زينــة وفخــر وإرهــاب وثـأر..السـلاح فـي اليمــن يونية 2006

يوسف الشريف

علي الرغم من نجاح ثورة 26 سبتمبر عام 1962 في تقويض أركان حكم أئمة بيت حميد الدين الكهنوتي المتخلف وإعلان الجمهورية في شمال اليمن، ثم تبعها اندلاع ثورة

المحـتــوي

علي الرغم من نجاح ثورة 26 سبتمبر عام 1962 في تقويض أركان حكم أئمة بيت حميد الدين الكهنوتي المتخلف وإعلان الجمهورية في شمال اليمن، ثم تبعها اندلاع ثورة 14 أكتوبر عام 1963 في جنوب اليمن وجلاء القوات البريطانية من قاعدة عدن، ورغم إنجاز الوحدة بين شطري اليمن يوم 22 مايو عام 1990 عبر صيغة متقدمة للديمقراطية والتعددية السياسية وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية التي شهد لها المراقبون بالنزاهة والحياد، حيث لم يسقط قتيل ولا نقطة دم واحدة. ورغم اكتشاف الثروة النفطية وترسيم الحدود مع سلطنة عمان والسعودية، وكذا انتشار التعليم بشكل جارف لم يتوقعه أي من المراقبين. رغم كل هذه المتغيرات والتطورات الإيجابية علي كل صعيد والسعي الحثيث لسد هوة التخلف واللحاق بركب العصر، تظل هناك إشكاليات اجتماعية وأمنية وسياسية موروثة صعبة المراس، ولعلها تحتاج إلي اعتماد الصبر والتخطيط العلمي السليم وابتكار الحلول الخلاقة للتغلب عليها، وفي مقدمتها ظاهرة انتشار وحمل واستخدام السلاح، خاصة بعدما باتت علي خلاف ما كانت عليه في الماضي مظهرًا للرجولة والزينة أو الفخر، حيث أصبحت اليوم هاجسًا خطيرًا يهدد الاستقرار والتنمية والسياحة، وعاملاً ذاتيا يسيء إلي سمعة اليمن ويشوه ما يزخر به من تراث حضاري وفضائل وجماليات! وإذا كان تعداد اليمن يربو الآن علي ما بين 18 إلي 19 مليون مواطن، تجمع المصادر والإحصائيات الرسمية علي أن حجم المتداول والمتكنز من السلاح ثلاثة أضعاف عدد السكان، ولا تقتصر نوعياته علي البنادق «الجيرمان» القديمة الموروثة من الحرب العالمية الأولي، بل ومختلف أنواع السلاح الحديث.. من الكلاشينكوف الروسي والبنادق الأمريكية الأوتوماتيكية «إف إم جي» وحتي الـ «آر بي جي» المضاد للدروع والمدافع الهاون والمورتر، وكذا القنابل اليدوية والألغام الأرضية، ومن المضحك والمبكي معًا أن يقود يمني دبابة إلي بيته ويدعي أنها من حقه كغنيمة مقابل مشاركته في الحرب ضد المؤامرة الانفصالية عام 1994! إبان حكم أئمة بيت حميد الدين كانت «الجنبية» وحدها هي ــ الخنجر اليمني التقليدي ــ المظهر الوحيد المسموح به رمزًا للرجولة والزينة والدفاع عن النفس فحسب، بينما كان السلاح الناري وقفا علي القبائل الموالية للإمام بكميات ضئيلة ونوعيات متخلفة وهي كانت الأداة القتالية في حرب «الخطاط» التي يؤججها الإمام ضد القبائل المتمردة أو المشكوك في ولائها وفقًا للمعادلة المعروفة «فرق تسد»! فلما اندلعت ثورة 26 سبتمبر 1962، وبدأ الدعم من وراء الحدود للقبائل الموالية للإمام البدر بالسلاح والذهب، كان لا مفر من توسيع دائرة حيازة السلاح لتشمل القبائل الموالية للجمهورية في المقابل، وخاصة كان الجيش النظامي ضعيفًا قليل العدد، ثم كان من رابع المستحيلات أن تتحمل القوات المصرية عبء الدفاع وحدها علي اتساع رقعة اليمن (200000) كيلو متر مربع تتخللها سلاسل الجبال العاتية. ثم لأن حدود اليمن البرية والبحرية ظلت مفتوحة أمام تهريب السلاح، ولأن القبائل الملكية عادت من السعودية إلي اليمن بأسلحتها بعد المصالحة الوطنية في السبعينيات، ولأن القوات الموالية لرئيس اليمن الديمقراطي علي ناصر محمد نزحت إلي الشمال بسلاحها في أعقاب أحداث 13 يناير 1986 الدامية، ولأن تهريب السلاح إلي اليمن تسارعت وتيرة تهريبه إلي اليمن منذ احتدام الحرب القبلية في الصومال وبأسعار كانت في متناول المواطن البسيط. ولأن كمًا هائلاً من السلاح تسرب من قاعدة «العند» في عدن إبان الحرب ضد الانفصال عام 1994 وأثرت من ورائه أسماء معروفة للجميع. لكل هذه العوامل راجت تجارة السلاح، حتي إنني رأيته بأم عيني وهو يباع في أسواق مفتوحة كما في سوق الطلح بمحافظة صعده المتاخمة للسعودية، وكذا الحال في مأرب وخولان وخمر، والأدهي والأمر أن تجد بائع جائل ينوء بحمله من الأسلحة في شوارع العواصم اليمنية. كما لو أنه يبيع الفاكهة والخضروات، حتي صدر قانون تنظيم حمل السلاح عام 1992 الذي أباح حيازة البنادق الآلية وبنادق الصيد والمسدسات وقدرًا من الذخيرة للاستخدام الشخصي، مع حظر الدخول بالسلاح أو حمله في صنعاء وبقية عواصم المحافظات إلا بترخيص من الأجهزة المختصة، ولا يجوز منح الترخيص لمن هم دون الثامنة عشرة، أو سبق ضلوعهم في جريمة جسيمة أو كان مختلاً عقليا، كذلك ينظم القانون الإتجار بالسلاح والذخيرة، وتوقيع عقوبة السجن ودفع غرامة لا تتجاوز عشرة آلاف ريال علي المخالفين. ورغم أن القانون أحاط بمشكلة حمل واستخدام والتجارة في السلاح، إلا أن المشكلة بعد ذلك ظلت تكمن في تطبيق القانون، فمن النادر علي سبيل المثال ــ أن يخاطر رجل الشرطة بمفرده بانتزاع السلاح من مواطن، ولذلك تلجأ الجهات الأمنية بين الحين والآخر وبشكل موسمي لتنظيم حملة تفتيشية لهذا الغرض، بينما تتحاشي إلقاء نفسها في التهلكة لفض النزاعات المسلحة بين القبائل، وتؤكد البيانات الرسمية أن ضحايا قوات الأمن في تقرير صادر عام 2000 نحو 520 قتيلاً، ولذلك تواضع دورها في فض الاشتباكات المسلحة بين القبائل واكتفت بمجرد الوساطة بين المتصارعين فحسب. المرافقون المسلحون ويؤكد التقرير الأمني الصادر عن وزارة الداخلية اليمنية عام 1999 حول أسباب ودوافع استخدام السلاح الناري، عدم وجود رابطة عضوية أو سببية بين السلاح الناري والجريمة، وأن معظم ضحاياه عبر حوادث الثأر، واستخدامه عشوائيا في الأعراس والحفلات، وكذا الحال في عمليات الاغتيال السياسي واختطاف الأجانب عبر الاشتباك المسلح مع قوات الأمن، حتي أصبحت تلك الظاهرة تجارة رائجة وابتزازًا للدولة، إضافة إلي الممارسات الإرهابية لجماعات التطرف الأصولي. وإذا كانت معظم الاتهامات حول سوء استخدام السلاح تقع مسئوليتها علي القبائل والجهلة وأنصاف المتعلمين، فكيف الحال بالمتعلمين والصفوة السياسية الذين طالهم الاتهام بظاهرة المرافقين المسلحين، حيث لكل نائب في مجلس النواب أربعة منهم في المتوسط، يتبعونه كظله أينما ذهب في سيارة خاصة أو أكثر، وهم مدججون بالبنادق الآلية، بما يقارب مجموعهم قوة لواء مشاة، هذا في حالة

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions