إعادة قراءة فلســــطين 1936 يونية 2009

وليد الخالدي

ضمن برنامجها النشرى الخاص بمناسبة الذكرى الستينية لنكبة 1948، تعيد مؤسسة الدراسات الفلسطينية نشر كتاب «جهاد فلسطين العربية» ، الصادر فى بيروت سنة 1936، هذا الكتاب يعالج التطورات فى الساحة الفلسطينية فى الفترة التى امتدت من نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918 لغاية أواسط المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى ضد بريطانيا، التى اندلعت فى أبريل 1936 ولم تخمد حتى أواخر سنة 1939 .



المحـتــوي

ضمن برنامجها النشرى الخاص بمناسبة الذكرى الستينية لنكبة 1948، تعيد مؤسسة الدراسات الفلسطينية نشر كتاب «جهاد فلسطين العربية» ، الصادر فى بيروت سنة 1936، هذا الكتاب يعالج التطورات فى الساحة الفلسطينية فى الفترة التى امتدت من نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918 لغاية أواسط المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى ضد بريطانيا، التى اندلعت فى أبريل 1936 ولم تخمد حتى أواخر سنة 1939 .
وسبب اختيار المؤسسة هذا الكتاب بالذات كونه أول محاولة جدية بالعربية لشرح القضية الفلسطينية بعد صدور وعد بلفور سنة 1917، وبعد اضطلاع بريطانيا بمهمة تنفيذه من خلال صك الانتداب الصادر سنة 1922 عن عصبة الأمم (League of Nations) فى جنيف، والذى كان بمثابة ورقة التين المتقمصـــة لـ «الشرعية الدولية» لتحقيق حلم الصهيونية فى إنشاء الدولة اليهودية على التراب العربى فى فلسطين.
وكان سبق صدور «جهاد فلسطين العربية» عدة مؤلفات بالعربية أهمها: «الصهيونية» لنجيب نصار (حيفا 1911)، «فلسطين وتجديد حياتها» ، تحرير حنا صلاح (نيويورك 1919)، «الأرض المقدسة والصهيونية» لبولص عبود (يافا 1920)، «فلسطين بعد الحرب الكبري» لخليل السكاكينى (القدس 1925)، «تحليل وعد بلفور» لمحمد يونس الحسينى (القدس 1929)، «المال والسمسار» لمحمد عزة دروزة (نابلس 1934)، وتناول هذا الكتاب الأخير مختلف أساليب الصهيونية للاستيلاء على الأراضى العربية. ويلاحظ أن ليس بين هذه المؤلفات جميعًا كتاب يغطى الفترة التى يعالجها كتابنا «جهاد فلسطين العربية» ، بل بعضها يقتصر فى مضمونه على نواح معينة من القضية فحسب.
وصدر بعيد «جهاد فلسطين العربية» خلال سنة 1936 كتابان بالإنجليزية لمؤلفين فلسطينيين هما وديع البستاني: The Palestine Mandate: Invalid and Impracticable (Beirut, 1936) ، وتوفيق كنعان: Conflict in the Land of Peace (Jerusalem, 1936) ، ودراسة قانونية لحسن صدقى الدجانى «تفسير ظلمات فلسطين» (القدس 1936). كما صدر فى السنة التالية (1937) ثلاثة كتب لمؤلفين فلسطينيين دفعة واحدة هي: «فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية» لعيسى السفرى فى جزءين (يافا 1937)، «القضية الفلسطينية: تحليل ونقد» ليوسف هيكل (يافا 1937)، «ثورة فلسطين عام 1936» للجامعة الإسلامية (يافا 1937). وكذلك صــدر فى هــذه الســنة أيضًا وبالإنجليزية للســيدة متــيل مغنــم: The Arab Woman and the Palestine Problem (London Herbert Joseph, 1937) .
وهكذا يبقى قصب السبق فى الكتابة بالعربية عن الانتداب البريطانى والمقاومة الفلسطينية لكتاب «جهاد فلسطين العربية» الذى اخترناه. بيد أن اختيارنا هذا لم يستند إلى اعتبار السبق الزمنى فحسب، فالكتاب فى صلبه، باستثناء صفحاته العاطفية الأولي، مؤلف رصين موثق، يجمع بين السرد والتحليل، ويعتمد على وثائق أولية دبلوماسية، وبيانات سياسية رسمية، وتقارير لجان بريطانية ملكية فنية، اعتماده على إحصائيات حكومية، ومصادر أجنبية صهيونية وغير صهيونية، بحيث عكس الخلفية القانونية للمؤلفين إبراهيم نجم وأمين عقل، وإلمامهما الميدانى المباشر بممارسات الحكومة البريطانية.
وتشير ظروف تأليف الكتاب إشارة لافتة إلى موقع لبنان فى عالم النشر العربى فى أواسط الثلاثينيات من القرن العشرين، وإلى العلاقة الحميمة بين العاملين فى الحقل الوطنى فى البلدين، وإلى حرص أبناء فلسطين الشديد على تعريف سائر الوطن العربى بمعاناة بلدهم خلال الثورة عبر وسائل النشر والإعلام اللبنانية، ذلك بأنه فى أوائل صيف سنة 1936، وبعد مرور ثلاثة أشهر ونيف على قيام الثورة الفلسطينية الكبري، التقت عصبة من الشباب الوطنى الفلسطينى الصحفى والأديب اللبنانى عمر عبدالكريم أبو النصر فى بلدة بحمدون فى لبنان (وكان هذا قد ذاع صيته واشتهر بكتاباته التاريخية عن الرسول العربى والخلفاء الراشدين وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبى سفيان وغيرهم). وكان بين أعضاء هذه العصبة السادة رشاد بيبى وأحمد الشيخ على من يافا وحلمى حنون من طولكرم، فتطرق الحديث إلى «ضرورة إنشاء كتاب يعرض للقضية منذ نشأتها حتى الثورة الحاضرة» وطلب الشباب إلى أبوالنصر أن يقوم هو بتأليف الكتاب فاعتذر بأن «الموضوع غريب عنه». واتفق الجميع على دعوة المحاميين الفلسطينيين الأستاذين أمين موسى عقل وإبراهيم رامز محمود نجم من يافا للقيام بالعمل، على أن يعاونهما أبو النصر فى ذلك. وقدم الأستاذان عقل ونجم إلى بيروت «حيث صار تأليف الكتاب وطبعه فى أقل من شهر»، وكان تاريخ الانتهاء من تأليفه يوم الأربعاء الواقع 12 أغسطس 1936 «فى اليوم السادس عشر بعد المائة من نضال فلسطين العربية»، أى من اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى فى أبريل 1936 . وتولى عمر أبوالنصر الإشراف على طباعة الكتاب، وتكفل أحمد الشيخ على بكامل تكلفتها، وبلغ عدد النسخ المطبوعة 4000 نسخة (وهو رقم لافت حتى بمقاييس أيامنا). وتقرر أن يرصد ريع الكتاب لـ «منكوبى الثورة» بإشراف لجنة من المحامين العرب فى يافا، وخُتمت كل نسخة بختم اللجنة، واعتمد السيد أحمد الشيخ على للإشراف على جمع التبرعات، وأُرسلت نسخ من الكتاب إلى الصحف الرئيسية فى العواصم العربية لتقريظه «مساعدة لجهاد فلسطين» .

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions