يهــــود أوروبــــا يطـــاردون «حــــلم» مــراهقـــــة مصــــريـة!
يناير 2003
على مدى عقود، درج القراء العرب على متابعة أى جدل ثقافى أو فكرى أو سياسى يثور مع الغرب من حين لآخر من خلال وسيط غير مباشر.. فالقارئ العربى يقرأ عن الموضوع
المحـتــوي
على مدى عقود، درج القراء العرب على متابعة أى جدل ثقافى أو فكرى أو سياسى يثور مع الغرب من حين لآخر من خلال وسيط غير مباشر.. فالقارئ العربى يقرأ عن الموضوع لكنه لا يقرأ الموضوع.. حدث ذلك مرارًا وتكرارًا دون أن يجد هذا القارئ الفرصة ليحكم بنفسه فى القضية بدلاً من الاعتماد على «وصايا» و«أحكام» و«آراء» «الحكماء» من رجال الصحافة والإعلام.
وعندما تفجرت قبل أسابيع قضية كتاب «حالم بفلسطين» للمراهقة المصرية راندة غازى الذى صدر بالإيطالية، ثم جرت ترجمته إلى الفرنسية، تابع القارئ العربى ردود الأفعال الغاضبة والهستيرية من جانب الجماعات اليهودية فى أوروبا من خلال الصحف التى أسهمت فى نشر اللغط الذى ثار دون أن تعطى القارئ الفرصة لكى يقرأ ما كتبته راندة غازى.
هذه المرة.. الأمر يختلف. فالنسخة العربية لـ«حالم بفلسطين» تصدر بعد أيام عن «دار الشروق» ليعرف القارئ العربى «علام تلك الضجة..» وماذا تقول الأصوات المطلوب إخراسها؟
المحـــــرر
رائحة الدم والوجع ..
وطأة العجز وعيون بعيدة ترصد، نفوس تعبت من استعجال النهاية فاستكانت، وقلوب طرية لا تفهم لغة السياسة التى تحكم الموقف فتحرَّكت.
تتصاعد أصوات جمعيات تناضل للدفاع عن حقوق الحيوان، أخرى تهتم بإعادة تدوير المنتجات الصناعية للحفاظ على نظافة هواء يستنشقه المتحضرون الذين لا يهتزون لاستنشاق الظلم.
وماذا بعد؟
عالم مجنون لا يرى الكبار جنونه بحكم العادة التى أوصلتهم لمراحل متقدمة من الخنوع. ليس لديهم خيار آخر بينما سؤال صغير ينبض باستنكار المهزلة: لماذا؟
راندة غازى لم تفهم.
تلك الهمجية التى تطالعها كل يوم على شاشة التليفزيون ببيتها الدافئ فى المدينة الهادئة، كل هذا الموت وكل هذا التنكيل بشعب فى الطرف الآخر من العالم. لم تفهم استسهال الموت فى عيونهم.
أليسوا هم الذين أرادوا العولمة؟ ألم يشجعوا على ازدهار عصر المعلوماتية؟
أم أنهم أرادوا غسل جرائمهم بمسحوق اللامبالاة والتجاهل فلم يخافوا بث نزواتهم السادية على الهواء.
نفس المشاهد تتكرر كل يوم، ونفس التعليق أسفل الشاشة: No Comment (لا تعليق).
تعب الثائرون من الثورة، بحّ صوت الهاتفين.
المتعاطفون أصابهم الشلل.
أنمنع الدهشة عن الأطفال أيضًا؟ أنقتل فيهم روح الاستنكار والغضب؟
نرفض شرودهم عن قطيع مجتمع الاستهلاك الأجوف حين تحركت فيهم بذور حياة تتجسد رفضًا لسياسة الأمر الواقع؟
أنقتل أحلامهم؟
أنقتل حلم راندة غازى بفلسطين لنؤكد رسميا أننا أمة ممنوع عليها الحلم؟
هل فى نصوص راندة غازى دعوة مفتوحة لمعاداة السامية؟
هل فيها حث على العنف من قبل طفلة تنادى بمجانية التخريب؟
أم هى تجسيد فعلى لصرخة مراهقة تحتج على منطق اللامبالاة السائد، خَدَش عيونها منظر الدم السائل فى شوارع فلسطين منذ الأزل؟
راندة غازى
|
«حالم بفلسطين» رواية راندة غازى، مراهقة مصرية «15عامًا» تعيش فى إيطاليا، أصدرت دار «فلاماريون» الفرنسية ترجمتها عن الإيطالية فى الرابع من نوفمبر الماضى فأشعلت نار جدل حاد فازت فيه المنظمات اليهودية بموقع الهجوم مستندة على كواليس الهولوكوست.
نيران المعركة انطلقت من «الرابطة الدولية ضد العنصرية وعداء السامية» التى طالبت كلا من وزيرى الداخلية والعدل فى فرنسا بسحب الكتاب كونه «يشكل خطرًا على الجيل الناشئ بسبب المكانة التى يحفظها للجريمة، للعنف، للتمييز والكراهية العنصرية».
من جهته ناشد رئيس اتحاد «محامون بلا حدود»: جيل ويليام جولدنايل، «وزير الداخلية» نيكولا ساركوزى بتطبيق القانون العائد إلى 11 تموز1949 أى بمنع الكتاب، وأبدى المجلس التمثيلى للمؤسسات اليهودية فى فرنسا اعتراضه عبر بيان نشر فى الصحف، طالب فيه بسحب الرواية من السوق كما يتجلى من نص البيان:
«يعترض المجلس التمثيلى للمؤسسات اليهودية بصفة رسمية على نشر دار «فلاماريون» لرواية «حالم بفلسطين» ضمن مجموعة موجهة للصغار والمراهقين. لقد اطلع المجلس على مقاطع كثيرة من الرواية تشكل حسب رأيه دعوة للعنف وتمجيدًا للإرهاب وللجهاد، إضافة إلى التحريض على الكراهية العرقية والعداء للسامية.
فإلى جانب المبالغة والعنف اللتين تتسم بهما اللهجة العامة للرواية، تمجّد بعض المقاطع العمليات الانتحارية، لا سيما تلك المنفذة من قبل المراهقين، كما تدعو لخوض الحرب «باسم الله».
يندهش المجلس من كون دار «فلاماريون» قد ارتأت نشر رواية موجهة لقراء يانعين تنعت اليهود «بشعب ملعون» وتدعوه لكره كل إسرائيلى يعيش على وجه الأرض و«لقتلهم جميعًا». يرى المجلس دون أن يحمل نية الاعتداء على حرية التعبير، لا سيما فى مجال الخيال الأدبى، أنه من غير المقبول أن تخالف رواية موجهة للمراهقين أحكام قانون 11 تموز 1949 ـ حول المنشورات الموجهة للصغار سنًا ـ والتى أصدرت فى إطاره.
إذا كان من الطبيعى والمحبب توعية القراء الصغار بكبريات المشاكل المعاصرة، فمن المشين التذرع برواية فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى للاسترسال فى هذا التمجيد للحرب.
ـ لم تقتصر حالات الاعتراض على هاتين الجهتين، فقد تصاعدت الأصوات من عدة مصادر لتعم الشارع اليهودى، موجة غضب ما لبثت أن نبشت حقائب التاريخ كالعادة، لدعوة الأوروبيين إلى التكفير عنه عبر الحكم على الحاضر وإحكام الطوق على تصرفات المستقبل قبل أن تتحقق من هذه الخلفية انطلق مركز سيمون فيزنتال «منظمة دولية يهودية لحقوق الإنسان» الآخذ على عاتقه مهمة المثابرة على استحضار واقعة الهولوكوست، وتذكير المجتمع اليهودى خصوصًا والدولى عمومًا بها، ليشن حملة عنيفة على «فلاماريون» داعيا إياها إلى سحب الكتاب من السوق، وعلى كافة المروجين عمومًا ومن ضمنهم موقع Amazon الذى يوزع الكتاب عبر الإنترنت.
نفت دار «فلاماريون»، ثالث أكبر دور النشر فى فرنسا والتى تعود ملكيتها للمجموعة الإيطالية