امبراطور من تكســاس! مايو 2003

محمد حسنين هيكل

مـلاحظـــــــة خطر على بالى أن هناك حاجة إلى كلمة عن مهمة كاتب اختار لنفسه مجلة شهرية ـ بعيدة عن أعمدة الصحف اليومية وزحامها ـ وظروفها أيضا!

المحـتــوي

مـلاحظـــــــة خطر على بالى أن هناك حاجة إلى كلمة عن مهمة كاتب اختار لنفسه مجلة شهرية ـ بعيدة عن أعمدة الصحف اليومية وزحامها ـ وظروفها أيضا! وخطر على بالى أننى فى هذا الصدد أستطيع أن أحدد عدة أغراض لا يصح لهذا الكاتب أن يطمح إلى غيرها: 1 ـ فى مهمته استثارة الذاكرة حتى تترابط الحوادث وتتأكد طبيعتها تيارا يتدفق وموجات تتلاحق، يتواصل بها الأمس واليوم، مع المنتظر والمحتمل. 2 ـ وفى مهمته أن يبحث فى الحاضر ويطيل النظر إليه بجهد يتجاوز العارض والعابر حتى يركز على فهم سياقه ومعناه ودلالته. 3 ـ وفى مهمته أن يقدم ما يمكن أن يكون حوارا هادئا مع الناس والأفكار ومع العصر والتاريخ ويستدعى الاهتمام بالشأن العام. 4 ـ وفى مهمته ـ أخيرا ـ أن يقوم بدور يشبه ما يقوم به الراصد الجوى، بحيث يكون قارئه مستعدا لتقلبات الطقس، فلا تدهمه على غير تنبه وتحوط، فإذا وقعت مفاجأة ـ وجد أمامه بابا أو أبوابا لها مفاتيح قد تتوافق مع الأقفال. فى هذه الحدود عليه أن يمارس مهمته ـ يصيب مرة أو يخطئ، وينجـح مرة أو يفشل ويجرب دائما، فإذا استطاع الوصـول فقــد أضــاف، وإذا لم يصــل فقــد غطى جزءا من الساحة. تلك هــى الحـــدود... أو كذلك أتصــــور، ولـــعلى لـــم أخطئ كثيرا ـ لم أقصـــر دون الحـــدود، ولــم أتجـاوز بعدها! أولا: الإمســـــاك بالبـــيت الأبيــــض وبالقــرن الحـــادى والعشـرين! لم يتنبه كثيرون فى العالم ـ على الأقل بالقدر الكافى ـ لانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة (نوفمبر 2000) ـ لأن معظم المراقبين اكتفوا بالنظر إلى ما يجــرى على واجهة المسرح، ولم تلفتهم ـ كما كان لازما ـ تلك الحركة الهادئة التى تمشى وراء الكواليس حيث يتواجد المشرفون والمديرون والمخرجون والفنيون من كل اختصاص، وكان الاهتمام بهؤلاء أوجب، لأن حركتهم كانت بمثابة التحضير للعرض بما فيه بلورة الفكرة، وكتابة النص، وترتيب المشاهد، واختيار الأبطال، والتأكد من تطابق شخصياتهم مع أدوارهم حين يرتفع الستار ويبدأ حوار المشاهد ويتواصل نحو مقاصده. وكما بدا فإن معظم المراقبين للمعركة الانتخابية الرئاسية (سنة 2000) ـ ركزوا على مرشحين واجه كلاهما الآخر فى المناظرات الانتخابية أمام عدسات التليفزيون، ثم أجمعوا على أنها منافسة بين «السطحية» و«الملل» («جورج بوش» عن الحزب الجمهورى ـ و«آل جور» عن الحزب الديمقراطي) ـ وهى على هذا النحو منافسة يستحق أن يخسر فيها الرجلان معا لو كان ذلك ممكنا، وهو لسوء الحظ لم يكن، وبالتالى فإن الولايات المتحدة خطت إلى قرن جديد (الحادى والعشرين) وفى البيت الأبيض رجل يمثل عوامل الضعف الأمريكى ولا يمثل عوامل القوة ـ بمعنى أن ذلك التردى على مستوى القيادة الأمريكية العليا، والذى زاد مع فضائح «بيل كلينتون» فى البيت الأبيض سوف يستمر ويواصل نزوله على السفوح بأساليب أخرى تؤدى فيها التفاهة أو الملل ـ فى عهد «جورج بوش» الابن أو «آل جور» ـ ما صنعه الشباب أو الجنس زمن رئاسة «بيل كلينتون» الذى قضى فى البيت الأبيض فترتين رئاسيتين: الأولى: منهما استعراض لفتوة الشباب ووعدها المتحفز، والثانية: عرض للضعف الأخلاقى والمعنوى أفقد مركز القرار مهابته. لكن تلك كانت نظرة تركز على الواجهة لا تتجاوزها إلى ما وراءها أو إلى ما سبقها، بظن أن الواجهة تكفى للحكم على أى عمل باعتبار أن المرئى يغنى عن المخفى ـ ولم تكن تلك كل الحقيقة! ..................
.................. فى ذلك الوقــت لم يتنبــه كثيـرون ـ على الأقل بالقدر الكافى ـ إلى أن هناك فكرة «إمبراطورية» «تملكت» الولايات المتحدة، وأن هذه الفكرة «تمكنت» بعد سقوط حائط برلين (1989) وما تلاه من تداعى الاتحاد السوفيتى، ثم إن هذه الفكرة طرحت نفسها بإلحاح فى ظروف حرب الخليج الثانية التى هيأت للقوة الأمريكية فرصة تمارس فيها تجريب ترسانتها الإلكترونية المتطورة فى ميدان قتال، ورغم أن الهدف المُعلن فى تلك الحرب كان تحرير الكويت (نفط الخليج) ـ فإن الهدف الثانى بعده بان درسا تعطيه أمريكا للعالم ـ بالذخيرة الحية ـ فى فاعلية البطش لا ينساه أحد! وكان مغزى هذا الدرس أن يفهم العالم ـ وليس فقط أن يعرف العراق ـ أن الولايات المتحـدة الأمريكية لديهــا الإرادة ولديها الوسائل التى تضمن لها ما لا يصح لطرف أن يجاريها فيه، فضلا عن أن يتحداها عليه. وكما يتأكد الآن فإن تلك الحرب (حرب الخليج الثانية) كانت فى جانب مهم منها رسالة موجهة إلى العالم بأنه زمن تاريخى مختلف ـ وأنه أمريكى فى الإعلام والخرائط والبوصلات! وبالفعل فإنه بعد تحرير الكويت راحت إدارة «بوش» الأب تركز على فكرة رئيسية شاغلها: كيف يمكن تحويل «السابقة» التى عاشها الشرق الأوسط أوائل سنة 1991 ـ إلى قانون عام يسود ويتحكم فى القرن القادم (الحادى والعشرين). والقصد أنه إذا كان القرن العشرين هو قرن الصعود الإمبراطورى الأمريكى ـ فإن القرن الحادى والعشرين عليه أن يكون قرن التعزيز الإمبراطورى الأمريكى، بما يرسى الدعائم فى عمق الأرض ويعلى السقف إلى بعد الفضاء، وكان المفروض أن يكون ذلك هو شاغل إدارة «جورج بوش» (الأب) عندما يُعاد انتخابه ـ كما كان متوقعا ـ لمدة رئاسة ثانية، وقد بدا لمن يعنيهم أمرها أنها فى اليد ـ شبه مضمونة أو مضمونة بالكامل! كان اعتمادهم أن رئاسة «بوش» الأولى (1988 ـ 1992) قامت بخطوتها الواسعة على طريق التعزيز الإمبراطورى ـ بمقدرة وكفاءة: ـ ضربت ضربتها فى المواقع الصحيحة من الناحية الاستراتيجية، عندما وجهتها نحو الشرق الأوسط وهو المساحة المكشوفة بين آسيا وكتلها البشرية الكبيرة (الصين والهند) ـ وبين أوروبا (ودولها الصناعية القوية)، وبالتالى تحقق الاختراق نافذا حتى النخاع. ـ ثم إن هذا النفاذ تمثل فى انتشار عسكرى واسع مد يده ـ وقدمه! ـ إلى أغنى منابع البترول (الذى أكد نفسه، رغم شكوك راودت البعض، باعتباره السلعة الأكثر ندرة والأكثر قدرة على الوفاء بمطالب التقدم والرخاء ـ على الأقل حتى ثلث القرن الجديد). ـ ومع أن هذا النفاذ حقق مطلبه بواسطة تحالف دولى

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions