بنيامين نتنياهو...«مكان تحت الشمس» يوليو 2009

أحمد محمد أبوزيد

يبدو أن مستقبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة «الثالثة عشرة» والأكبر حجمًا فى تاريخ إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو سيكون واعدًا، فالرهان على عدم قدرته على حيازة الأغلبية والتوافق مع باقى الأحزاب من أجل تدعيم موقف حزبه الذى جاء ثانيًا فى الانتخابات العامة والذى كلف بتشكيل الحكومة رغم ذلك قد ثبت وهنه. وعليه، فعلى الفلسطينيين وباقى وحدات النظام السياسى الإقليمى العربى الاستعداد الكامل طواعية أو كراهية لمدة أربع سنوات قادمة مع رئيس وزراء إسرائيلى يمثل انعكاسًا لأقصى جناح يمينى صهيونى متطرف Ultra-Wright wing فى تاريخ الدولة الإسرائيلية؛ ومع حكومة أقل ما يمكن أن توصف به أنها حكومة «عنصرية» إن لم تكن «إرهابية».



المحـتــوي

يبدو أن مستقبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة «الثالثة عشرة» والأكبر حجمًا فى تاريخ إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو سيكون واعدًا، فالرهان على عدم قدرته على حيازة الأغلبية والتوافق مع باقى الأحزاب من أجل تدعيم موقف حزبه الذى جاء ثانيًا فى الانتخابات العامة والذى كلف بتشكيل الحكومة رغم ذلك قد ثبت وهنه. وعليه، فعلى الفلسطينيين وباقى وحدات النظام السياسى الإقليمى العربى الاستعداد الكامل طواعية أو كراهية لمدة أربع سنوات قادمة مع رئيس وزراء إسرائيلى يمثل انعكاسًا لأقصى جناح يمينى صهيونى متطرف Ultra-Wright wing فى تاريخ الدولة الإسرائيلية؛ ومع حكومة أقل ما يمكن أن توصف به أنها حكومة «عنصرية» إن لم تكن «إرهابية».
فى أدبيات العلوم السياسية والعلاقات الدولية هناك العشرات إن لم يكن المئات من النظريات والمناهج والأدوات التى تستخدم لتحليل وتفسير سلوك الدول والجماعات والأفراد باعتبارهم وحدات سياسية. ولعل من أهم هذه النظريات والأدوات هى أداة تحليل المضمون والخطاب Content Analysisف والمقصود بأداة تحليل النصوص والخطاب: «هى تلك الأداة التى تهتم بجميع أنواع القول أو الخطاب النصوص سواء أكانت مكتوبة أو منطوقة؛ لغوية أو غير لغوية. أى أنها تعتبر كل أداة فى العالم نصًا وخطابًا قابلاً للتحليل والتقسيم والقراءة. حيث تقوم هذه الأداة وفقًا لمنهجية علمية فى القراءة والتفسير فى ظل سياق النص أو الخطاب المراد تحليله لتأسيس الفهم العلمى للنصوص واستنتاج وفهم دلالاته ومكنوناته الظاهرة والباطنة». حيث سيتجنب الباحث نظريًا على قدر الإمكان أسلوب الانتقاء وانتزاع الجمل من سياقها ووضعها فى غير موضعها؛ بما يؤدى لتأويل وتغيير معانيها ودلالاتها اللغوية والفكرية. بما سيؤدى لتشويه النتائج والاستنتاجات وانحراف سياق التحليل والوصول لنتائج خاطئة لا تغنى ولا تسمن من جوع.
نحن نتفق مع الرأى القائل بأن سلوك الوحدات السياسية (دول جماعات أفراد) يمكن فهمه وتفسيره والقدرة على التنبؤ به من خلال ثلاثة مستويات. فطبقًا لعالم السياسة الأشهر فى النصف الثانى من القرن العشرين Kenneth Waltz فإن هناك ثلاثة مستويات Three Images لتحليل وفهم العلاقات الدولية وسلوك الدول فى النظام الدولى. الأول يذهب للقول بأن السياسة الدولية مدفوعة أساسًا من أفعال الأفراد أو النتائج النفسية لسلوك القادة والسياسيين. المستوى الثانى فى شرح السياسة الدولية يرى أنها نتيجة للدوافع وطبيعة التركيب الداخلى والمحلى للدول، فى حين أن المستوى الثالث يركز على دور العناصر الهيكلية أو النظامية، أو تأثير الفوضى الدولية التى تمارس على سلوك الدولة. والتى لا تعنى فى هذا السياق الاضطراب، ولكن عدم وجود قوى أكبر تمارس السيادة على الدول القومية. بالنسبة للأفراد (الشخصيات العامة والسياسية Public Figures) فإنهم يقعون فى المستوى الأول. فمن خلال تبوئهم للمناصب العامة أو امتلاكهم للنفوذ وقدراتهم على سن القوانين والتشريعات الملزمة واتخاذ القرارات التى من شأنها التأثير على سلوك الدول وتحديد مستويات واتجاهات وطبيعة علاقاتها الخارجية مع باقى وحدات النظام الدولى.
لفهم السياسة الدولية للدول العبرية من خلال تحليل كتاب بنيامين نتنياهو الذى بين أيدينا فإننا سوف نستخدم أداة تحليل الخطاب والنصوص؛ ومن خلالها سنحاول الوصول لعموميات Generalizations نستطيع معها تكوين نسق عقيدى Belief System أو شبكة معرفية Cognitive Network تساعدنا على معرفة نمط وأسلوب تفكير نتنياهو فى المستقبل؛ وذلك عن طريق ترتيب أولوياته وأهدافه من خلال كتاباته والنصوص المنشورة له. وهنا سوف نقوم بتحليل Analysis وتفكيك وتبعيد Dimensionalization كتاب نتنياهو «مكان بين الأمم».
1 الكتاب والكاتب: نموذج الواقعية الهجومية
الكتاب الذى سنتطرق إليه الآن هو «مكان تحت الشمس A Place Among the Nations» نشر للمرة الأولى عام 1993 باللغة العبرية، وترجم للإنجليزية عام 1994/1995، وللعربية عام 1996 عن طريق دار الجليل بالأردن. والكتاب عبارة عن خليط من السيرة الذاتية للمؤلف؛ والكتابات الصحفية، والأفكار النظرية الخاصة بعلم العلاقات الدولية (خاصة علم الاستراتيجية وحل وإدارة الصراعات والأزمات الدولية والسلام الديمقراطى Democratic Peace Theory وتوازن القوي). إلى جانب الكثير من المغالطات والافتراءات العنصرية؛ التى لا تثبت أمام أى تحليل علمى (تاريخى أو أنثروبولوجي)؛ وبالطبع الكثير من الذم والقدح والتطاول والافتراء على العرب عامة والفلسطينيين خاصة. ولكن إجمالاً، فإن الكتاب فى رأينا يمثل خلاصة التفكير اليمينى الصهيونى. وجاء معبرًا بصدق عن الأجندة الحقيقية للكيان الصهيونى بدون مجاملة أو تجميل. وهو كتاب لا يجب أن يغيب أو أن يحرم من قراءاته كافة الناطقين بلغة الضاد. فهو يحمل رسالة مباشرة عن «كيف يفكر العدو؟» ويقول بصراحة «ماذا يريد منا؟» ويحدد وبوقاحة «كيف يحقق ما يريد؟» فمن عرف لغة قوم.. أمن مكرهم كما ذكر صلى الله عليه وسلم.
أما الكاتب فهو بنيامين بن تشيون نتنياهو أستاذ التاريخ اليهودى تخرج من جامعة MIT للتكنولوجيا أرقى جامعة متخصصة فى التكنولوجيا فى العالم. كان مندوب للولايات المتحدة فى الأمم المتحدة خلال الثمانينيات من القرن العشرين. ثم انتخب عضوًا فى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلى أوائل التسعينيات. ثم تولى رئاسة الوزراء فى إسرائيل من عام 1996: 1999. هذا الرجل يعتبر مثالاً نموذجيًا Typical Model للنظرية الواقعية الهجومية Offensive Realism فى العلاقات الدولية؛ والتى توجد أصولها النظرية فى كتابات علماء وباحثين واقعيين مثل البروفيسور John mearsheimer, Randell Schweller, Freed Zakria وغيرهم. وبيبى Bibi (كما كان الرئيس الأمريكى السابق كلينتون ينادى نتنياهو) يتخذ من مقولات وأطروحات هذه المدرسة أسلوبًا ونظامًا للتخطيط والعمل السياسى له. هذه المدرسة سنتطرق لها بإيجاز فى الجزء الثانى من هذه الدراسة؛ وفى الجزء الثالث سوف نقوم بتطبيق أداة تحليل الخطاب والنصوص من منظور الواقعية الهجومية على كتاب نتنياهو الذى بين أيدينا.

 

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions