دولــة يهـوديـة... وديمقراطيــة!! أغسطس 2003

عزمى بشارة

من الصعب تقصى أثر الديموقراطية الإسرائيلية تاريخياً بين الديموقراطية الداخلية فى المؤسسات الصهيونية وتعددية التيارات الفكرية فيها وبين الترتيبات القانونية

المحـتــوي

من الصعب تقصى أثر الديموقراطية الإسرائيلية تاريخياً بين الديموقراطية الداخلية فى المؤسسات الصهيونية وتعددية التيارات الفكرية فيها وبين الترتيبات القانونية من الإرث الانتدابى البريطانى فى هذه البلاد. ولاشك أن الديموقراطية الإسرائيلية قد تطورت خلال خمسين عاماً من خلال تفاعل عوامل اجتماعية وسياسية وقانونية، نذكر هنا منها على سبيل التقديم توسع الطبقة الوسطى وانحسار الاقتصاد الزراعى الاستيطانى ذى الطابع العسكري، وازدياد تأثير الثقافة الغربية ومحاكاتها، على سبيل أخذ مسافة من المنطقة العربية التى تعيش معها الدولة العبرية حالة حرب، على جمهور تعود أصول غالبيته إلى أوروبا الشرقية ودول عربية ويحمل تراثًا سياسيا غير ديموقراطي، وانفتاح النظام لاستيعاب آثار لجدلية الفصل بين السلطات، خاصةً استقلال القضاء، وتطور جدلية العلاقة بين الفرد والمجتمع المدنى والدولة... ولكن مهما فصّلنا بالأصول والمصادر من ناحية وديناميكية التطور من ناحية أخري، يبقى سياق تطور الديموقراطية الإسرائيلية هو السياق الصهيوني. الاتفاق على هدف الدولة كدولة اليهود، وكدولة يهودية تهدف إلى تجميع الهجرات الصهيونية، وما يترتب على ذلك هو أساس الديموقراطية الإسرائيلية. إنه أساس الانسجام الذى يعوض عن فقدان التاريخ الديموقراطى وفقدان البنية القومية، فهدف بناء الأمة والأدوات التى توفرها الدولة لذلك يخلق الوحدة والانسجام اللازمين لتحمل التعددية والديموقراطية، ويمنع تحولها إلى حرب أهلية طائفية الطابع مثلا. الصهيونية، وليس المواطنة، هى وعاء الديموقراطية الإسرائيلية، وهى عائق تطورها فى آن. إنها، فى ساعة الأزمات تحديدا، ديموقراطية داخل القبيلة إلى حد بعيد. لا يمكن فصل يهودية الدولة العبرية إذاً عن ديموقراطيتها وذلك ليس لأن الموضوع تم نصه قانونياً. فمن الناحية القانونية لم يرد المصطلح المزدوج كتعريف لدولة إسرائيل إلا فى القوانين الأساسية الدستورية الطابع المتأخرة جداً. «قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته» من العام 1992 حيث ورد فى هدف القانون ما يلي: «بند 8أ: هدف هذا القانون الأساس هو الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته من أجل تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية فى قانون أساس». وأيضاً فى «قانون أساس: حرية العمل (أو اختيار المهنة)» من نفس العام 1992 حيث ورد فى هدف القانون «بند 2: هدف قانون الأساس هو الدفاع عن حرية اختيار العمل ومن أجل تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية». وقد يستغرب المرء حاجة المشرع الإسرائيلى المتأخرة لقوننة هذا التعريف الذى تحول بالتدريج إلى عبارة تكاد تكون مقدسة فى التشريع الإسرائيلي، هذا إضافة إلى جعل قبولها، «الاعتراف بها»، شرطاً لخوض الانتخابات البرلمانية. وهو نفس الاستغراب الذى لا بد أنه أصاب قادة دول أجنبية طلب منهم أن يؤكدوا أن إسرائيل دولة يهودية أثناء المفاوضات مع الفلسطينيين. فالفلسطينيون لا يطالبون أن تعترف بهم إسرائيل كدولة عربية. وطابع الدولة يحدده مواطنوها، شعبها، سكانها، وليس إعلانات قادة الدول الأخري. على كل حال لا شيء مستغربًا على العلاقة الإسرائيلية الأمريكية. فعندما رفض الفلسطينيون الطلب لأنه يعنى تخليهم العلنى عن حق العودة قبل بدء المفاوضات تبنت أمريكا المطلب لتبديد مخاوف إسرائيل. ولذلك جاء فى كلمة الرئيس الأمريكى بوش فى مؤتمر العقبة يوم 4 حزيران 2003 : «اليوم، أمريكا ملتزمة بقوة بأمن إسرائيل كدولة يهودية مفعمة بالحيوية». لقد أقر قرار التقسيم قبل بوش يهودية دولة وعروبة أخرى فى فلسطين. وقرار التقسيم هو الأساس القانونى الدولى الذى استغلته إسرائيل لتعلن عن ذاتها كدولة مستقلة. وهى لا تكتفى بعد أكثر من نصف قرن على قيامها بالاعتراف بها كدولة ذات سيادة بل تطالب بالاعتراف بطابعها القومى أو الديني. ولكن المطلب، بل الشرط، الإسرائيلى الأخير ورد فى سياق النقاش فى الحكومة الإسرائيلية على ما يسمى بـ«خارطة الطريق». وقد قدمت لإسرائيل رسميا يوم 30 نيسان من العام 2003 وناقشتها الحكومة الإسرائيلية يوم 25 آيار ولم تقبل الحكومة هذه الخطة الأمريكية بل قبلت بـ«الخطوات المترتبة عن الخارطة» مشروطة بأربعة عشر شرطًا. وحتى هذا القرار جاء بأغلبية 12 ضد 7 وزراء. وجاء فى الشرط السادس: «المطالبة بتنازل فلسطينى عن كل ادعاء بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل( يطلب من الفلسطينيين أن يعلنوا أن إسرائيل دولة يهودية فى إطار التصريحات الافتتاحية المطلوبة من الزعماء فى بداية خارطة الطريق)». لا شك إذا أن مطالبة إسرائيل الاعتراف بيهوديتها جاء على خلفية مطالبة الفلسطينيين بالتخلى عن حق العودة قبل التفاوض، وليس على خلفية النقاش حول قرار التقسيم إلى دولتين ولا على أساس النقاش الجارى بين المتدينين والعلمانيين حول يهودية الدولة، ولا على النقاش الذى أثاره التيار القومى الديموقراطى فى الداخل حول دولة المواطنين. ولكن منذ العقبة تم تدويل هذا النقاش ولا بد أن يتم التطرق فى المستقبل إلى هذه القضايا بما فيها قضية يهودية الدولة وعلاقتها بديموقراطيتها وبمواطنيها العرب الفلسطينيين الموجودين فيها ليس بفعل قانون العودة الصهيونى المعمم على جميع مواطنيها اليهود، إن كانوا مهاجرين أم لا ، وإنما بفعل كونهم سكان البلاد الذين بقوا فى وطنهم بعد تشريد غالبية شعبهم عام 1948. ومن أجل توضيح الاستغراب من المطلب الإسرائيلى الذى يعكس ولا شك حمى حقيقية فى السياسة الداخلية الإسرائيلية كما سنري، فسوف ننظر إليه لنتناوله من ناحية اليمين الإسرائيلي. وسوف نتطرق إلى ما قاله ممثل الليكود دوف شيلانسكى الذى أصبح فيما بعد رئيسا للكنيست أثناء مناقشة تصحيح قانون أساس الكنيست وإدخال البند الذى يمنع كل قائمة لا تعترف بأن إسرائيل دولة الشعب اليهودى أو لا تعترف بديموقراطيتها أو تحرض للعنصرية من خوض انتخابات الكنيست: « سيدى الرئيس، يبدو لى أنه لا توجد دولة أخرى فى العالم يناقش برلمانها هل يمكِّن حزبا أو مجموعة أشخاص تنفى من الأساس كيان الدولة من المشاركة فى الانتخابات البرلمانية. لا يتخيل ذلك

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions