شـراء الرئاســةالأمريكية 2 0 0 4 يونية 2004

فكري أندراوس

هناك ملاحظتان أود التوقف عندهما قبل البدء في عرض هذا الكتاب المهم، ومناقشة أفكاره. أولاهما: الدور المحوري الذي يلعبه اللوبي الأمريكي «جماعات الضغط»

المحـتــوي

هناك ملاحظتان أود التوقف عندهما قبل البدء في عرض هذا الكتاب المهم، ومناقشة أفكاره. أولاهما: الدور المحوري الذي يلعبه اللوبي الأمريكي «جماعات الضغط» في تسيير شئون السياسة الأمريكية، والدفع بها في اتجاه معين، علي الصعيدين: الداخلي والخارجي، نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: لوبي المزارعين، ولوبي الصناعات المختلفة ولا سيما صناعة السلاح، ولوبي العمال وحقوق المرأة، ولوبي المسنين، ولوبي البنوك ورجال الأعمال، واللوبي اليهودي المناصر لإسرائيل. وتسهم هذه الجماعات إسهاماً كبيراً في تمويل الانتخابات الأمريكية المهمة كافة، الأمر الذي ينعكس - علي نحو واضح - فيما تتخذه دوائر صنع القرار من سياسات إلا أن هذا التمويل ليس إلا رشوة تم تمويهها أو التغطية عليها بأسماء ودعاوي مختلفة، صرفًا للأنظار عن ماهيتها الحقيقية. وإن كنا في العالم العربي لا نولي اهتماماً يذكر إلا للوبي اليهودي، وذلك لأسباب لا تخفي، إلا أن الفساد السياسي المصاحب لتمويل الانتخابات في الكونجرس الأمريكي أو في رئاسة الدولة له تأثير أكبر بكثير من اللوبي اليهودي. غير أن الأخير ليس إلا واحداً من ظواهر عديدة تبين لنا بجلاء كيفية التأثير، وأحيانا التحكم في عمليات اتخاذ القرار. ثانيتهما: من المعروف أن هناك فروقاً تقليدية بين الحزبين الرئيسيين: الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية. إذ يمثل الحزب الجمهوري المحافظ مصالح رجال الصناعة والمال والتجارة والصناعات الحربية، بينما يمثل الحزب الديمقراطي مصالح العمال والمدرسين والأمريكان الأفارقة والمرأة، وجهود المحافظة علي البيئة وتشجيع البحث العلمي. وهو حزب يتأرجح بين الليبرالية والوسط. غير أن من اللافت للنظر أنه منذ النصف الثاني من القرن الماضي، حدث تحول في بنية الحزب الديمقراطي وتوجهاته أفضيا إلي اتجاه بعض أعضاء الحزب إلي تمويل حملاتهم الانتخابية من حافظة رجال الصناعة والمال، وأصبحت أفكارهم تنحو منحي الوسط أو اليمين. وقد وضع «رالف نادر» العربي الأصل ومرشح الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كتاباً قيماً أشار فيه إلي التغيير سالف الذكر، وانعكاساته علي الحزب الديمقراطي دعاه باسم «Crahsing the party » كما نوه نعوم تشومسكي «الأستاذ الشهير(MIT) إلي حقيقة مفادها أنه لم يكن هناك اختلاف كبير يثير الانتباه بين مرشح الحزب الجمهوري «بوب دول» وبين «بيل كلينتون» مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات سنة 1992، بل إن كلينتون كان المرشح الأفضل والأقرب إلي أباطرة الصناعة الأمريكية الذين دعموه ومنحوه ثقتهم. نأتي بعد ذلك إلي الكتاب الذي نحن بصدده والذي صدر أوائل هذا العام، واشترك في تحريره وتجميع مادته خمسون باحثاً وصحفيا، واشتمل علي أكثر من 600 تحقيق وبحث، عدا مئات الآلاف من التقارير الخاصة بحكومتي الفيدرالية والولايات وقد نشرت المؤسسة المسئولة The center for public integrity قبل صدور هذا الكتاب - مائتين وخمسة وعشرين تقريراً وأحد عشر كتاباً، وحصـــــدت عنهـــــا خمـــــس عشـــــرة جائزة مـــــــن جهــــــات تتمتع بالحيــــدة والموضوعية، وتحظي بالاحترام من الأوساط كافة. والكتاب الذي نتناوله الآن، هو الثالث في قائمة إصدارات هذه المؤسسة عن انتخابات الرئاسة، التي حرصت علي أن يأتي تحت العنوان ذاته، إذ كان الكتاب الأول عن انتخابات عام 1969، والثاني عن انتخابات عام 2000. وربما لا يعرف الكثيرون أنها مؤسسة لا تستهدف الربح ولا تتاجر في الكتب، وأغلب مطبوعاتها موجودة علي الإنترنت، علي الموقع التالي: (1) www.public integrity. Org (2) www.Bob2004.Org وكتابنا الذي نقدمه اليوم يقع في خمسمائة صفحة، ويباع بخمسة عشر دولاراً أي بسعر تكلفته. وهو كتاب يثير القلق ويستدعي الخوف علي مستقبل الديمقراطية الأمريكية التي يعدها البعض المثل والأنموذج اللذين يتعين علي العالم أن يقتدي بها، ويسير علي نهجها، فما ورد به من معلومات عن قوائم ممولي الانتخابات لكل مرشح للرئاسة، والأموال المدفوعة فيها، ومدي تأثير ذلك علي القرارات التي تتخذها الدولة، وعلي المواطن الأمريكي، يدحض - لاشك - المزاعم التي تدعيها لنفسها في هذا الصدد، ويكشف محتوي ديمقراطية جاهزة الإعداد والتصدير لشعوب العالم الثالث، وأنها وسيلة من وسائل الضغط علي حكوماتها. بيد أن مأثرة هذا الكتاب الكبري أنه في تعرضه بالبحث والدراسة لما يجري ويدور في أروقة الحملات الانتخابية للرئاسة، يستدعي إلي الذهن صورة انتخابات الكونجرس الأمريكي التي تعد صورة مصغرة لها، وتجلياً لفضائح انتخابات الرئاسة. وهي أمور تحجم شركات الإعلام الكبري عن ذكرها، بل تغض الطرف عنها، وتعلم الأوساط الأمريكية أنه منذ عام 1976، فإن المرشح الذي يتمكن من جمع أكبر تمويل مالي لحملته الانتخابية، يفوز بترشيح الحزب له أو بتصديقه علي ترشيحه، بصرف النظر عن مبادئه ومدي مصداقيتها، أو قدرته علي الوفاء ببرنامجه. فالفائز الحقيقي في الانتخابات هو الممول الذي يقف خلف مرشحه، الذي يرد الدّين له بطريقة أو بأخري من خلال التسهيلات الممنوحة له، أو المناصب المهمة التي تذهب إليه وإلي أنصاره، أو عبر التشريعات التي تسن لصالحه. وهناك مقولة أمريكية قديمة تقول: «إن أحسن استثمار عندنا هو شراء الكونجرس الأمريكي» «We have a congress the best money can bye». ومن البديهي أن شراء الرئاسة سيكون أفضل لمن يملك أموالاً أكثر. لكن المؤسف حقاً في هذا السياق، هو تقلص دور الفرد العادي، وتصاعد نفوذ الأغنياء والشركات الكبري في إقرار مجريات الانتخابات الأمريكية وإن كان دور الإنترنت سوف يتعاظم بشدة في التأثير علي مسيرة الانتخابات في المستقبل، إلا أن هذا سيكون مقصوراً علي القادرين علي استخدام الإنترنت، مما يؤدي إلي استبعاد الفقراء ومن نالوا قسطاً محدوداً من العلم. غير أن أخطر ما يلفت النظر في موضوعنا هذا، هو ذلك الدور الذي تلعبه شبكات التليفزيون والراديو وبعض الصحف الكبري، التي أصبحت تحت سيطرة شركات كبيرة ذات نفوذ قوي، في تشكيل وعي المواطن وتعبئته خلف مرشح بعينه، ومن نافل القول

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions