فـى البلدان الإسـلامية لمـاذا تغـيب الديموقراطية؟ يوليو 2009

جون اسبوزيتو

عندما كنت أنهى إجراءات الجوازات للسفر من لندن إلى إدنبرة، سألنى أحد موظفى الجوازات: يا چون «ما الذى ستعمله فى إدنبرة؟» ولما سمع إجابتي: «سألقى محاضرة رئيسة فى مؤتمر عن الإسلام والديمقراطية»..ابتسم وقال: «ستكون تلك محاضرة وجيزة!».



المحـتــوي

عندما كنت أنهى إجراءات الجوازات للسفر من لندن إلى إدنبرة، سألنى أحد موظفى الجوازات: يا چون «ما الذى ستعمله فى إدنبرة؟» ولما سمع إجابتي: «سألقى محاضرة رئيسة فى مؤتمر عن الإسلام والديمقراطية»..ابتسم وقال: «ستكون تلك محاضرة وجيزة!».
صادفتْ تعليقاته قناعة لدى الكثيرين فى الحكومة، ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام؛ بأن الإسلام أو المسلمين لا يتوافقون بحكم طبيعتهم مع الديمقراطية. وقد دعم هذه النظرةَ النقادُ الأكاديميون وموظفو الحكومة فى أنحاء أوروبا والولايات المتحدة.
كتب «فرانسيس فوكوياما» بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر؛ وهو من المُنظِّرين المحافظين الجدد السابقين:
«للحداثة أساس ثقافى. ولا تنجح الديمقراطية الليبرالية والأسواق الحرة فى كل مكان. فهى أنجح ما تكون فى المجتمعات التى تملك قيمًا معينة، ربما لا تكون أصولها منطقية تمامًا. وليس من المصادفة أن الديمقراطية الليبرالية الحديثة قد نشأت أولاً فى الغرب المسيحي؛ حيث إن العالمية فى الحقوق الديمقراطية يمكن اعتبارها صورة علمانية من المسيحية العالمية. ولكن يبدو حقا أن هناك شيئًا عن الإسلام، أو على الأقل فيما يخص الصور الأصولية للإسلام، التى ظلت سائدة فى السنوات الحديثة، مما يجعل المجتمعات الإسلامية مقاومة للحداثة بصفة خاصة».
لقد استخدم «تونى بلير» (Tony Blair) الحجة التالية لتبرير غزو العراق:
«يواجه هذا العالم الجديد تهديدًا جديدًا من الفوضى والاضطراب نتيجة للدول القاسية مثل العراق، المسلحة بأسلحة الدمار الشامل، أو الجماعات الإرهابية المتطرفة. وهم جميعًا يكرهون طريقتنا فى الحياة وحريتنا وديمقراطيتنا».
إن جماعة متنوعة من موظفى الحكومة وأعضاء الكونجرس والنقاد تردد آراء الخبراء الأكاديميين من أمثال «صمويل هانتنجتون» (Samual Huntington) و«برنارد لويس» (Bernard Lewis)؛ التى تحذر من أخطار «صدام الحضارات» ولهذا الاعتقاد جذور عميقة بين صناع القرار والخبراء، وهو استجابة بصفة جزئية لبعض الحقائق السياسية فى العالم الإسلامي:
* من كل أربع دول أغلب سكانها مسلمون، توجد دولة واحدة تنتخب حكوماتها بطريقة ديمقراطية.
* الحكام فى عدد من الدول الإسلامية التى تدّعى إجراء انتخابات ديمقراطية يفوزون فى انتخابات الرئاسة بصورة روتينية بنسب تقريبية تتراوح بين 90% و9،99%. وقد فاز رئيس تونس «بن علي» بنسبة 4،99% من الأصوات فى انتخابات الرئاسة فى عام 1999، وبنسبة 94.5% فى عام 2004 . وفى مصر فاز الرئيس حسنى مبارك بنسبة 94% فى عام 1999، وبنسبة 6،88% فى عام 2005 من أصوات الناخبين.
* إن أغلب الحكومات الإسلامية تسيطر على الأحزاب السياسية المعارضة، والمنظمات غير الحكومية، وتحدّد نشاطها بصورة قاسية. ولها سلطة الترخيص لها أو منعها وحلِّها، وكذلك تتحكم فى قدرتها على عقد الاجتماعات العامة والاتصال بوسائل الإعلام.
فى عام 2001 على سبيل المثال، وبعد عامين من اعتلاء الملك عبد الله عرش الأردن، قام بحلّ البرلمان عند نهاية مدته؛ واستخدم «الأمن» تبريرًا لتأخير الانتخابات طوال عامين آخرين. وقد ألغى الرئيس المصرى حسنى مبارك الانتخابات البلدية المقررة فى ربيع 2006فجأة؛ خوفًا من تنامى شعبية الإخوان المسلمين، بعد أن فازوا بخُمس المقاعد فى الانتخابات التشريعية فى عام 2005. ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين لا تزال محظورة بصفة قانونية فى مصر، فلا بد أن يتقدم مرشحوها باعتبارهم مستقلين. وإذا كانت الانتخابات قد أجريت فى المملكة العربية السعودية فى عام 2005 لانتخاب أعضاء المجالس البلدية، فإن المجالس قليلة السلطة، أو لا سلطة لها. ولم تتحقّق إصلاحات كثيرة وعد بها كبار الأمراء.
فى مقابل هذه الخلفية، أشار الرئيس چورچ بوش إلى الاهتمام بنقص الديمقراطية فى العالم الإسلامي، واعتبر التحول الديمقراطى هدفًا رئيسًا للسياسة الخارجية الأمريكية، بناء على أسباب جيدة. فالديمقراطيات أكثر استقرارًا من الدكتاتوريات. والديمقراطيات المستقرة تُقَلِّل الظروف التى تُفرِّخ الصراع السياسى والراديكالية والعنف والإرهاب.
إن سـياسة الولايات المتحدة نحـو الديمقراطية فـى الشرق الأوسـط تتـفق فعـلاً مـع عواطـف الأغلـبية الهائـلة من أولئك المشاركين فـى الاستفتاء؛ الـذين يقـولون إنـهم معجبـون بالحـريات السياسية فـى الغرب، ويقدّرون حق تقرير المصير، ويرغبون فى المـزيد منه. ولكـن إذا كانت الـرغبـة فى الديمقراطية لا جدال فيها؛ فلماذا لم يكن الطـريق إليها إذًا أيسر وأسرع؟ إن استفتاء «جـالوپ» العـالمى عـن آراء المشـاركين فى الديمقراطية والسياسة الخارجية الأمريكية يقدم اتجاهات مهمة عن الآراء المشتركة والفوارق المميزة فى التوقعات والأهداف والطرق الواصلة إلى هناك.
إذا كان نشر الديمقراطية هو الهدف المقرر للحكومة الأمريكية، فإن الأغلبية فى الأردن ومصر وإيران وباكستان وتركيا والمغرب لا توافق على جدّية الولايات المتحدة فى نشر الديمقراطية فى مناطقها من العالم.
إن التغير الحديث فى كلام إدارة بوش عن نشر الديمقراطية فى العالم العربى يبدو أنه يدعم هذه الاتجاهات، وخاصة عند اعتبار زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندوليزا رايس» (Condoleeza Rice) للشرق الأوسط فى يناير 2007 . وقد ألغت رايس قبل سنتين زيارة مقررة إلى مصر، احتجاجًا على اعتقال أيمن نور؛ وهو من الزعماء السياسيين الديمقراطيين الليبراليين. وبعثت رايس برسالة: «إن إدارة بوش جادة فى دفع الإصلاح الديمقراطى فى العالم العربي». وعندما زارت مصر فعلاً فى أوائل عام 2006 ، فإنها أنفقت أغلب الوقت فى مناقشة حاجة مصر إلى دفع الديمقراطية والإصلاح. ولما عادت رايس إلى تلك الدولة بعد عام، فإنها على كل حال لم تذكر عَلَنا تراجع مصر عن الديمقراطية والإصلاح. كان نور أقرب المتَحدِّين للرئيس فى انتخابات الرئاسة فى عام 2005 ، ولكنه سُجِن مرة أخري، وتراجعت البلاد عن التقدم الذى أحرزته فى حرية المعارضة والتعبير. وقد وصفت رايس نظام التسلط فى مصر بدلا من ذلك بأنه جزء من «علاقة إستراتيجية مهمة، نقدّرها تقديرًا عظيمًا».
إن اتجاه إدارة بوش فى إستراتيجيتها الجديدة فى الشرق الأوسط هو تدعيم التحالفات التاريخية للولايات المتحدة مع الأنظمة العربية السُّنية الاستبدادية؛ التى كانت سياستها القمعية مدعاة للوم فى التشجيع على التطرف، وأمثال القاعدة. والآن تصف رايْس حكام مصر والأردن والإمارات الست الخليجية وهم من أصحاب الحكم المطلق بأنهم «زعماء مسئولون»؛ لأنهم ينشئون القوة الدافعة فى التحالف ضد إيران فى المنطقة.
ينعكس الغضب من سياسة الولايات المتحدة فى المنطقة فى الصحافة العربية.
يقول الصحفى اللبنانى «ميشيل يونج» (Michael Young):
«إن جدول الأعمال الأمريكى قد تغيّر تمامًا، فالذى كان مفروضًا للعراق أن تتحول إليه قد حلّ محلّه جدول أعمال جديد كليّّا، يحتوى على إيران وحلفاء إيران... لقد انتهت المناقشة حول الديمقراطية اليوم... وإنى آسف لذلك».
فى أعقاب الصراع بين إسرائيل وحزب الله فى لبنان فى عام 2006، وبعد قرار الولايات المتحدة قطع المساعدة لحكومة فلسطين بعد انتخاب حماس زاد اعتراض الصحافة العربية فى الإشارة إلى «المقاييس المزدوجة» للولايات المتحدة فى دعمها للديمقراطية. وقالت افتتاحية فى صحيفة سورية باللغة الإنجليزية هى «سيريان تايمز» (Syrian Times): «إن بوش ومساعديه المحافظين الجدد مازالوا مُصمّمين على حرب العالم كله باستخدام الشعارات الكاذبة والنفاق. وهم فى الممارسة العملية، يقفون بعيدا عن مبادئ الحرية والاستقلال والديمقراطية».
وكتب عز الدين درويش فى «تشرين» السورية:
«تريد الإدارة الأمريكية فى لبنان أن تستأصل المقاومة من خلال التدخل فى النسيج اللبنانى وإحياء الصراع بين الطوائف والمتعصبين. إنها تريد دفع تجار السياسة والحروب إلى المقدمة، واستخدام الضغط على المستوى العربى والدولى لفرضهم حكامًا على لبنان».
اتهم تعليق درويش كذلك الولايات المتحدة بالتدخل فى السياسة الفلسطينية حتى تضمن انتصار فتح على الرغم من دعم الناخبين لحماس:
«فى المناطق الفلسطينية تريد هذه الإدارة أن توقف التفاعل بين الزعماء والجذور الشعبية، وتحاصر المقاومة، وتدق إسفينًا بين الحكومة المنتخبة والناس،على توافق مع خطط الاحتلال الإسرائيلى. كانت النتيجة هذه الحرب بين الإخوة».
ومع ذلك، فعلى الرغم من أن الكثيرين لا يؤمنون بأن الولايات المتحدة جادة فى الديمقراطية فى هذه المناطق، فإن كثيرين فى العالم الإسلامى يقولون إن الحرية السياسية والتحرر، وحرية التعبير هى أكبر ما يدعو إلى إعجابهم بالغرب. وتربط نسبة كبيرة بين «النظام القضائى العادل» و«المواطنين الذين يتمتعون بحريات عديدة» وبين المجتمعات الغربية.
إن نقص الوحدة والفساد السياسى والاقتصادى والتطرف هو أقل ما يدعو إلى إعجاب الكثيرين بالعالم العربى والإسلامي، فى الوقت نفسه.

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions