«الإمـارة ســيف ومـنـسـف»:دولــة القـبيـلة العــربيـــة أغسطس 2004

مازن النجار

هذا الكتاب هو في الأصل مجموعة مساهمات بحثية متكاملة، وإن لم تكن شاملة، لعدد من الأكاديميين (في أوروبا) من المهتمين بالتاريخ والسياسة والاجتماع في المشرق

المحـتــوي

هذا الكتاب هو في الأصل مجموعة مساهمات بحثية متكاملة، وإن لم تكن شاملة، لعدد من الأكاديميين (في أوروبا) من المهتمين بالتاريخ والسياسة والاجتماع في المشرق العربي الإسلامي. تقارب هذه المعالجات بنية ووظائف قبائل العراق وإيران وكردستان وليبيا والمغرب والمملكة العربية السعودية وأوضاعها الراهنة، وما طرأ عليها من مستجدات وتطورات في القرن الماضي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين القبيلة والسلطة، وخلفيات وحركيات هذه العلاقة. كما تعالج مساهمات الباحثين أثر السياسات والتنظيمات المركزية والتقنيات الحديثة واقتصاد السوق علي أحوال القبائل، وما أحدثته من تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية. ومن خلال دراسة بعض الحالات، تستعرض المساهمات تعقيدات بنيان وعلاقات القرابة والنسب وأثرها علي تشكيل العصبيات القبلية وقيام إمارات القبائل واندحارها. تبنت المنطقة العربية، وجوارها شرق الأوسطي عموما، في حقبة ما بعد الاستقلال في أعقاب الحربين العالميتين، نموذج الدولة القومية (الحديثة) بشكلها وحدودها ومؤسساتها وبعض آلياتها. ومن خلال ذلك أرادت بعض النخب الحاكمة أن تندرج في عملية التحديث متجاوزة الأشكال التقليدية للاجتماع السياسي، وفي مقدمتها وأهمها القبيلة. لكن بعد مرور عقود طويلة علي تأسس الدولة الحديثة في الشرق الأوسط، أثبتت القبيلة أنها عصية علي الاقتلاع، وأنها ما زالت حجر الأساس في كثير من البلدان. ذلك أنها لم تختف من المسرح السياسي العربي والشرق أوسطي، رغم ما بدا من غياب أو تغييب لها. لقد كانت القبيلة دوما هناك في خلفية المسرح تلعب أدوارًا مركزية في السياسة والسلطة، ويشهد اليوم صعودا متميزا للقبيلة وتموضعا جديدا لها في قلب المجتمع أو قلب السلطة. يطرح هذا الوضع أسئلة كثيرة: كيف حدث هذا؟ لماذا يرتد المجتمع والسياسة العربيان إلي عصبيات إثنية وقبلية في عصر العولمة وانهيار الحدود والولاءات الضيقة؟ هذه الأسئلة وتفريعاتها الكثيرة هي بعض ما يتطرق إليه الكتاب، غير أن السؤال المركزي الذي يطرحه الكتاب، وينعكس علي معظم مساهمات الباحثين المشاركين هو كيف استمر حضور القبيلة بشكل طاغ في السياسة العربية؟ ولماذا؟ دور القبيلة بعد قرن من نشوء الدولة الحديثة تنطلق الفكرة الأساسية للكتاب من التجربة العراقية حيث أعيد إحياء القبائل في مطلع تسعينيات القرن العشرين، رغم أن العراق كان يعرف في القرن التاسع عشر بأنه مقبرة القبائل بينما كانت الجزيرة العربية تعتبر ملاذ أو جنة القبائل. فقد كانت هناك سلطة مركزية قوية في العراق، بينما كانت غائبة في الجزيرة العربية. فحيثما تقوي السلطة المركزية تضعف القبيلة، والعكس صحيح. ولكن بعد مرور حوالي قرن علي نشوء الدولة المركزية، أعيد إنشاء القبائل بسهولة كبيرة في العراق. وهكذا ينطلق السؤال من العراق ليمتد إلي منطقة الشرق الأوسط ككل في محاولة للدراسة المقارنة مع المغرب والجزيرة العربية وكردستان تركيا وإيران والعراق. كما يقدم الكتاب دراسة لحالة إيران في إطار مقارنة بعموم البلاد العربية إضافة إلي بعض البلاد المجاورة، وإن لم يحالف التوفيق بعض هذه المقارنات. سيبقي العامل السياسي محوريا وهاما في دول الشرق الأوسط الحديثة، وخاصة في العراق. فمن هذه الناحية يتواصل الكتاب مع الأعمال الأنثروبولوجية والسياسية عن القبائل، والتي كتبت عن منطقة العراق والأردن والجزيرة العربية. وهو إضافة مهمة لهذه الدراسات، وتبقي الرسالة الأصلية للكتاب هي استمرارية القبيلة، ولكن في نفس الوقت هناك أيضا تغير وتطور هائل بحيث إنها أصبحت وحدة اجتماعية تختلف تمام الاختلاف عما كانت عليه تاريخيا. فقد كانت القبيلة تاريخيا وحدة اجتماعية لها تركيب خاص، وكان تركيبها متعلقا بالاقتصاد، خاصة الاقتصاد الرعوي، وتربية الإبل. زال هذا التركيب الاقتصادي في العصر الحديث، فصارت للقبيلة وظائف اجتماعية أخري، تختلف تمام الاختلاف عما كانت عليه تاريخيا، وهي كوحدة اجتماعية أيضا اختلفت تماما. ولكن كيف تطورت وتغيرت وحدة القبيلة في ظل الدولة المركزية مقارنة بما كانت عليه؟ ينتقد الكتاب نظرية التطور التي تري أن القبيلة تبدأ مع الاقتصاد الرعوي، وتتفتت عندما تنتقل للاقتصاد الزراعي، وتتلاشي عندما تنتقل للاقتصاد المديني أو الصناعي أو التجاري. لكن الواقع التاريخي يقول أنها لم تنته لدي انتقالها من حالة اقتصادية إلي أخري، فتعلق التنظيم القبلي بالاقتصاد الرعوي ليس عضويا أو حتميا. فقد تغيرت أنماط الاقتصاد، وتغيرت أنماط التنظيم الاجتماعي والسياسي أيضا؛ ولكن القبيلة كقبيلة بقيت علي الأقل من ناحية الاسم والكيان والزعامات. فمن الملاحظ أن القبيلة في الاقتصاد الرعوي هي تقريبا دولة؛ لأن البذرة تحتوي علي شجرة في خلية، تصير غصنا في خلية، تصير جذورا في خلية، وتصير جذعا. فالقبيلة لها قوتها العسكرية، وقانونها غير المدون بالطبع، وثقافتها الشفهية، ونطاقها الجغرافي (الأرض)، ومصادر مياهها؛ ولها أيضا تحالفاتها ومعاهداتها العسكرية، كأنما هي دولة مصغرة، سوي أن الزعامة السياسية غير موجودة فعلا كمؤسسات سياسية. وقد تطورت بعض القبائل إلي إمارات، كما حصل في إمارة شمّر في الجزيرة العربية أو كما حصل في حالة الدولة السعودية الأولي. كذلك نشأت بعض الإمارات الكردية من اتحادات وزعامات قبلية قوية وحدت القبائل وأخضعت مناطق. هذا الشكل الكلاسيكي انتهي، ولم يعد موجودا بسبب الاقتصاد الحديث والهجرة إلي المدن وغير ذلك. لكن بقيت بعض الفرضيات حول هذا الموضوع. فهناك من يعتقد أن القبيلة ككل بقيت كثقافة، بمعني الارتباط بالقبيلة وجدانيا، ودفع الديات نيابة عنها، والدفاع عنها، والاستجابة لمطالب ومبادرات شيخ القبيلة. فهي علاقة تضامن معنوية أكثر منها علاقات مادية. وهناك من يري أن ما بقي من القبائل هو البيوتات والأفخاذ الصغيرة والعشائر. ولكن السؤال الكبير وربما الفضفاض والذي تتوزع إجابته في مختلف فصول الكتاب: هل صمود وحدة القبيلة رغم قيام الدولة المركزية، هو بسبب قوتها الذاتية الداخلية؟ أم هو بسبب فشل الشكل الجديد للدولة الحديثة في المنطقة العربية والشرق

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions