الجدار...حوار من طرف واحد يونية 2009

دافيد هير

حسنا. لنكن جادين، فلنفكر فى ذلك.
رجاء، رجاء: انظروا إلى سير الأحوال، انظروا إلى حالة اليأس العميق. لقد وصلت دولة إلى النقطة التى أجمع 84% من شعبها على بناء جدار على طول حدودها.
هل سمعتم أبدا عن شيء أجمع عليه 84% من الناس؟ ومع ذلك فها هو، أكثر من أربعة أخماس أمة يقولون شيئا فى منتهى الغرابة ــ هل يمكن أن تتخيلوا الرقم؟ لقد بنى حائط برلين لإبقاء الناس بالداخل. وهم يقولون أن الجدار الذى نحن بصدده يبنى لإبقاء الناس بالخارج.



المحـتــوي

حسنا. لنكن جادين، فلنفكر فى ذلك.
رجاء، رجاء: انظروا إلى سير الأحوال، انظروا إلى حالة اليأس العميق. لقد وصلت دولة إلى النقطة التى أجمع 84% من شعبها على بناء جدار على طول حدودها.
هل سمعتم أبدا عن شيء أجمع عليه 84% من الناس؟ ومع ذلك فها هو، أكثر من أربعة أخماس أمة يقولون شيئا فى منتهى الغرابة ــ هل يمكن أن تتخيلوا الرقم؟ لقد بنى حائط برلين لإبقاء الناس بالداخل. وهم يقولون أن الجدار الذى نحن بصدده يبنى لإبقاء الناس بالخارج.
يمكننا أن نسمى ذلك حالة غير طبيعية للأحوال. إنها بالكاد لا تعد حالة طبيعية. وتلك هى الكلمة التى نسمعها طوال الوقت فى الشرق الأوسط. «طبيعية». يسأل الفلسطينيون «متى سنعيش حياة طبيعية؟». وكذلك يسأل الإسرائيليون. فى الحقيقة أن الدولة الإسرائيلية نشأت عام 1948 بطموح أساسى أن تكون طبيعية، أن تكون مكانا طبيعيا كأى مكان آخر. إن الفلسطينيين يطلقون على إقامة الدولة الإسرائيلية «النكبة». والآن بعد مرور ستين عاما فإن إسرائيل تؤمن بأنها ــ حسب الرأى المعبر عنه دائما من قبل الأغلبية ــ فى حاجة إلى جدار.
إلا أنهم بالطبع لا يسمونه جدارا، بل سياجا.
إنها أحد تلك الأشياء، يبدو أن هناك الكثير منها، أليس كذلك؟ أنا أفكر فى الإجهاض، أو التمرد المسلح ــ حيث الكلمات التى نستخدمها (مناصر للحياة/مناصر للاختيار) (إرهابي/مناضل فى سبيل الحرية) ــ تخبر العالم عن طريقة تفكيرك. إن الكلمات تتحول إلى رايات تعلن عن الجانب الذى تنتمى إليه. وفى حالتنا هذه، فإن ذلك يجرى بصورة حرفية. إن الإسرائيليين يطلقون عليه «السياج العازل». ولكن الفلسطينيون لا يطلقون عليه ذلك. على الإطلاق. إنهم يسمونه «جدار الفصل العنصري».
حسنا، فلنناقش الأمر بترو. لو أنى استخدمت كلمة أو غيرها فسامحوني، إن ذلك لا يوحى بأنى متحيز. إن لدى معارف على جانبى السياج وعلى جانبى الجدار. يقول أصدقائى الإسرائيليون «إننا نكره الجدار. إننا آسفون لذلك. إننا نشعر بالعار بسببه. إننا نقود لأميال كى نتجنب رؤيته. ولكن الجدار نجح. لقد توقفت 80% من الهجمات ضد إسرائيل. تم إيقافها. ألا يفترض أن نكون سعداء بذلك؟».

حسنا. سأحاول توضيح تاريخ الجدار.
فى الأول من يونيو عام 2001، بعد تسعة أشهر من الانتفاضة الثانية، قام مفجر انتحارى فلسطينى يدعى سعيد الحوترى بالعبور إلى إسرائيل من الضفة الغربية وفجر نفسه فى مدخل ملهى الدلافين المائية الليلى على شاطئ تل أبيب، مما أدى إلى مقتل 21 مدنيا معظمهم من طلاب المرحلة الثانوية. وقد أصيب 132 شخصا آخرين. وكرد فعل على المذبحة، نشأت حركة محلية فى جميع أنحاء إسرائيل تطلق على نفسها «سياج الحياة». وهم يجادلون ــ كما جادل رئيس الوزراء إسحاق رابين قبل ذلك بعشر سنوات ــ بأن السبيل الوحيد لحماية البلاد من تسلل الإرهابيين هو بأن تعزل نفسها بإحكام عن المناطق الفلسطينية من خلال إزالة نقاط التصادم بين المجتمعين. ولكن الفصل لا يمكن أن يكون تكتيكا عسكريا محضا. كلا، فقبل اغتياله من قبل مواطن إسرائيلي، كان رابين ينادى بشيء أكثر تطرفا بكثير «يجب أن نتبنى الفصل كفلسفة».
ها هو. ليس مجرد جدار. إن الجدار مجرد أمر واقع. ولكن هذا الجدار هو فلسفة، أو كما أطلق عليه أحد المراقبين «شفرة سياسية لإغلاق الحانوت».
بدأ البناء عام 2002. وكانت الخطة الأصلية تقضى بأن يمتد السياج لمسافة 486 ميلا كاملة، وهى كامل طول حدود إسرائيل الشرقية.والتقدير الحالى للانتهاء من البناء يدور حول نهاية عام 2010. وتتكلف تلك المجموعة من الخنادق والأسيجة الإلكترونية والأخاديد وأبراج المراقبة والحوائط الخرسانية ونقاط التفتيش وطرق الدورية واللفائف الشفرية الحادة ــ والتى تبلغ تكلفتها مليارى دولار ويتراوح عرضها ما بين 30 إلى 150 مترا ــ تتكلف مليونى دولار تقريبا لكل كيلو متر. وقد جرى بالفعل على الجانب الفلسطينى تدمير 75 فدانا من الصوبات الزراعية و25 ميلا من أنابيب الري. كما تمت مصادرة أكثر من 3700 فدان من الأراضى الفلسطينية، البعض منها كى يمر الجدار على بعد أمتار من الضياع والقرى الفلسطينية. كما تم بالفعل قطع 102 ألف شجرة لفتح الطريق أمام الجدار.
يقول صديق إسرائيلى أن هذا الجدار يعد اعترافا بالفشل «إن التاريخ لم يتبع المسار الذى كنا نتمناه». وبأسلوب آخر، لاحقا فى نفس الليلة، بعد بضع كؤوس فى أحد الفنادق الشاطئية الكبرى التى بدأت فى تحويل مربع «باوهاوس» فى تل أبيب ليشبه فلوريدا، ذكر نفس الصديق: «عليك أن تسأل نفسك: أنا لست واثقا من أن بن جوريون كان سيشعر بالإثارة لذلك».
كان المسار المحدد للجدار مثيرا للجدل منذ البداية. والمسار الأكثر وضوحا الذى كان يمكن للجدار أن يتبعه هو الحدود الدولية المرسمة عام 1949 بين إسرائيل والأردن، والمعروفة لجميع الأطراف باسم الخط الأخضر. ولكن فى الواقع فإن 85% من المسار المخطط للجدار يمر داخل الضفة الغربية. إن السياج يتلوى ويلتف منحرفا للشرق من الخط الأخضر بمسافة مائتى متر فقط فى بعض المناطق ولكن بحوالى 22 كيلو مترا فى مناطق أخري، حيث ينحرف إلى الداخل فى سبيل ضم وحماية المستوطنات الإسرائيلية المقامة بعيدا داخل المناطق المحتلة. وفى بعض الأحيان يستولى الجدار على الأراضى الزراعية الفلسطينية الخصبة وآبار المياه، تاركا المزارعين الفلسطينيين بدون إمكانية الوصول إلى حقولهم. وسوف يعيش حوالى 140,200 مستوطن إسرائيلى فى المسافة بين السياج والخط الأخضر.وسوف يعلق 93 ألف فلسطينى على الجانب الخطأ من الجدار.

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions