يهــــود أوروبــــا يطـــاردون «حــــلم» مــراهقـــــة مصــــريـة!



على مدى عقود، درج القراء العرب على متابعة أى جدل ثقافى أو فكرى أو سياسى يثور مع الغرب من حين لآخر من خلال وسيط غير مباشر.. فالقارئ العربى يقرأ عن الموضوع لكنه لا يقرأ الموضوع.. حدث ذلك مرارًا وتكرارًا دون أن يجد هذا القارئ الفرصة ليحكم بنفسه فى القضية بدلاً من الاعتماد على «وصايا» و«أحكام» و«آراء» «الحكماء» من رجال الصحافة والإعلام. وعندما تفجرت قبل أسابيع قضية كتاب «حالم بفلسطين» للمراهقة المصرية راندة غازى الذى صدر بالإيطالية، ثم جرت ترجمته إلى الفرنسية، تابع القارئ العربى ردود الأفعال الغاضبة والهستيرية من جانب الجماعات اليهودية فى أوروبا من خلال الصحف التى أسهمت فى نشر اللغط الذى ثار دون أن تعطى القارئ الفرصة لكى يقرأ ما كتبته راندة غازى. هذه المرة.. الأمر يختلف. فالنسخة العربية لـ«حالم بفلسطين» تصدر بعد أيام عن «دار الشروق» ليعرف القارئ العربى «علام تلك الضجة..» وماذا تقول الأصوات المطلوب إخراسها؟ المحـــــرر رائحة الدم والوجع .. وطأة العجز وعيون بعيدة ترصد، نفوس تعبت من استعجال النهاية فاستكانت، وقلوب طرية لا تفهم لغة السياسة التى تحكم الموقف فتحرَّكت. تتصاعد أصوات جمعيات تناضل للدفاع عن حقوق الحيوان، أخرى تهتم بإعادة تدوير المنتجات الصناعية للحفاظ على نظافة هواء يستنشقه المتحضرون الذين لا يهتزون لاستنشاق الظلم. وماذا بعد؟ عالم مجنون لا يرى الكبار جنونه بحكم العادة التى أوصلتهم لمراحل متقدمة من الخنوع. ليس لديهم خيار آخر بينما سؤال صغير ينبض باستنكار المهزلة: لماذا؟ راندة غازى لم تفهم. تلك الهمجية التى تطالعها كل يوم على شاشة التليفزيون ببيتها الدافئ فى المدينة الهادئة، كل هذا الموت وكل هذا التنكيل بشعب فى الطرف الآخر من العالم. لم تفهم استسهال الموت فى عيونهم. أليسوا هم الذين أرادوا العولمة؟ ألم يشجعوا على ازدهار عصر المعلوماتية؟ أم أنهم أرادوا غسل جرائمهم بمسحوق اللامبالاة والتجاهل فلم يخافوا بث نزواتهم السادية على الهواء. نفس المشاهد تتكرر كل يوم، ونفس التعليق أسفل الشاشة: No Comment (لا تعليق). تعب الثائرون من الثورة، بحّ صوت الهاتفين. المتعاطفون أصابهم الشلل. أنمنع الدهشة عن الأطفال أيضًا؟ أنقتل فيهم روح الاستنكار والغضب؟ نرفض شرودهم عن قطيع مجتمع الاستهلاك الأجوف حين تحركت فيهم بذور حياة تتجسد رفضًا لسياسة الأمر الواقع؟ أنقتل أحلامهم؟ أنقتل حلم راندة غازى بفلسطين لنؤكد رسميا أننا أمة ممنوع عليها الحلم؟ هل فى نصوص راندة غازى دعوة مفتوحة لمعاداة السامية؟ هل فيها حث على العنف من قبل طفلة تنادى بمجانية التخريب؟ أم هى تجسيد فعلى لصرخة مراهقة تحتج على منطق اللامبالاة السائد، خَدَش عيونها منظر الدم السائل فى شوارع فلسطين منذ الأزل؟

راندة غازى
«حالم بفلسطين» رواية راندة غازى، مراهقة مصرية «15عامًا» تعيش فى إيطاليا، أصدرت دار «فلاماريون» الفرنسية ترجمتها عن الإيطالية فى الرابع من نوفمبر الماضى فأشعلت نار جدل حاد فازت فيه المنظمات اليهودية بموقع الهجوم مستندة على كواليس الهولوكوست. نيران المعركة انطلقت من «الرابطة الدولية ضد العنصرية وعداء السامية» التى طالبت كلا من وزيرى الداخلية والعدل فى فرنسا بسحب الكتاب كونه «يشكل خطرًا على الجيل الناشئ بسبب المكانة التى يحفظها للجريمة، للعنف، للتمييز والكراهية العنصرية». من جهته ناشد رئيس اتحاد «محامون بلا حدود»: جيل ويليام جولدنايل، «وزير الداخلية» نيكولا ساركوزى بتطبيق القانون العائد إلى 11 تموز1949 أى بمنع الكتاب، وأبدى المجلس التمثيلى للمؤسسات اليهودية فى فرنسا اعتراضه عبر بيان نشر فى الصحف، طالب فيه بسحب الرواية من السوق كما يتجلى من نص البيان: «يعترض المجلس التمثيلى للمؤسسات اليهودية بصفة رسمية على نشر دار «فلاماريون» لرواية «حالم بفلسطين» ضمن مجموعة موجهة للصغار والمراهقين. لقد اطلع المجلس على مقاطع كثيرة من الرواية تشكل حسب رأيه دعوة للعنف وتمجيدًا للإرهاب وللجهاد، إضافة إلى التحريض على الكراهية العرقية والعداء للسامية. فإلى جانب المبالغة والعنف اللتين تتسم بهما اللهجة العامة للرواية، تمجّد بعض المقاطع العمليات الانتحارية، لا سيما تلك المنفذة من قبل المراهقين، كما تدعو لخوض الحرب «باسم الله». يندهش المجلس من كون دار «فلاماريون» قد ارتأت نشر رواية موجهة لقراء يانعين تنعت اليهود «بشعب ملعون» وتدعوه لكره كل إسرائيلى يعيش على وجه الأرض و«لقتلهم جميعًا». يرى المجلس دون أن يحمل نية الاعتداء على حرية التعبير، لا سيما فى مجال الخيال الأدبى، أنه من غير المقبول أن تخالف رواية موجهة للمراهقين أحكام قانون 11 تموز 1949 ـ حول المنشورات الموجهة للصغار سنًا ـ والتى أصدرت فى إطاره. إذا كان من الطبيعى والمحبب توعية القراء الصغار بكبريات المشاكل المعاصرة، فمن المشين التذرع برواية فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى للاسترسال فى هذا التمجيد للحرب. ـ لم تقتصر حالات الاعتراض على هاتين الجهتين، فقد تصاعدت الأصوات من عدة مصادر لتعم الشارع اليهودى، موجة غضب ما لبثت أن نبشت حقائب التاريخ كالعادة، لدعوة الأوروبيين إلى التكفير عنه عبر الحكم على الحاضر وإحكام الطوق على تصرفات المستقبل قبل أن تتحقق من هذه الخلفية انطلق مركز سيمون فيزنتال «منظمة دولية يهودية لحقوق الإنسان» الآخذ على عاتقه مهمة المثابرة على استحضار واقعة الهولوكوست، وتذكير المجتمع اليهودى خصوصًا والدولى عمومًا بها، ليشن حملة عنيفة على «فلاماريون» داعيا إياها إلى سحب الكتاب من السوق، وعلى كافة المروجين عمومًا ومن ضمنهم موقع Amazon الذى يوزع الكتاب عبر الإنترنت. نفت دار «فلاماريون»، ثالث أكبر دور النشر فى فرنسا والتى تعود ملكيتها للمجموعة الإيطالية «ريزوللى كورييرا دى لاسيرا» نيتها سحب الكتاب فى بادئ الأمر إلا أن المعركة لم تتوقف هنا. فقد طلبت «فلاماريون كندا» من بائعى الكتب فى مونتريال إعادة جميع النسخ لا سيما تلك التى بعهدة Amazon. Co. سقط حصن، والمناورات مستمرة. على صعيد آخر، دعت فى 10/12/2002 مجموعة «لا تلمسوا الأطفال» التى يديرها «جيل طيب» رئيس جمعية «من أجل راحة الجندى الإسرائيلي» المنضوية تحت لواء المجلس التمثيلى للمؤسسات اليهودية إلى مظاهرة أمام مؤسسة دار «فلاماريون» فى فرنسا تدعو إلى إيقاف توزيع الكتاب، لكنها لم تحقق النجاح المرجو حيث شارك فى المظاهرة حوالى 350 شخصًا، بينما كان منظموها يتوقعون على الأقل 2000 إلى 3000 مشارك، ويفسر هذا الفشل بالطابع السياسى المتشدد يمينيا الذى أضفاه المنظمون عليها. لم تقتصر الحملة على الصحافة المطبوعة والتحركات على أرض الواقع بل إنها شملت أيضًا القطاع الالكترونى حيث اهتمت بعض المواقع بنشر مقالات تشجب الرواية كما فتح البعض مساحات للحوار «Forum» تم فيها بث الرسائل من قبل قراء عاديين حول رأيهم الخاص بالكتاب. كان موقع (www.proche-orient.info) هو الرائد على هذا المستوى فهو موقع ينشر جريدة فرانكفونية تصدر عن (Proche Orient) أى الشرق الأدني: جمعية فرنسية غير هادفة للربح تهتم بتوفير «معلومات مهنية حصرية وكاملة، دقيقة وقاطعة عن الشرق الأدنى، لاسيما عن الوضع الإقليمى خصوصًا الصراع الإسرائيلى ـ الفلسطيني». أطلق هذا الموقع حملته على يد «إليزابيث شملا» التى تدير هيئة التحرير فيه.. وهى كاتبة أيضًا لدى دار فلاماريون عبر مقال أسمته: «حلم فلسطين أو عار دار فلاماريون». تبدأ شملا بدحض الوقائع التى أوردتها المؤلفة فى الرواية، والتى ـ حسب رأى شملا ـ تعمدت فيها الكذب متسترة بالخيال الذى تحججت به قائلة: بعض الوقائع أتت تغنيه «الجملة لراندة غازي»، ثم تنتقل شملا لتصب سخطها على دار النشر التى اعتبرت على لسان مديرها القانوني: «أن الكتاب جميل، ومتوازن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو بالأحرى أنشودة حب بين الشباب من الجهتين، المرعوبين مما يفعله أهاليهم، حيث إن أحد أبطال الرواية فلسطينى يقع فى حب شابة إسرائيلية ويطلب منها الذهاب معه إلى مخيم خان يونس، كما يتخلل الكتاب ظهور امرأة من حركة «السلام الآن» الإسرائيلية. كما هاجمت «شملا» مديرة قسم فلاماريون للناشئين «هيلين فادوفسكي» التى صرحت بأن: «الكتاب غير منحاز، وأنه يتكلم عن الحرب، كل ما فى الأمر أنه يتكلم عنها من الجانب الفلسطينى. إنه يبحث عن كيفية الخروج من دائرة الحرب ويتكلم عن الألم بشكل عام، عن فظاعة فقدان الأقارب بالنسبة لمراهق فى الخامسة عشرة من عمره. إنه ليس وثيقة تثير بعض مقاطعها النقاش. إنه رواية، ومن الطبيعى أن تتكلم شخصياتها عن العمليات الانتحارية التى تقع كل يوم». وتنتهى «شملا» بتوجيه إصبع الاتهام بالعداء للسامية نحو مدير الدار فى فرنسا قائلة: «يبقى أن نعرف ما الذى دفع فلاماريون لنشر هذه الرواية»..

غلاف الطبعة الإيطالية
* فى إيطاليا نشرت هذه الرواية المؤسسة العملاقة «ريزوللي» التى تملك فلاماريون، بيد أن «ريزوللي» هى أيضًا الناشر الإيطالى لـ«الغضب والعجرفة» رسالة القدح فى الإسلام الأكثر مبيعًا لـ«أورييلا فلاتشي» التى أثارت ضجة كبيرة فى أوروبا، والتى أيقظت سخط الصفوة الذين لم يهتزوا كما هو واضح برواية «راندة غازي». لقد كان منطقيا أن تصدر فلاماريون فى فرنسا رواية «فالاتشي»، لكن «شارل هنرى فلاماريون» المحتفظ بملكية الدار التى أسسها والده لمدة سنة إضافية حسب العقد لم يكن ليقبل بهذا، فقد بدا له كتاب «هولبيك» الأخير بطعم الكبريت بالنسبة للإسلام، والمحاكمة التى تبعته زلزالاً كافية. و«ريزوللي» لن يقبل أن ترفض دار نشر تابعة له تسويق أحد كتبه، هكذا وجد كتاب «راندة غازي» سبيله إلى كل أنحاء أوروبا. لم تكن «شملا» الوحيدة التى أثارت موضوع «فالاتشي» و«هولبيك»، فالدعاوى التى رفعت على هذين الكاتبين تعتبر الحدث الأهم فى الواقع الأدبى الحالى. «فالاتشي» الصحفية الإيطالية المعروفة التى أجرت حوارًا مع آية الله الخمينى خالفت خلاله البروتوكول بجلوسها مكشوفة الشعر أمام آية الله، استفزت الإسلام مرة أولى فى كتابها «الغضب والعجرفة»، ومرات كثيرة فى مقالاتها التى عبَّرت فيها عن كرهها للإسلام وللإسلاميين، مما كلفها قضية مازالت تبحث حيثياتها حتى الآن فى المحاكم. أما «هولبيك» فهو الذى قاضته منظمات إسلامية «المنظمات التى تدير مساجد باريس وليون» والرابطة الإسلامية العالمية، ورابطة حقوق الإنسان بسبب ما قاله عن رأيه فى الإسلام ضمن حوارين له فى مجلتى (Livre) و(Le Figaro) الفرنسيتين سنة 2001 «الإسلام هو الدين الأكثر غباء فى العالم». بينما يمثل الإنجيل بالنسبة إليه «موهبة اليهود الأدبية المقدسة»، تمت تبرئة هولبيك على يد قضاة اعتبروا أن كاتب «جزئيات أساسية»، و«سطوح» : «لم يحمِّل تصريحاته دعوة للكراهية وللعنف ضد المسلمين فهى تندرج تحت نظام فكرى خاص به»، وأضاف القضاة: «القول بأن الإسلام هو الدين الأكثر غباء لا يعنى ولا يوحى حتى بضرورة إلقاء هذه الصفة على كل المسلمين». وهذا التصريح لا يحمل أية رغبة بالإهانة، الاحتقار أو الشتيمة تجاه الأشخاص المعنيين. تمت تبرئة «هولبيك» منذ شهرين، وعلَّق عليها محامى مسجد باريس بعد التصريح عن نيته باستئناف الحكم، قائلاً: «يبدو هذا الحكم مستوحى من معرفة خاطئة بالإسلام الذى يفرق بين شتم القرآن والتطاول على المسلمين. دافع كثيرون عن «هولبيك»، فى مقدمتهم «سلمان رشدي» فى مقالة له نشرت خلال المحاكمة على موقع: www. emarrakech. info، أسماها «لـ هولبيك الحق فى الكتابة»، اعترف فيها أن الإبداع حر ولا محدود، بأن لـ«هولبيك» مطلق الحق فى تضمين كتابه «سطوح» جملاً معادية للإسلام على لسان البطل الذى علم أن مقتل أبيه كان على يد مسلمين. وتزايد عدد الأصوات التى ربطت بين فالاتشى، هولبيك وراندة غازى، واحتدمت النقاشات التى أتاحها Pnoche Orient عبر المساحة المخصصة لها فى موقع (Communau+online) Col، الذى تملكه الجمعية الخاصة بالطائفة اليهودية، تنادى بعدم التغاضى عن هذا التعدى الذى سمحت به لنفسها المؤلفة «راندة غازي»، المترجمة «أنا بورس»، ودار النشر ذاتها، وتعبر عن سخطها حول ما تضمنه الكتاب من وصف الإسرائيليين، وما حث عليه من ممارسة للعنف ضدهم. كما تساءل البعض عما قد يدفع شابة مصرية تعيش فى إيطاليا إلى الحديث عن الواقع الفلسطينى فى غزة بين 1995 ـ 2000؟ ـ كيف استفزتها قضية يعمل الرأى العام العالمى على تمييعها؟ كيف تجرأت على الحلم فى عصر يصادر فيه الكبار أحلام صغارهم؟ بينما يجرى الغرب حاليا محاكمة لحلم راندة غازى بلا نية لإغلاق الملف، تبدو أصوات العرب خافتة، وخلت النقاشات على ساحات الصحف والتليفزيون ومواقع الإنترنت من صوتٍ عربى واحدٍ مدافع. يبحث الغرب فى حيثيات إدانة طفلة أذى الظلم عينيها المشمستين وعـيون العـرب نائمة عن الحلم، جفونهم مثقلة بأحلام قديمة لم تتحقــق، وأيديهم مكبلة بالعجز عن خلق غد آخر مخـالف أو عن إنقاذ واقع يسلبهم القرار. راندة غازى صوت جيل لم تنكسر أحلامه بعد، لم يتشبع بالمرارة إلى حد الإحباط، ولم يملأ الصراع جسده بالندوب، لهذا تخشاه المنظمات اليهودية وتحرص على أن تلحقه بجيل آبائه: عاجزًا، معتبرًا أن الخلل فى توازن القوى العالمى أمر واقع لا يجب ولا يصح أن يفكر فى تغييره. فهل ستظل الأصوات العربية خارج اللعبة؟ أم ستقتحمها حماية لحلم راندة غازي؟ سؤال موّجه لكل حالم بفلسطين؟ مـــن الــــروايـــــــة عن الطبعة الفرنسية

غلاف الطبعة الفرنسية
ـ إبراهيم، ذو الثلاثين ربيعًا، هو بطل الرواية.. الكتاب الوحيد الذى يطالعه عن طيب خاطر هو القـرآن.. شـغف استمده من أبيه الذى كان مؤذِّن القرية ورجلاً متدينا قتلته الحرب. ـ جمال، شاب بسيط فى العشرين، لا يعرف إلا شيئًا واحدًا: الهتاف ضد الإسـرائيليين: شارون قذر، قاتل.. دون أن يكون على علم حتى بشكله أو بما فعله. كان يعــرف فـقط أنه قذر وقاتل وهكذا تقبّل كراهية لم تكن منه وحده، بل كراهية شعب بأسره. ـ ص24، جمال ينفذ عملية استشهادية: «.. هكذا كبر جمال، دون إمكانية الخيار.. ثم إن الجميع كانوا يعلمون بأن هذا سيحصل لا محالة، الجميع كانوا يعلمون، هكذا (.....) اقترب من قاعدة عسكرية إسرائيلية، قاموا بتفتيشه، وفى لحظة معينة انفجرت القذيفة. تكسَّر جذعه، تحوّل إلى قطع وجزئيات من اللحم. انفجر جسمه وفجَّر وحده منطقة مراقبة إسرائيلية، خمسة جنود ماتوا فى نفس لحظة موته، خمسة، تجعلك فى مقابل المئات المتواجدة فى كل مكان تتساءل عميقًا فى داخلك، لماذا تطيح بحياتك الشخصية لاستهداف خمسة فقط من أعدائك، إنه عدد تافه....». (....) سنشتاق إليك، أنت شجاع، أنا حقًا جادة فيما أقول،لا أعرف إن كنت أملك الجرأة الكافيــة للقيــام بالعمل نفسه، سوف نتذكــرك.. سـوف ننتصر، وسوف ننتصر أيضًا بفضلك، ليكن الله معك، وتركوه يرحل...». ـ ص31 ـ 34 إبراهيم يتذكر أباه «فتحي»: «كان يعترى إبراهيم شعور جامح بالفخر وهو يسمع صوت والده الجهور يدعو المسلمين للصلاة عبر مكبرات الصوت (...) .. لم يكن أبوه شغوفًا إلا بشيء واحد خارج نطاق الدين: الحرب. الحرب المجنونة الدائرة أمام عينيه منذ ولادته، الحرب التى قتلت زملاءه، أصدقاءه وأهله، الحرب التى تغذت على الدم والدموع، والتى تدق بشراسة وبقوة على أبواب الشعب الفلسطينى (...) لطالما قال أبوه أن هذى أرضنا وأن الجهاد شرعى.. شرعى. تذكروا، أوصانا الله بالدفاع عن أرضنا (...) وستكون حربًا مقدسة، جهادًا». تقدم والده، توقف أمامه وتلا: «ولا تحسبنّ الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون». ص35: قتل الجنود الإسرائيليين للأب: «.. رأى أباه مطروحًا على الأرض والكل يتفرج، الدمّ لطخ المكان، القرآن مدنس وملقى على الأرض، مفتوح، ممزق غلافه. أبوه على الأرض، كل هذا الدم. كان قد وصل مسالمًا، بيده القرآن، وبدأ بتلاوة الآيات يدين الجنود، يدين عنفهم وقسوتهم (...) قَلِقَ الجنود واستفزتهم ذراع الأب الملوحة تجاههم وهو يتهمهم بجرائم الدم والإيمان (...) كان فى النهاية مجرّد شيخ يتلو الآيات، لكنهم تدخلوا وأطلقوا عليه النار...

راندة غازى توقع على نسخ كتابها
ص44 اقتحام الجنود الإسرائيليين للمسجد: «دخلوا بأسلحتهم تاركين على سجادات الصلاة آثار الوحل والغبار، كان التوتر يبدو على أشده موشكًا على الانفجار بشكل فظيع (...) ورأى إبراهيم ما كان يخشاه، شيئًا فى عينى أحد الجنود، وأكثرهم تبجحًا وغطرسة (...) بدأ الناس بالصراخ، وبطرد الجنود، اتركونا فى بلدنا، فى وطننا، اذهبوا، ودعونا وحدنا، لاتدخلوا مساجدنا وتدمروا حياتنا (...) شاب ملثم فى العشرين يرتدى سروالا من الجينز الممزق رمى بنفسه إلى الأمام متحديا متمنيا دور بطولة، القيام بشيء ملموس وواقعى لوطنه. بلمح البصر، بحركة شبه ميكانيكية لمتمرس على سحب البندقية، ضغط زنادها ثم القتل، بحركة ميكانيكية سحب الجندى المتغطرس سلاحه وأطلق النار..». ص49 مصرع شاب آخر وهو يلقى بالحجارة: «اندفعت امرأة حاسرة الرأس نحو ابنها، نحو جسد أعزل ممدد على الأرض باكية تصرخ: ابنى، ابني! فى اللحظة التى رآها فيها الجنود تتقدم أطلقوا النار، كانوا أربعة، فارتمت المرأة أرضًا وتدفق الدم». ص57، قصة جهاد وريهام، مراهقان فلسطينيان: أبيد أبوى جهاد وريهام وأخويهما التوءم وهما مازالا صغيرين. دخلت الدبابات فى ذلك اليوم القرية وأطلق الجنود النار على كل من صادفوهم: نساء، وشيوخا وأطفالا، دخلوا المنازل بأجمعها، حرقوا بعضها بأهلها، واغتصبوا نساء البعض الآخر، سرقوا محتوياتها ثم دمروها. ضربوا المسنِّين وكسََّروا عظام الأطفال دون أن يقتلوهم، حتى تعيش العائلات طويلاً تحت عبء أطفال وصبيان عليلين فتكرههم، هؤلاء الأولاد الذين لن يستطيعوا حمايتهم ذات يوم خلال انتفاضة». ص64، ريهام تهتف بتعجب: «هذه الحرب هى جرحنا (...) اللعنة! أليس هناك من وسيلة لإيقاف هؤلاء اليهود الملاعين؟ إنهم يقتلوننا جميعًا.. لماذا؟ ص76، رامى، الطبيب المسيحى فى المستشفي: «أنا أعرف يا محمد. هذه المشاهد، إننى أراها كل يوم: فى المستشفى، وفى بيتى حين أعود، ليالى تسكنها الكوابيس. هؤلاء الإسرائيليون وحوش، وحوش، ينبغى قتلهم جميعًا». ـ محمد يجيب: «لا يهمنى السلام، السلام مستحيل التحقيق حاليا! إنهم يريدون إبادتنا جميعًا، هذه هى الحقيقة، فليعذرنى عرفات: لكن يجب أن أفعل شيئًا. يعيش اليهود هانئين فى بيوتهم بينما تغصّ مستشفياتنا بالموتى، وتدمَّر قرانا، يضرب مسنُّونًا، وتغتصب نساؤنا، لا نستطيع أن نقبل باستمرار هذا. اسمع يا رامى، لقد اتخذت قرارًا، يجب أن أفعل شيئًا!». ص77، محمد يتابع: «.. لماذا يفعـلون بنا هذا؟ إنه شعب ملعون، أقول لك يا رامى، إنه شعب ملعون: لقد عانوا كثيرًا لكنهم يريدوننا أن ندفع نحن ثمن ما عانـوه، لماذا يتابعون تلويث أياديهم بالدم»؟

راندة غازى تتسلم جائزة كتابها
ص85، إبراهيم: «إذا كان العنف هو الوسيلة الوحيدة المتبقية للتوصل إلى السلام، يجب القبول بها من أجل التفوق عليهم».. ص86، نضـــال: «.. إنهم لا يتساءلون إن كان ربهم يقبل بالعنف (...) إنهم يعاقبوننا بالتعذيب الذى عوقبوا به قبلنا (...) يأتون لاحتلال أراضينا ويطلقون نارهم دون حتى أن ينظروا فى وجوهنا مباشرة. إذا وجدت نفسى يومًا أمام يهودى ما سأسأله: ألا تخاف الرب؟ أحب فعلاً أن أعرف ما قد تكون إجابته». ص 86، إبراهيم: «.. ســبل الحوار، جربنـاها مائة مرة ومائة مرة، لم يحترموا الاتفاقات. قاموا، بما أرادوا القيــام به، مواجهين العالم بأسره (...). التفتيش عن ســبل للحوار حاليا لا يعنى سوى الاستسلام لمشاكستهم والخضوع لإرادتهم». تستمر الحبكة ويكبر المراهقون:ـ ص 126: هكذا كانوا يكبرون، مغمورين بالألم وبالغضب. وكان من الخبث ومن الظلم انتقادهم وهم يرمون الحجارة ويبحثون عن الموت ليصبحوا شهداء كان هذا ظالمًا. كيف كان لإبراهيم أن يستطيع لوْم أحمد على العنف الذى سيواجه حتمًا به الإسرائيليين ذات يوم؟ من السهل جدًا انتقاد من يستعمل العنف. ص 127، حول إبراهيم:ـ كان أحيانًا، حين تستبد به كراهية الأعداء بعنف يأخذ القرآن بين يديه ويعظ أصدقاءه {يا بنى إسرائيل.......} سورة البقرة لقد حررهم وأنقذهم. أهكذا يشكرونه؟ بقتل أبنائه؟ إنهم مذنبون»! ص 140 ـ 142 كان إبراهيم يعرف تمامًا أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام، لأن السلام يعنى مفاوضات، يعنى تسويات واحتواء إنسانية وإحساس، بينما الإسرائيليون يريدون الأراضى، كل الأراضى يريدون أرض إسرائيل، يريدون تحقيق حلم إسرائيل الكبرى. لن يسمحوا للفلسطينيين بإنشاء دولتهم فهم لم يحترموا فى حياتهم الاتفاقات، إنهم يحاولون الحصول على كل شيء. كل شيء.. الله، والعالم بأسره لا يلاحظون، ماذا يفعلون كى لا يلاحظوا؟ يتساءل إبراهيم ـ ويجيبه صوت فى أعماقه بأن العالم لا يريد أن يلاحظ، لقد أخذ قراره منذ زمن. وقراره أن يغض الطرف عما يحصل وكأن لا شيء هناك. قرّر أن يسمح للإسرائيليين بأن يفعلوا ما يريدون. اختار الحرب. اختار الموت. اختار التخلى عن شعب مهمل منذ الأزل. كان إبراهيم يعرف ما سيحصل: إنها الإبادة الثانية فى التاريخ. لم يقبل ذوو السلطة، المسئولون عن هؤلاء القتلى عبرة الوجع. كلاّ، بل قرروا أن يعذّبوا شعبًا آخر كما عذّبوهم، أن يجعلوه يسدّد فاتورة معاناتهم، شعب يائس بائس فقد كل شيء ما عدا شيئًا واحدًا ربما: الإيمان. لهذا يوّجه الانتقاد إليه، لأنه قرر ألا يفقد الإيمان بالله، لهذا ينتقد، يقتل ويعذب. معسكرات الإبادة. لا. لا تفتش عنها بالنظر، لن تراها. هذه المعسكرات هى فى أذهان العبريين الذين يقودون حكومة نفاق، ويعيدون خلق هذيان رئيس حكومة ألمانى فى عقول يهود يبدون كاليهود الوحيدين فى العالم ولو أنهم ليسوا كذلك. إبراهيم يعرف، يؤمن، ويتمنى ألا يكونوا كلهم هكذا. لا يمكن لشعب بأكمله أن يكون هكذا. هناك أشخاص مازالوا يؤمنون بذلك، لا يقنعون بالمأساة بالوهم، بل ينظرون إلى وجه الحقيقة، كتلك المرأة التى رآها ذات يوم على شاشة التليفزيون عند جاره رياض، تلك المرأة التى كانت تتكلم باسم المجتمع اليهودى فى سويسرا والتى صرحت بأن حكومة إسرائيل لا تمثلهم، وبأنهم يعترضون على العنف الممارس ضد الفلسطينيين، وبأنهم يهود لكن اليهود لا يلعنون بمجملهم الفلسطينيين ولا يؤيدون بمجملهم تدميرهم. فإذًا، لا يمثل هؤلاء الأقوياء إرادة كل يهود العالم، لكنهم يملكون القدرة على إفهام العالم العكس. معسكرات التعذيب كامنة فى عقولهم، لا يبنونها ويرمون الفلسطينيين فيها لأن كاميرات التليفزيون ستطالهم، ولأن العالم سينزع عن نفسه فى حينها عباءة الخمود التى يرتديها، الخمود الذى جعله يقبل بالقتل، لأن العالم سيجبر وقتها على الاستيقاظ. ربى. لا يصنع السلام بالموتى.

راندة غازى تتسلم جائزة كتابها
قانون الإصدارات الموجهة للناشئين فى فرنسا ينص قانون 11 يوليو (تموز) 1949 الذى ينظم الإصدارات الموجهة للناشئين فى فرنسا على الأحكام التالية:ـ المادة 2: يحظر على هذه المنشورات أن تتضمن أى تصوير، أو نص، أو حولية، أو فقرة أو إدماج تعرض بشكل محبب للصوصية، الكذب، السرقة، الكسل، الجبن، الكراهية، الفجور، أو كل عمل يقع تحت تصنيف الجرائم أو الجنح أو ما من شأنه إفساد أخلاق الناشئين أو الإيحاء بأحكام مسبقة إثنية أو تناولها». المادة 7: «تعاقب كل المخالفات المنصوص عليها فى المادة 2 بالسجن من شهر إلى سنة، وبغرامة من 1500 إلى 20000 فرنك فرنسى. «تستطيع الجمعيات الممنوحة صفة «الأهمية العامة» فى حالة لحظت حالات المخالفة هذه أن تطبق الحقوق الممنوحة للمدَّعى بالحق المدني». المادة 14: «يعود لوزير الداخلية الحق بمنع عرض أو توزيع أو بيع منشورات لقصَّر دون الـ 18 تشكل خطرًا على الناشئين بسبب ما تفرده من مكانة للجريمة أو العنف».
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة