هــــَــذا الإعصـــَـــارالأمريكي! أبريل 2003

محمد حسنين هيكل

أسلوب جديد فى استخدام السلاح لكى يمكن فهم وتحليل مشهد هذا الإعصار الأمريكى الذى يضرب المنطقة العربية هذه اللحظة (أبريل 2003) ـ فقد يلزم الاتفاق

المحـتــوي

أسلوب جديد فى استخدام السلاح لكى يمكن فهم وتحليل مشهد هذا الإعصار الأمريكى الذى يضرب المنطقة العربية هذه اللحظة (أبريل 2003) ـ فقد يلزم الاتفاق كمقدمة ـ على مجموعة من الطبائع والأحوال، وبقع اللون والظل والفراغ فى هذا المشهد ـ حتى تبين الصورة وتتضح التفاصيل. ومع أن مشهد هذا الإعصار الأمريكى العاتى فيه الكثير مما هو مألوف ومعروف ـ إلا أنه فى بعض الأحيان وعندما تحل الطوارئ ـ يكون استرجاع المألوف والمعروف ضروريا ولازما لسببين: ـ من ناحية ـ إعادة التأكيد ـ حتى مع محظور التكرار. ـ ومن ناحية ثانية ـ فرز المألوف المعروف عما هو طارئ مستجد ـ وذلك هو الطلب! 1 ـ وبداية فإنه يلزم الاتفاق على أن حركة التاريخ مجرى إنسانى عريض وعميق صبت فيه الجماعات والشعوب والأمم ملكاتها الفكرية والعقلية، ومنجزاتها فى العلوم والتكنولوجيا، وما حققته من حصيلة الإنتاج والتراكم، وما تجمع لديها من مطالب القوة والتفوق ـ محفوفة بما توفر لديها من حكمة وقيم وفلسفة وفن. 2 ـ ثم إنه يلزم الاتفاق ـ أيضا ـ على أن التدافع الهائل للحركة الإنسانية عبر التاريخ هو الذى سمح بظهور مجتمعات ودول وإمبراطوريات ضخمة برزت على طول مجراه، وأن هذه المجتمعات والدول والإمبراطوريات حافظت وأضافت فى أحوال صعودها أو انحلالها على مستودع ذاكرة إنسانية متعددة فى منابعها الثقافية متلاقية فى مجرى واحد أصبح منهلا وموردا لكل من يريد أن يدرس ويستوعب قصة الحضارة من بدايتها وحتى اللحظة الراهنة. 3 ـ ويلزم الاتفاق بعدها مباشرة ـ على أن قصة الحضارة يقوم على تمثيلها كل بطل علا صيته فى زمانه. وفى أزمنة قريبة فإن تمثيل الحضارة الإنسانية تجلى مرة بملامح فرنسية على عهد «لويس الرابع عشر»، ومرة بملامح إنجليزية على عصر «فيكتوريا»، وأخيرا تجلى بملامح أمريكية ابتداء من رئاسة «فرانكلين روزفلت» للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ـ دون أن يعنى ذلك أن عصور «لويس الرابع عشر» أو «فيكتوريا» أو «فرانكلين روزفلت» هى كاتبة النص الحضارى ـ فذلك النص كتبته الثقافات الإنسانية جمعاء، وتعاقب على تمثيله النجوم مع اختلاف العصور، وقامت عليه الإمبراطوريات بأحكام التقدم والغلبة! 4 ـ ويلزم الاتفاق ـ كذلك ـ على أن الإمبراطورية الأمريكية حلقة أخيرة فى سلسلة متوالية من الإمبراطوريات ـ لكن هذه الإمبراطورية الأمريكية جاءت لأول مرة فى التاريخ مستغنية عن وطنية شعب على أرض ـ أو جامع أمة بعلاقة قرابة أو لغة أو تاريخ، لأن قيامها بالدرجة الأولى لم يكن له رابط غير المصلحة ـ تعبر عنها «السوق» فى نهاية المطاف، وكان توسيع السوق هو حافز الحرب الأهلية الأمريكية كى تضم الجنوب الزراعى إلى الشمال الصناعى وتتمدد غربا، ثم تعبر المحيطات إلى عوالم أبعد ـ أى سوقا أكبر. 5 ـ ويلزم الاتفاق ـ أخيرا ـ على أن هذه الإمبراطورية الأمريكية وبأحوال وظروف نشأتها وصعودها، أخذت بنزعة القوة لبلوغ غاياتها حتى وإن جاء ذلك على حساب قيامها على التراكم الحضارى الإنسانى، ولأن منطق السوق الذى هامت غراما به هو بطبائعه عملية إزاحة لأى منافسة ـ وإصرار يسعى بالضرورة نحو سيطرة غير مشروطة ـ وذلك طبع الاحتكار. وكان استعمال القوة فى عهود إمبراطورية سبقت ـ مغلفا على الأقل ـ باعتبارات ملاءمة إنسانية جرى عليها العُرف واستقرت التقاليد. [وفى هذا الموضع أتذكر حوارا أشرت إليه من قبل ـ دار بينى وبين القائد العسكرى البريطانى ذائع الصيت الماريشال «مونتجمري» (بطل العلمين، وهى واحدة من أهم معارك الحرب العالمية الثانية ـ وقد جرت على صحراء مصر الغربية خريف سنة 1942 ضد الجيش الألماني) ـ وفى هذا الحوار أورد الماريشال العتيد ما أظنه نوعا من التوصيف «المحترم» لشروط استعمال القوة المسلحة (الحرب) ـ وقال الماريشال فى كلامه: «إنه لابد فى استعمال قوة السلاح من توافر عناصر مبدئية لتسويغ الحرب مؤداها: أن يكون لدى شعب أو أمة أو إمبراطورية هدف مطلوب سياسيا، وممكن عمليا، وجائز قانونيا، ومبرر أخلاقيا». ومع أن القوانين والأخلاق فيما سبق من تجارب التاريخ ـ تعرضت للذرائع والأهواء، إلا أن استعارة مبادئها ـ حتى تعسفا ـ لم يغب قط عن ساحات الحرب. وبساتر المبادئ فإن الحروب الاستعمارية لم تكن للاستيلاء على موارد وأقدار شعوب ـ وإنما كانت «لنشر الحضارة فى قارات الظلام»، أو «منع الرق» وتحريم استغلال الإنسان للإنسان (رغم أن الجماعات المهيمنة لم تؤرق نفسها ببؤس الرق إلا عندما اطمأنت إلى أن طاقة البخار حاضرة لتعويض عضلات العبيد، وأنها كذلك طاقة أرخص!). وعلى نفس القياس فإن الحرب العالمية الأولى لم تكن مذبحا هائلا للبشر من أجل توزيع المستعمرات ـ وإنما كانت حربا من أجل الحرية والتحرر. والحرب العالمية الثانية التى انتهت بكابوس نووى، لم تكن حربا ورثت بها أمريكا ما سبقها من إمبراطوريات ـ وإنما كانت حربا لتصفية شرور النازية والفاشية. والمعنى أن الحروب على طول التاريخ، احتاجت إلى سواتر أو ذرائع قانونية وأخلاقية أو شبه قانونية وأخلاقية، وأما فى حالة الإمبراطورية الأمريكية فإن استعمال القوة مع تركيزها أو احتكارها ـ جاء مكتفيا بما لديه، مستغنيا عن أية إضافات إنسانية «جمالية» ـ فوقه! ......................
...................... [وهنا فإن منطق القوة الأمريكية حين تمارس دورها ـ عبر عن نفسه بأصرح وأصدق ما يمكن بنظرية الدكتور «هارلان أولمان» (وهو أحد المستشارين المسموعين فى البيت الأبيض، وفى الأصل أستاذ علوم سياسية فى كلية الدفاع الوطني) ـ وكان تعبيره عن نفسه أقرب إلى البوح ـ بحيث يصح أن يستعاد للتذكر والتفكر. فقد كتب الدكتور «أولمان» مذكرة بعنوان «الصدمة والرعب» (Shock and awe) وُضعت أمام الرئيس الأمريكى ونشرتها الصحافة الأمريكية (وبينها جرائد نيويورك تيمس، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تيمس) ـ وفيها يقول بالنص: «إن الولايات المتحدة عليها أن تستعمل أقوى شحنة من القوة المكثفة والمركزة، والكاسحة ـ بحيث تنهار أعصاب أى عدو يقف أمامها، وتخور عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions