عــــلي ضـفـــــاف «نهــــر البـــارد» يونية 2007

أيمن الصياد

أيا ماكانت الأصابعُ المختفية علي شاطئ غزة، أو تلك المنغمسة في «نهر البارد». وسواء كانت تستكملُ مسلسل زرع «ألغام الفتنة» تحت كل شبر في هذه المنطقة. أو

المحـتــوي

أيا ماكانت الأصابعُ المختفية علي شاطئ غزة، أو تلك المنغمسة في «نهر البارد». وسواء كانت تستكملُ مسلسل زرع «ألغام الفتنة» تحت كل شبر في هذه المنطقة. أو تعكسُ مابات واقعا من خلط بين العقيدة «في ثباتها» والسياسة «في تغيرها» والسلاح «في جموحه». أو كانت تبحث عن دور بدا أنه تاه تحت ركام الانفجارات، ووسط تعقيدات التحالفات.. والمتغيرات. ومهما كان قصدُ المذَكِّرين و«المُلحين» بأن شرارة الحرب الأهلية ــ التي يقف لبنان دائما علي أبوابها ــ تأتي بها الرياحُ عادة «إقليمية أو دولية» من أزقة «المخيمات» الفلسطينية المزدحمة بالقهر والفقر .. والسياسة. وأيًا ماكان الثمن الذي يدفعه هؤلاء أو أولئك «الجيـــران» الطيبـــون» الذين لا ناقة لهم ــ ربما ــ ولا جمل، تبقي ــ وإن نسينا أو تجاهلنا ــ في خلفية المشهد دائما قصة «المخيمات» .. وساكنيها؛ الذين هم، مهما يكن أمر السياسة أو الحرب، «بشرٌ» من لحم ودم.. لهم آباءٌ وأبناء، وأحلامٌ وآمال.. وذكريات. وأن هذه المخيمات كانت بالتعريف «بديلا مؤقتا». إلا أن هذا «المؤقت» طال ليأكل من عمر «البشر» ستين عاما كاملة، لتبقي ــ وإن ازدحمت روزنامتها بواقعات الميلاد والموت ــ فراغات في الجغرافيا ولكنها ــ لولا الأمل ــ بلا أفق في التاريخ. قبل أيام فقط من التهاب «نهر البارد» كنت أشاهد ــ علي الهواء مباشرة ــ جلسة استماع «مطولة» خصصها الكونجرس الأمريكي لموضوع كان عنوانه علي الشاشة لافتًا: «قضية اللاجئين اليهود والفلسطينيين». في الأسبوع ذاته، وفي مدينة «البتراء» الأردنية، وأمام حشد من النوبليين الحالمين بالسلام، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت يكرر دعوته إلي القادة العرب الاثنين والعشرين للحضور إلي القدس لعرض مبادرتهم علي الإسرائيليين مُذَكِّرًا بالثوابت الإسرائيلية: «حل قضية اللاجئين الفلسطينيين لن يكون أبدا ــ بالعودة ــ إلي إسرائيل». قد لايكون ثمة من رابط «اتفاقي» بين تصريح أولمرت «شرق الأردن» وبين جلسة الاستماع الأمريكية، ولكنها ــ أيضا ــ في أجواء مبادرةٍ تمهدُ لرسم خريطة طريق حل «نهائي»، ليست أبدا «مصادفة التوقيت». فقضية اللاجئين المزمنة تبقي إحدي أهم القضايا ــ إن لم تكن أهمها علي الإطلاق ــ التي تقف أمام المشروع الأمريكي/الإسرائيلي لإنهاء أزمة الشرق الأوسط «بالطريقة التي يريدون»، كما أنها بحكم عوامل ضاغطة مفهومة حتي علي أصحاب الحقوق أنفسهم تبقي المسألة المؤهلة لجر الأقدام المتعَبة خطوة أولي علي طريق تنازلاتٍ قد لاينتبهُ الكثيرون ــ غافلين أو عامدين ــ إلي مداه. نعرف جميعا ــ وإن أنسانا تعبُ الأيام وطمعُ المصالح ــ كيف بدأت قصة «المخيمات» التراجيدية الطويلة. ورغم أن الدراسات الموثقة لنور مصالحة و وليد الخالدي و سلمان أبو سته قد يكون فيها الكفاية، إلا أنني قد أنصح البعض هنا ــ منعا لتشكيكٍ أو اتهام بالتحيز ــ أن يرجعوا إلي كتابات مؤرخين إسرائيليين مثـــل Benny Morris و Tom Segev و Norman Finkelstein أو حتي Meron Benvenisti الذي عمل ــ فعليا ــ في جهاز الاحتلال الإسرائيلي وكان نائبا لرئيس بلدية القدس. وخاصة الكتاب الأخير لأستاذ التاريخ والعلوم السياسية بجامعة حيفا Ilan Pappe الذي حمل عنوانا واضحا The Ethnic Cleansing of Palestine وهو الكتاب الذي أثار عليه عاصفة دفعته قبل أيام فقط إلي قرار بمغادرة إسرائيل ليقيم في بريطانيا ليتمكن من مواصلة كتابة تاريخ بلاده في «مؤسسة أكاديمية أكثر انفتاحا ونزاهة» مشيرا إلي أن «المجتمع الإسرائيلي مجتمع عنصري وانعزالي وعاجز عن فهم تاريخه وعن الاعتراف بجرائمه..». ذكرتني وقائع جلسة الاستماع الأمريكية، وكان أحد المتحدثين أمامها شبل تلحمي الأستاذ بجامعة ميريلاند، بتقرير ديموجرافي يفيد بأن عدد السكان الفلسطينيين في فلسطين التاريخية في نهاية عام 2003 بلغ أربعة ملايين و600 ألف ، منهم 7،3 مليون في الضفة والقطاع و900 ألف داخل ما يسمي الخط الأخضر فلسطينيو 48 بينما عدد اليهود هو 5 ملايين و100 ألف. وأن عدد الفلسطينيين في عام 2005 وصل إلي 1،5 مليون فلسطيني مقابل 3،5 مليون يهودي، أما بحلول عام 2010 فمن المتوقع أن يصبحَ الفلسطينيون أغلبية 2،6 مليون في مقابل 2،5 مليون يهودي وهو المعدل الذي يعني استمراره أن يصل عدد الفلسطينيين في عام 2020 إلي 2،8 مليون مقابل 4،6 مليون يهودي. ويحكي تاريخ اليهود القريب كم كان مسكونا دائما بالديموجرافيا. ويحكي كيف شغل هاجس «المسألة الفلسطينية» فكر الصهيونية منذ نشأت قبل قرن من الزمان، بالضبط كما شغلت «المسألة اليهودية» ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. ومع التسليم باختلافات في السياق والدوافع، إلا أن المذابح والطرد والترحيل القسري ظلت الأساليب الأقرب، أو الأسهل، أو التي لامفر من اللجوء إليها ! «نريد فلسطينا بدون عرب .. أرضا بلا شعب» هكذا كان مبدأ لجنة الترانسفير في الأربعينيات. وأيامها أوضح زئيف جابوتنسكي في نوفمبر 1939 : «ليس هناك خيار..يجب أن يخلي العربُ المكان لليهود..». في عام 1947 كما نعلم جميعًا صدر قرار التقسيم الشهير عن الأمم المتحدة. وبغض النظر عن تفاصيل كثيرة، بعضها للأسف نسيناه، كان معني القرار «ديموجرافيا» أننا أمام دولتين: دولة يهودية علي 54%، من مساحة فلسطين، لمن يملكون 5% فقط منها، ونصف سكانها عرب، ودولة عربية علي مساحة 46% لمن يملكون 95% ويحكي لنا المؤرخون الإسرائيليون انظر القائمة أعلاه كيف كان علي قادة الدولة الناشئة تصحيح الخلل الديموجرافي. بالاعتماد الرسمي لسياسة «الترويع» التي كانت قد بدأت فعلاً في ظل صمت أو تواطؤ من سلطات الانتداب البريطانية. وعرفت القري الفلسطينية «البسيطة» المذابح المنظمة المتوالية التي تولت مسؤوليتها في ذلك الوقت المنظمات العسكرية التي أنشأها وقادها مناحيم بيجين وإسحاق شامير. لم تكن حرب 1948 قد بدأت بعد، وهي الحرب التي يُلقي الإسرائيليون عليها مسؤولية نشأة مشكلة اللاجئين، حين أخذت خطة «دالت» الصهيونية طريقها للتطبيق نشرها وليد الخالدي، وفصلها بنفنيستي في كتابه The Buried History

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions