شريعة البقرة الحمراء.. التوظيف السياسى للنص الدينى عند اليهود
سبتمبر 2003
دأب بنو إسرائيل منذ تاريخهم القديم على استغلال الدين وتوظيفه بما يخدم أهواءهم وأطماعهم، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا وتمتلئ بها أسفار العهد القديم،
وأبواب
المحـتــوي
دأب بنو إسرائيل منذ تاريخهم القديم على استغلال الدين وتوظيفه بما يخدم أهواءهم وأطماعهم، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا وتمتلئ بها أسفار العهد القديم،
وأبواب المشنا Mishna(1)، وسنكتفى هنا بتناول نموذج منها وهو شريعة البقرة الحمراء(2)، التى علّقوا إعادة بناء الهيكل على إقامة هذه
الشريعة التى وردت فى سفر العدد الإصحاح التاسع عشر، وهو من أسفار التوراة الخمسة التى تُنسب إلى موسى عليه السلام، ووردت هذه الشريعة فى
المشنا فى كتاب الطهارة، باب البقرة.
وقد وقع اختيارى على هذا النموذج لارتباطه بقضية الصراع العربى ضد الصهيونية ومشروعها الاستعمارى فى فلسطين، ولارتباطه بالمحاولات التى تقوم
بها الجماعات الدينية المتطرفة فى إسرائيل من أجل هدم المساجد الموجودة على جبل المكبر بما فيها المسجد الأقصى، تمهيدًا لإقامة "الهيكل الثالث"، والتى
عرضها The Center for the Protection of Democracy in Israel "مركز
الحفاظ على الديمقراطية فى إسرائيل"، فى بحث على الإنترنت فى الموقع www.Keshev.org.il باللغة العربية تحت عنوان:
"الهدف ـ جبل البيت (أى جبل بيت الرب ويقصدون به جبل المكبر) نظرة حالية على التهديدات التى يتعرض لها جبل البيت من عناصر قنائية
ومسيحانية "ويكون مَقْدِسًا وعقبةً وحجر عثرة لبَيتَى إسرائيل وفخًا وشركًا لسكان أورشليم".
سفر إشعيا 8/14
استخدم هذا البحث عدة مصطلحات ذات دلالات دينية وتاريخية، تربط بين ما تقوم به الآن الجماعات الدينية المتطرفة فى إسرائيل فى سعيها المحموم من أجل
إقامة "الهيكل الثالث" لأغراض سياسية، وبين الجماعات اليهودية المتطرفة التى عاصرت ظهور السيد المسيح عليه السلام، ومنها "القناءون" وتعنى
بالعبرية الغيورون، قد اشتهرت هذه الجماعة بالغلو والقسوة فى تطبيق الشريعة، واللجوء إلى استخدام العنف والإرهاب لدرجة أنهم لُقِّبوا بـ "سيقارين"
وتعنى بالعبرية إرهابيون أو سفاحون، وكانوا يفضلون الخروج على القانون، بل يفضلون الموت لهم ولذويهم على الانصياع إلى الآخر المخالف لهم فى
العقيدة.
لقد تسببت تلك الجماعة ومن انتهج نهجها فى العنف والإرهاب والتطرف الدينى، فى القضاء على الوجود اليهودى فى فلسطين، وذلك عندما قام القائد الرومانى
"تيتوس" بالانتقام منهم كرد فعل لما قاموا به من جرائم وفظائع، وقام بتدمير "الهيكل الثاني" سنة 70م، وطرد البقية الباقية منهم من فلسطين،
وتشتتوا منذ ذلك التاريخ فى سائر أرجاء المعمورة وظلوا هكذا حتى منحهم الاستعمار البريطانى "وعد بلفور" وتحالف مع الصهيونية حتى تم تنفيذ هذا
الوعد بإقامة إسرائيل على قسم من أرض فلسطين العربية.
والبحث الذى يقدمه "مركز الحفاظ على الديمقراطية فى إسرائيل" يقرع ناقوس الخطر ويضع أمام الحكومة الإسرائيلية، ومن يهمه أمر بقاء دولة
إسرائيل، النتيجة التى توصل إليها وهي: أن أية محاولة لهدم وتدمير المساجد الإسلامية الموجودة على جبل المكبر، من أجل بناء "الهيكل الثالث"
وإقامة دولة دينية تحكم بالشريعة فى إسرائيل، ستهدد ليس فقط الديمقراطية فى دولة إسرائيل، ولكن ستهدد وجود وكيان الدولة ذاته!!
فلقد رصد البحث تزايد نشاط الجمعيات والمنظمات الداعية إلى إقامة الهيكل خلال التسعينيات من القرن الماضى، وخصوصًا فى السنوات الخمس الأخيرة
منها، بعد أن اتسعت دائرة النشطاء والمؤيدين والقاعدة الجماهيرية المؤيدة عقديا لفكرة هدم المساجد الموجودة فوق جبل المكبر (فى سنة 1990م بلغ عدد
أعضاء "دعاة الهيكل" 60 شخصًا وفى أغسطس عام 2000م بلغ 50000 شخص). كما رصد البحث دور المؤسسات الحكومية فى هذا
النشاط (دور وزارة الأديان، الوزراء، القضاة، رئيس لجنة التشريع فى الكنيست).
وقد أرجع البحث هذه الظاهرة إلى عاملين: خارجى وهو الخوف من توقيع الحكومة الإسرائيلية اتفاقية تضفى على الوضع القائم الصفة الشرعية، وهو
سيطرة الفلسطينيين الفعلية على "جبل الهيكل".
أما العامل الداخلى فقد ألمح إليه البحث فى عنوانه، وهو توقعات اليهود بقرب مجيء المسيح المخلص مع اقتراب حلول الألفية الثالثة، لإقامة مملكة الرب، وهو
ما أدى إلى زيادة الاهتمام والتفكير فى موضوع الهيكل. لقد أصبح الأمل فى مجيء المسيح المخلص ركنًا من أركان العقيدة اليهودية، وأصبح يسمى عند
كثير من المؤرخين باسم "المسيحانية". والواقع أن الحلم المسيحانى لم يكف عن مداعبة خيال اليهود منذ السبى البابلى وحتى مطلع القرن الحادى
والعشرين، فظهر العديد من اليهود الذين ادعى كل منهم أنه المسيح المنتظر، وآمن بهم الآلاف، وفى كل مرة يثبت فيها كذب هذا المسيح أو ذاك كانت العاقبة
وخيمة ليس فقط على هذا المسيح الكذَّاب، ولكن على جمهور المؤمنين فهم يتعرضون لبطش السلطة الحاكمة فى البلد التى ظهر فيها المسيح، ثم تتفشى فيهم حالة
من اليأس والإحباط تؤدى بالكثيرين منهم إلى التخلى عن اليهودية برمتها والكفر بها.
ونظرًا لأن المستهدف والمتلقى لهذا البحث هو الحكومة الإسرائيلية، التى يتوجه إليها باقتراحاته فإنه تعمَّد فى مواضع كثيرة التلميح دون التصريح مستخدمًا
مصطلحات ذات دلالات دينية وتاريخية وسياسية لتوصيل ما يريده من رسائل، والتى لن يفهمها إلا من يقصدهم بهذا البحث أو المتخصصون فى التاريخ
والديانة اليهودية، لذلك فقد أخذت على عاتقى مهمة عرض أهم النقاط التى أبرزها البحث، بالإضافة إلى توضيح وشرح الجوانب التى سكت عنها دون فصل
بينهما.
üüü
رصد البحث حوالى عشر هيئات تعمل فى مجال الإعداد للهيكل، وكل واحدة من هذه الهيئات التى يذكرها تعمل فى مجال تخصصها ولكنها ترتبط بالأيديولوجية
العامة "لدعاة الهيكل" التى تقوم على نظرية التدرج، والتى تعتبر دراسة وإحياء الخدمة فى الهيكل والطقوس، هى البداية أما المرحلة النهائية فهى إقامة
الهيكل فى المكان الذى توجد فيه المساجد على جبل المكبر.
يدعم هذه الهيئات جماعة مساندة تشمل هيئات تشريعية، مثل "دار القضاء المجاورة لجبل الهيكل"، الجمعيات التى تقوم باستيطان "احتلال"