ما جـري وما يجري وما العمل؟ يونية 2002

عزمى بشارة

لم ينجح شارون، ولم تنجح إسرائيل فى عدوانها، بإحداث تغيير جدى فى الأوضاع السياسية والأسئلة السياسية المطروحة والمتعلقة بالاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية

المحـتــوي

لم ينجح شارون، ولم تنجح إسرائيل فى عدوانها، بإحداث تغيير جدى فى الأوضاع السياسية والأسئلة السياسية المطروحة والمتعلقة بالاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية منذ العام 1967. ومع ذلك يسود شعور عام بنشوء مرحلة جديدة تعيشها المنطقة، والقضية الفلسطينية بشكل خاص. نقول هذا رغم أن الهدف السياسى من عدوان شارون كما نفهمه هو تغيير أجندة المفاوضات السياسية بحيث لا تشمل قضايا لا حل لها بنظره، مثل القدس واللاجئين والاستيطان. والهدف أن تتمحور هذه المفاوضات السياسية حول أجندة الكيان الفلسطينى، مساحته، صلاحياته، علاقاته مع العرب ومع إسرائيل والتزاماته الأمنية بالطبع. فى هذا السياق طرح شارون موقفه "المؤيد" لقيام دولة فلسطينية. وقد صوت حزب الليكود يوم 12مايو 2002 ضد موقفه هذا لأسباب متعلقة بالصراع على النفوذ داخل هذا الحزب، وضيق بذلك هامش مناورته الدولى. وقد وجد شارون أصلا صعوبة فى ترجمة عدوانه إلى إنجازات سياسية ولا حتى باللغة الأمريكية، ناهيك عن الأوروبية. ولكن هذا الموقف الليكودى الذى خلط التعنت الأيديولوجى بالمزايدة الحزبية الداخلية كشف أيضًا عن الهوة الكبيرة الفاصلة بين الاعتبارات العربية والإسرائيلية فى المبادرة والتحرك السياسى. هكذا اتضح أنه عندما كان العرب يعدون لمبادرة سلام عربية عشية قمة بيروت ترضى الولايات المتحدة كانت إسرائيل تعد للعدوان على الشعب الفلسطينى، مجتمعًا وسلطة. وعندما اجتمع قادة المثلث العربى المهم فى شرم الشيخ لإصدار بيان يؤكد الرغبة فى السلام ونبذ العنف، أصدرت لجنة الليكود المركزية قرارًا يعارض الدولة الفلسطينية حتى بالتفسير الشارونى. باشرت الحكومة الإسرائيلية بعد اسبوعين من العدوان بترتيب إنجازاته السياسية التى يتوجب أن تقدمها للمجتمع الإسرائيلى الذى دخل فى حالة "ترانس" أو "اكستازا" من نشوة لا بد لحكومة إسرائيل أن تقولبها وأن تحولها شعورياً الى نشوة انتصار. ومن هنا أهمية اعتقال مروان البرغوثى الرمزية والقضاء بكل ثمن على جيوب المقاومة فى جنين ونابلس، ومن هنا إصرار شارون على اعتقال من تدعى إسرائيل أنهم على علاقة باغتيال زئيفى. يجب أن يبرر شارون بداية الحرب ونهايتها بـ"إنجازات" عينية يعرضها على المجتمع الإسرائيلى، وربما أيضا على الولايات المتحدة. فحتى شارون لا يستطيع الاكتفاء بالحالة الشعورية الهستيرية لتبرير ما قام به. عليه أن يبرر ويفسر ويشرح. وإذا كانت المهمة المعلنة للحرب هى "القضاء على البنية التحتية للإرهاب" فعليه أن يظهر ولو بالديماجوجية كيف تم ذلك. ويحاول شارون أن يعرض "الإنجازات" بلغة مفهومة أمريكياً من تراث العدوان الأمريكى على الشعب الأفغانى بشكل يبرر العدوان الإسرائيلي: ضرب البنى التحتية (يقابله ضرب معسكرات التدريب فى أفغانستان)،اعتقال الآلاف (يقابل معتقل جوانتنامو)، اغتيال وإعدام الأسرى والمعتقلين المناضلين (يقابله بن لادن مطلوب حياً أو ميتًا). قد تجد إسرائيل مقابلا أمريكيا لقصف المدنيين ولكنها لن تجد مقابلا للنزعة التخريبية لجنودها ولسرقة الممتلكات ولمنع العلاج عن الجرحى. والأهم من ذلك كله أن إسرائيل لن تستطيع أن تختزل الموضوع الفلسطينى إلي"مسألة إرهاب"، ولا حتى فى الولايات المتحدة ذاتها. وذلك لوجود حالة اسمها الاحتلال والاستيطان. قد لا يفهم الرأى العام الأمريكى ما يفهمه الرأى العام الأوروبى عن حالة الاحتلال الكولونيالى، وقد يعتبر الاستيطان كلمة ذات دلالات إيجابية تذوقها المواطن الأمريكى من الذاكرة الجماعية حول تاريخه وتاريخ بلده الاستيطانى كما نقلت إليه عبر برامج التدريس والأفلام والأغانى. ولكن المواطن الأمريكى يفهم كلمة التمييز العنصرى والأبارتهايد، كما يفهم مطالب ديموقراطية من نوع حق تقرير المصير والانتخابات الحرة، وهكذا. وكلها مطالب يناضل الفلسطينى من أجلها. سيكون من الصعب بل المستحيل إلغاء الحق الفلسطينى أو تهميشه كقضية إرهاب حتى فى الولايات المتحدة ذاتها. ويصح هذا، كما يصح غيره من آفاق العمل السياسى، إذا ما طور الفلسطينيون ـ كحركة سياسية ومجتمعية وكحركة تحرر، وبشكل لا يحتمل التأجيل ـ الاستراتيجية اللازمة للتعامل مع الوضع الجديد الذى نشأ بعد العدوان الإسرائيلى الأخير والشامل، خاصة بعد أن دفع شارون بسياسات القوة إلى حدودها القصوى، وكشف بذلك عن حدود سياسة القوة. من هنا ننطلق إلى مستقبل النضال الفلسطينى بالبناء على ما حصل، ولكى لا نبدأ من الصفر. فى خضم النقاش حول جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل فى جنين ونابلس وأثناء اجتماع عرفات مع باول يوم الأحد 14ـ4، أقرت الحكومة الإسرائيلية اقتراح شارون وجيشه إقامة مناطق عازلة كثيفة التواجد العسكرى بمظاهر فصل مادية حادة على الأرض حول المدن الفلسطينية القريبة من الخط الأخضر: طولكرم وجنين والقدس. وإضافة لحملة الاعتقالات الواسعة الهادفة إلى ضبط النضال الفلسطينى والتحكم به يشكل قرار الحكومة الإسرائيلية يوم 14 أبريل الماضى بالفصل الديموجرافى الأمنى فى مناطق جنين وطولكرم والقدس نقطة فصل وتحول بين ما قبل العدوان وما بعده. لأنه يشكل بداية علنية لنظام الأبارتهايد المزمع إقامته فى فلسطين. لقد أعلن شارون فى جلسة الحكومة أن الخطوط التى سيرابط على طولها الجيش الإسرائيلى ليست حدوداً سياسية. الأمر الذى يؤكد أن القرار الحكومى الإسرائيلى ليس بداية لانسحاب من طرف واحد وإنما هو إقامة لنظام أبارتهايد من الفصل العنصرى الديموجرافى كحقيقة واقعة وبدون صفة دستورية أو رسمية. فما دام شارون لا يجد شركاء فلسطينيين للتفاوض حول " مرحلة انتقالية طويلة المدي" فإنه سيفرض هذه المرحلة من طرف واحد. وأى تعديل على هذا الفرض الإسرائيلى سوف يتطلب توجها فلسطينيا للتفاوض عليه، الأمر الذى سيتكفل تدريجياً وبفعل متطلبات الحياة اليومية بفرض أجندة مفاوضات جديدة لا تدور حول القدس أو اللاجئين أو المستوطنات أو الحدود بل حول شروط وظروف التعايش فى ظل الظرف الانتقالى المفروض. وإذا ما رغب الفلسطينيون بتطوير المفاوضات سياسيا مع إسرائيل، فسوف تدور المفاوضات حول الكيان السياسى الفلسطينى وحدوده وطبيعة

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions