أن تكــــون مســلمــا أوروبـيــا الهــويـة والمـواطنـــة فبراير 2004

محمد يوسف عدس

يشهد المسلمون في عالم اليوم ضغوطًا خارجية هائلة بلغت حد التهديد بالحرب والتدخل بالقوة لتغيير الأنظمة السياسية والثقافية والتعليمية، والحجة في ذلك هي

المحـتــوي

يشهد المسلمون في عالم اليوم ضغوطًا خارجية هائلة بلغت حد التهديد بالحرب والتدخل بالقوة لتغيير الأنظمة السياسية والثقافية والتعليمية، والحجة في ذلك هي حرب الإرهاب وتجفيف منابعه. في غمار هذه الحملة الشرسة علي الإسلام والمسلمين أصبح المسلمون في الغرب يعانون من تضييق واضطهاد وقيود غير مسبوقة، وقد صدرت في هذا المجال قوانين وإجراءات ضيقت عليهم سبل الحياة والحركة، وأصابت حقوقهم الإنسانية ومؤسساتهم الاجتماعية في مقتل، وما قانون منع الحجاب المزمع إصداره في فرنسا إلا واحد من هذه القيود القهرية المفروضة علي حياة المسلمين في الغرب. وعندما يصل الأمر إلي أن تتدخل الدولة بقوانينها لتفرض علي المرأة المسلمة لباسًا يخالف أحكام الشريعة وتحرّم عليها لباسًا اختارته بمحض إرادتها وحريتها ـ عندما يحدث هذا في أوروبا فلابد أن يكون هناك خلل فادح في الثقافة والأخلاق وأن الإسلاموفوبيا قد أصبحت مرضًا سياسيًا. ولي في هذا ملاحظتان: الأولي: أن هذا القانون المتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية لن يكون نهاية لما سيحدث للمسلمين في أوروبا وإنما هو مجرد بداية لمرحلة جديدة من الصراع علي هوية المسلمين وعلي وجودهم نفسه في أوروبا. والثانية: أن أوروبا بدساتيرها وديمقراطياتها وقوانينها التي وضعت للحفاظ علي حقوق الإنسان وضمان حريته الدينية ـ كل ذلك لم يعد ضمانًا تلقائيًا لممارسة المسلمين حياتهم اليومية العادية الآمنة شأنهم في ذلك شأن قرنائهم المواطنين الأوروبيين الآخرين من غير المسلمين. يعزز هذا الرأي عاملان أدركتهما بالملاحظة والمعايشة في بلاد الغرب: الأول يتصل بزيادة إقبال أعداد من المثقفين الأوروبيين علي الإسلام في وقت تشهد الكنائس ذبولاً وتقهقرًا ملحوظًا في عدد المتدينين، وليس للمسلمين ـ في حقيقة الأمر ـ جهد كبير أو تنظيم في هذا المجال، ومع ذلك فقد اعتبر وجود الإسلام في أوروبا خطرًا يجب مواجهته. العامل الثاني يتصل بالنظرة السائدة في الإعلام والثقافة الشعبية إلي المسلمين باعتبارهم أقليات غريبة مختلفة موصومة بالبربرية والتعصب والأصولية وحديثًا بالإرهاب. هذه المشكلة أو بالأحري هذا المأزق الذي يواجهه المسلمون الآن في أوروبا هو الذي دفع بعض المفكرين والأكاديميين المسلمين إلي دراسة أبعاد هذا المأزق والبحث عن مخرج منه، وفي هذا الإطار يأتي كتاب الدكتور طارق رمضان الموسوم بعنوان: (To be a European Muslim) (أن تكون مسلمًا أوروبيًا). لفت نظري بشدة تقديم كتبه بروفيسور «يورجين نيلسون» أود أن أشير إلي بعض نقاط مهمة وردت به، ترجع أهميتها إلي أنها تعبير عن وجهة نظر أوروبي في المشكلة الإسلامية بأوروبا، كما ترجع إلي أهمية صاحبها في المجالين الفكري والأكاديمي، فهو مدير مركز دراسات الإسلام والعلاقات الإسلامية المسيحية بجامعة برمنجهام البريطانية، ولهذا المركز نشاط كبير في مجال الدراسات والنشر وعقد المؤتمرات والندوات حول الشأن الإسلامي في بريطانيا وأوروبا.. يقول الرجل في تقديمه: «بدأ الأوروبيون في العقود الأخيرة يلاحظون وجود مجتمعات مسلمة مستقرة في مدنهم وبدأوا يتنبهون إلي أن عصر العمالة المهاجرة المؤقتة قد مضي وحل مكانها أسر مسلمة مستقرة وأخذت المساجد الإسلامية تظهر في كل مكان.. كانت تقديراتنا المبسطة أنه مع مرور الزمن ـ ربما خلال جيل واحد ـ سوف تذوب هذه المجموعات المهاجرة ويتم تمثيلها في الكيان الكبير، علي الأقل من ناحية موقفهم من الدين وما تطلبه العقيدة الدينية من الإنسان.. وكان المتوقع أن ينظروا إلي دينهم كما ينظر الأوروبيون إلي دينهم.. وقد رأي البعض أن الزواج المختلط سيكون عاملاً حاسمًا في الإسراع بعملية الإذابة والامتصاص، لكن بعد أن مضي جيلان لا جيل واحد فقط اختلفت الصورة اختلافًا «راديكاليًا» عن الصورة أو عن التوقعات المبدئية بحيث نستطيع الآن أن نصفها بأنها كانت توقعات ساذجة». ينتقل بروفيسور نلسون بعد ذلك إلي شرح أسباب هذا الموقف فيقول بصراحة: «الحقيقة أننا نحن الأوروبيين كنا نرفض قبول أُناس مختلفين عنا إلا بشروطنا، وقد أدي هذا إلي إصرار المسلمين علي تميزهم في أوروبا.. وكان التزام المسلمين بتقاليدهم والتصاقهم بدينهم هو الذي دفع المجتمعات الأوروبية والسياسيين والأكاديميين في أوروبا إلي البدء في النظر إلي المسلمين وإلي احتياجاتهم ومطالبهم نظرة جادة، وأن يضعوا جانبًا السيناريوهات الساذجة عن التذويب والامتصاص». لم يقتصر رد الفعل عند المسلمين من الرفض الأوروبي عند حدوده السلبية فقط (أقصد الاحتماء بالدين والتقاليد دفاعًا عن الوجود المهدد) وإنما تجاوزه عند المفكرين المسلمين إلي جانبه الإيجابي، وفي هذا يقول بروفيسور نلسون: إن المسلمين ـ وهم يشعرون بأنهم أقلية مرفوضة في أوروبا ـ وجدوا أنفسهم مضطرين أن يفكروا أكثر عمقًا في وضعهم كأقلية وفي عقيدتهم وممارساتهم الدينية، في محاولة للإجابة عن أسئلة مهمة مثل: كيف يمكن أن نجعل هذه العقيدة أساسًا مناسبًا وفاعلاً في تشكيل حياتهم اليومية في بيئتهم الجديدة.. وخرج علي الساحة قلة من المفكرين المسلمين رأوا أنه إذا كان المسلمون يريدون أن يتفاعلوا مع الحياة الحديثة بنجاح فعليهم أن يعيدوا النظر في طبيعة الوحي وفهم نصوصه في ضوء تأويلات جديدة.. وجاء آخرون من هذه القلة يدعون إلي هجر الفقه كلية كشيء لم يعد صالحًا للعمل به في الحياة المعاصرة، ذلك إذا كان المسلمون يريدون أن يتفاعلوا مع مجتمعات غريبة عليهم من أبرز سماتها التكنولوجيا المتقدمة والعلمانية السائدة والمتطرفة أحيانًا.. أما الذي لم يحدث بطريقة نظامية في الإطار الأوروبي المعاصر فهو محاولة البحث واستلهام المصادر الأساسية في الإسلام لاستثمارها في البيئة الجديدة، ولكنه بدأ بشكل ملحوظ في العالم المسلم خصوصًا بين المسلمين العرب. يقول بروفيسور نلسون: «الآن يأتي الدكتور طارق رمضان إلينا (هنا في أوروبا) بأول محاولة رئيسية لتطبيق هذا الاتجاه الجديد علي أوضاع المسلمين في أوروبا.. وهو بذلك بضع نفسه في إطار تيار عام متميز حديث.. وهو لا ينكر فضل من سبقه في هذا الاتجاه ومن بينهم أبوه نفسه وهو الدكتور

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions