"القوات المسلحة فى السياسة الأمريكية!" سبتمبر 2003

محمد حسنين هيكل

ملاحظــة: هذا الحديث يتعرض لمسألة شديدة الأهمية والحساسية، وهى العلاقة بين "السياسة والسلاح" فى الحالة الأمريكية الراهنة ـ أى بين إدارة الرئيس

المحـتــوي

ملاحظــة: هذا الحديث يتعرض لمسألة شديدة الأهمية والحساسية، وهى العلاقة بين "السياسة والسلاح" فى الحالة الأمريكية الراهنة ـ أى بين إدارة الرئيس "چورچ بوش" (الابن) وبين هيئة أركان الحرب المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية فى شأن ما جرى ويجرى فى العراق ــ وفى غيره بعده. * وسبب الأهمية مفهوم ــ ومرجعه أنه فى مشروع إمبراطورى يهدف إلى تثبيت التفوق الأمريكى وتحويله إلى سلطة عالمية تفرض سطوتها على القرن الحادى والعشرين (على الأقل) ــ فإن السلاح له الدور الرئيسى فى كافة مراحل التخطيط والتنفيذ والتأمين، وتلك طبيعــــة الامبراطــــورية، ومعنى ذلك أن حوار السياسة والسلاح فى واشنطن ــ أخذا وردا ــ شدا وجذبا ــ له تأثـــيرات مهمـــة وواســـعة لا تقتصــــر على واشنطن وحدها، وإنما تمد انعكاساتها ونتائجها إلى الساحة العالمية الأوسع. * وسبب الحساسية مفهوم أيضا ــ وملخصه أن هذه العلاقة بين السياسة والسلاح ــ سواء فيما جرى ويجرى فى العراق وبعده ــ مسألة مُحاطة بالسرية والصمت. ومع أن الكثير من التفاصيل فى هذا الشأن تسربت، فإن المشكلة أن بعض التسريب كان مقصودا لكى تسبق الانطباعات وتؤثر، ثم إن بعضه الآخر كان مغلوطا حتى تتداخل الروايات، وتهتز الصور، ويختلط السياق، وتمتلئ الأجواء بضباب يتم تحت ساتره ترتيب الأشياء، ومن ثم تستقر القواعد الطارئة كأمر واقع يصبح بدوره قانونا يعطى للمؤسسة العسكرية الأمريكية دورا مختلفا فى مشروع إمبراطورى شديد الجرأة ــ جامع القصد!. وبسبب هذه "الأهمية" وهذه "الحساسية" ــ فإن أى كاتب صحفى يجد نفسه أمام مأزق مزدوج: ــ أهمية العلاقة بين السياسة والسلاح فى الشأن الإمبراطورى القادم ــ لا تسمح بتجنب الموضوع. ــ والحساسية التى تحيط به سرية وصمتا ــ لا تمكن بسهولة من النفاذ بعيدا فيه بثقة متأكدة مما تقول (خصوصا بالنسبة لصحفى عربى عابر مهما بلغ حسن ظنه فى قيمة مصادره. وإزاء هذا المأزق ــ ومن باب الإنصاف للحقيقــة وللقارئ معا، فقد كان واجبا أن توضع لسياق هذا الحديث حدود ظاهرة تفرق على سياقه بين ثلاثة عناصر: 1 ــ معلومات أكيدة ــ تتلاقى عندها درجة من الإجماع أو يعززها ظهور أوراق ترجح وأحيانا تقطع. 2 ــ شهادات مسئولة ــ يمكن قبولها اعتمادا على إطلاع أصحابها وصلاتهم ــ حتى وإن تعذر لأسباب بدهية إسنادها إلى مصادرها. 3 ــ استنتاجات ــ يقع التوصل إليها بالنظر فى المنطق الداخلى للوقائع ــ ويكون منها ما يكفى بقدر من الحدس المأمون جسورا بين المعلومات والشهادات، بحيث تتسق الصور وتتكامل. وهـــدف هـذه الحــــدود فى النهاية أن يكون أمام قارئ هذا الحديث حقه فى المعـــلومات، وحـقه فى تقدير ما يُعـــرض منها عليه، وحقه فى وزن الحوادث بمعياره المستقل ومنظوره، وكذلك كان الحرص على الإشارة خلال السياق لنوعية كل عنصر من عناصر الحديث ــ تنبيها مسبقا ــ يحاول أن يكون مسئولا. هيــگــل أولا:الجنرال يقفز بالبراشوت لتهـــدئة أعصـــابه خلفيـــــــــــــــــة من 11 سبتمبر 2001 وحتى 29 يناير 2002 ــ كانت القوات المسلحة الأمريكية تخوض حربا فى أفغانستان هدفها إسقاط نظام طالبان وزعيمه "الملا عمر" ــ وتصفية تنظيم القاعدة وزعيمه "أسامة بن لادن". ومع ذلك فإن رئاسة هيئة أركان الحرب المشتركة فى واشنطن ظلت تعتقد أن إدخالها فى الحرب على الإرهاب إقحام لها فيما هو خارج اختصاصها ووسائلها، فالإرهاب ــ فى تقديرها ــ اختصاص أصيل لوكالة المخابرات المركزية ولمكتب التحقيقات الفيدرالى، وأما القوات المسلحة فإنها تستطيع على أحسن الفروض أن تساعد بضربات صواريخ موجهة من بعيد تزعج وتخيف، وقد تزيد على ذلك ــ تطوعا ــ بدفع مجموعات من القوات الخاصة إلى بعض المواقع تبعثر أو تدمر ــ لكن تلك تظل عمليات جانبية ذات مقاصد محدودة، يصعب اعتبارها مجهودا رئيسيا فى حرب. وبصرف النظر عن الاختصاصات فإن القوات الأمريكية المسلحة اسْتُدرجت ــ ليس فقط ــ خارج اختصاصها، وإنما أيضا خارج عقيدتها المعتمدة منذ حرب الخليج سنة 1991، والتى اشتهرت "بعقيدة باول" على اسم واضعها الجنرال "كولين باول" رئيس هيئة الأركان المشتركة (ووزير الخارجية الآن). والحاصل أن هيئة الأركان المشتركة "تهاودت" مع الاستدراج بظن أنها مضطرة إلى قدر من المرونة يستجيب لدواعى السياسة ــ وضغوطها بعد مفاجأة سبتمبر 2001 ــ فلم يكن معقولا بعد حدث من ذلك الحجم أن تظل القوات الأمريكية المسلحة بعيدة عن "ردود أفعاله" بدعوى أنه ليس اختصاصها، ولا أن تتمسك "بعقيدة باول" بظن أنها شرط العمل العسكرى فى الزمن الجديد. كانت هيئة أركان الحرب المشتركة تدرك منذ البداية أن حربها فى أفغانستان معركة مع أشباح، وضد عدو يصعب الإمساك به، لأن القتال معه بلا جبهة ــ وبلا خطوط ــ وبلا منشآت اقتصادية وعسكرية وعقد مواصلات يمكن التركيز عليها ــ ومع ذلك فإن رئاسة الأركان قبلت بشيء مما طلب منها، وفى تقديرها أن المهمة "غطاء بالسلاح لجهد تقوم به وسائل العمل السرى لبلوغ المقصود سياسيا". ثم حدث أن هيئة الأركان المشتركة وجدت نفسها فى موضع اللوم بادعاء أنها لم تقدم للسياسة ما يسترها، ورغم أن نظام طالبان اختفى فقد كان واضحا لمن يريد أن يرى أن ذلك النظام تفكك وتفرق، لكن أعضاءه وأنصاره تحولوا من تجمعات فى الجبال إلى ذرات رمل على السفوح والوديان، كما أن "أسامة بن لادن" نفســـــه تبخــــــر وانقلب من زعيم إرهابى إلى شخصية تليفزيونية تشد اهتمام الرأى العام فى الحالتين، وذلك فى حد ذاته يكفيـــــــه، لأن الإرهـاب بالدرجة الأولى فِعْل يعتمد التأثير النفسى المدوى أكثر مما يقصد إلى العمل العسكرى المنظم. .....................
..................... وكان وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" هو الذى عرض موقف رئاسة الأركان المشتركة أمام الرئيس "بوش" فى اجتماعات مجلس الأمن القومى، بمقولة أنه لا يستطيع مع الظرف الموضوعى الراهن فى أفغانستان أن يطالب القوات المسلحة بأكثر مما فعلته، ومع أنه كان أول من ضغط عليها لكى تحقق نتائج أكثر إبهارا، إلا أنه الآن أول

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions