافر الدعم العالمى واسع النطاق والذى يشمل الدول العربية وروسيا والاتحاد الأوروبى عارضا حل الدولتين بكل تفاصيله، وبذلك يكون قد وضعهم تحت ضغط شديد يمنعهم من الرفض. ينبع هذا المفهوم من نظرية مؤداها أن كلا من القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية- طبقا لخلفية من التحايلات والمكائد -غير قادرتين على التوصل إلى اتفاق وذلك يحتم حشدا عالميا من أجل الضغط والإقناع للتوصل إلى آخر الخطوات الحاسمة.
إنه خيار واحد ولكن قبل القفز تجاهه فهناك قضايا جوهرية لابد من استكشافها. دفع الزعماء لتأييد اتفاق السلام لن يكون عاديا ولكن ذلك ربما لا يكون التحدى الأكبر. السؤال الآخر هو كيف سيرحب كل من الشعبين الاسرائيلى والفلسطينى فى ظل المناخ الحالى بحل الدولتين؟ وهل ستكون النظرة إليه كحل شرعى أم غير شرعي؟ هل سينظرون إليه كنهاية للصراع أم مجرد بداية لجولة جديدة؟ هل سيكون ذا فعالية أكبر فى حشد المؤيدين أم تحفيز المعارضين؟ خلاصة القول ما الحل الذى سيقدمه بالفعل «حل الدولتين»؟


[ 2 ]

فى الآونة الأخيرة يدور التحدى المتمثل فى إنهاء الصراع الاسرائيلى الفلسطينى كلية حول ترقيع تفاصيل «حل الدولتين»، كما أن الجهود المبذولة للتسوية سواء كانت رسمية أم غير رسمية تركز على عملية تعديل نسب ضم الأراضى وتبادل الأراضى والتعريف بالحدود وبأشكال السيادة على القدس أخذا فى الاعتبار ما يخص الدولة الفلسطينية ووصف سماتها ويتوجه الاهتمام الأعظم إلى إيجاد التقنية لإعادة توطين وتعويض اللاجئين. إن الفشل والعجز المتكررين فى تلبية تطلعات الجانبين الاسرائيلى والفلسطينى بالقطع يثير الحيرة ولكن هذه الصعوبات لا تشكك فى الافتراض بأن توازن المصالح أمر حتمى ولابد من توافره فى «الحل القائم على الدولتين» بشكل جاد.
لم يتمكن الرئيس عباس ورئيس الوزراء أولمرت من التوصل إلى تسوية عام 2008 انطلاقا من الأهداف التى كانت محـددة لمؤتمر أنابــوليس ولكن ذلك لا يدعــو للشــك فى الفرضية القائلة بأن المزيد من المحاولات قد يعطى نتائج مختلفة . يعرف عباس بأنه أكثر الزعماء الفلسطينيين واقعية ، أولمرت سلك طريقا غير مباشرا لمعسكر السلام وهو يبدى إيمانا بحتمية التغيير ولو كان ذلك آجلا. بعد شهور من المحادثات رفض عباس اقتراحا اسرائيليا بالتنازل متعلقا بحجم الأرض المحتلة التى تخص الفلسطينيين والذى كان موضع رفض ياسر عرفات قبل ثمانى سنوات وتعرض للشجب بصفته خصما عنيدا للسلام ، ليس هناك سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن المزيد من التغيير والتبديل فى الاتفاق قد يحدث اختلافا.
اتفاقية الدولتين لكى يتم تفعيلها فلابد أن تخاطب إلى حد كبير تطلعات الجانبين فتحفظ لاسرائيل هويتها اليهودية وتمنحها الحدود النهائية المعترف بها وتظل بذلك محتفظة بالأماكن المقدسة اليهودية، ويعيش الفلسطينيون فى الضفة الغربية وغزة متحررين من الاحتلال الاسرائيلى ويحكمون الاماكن المقدسة الإسلامية فى القدس ويحصل اللاجئون على فرصتهم فى اختيار حياة طبيعية من خلال إعادة توطينهم وتعويضهم. إذا كان بالإمكان تحقيق هذه الاهداف فلماذا تثبت الاطراف عدم القدرة على تسوية النزاع؟
إن التطلعات تعكس التجربة التاريخية وبالنسبة إلى يهود اسرائيل فإن هذه التجربة تشتمل على التشريد والاضطهاد وحياة الجيتو وفظائع المحرقة والبحث الطويل المحبط عن وطن طبيعى مقبول ومعترف به. ثمة توق شديد لمستقبل لا يسمع فيه صدى الماضى ويتوفر فيه الامن لليهود. والقبول بالتواجد اليهودى فى المنطقة بدون إبداء أية تساؤلات حول هذا التواجد ولكن هذا غير مضمون حتى بالتفوق العسكرى الخارق.
بالنسبة للفلسطينيين فإن مطالبهم الاولية تتعلق بتجربتهم التاريخية المتمثلة فى انتزاع الملكيات والطرد والتشتيت والتشريد والمذابح والاحتلال والتعصب وامتهان الكرامة والاصرار على قتل زعمائهم وتمزيق السياسة الوطنية لهم بلا هوادة. انهم يريدون الانصاف والتعويض.
إن توق الجانبين الاسرائيلى والفلسطينى لتحقيق تطلعاتهم من خلال اتفاقية الدولتين سوف يرتبط بصعوبة وفاء هذه الاتفاقية بكافة الوعود. لقد تطور الهدف على مر السنين من الرغبة فى الوصول إلى سلام إلى الحل القائم على الدولتين. قد تعطى هذه الاهداف الانطباع باشتراكها فى المغزى ولكن ليست هذه هى الحقيقة فالسلام قد يكون ممكنا من دون اتفاق من هذا القبيل كما أن مثل هذا الاتفاق لا يلزم بالضرورة أن يؤدى إلى سلام، يمكن ان يكون تقسيم الارض وسيلة هامة لتحقيق دولة قابلة للحياة ودائمة وتعايش سلمى بين الاسرائيليين والفلسطينيين ولكن ذلك ليس نهاية المطاف.

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions