إذا كان العالم كله مدينا فَمَن الدَّائن ؟! سبتمبر 2004

محمد يوسف عدس

يتحدث هذا الكتاب عن الاقتصاد بلغة جديدة ويتناول الأفكار والمسلمات الاقتصادية التقليدية بالتحليل والنقد، ويثير حولها شكوكًا منطقية ويكشف عما فيها من تناقض،

المحـتــوي

يتحدث هذا الكتاب عن الاقتصاد بلغة جديدة ويتناول الأفكار والمسلمات الاقتصادية التقليدية بالتحليل والنقد، ويثير حولها شكوكًا منطقية ويكشف عما فيها من تناقض، وفي كل هذا تنكشف للقارئ حقائق مذهلة لم تكن لتخطر له علي بال. فهل تصدق مثلاً أن دول العالم كله مدينة، ليس فقط الدول الفقيرة أو دول العالم الثالث، بل إن أكثر الدول ديونًا هي الدول الأغني والأكثر إنتاجًا وتقدمًا، وديون هذه الدول هائلة.. لا تتناقص أبدًا بل في صعود مستمر، وقد وصفها المؤلف بحق بأنها: «اللامعقول واللامنطقي.. الذي يصعب علي العقول فهمه». من أمثلة هذا «اللامعقول» أن بريطانيا مدينة بمبلغ 400 بليون جنيه إسترليني، وتبلغ ديون كندا 650 بليون دولار، وألمانيا مدينة بأكثر من خمسين بليون مارك، أما اليابان فقد بلغ دينها العام 2 تريليون دولار، وأصبح دين الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 5 تريليونات دولار. يقول المؤلف: هذا الدين المتصاعد أبدا يتناقض تناقضًا صارخًا مع وجود ثروة حقيقية واضحة في هذه الدول التي توصف بأنها دول غنية ومتقدمة. علمًا بأن هذه الأرقام تمثل الديون العامة فقط أي الديون الحكومية، فإذا أضفت إليها الديون الخاصة (المتعلقة بالأفراد والشركات) تجد نفسك أمام أرقام فلكية.. فمثلاً مجموع الديون العامة والخاصة في الولايات المتحدة بلغ 26 تريليون دولار، ولست أزعم أنني أعرف كم صفرًا ينبغي وضعها علي يمين هذا الرقم ليصور حقيقته، ولكني علي يقين أنه رقم مفزع، كما أنني أعرف أنه من الناحية العملية يستحيل تسديد هذا الدين الهائل لأسباب اقتصادية كثيرة لعل أبسطها أن مجموع ما في بنوك أمريكا والعالم وما في خزائن الشركات وجيوب الأفراد من دولارات لا يبلغ خُمس هذا الرقم، وهذا واحد من عدد كبير من الألغاز الخفية في عالم الاقتصاد. فإذا كانت كل دول العالم ـ بلا استثناء مدينة ـ فإن هذا يجعلنا نعتقد أن العالم بأسره في حالة اقتصادية مزرية.. وهذا شيء يبدو غير منطقي وغير مفهوم.. ويسلمنا هذا الاعتقاد إلي أن نتساءل: إذا كان العالم كله مدينًا فمن هو الدائن؟ وكيف حدثت كل هذه الديون؟ ومن أين جاءت؟ وماذا نقول عن دول العالم الثالث التي ترزح تحت أعباء ديون ثقيلة وقد أسلمت زمام قيادتها للدول المتقدمة وأخذت تقلد وتبني مؤسساتها المالية والاقتصادية علي غرار مؤسسات هذه الدول، ويقال لشعوبها اكدحوا في العمل والإنتاج والتصدير، وسوف تتخلصون من الديون وتتحررون من الفقر وتصبحون مثل أمريكا، ولكن أحدًا لا يذكر لنا أبدًا حقيقة أن أمريكا هذه هي أكبر دولة مدينة في العالم؟ فهل هذه حالة عبثية أم أننا لا نحسن فهم ما نراه؟! وهل نستطيع أن نفهم حقيقة أن يكون الشعب الأمريكي وهو أغني من دبّ علي هذه الأرض من البشر هو أكثر شعوب العالم مديونية! كان من المفترض وفقًا للمبادئ الاقتصادية المتداولة أن النقود هي وسيط طبيعي ومقياس دقيق وأنها لا تفعل أكثر من أن تعكس حقائق الواقع الاقتصادي، ولكنها في الحالة التي عرضناها لا تفعل ذلك، فهناك ندرة مزمنة في النقود حتي أن الدول المتقدمة تقلص ميزانيات المشروعات والخدمات الصحية والتعليمية بحجة عدم توفر المال الكافي.. إذن لابد أن يكون هناك خلل جوهري في المنظومات الاقتصادية، خلل يجعلنا لا نثق في كثير من الافتراضات والمسلمات الاقتصادية، بل في كل المعطيات المالية الأخري التي تضع الاقتصاد وخصوصًا الاقتصاد النقدي والديون غير الواقعية في نطاق اللامعقول. محاولة للفهم: يأتي هذا الكتاب ليتحدي هذه المسلمات ويكشف لنا: أن الثقة العامة في النقود والأحكام النقدية ليست في موضعها، وأن الحياد الظاهري للمنظومات المالية الحالية زيف كامل، وأن النقود (الحديثة) ليست وسطًا طبيعيا محايدًا، وأنها ـ كما يتم خلقها الآن ـ تمنح نفسها طبيعة خاصة وتحيزًا خطيرًا، وهي تعمل في إطار عالمها الحسابي الخاص بها، وتعكس حقائقها الخاصة وتصورها الاقتصادي الخاص، ويحيطها سدنتها بعبارات غامضة زائفة ومضللة. فإذا انتهي الكتاب من تقرير هذه الحقائق مفصلة ينتقل بعد ذلك إلي تفسير هذه الألغاز، وأول هذه الألغاز هو الندرة النقدية في مجتمعات متقدمة تتمتع بالثراء ووفرة الإنتاج، وأول ما يصدمنا من حقائق أن نعرف السبب وهو كما يشرحه المؤلف راجع إلي أن النظام المالي النقدي قائم علي أساس من الديون، وبتعبير مباشر وأكثر دقة يقول: «إن النقود تنشأ في توازٍ مع الديون، ذلك لأن خلق النقود وتداولها متروك للبنوك إلي جانب عدد من مؤسسات الإقراض الأخري. ويظن أكثر الناس أنهم عندما يقترضون من البنك فإنهم يقترضون أموال أناس آخرين سبق أن قاموا بإيداع نقودهم في البنك، وهذا وإن كان يمثل بعض الحقيقة إلا أنه لا يمثل الحقيقة كلها، فالصحيح أن نقود القرض لا تكون بالضرورة موجودة في البنك لحظة طلبها وإنما هي تنشأ ابتداءً عندما تتم عملية الاقتراض. وهذه حقيقة أخري بالغة الإثارة: أن البنك بعملية القرض نفسها يضيف إلي رصيده نقودًا جديدة لم يكن يملكها (قبل القرض)، وأن البنك بهذه القروض يرفع رصيده ولا ينقصه!. أعترف أنني شخصيا لم أستطع أن أفهم أو أستسيغ هذه الحقيقة لأول وهلة.. وقلت لنفسي لابد أن مؤلف هذا الكتاب يهزأ بعقلي.. كما أعترف أيضًا أن هذا اللغز الذي صدمني وحيرني كثيرًا بدأ ينحل خطوة خطوة كلما تقدمت في قراءة الكتاب، وأدركت أنني أمام مؤلف عبقري استطاع أن يحرر عقله من أسر الأفكار التقليدية السائدة في عالم الاقتصاد وأن يتخلص من جبروتها، بل استطاع أن يحطم الهالة المقدسة التي تحيط بها وأن يقدمها إلينا عارية من كل زيف أو ادعاء.. وتأكدت أن مثل هذا الرجل لابد أن يتهم بالجنون وقد حدث بالفعل.. ولكنه لم يثنه عن عزمه أو يحرفه عن مواصلة رسالته في الكشف عن التزييف والخداع الذي تمارسه مراكز القوي الاقتصادية الكبري في العالم علي الشعوب بدعوي التنمية والتقدم وإشاعة الرخاء. المؤلف: لم أشعر برغبة ملحة في لقاء مؤلف كتاب قرأته كما شعرت بالنسبة لمؤلف «قبضة الموت» فقد لمست في كتابته حرارة الداعية المخلص جنبًا إلي جنب مع رسوخ فكره الأكاديمي في مجال تخصصه.. اقترحت

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions