الإنترنت في العالم العربي: ملعب الليبرالية السياسية نوفمبر 2005

ألبرشت هوفهاينز

بعد عقود من الركود السياسي، في بواكير 2005 شُعِر في الشرق الأوسط برياح أمل جديدة، ترافقها لازمة أخذت تدور دورتها في الإعلام الأمريكي، «الربيع العربي».

المحـتــوي

بعد عقود من الركود السياسي، في بواكير 2005 شُعِر في الشرق الأوسط برياح أمل جديدة، ترافقها لازمة أخذت تدور دورتها في الإعلام الأمريكي، «الربيع العربي». كان يري في المظاهرات الشعبية بلبنان، والتي أعانت علي إسقاط الحكومة وإجبار سوريا علي إجلاء قواتها، أفضل تجسيد للاتجاه الجديد. الانتخابات الوطنية في العراق والمحلية في فلسطين والعربية السعودية، أو تغيير الدستور المصري ليسمح بأكثر من مرشح رئاسي، كانت علامات أخري علي أن التغيير ربما يكون أخيرا في الطريق. كان عصر البطاركة العجائز، كما بدا، يقترب من نهايته. ودوما ما كان ينظر لوسائل الإعلام الجديدة - التليفزيونات الفضائية، الهواتف المحمولة، الإنترنت - باعتبارها قد عجلت بهذا التطور بتخفيف التحكم المهيمن للحكومات في تدفق المعلومات. ولا ننسي، بالطبع، العوامل الخارجية: فما انفك مؤيدو إدارة بوش يقولون إن حزم الولايات المتحدة وإصرارها علي قيم الحرية والديمقراطية هو ما كان يبدأ في جني ثمرته. الإصلاح عبر الإعلام بالنسبة لأولئك الذين يناضلون من أجل الحرية والديمقراطية في العالم العربي، فإن السجال علي الثقل النسبي للعوامل الخارجية مقابل الداخلية في جلب التغيير هو سجال ذو أهمية سياسية عظيمة، حيث إنهم مضطرون لدفع الاتهامات بكونهم مجرد دمي لمشروع استعماري جديد (نيوكولونيالي) تتزعمه أمريكا، يروج «أفكارا غربية» مستوردة تهدد بإفساد القيم «الأصيلة» للمجتمعات العربية التي تقاتل من أجل الاستقلال الحقيقي وتقرير المصير. المتفائلون العلمانيون مثل عالمة الاجتماع المغربية فاطمة مرنيسي (www.mernissi.net) من ثم يحتفون بالقوة التحريضية لدي مشاهد الفضائيات سريع الحركة وبالافتتاحات الأهلية لـ «السنابد» الجدد كما تلقب العرب المبحرين في الحِمي الجديد، الفضاء التخيلي (Mernissi 2004). لا تني مرنيسي تقول إن قوة الكلمة ستكتسح الحاكم، وإن قوة شهرزاد ستسود علي السلطان أخيرا، والتي هي أيضا، لا سيما، قدرة المرأة علي تغيير عالم ذكوري. وهي في بحثها عن كشف جذور قديمة متأصلة لهذه الخطابات البديلة، ليست فقط تعد بشرعية بِكر للعمل الأهلي في العالمين العربي والإسلامي، بل تشجع أولئك الذين لم يكن لهم صوت مُشهَر من قبل، النساء، الشباب، القرويين، ليرفعوا صوتهم، وتعقد الأمل والإيمان عليهم لمواجهة الانتكاسات الوقتية. أكثر من أي شيء آخر، لعل هذا هو الموقف الذي يميز خير تمييز نشطاء المجتمع المدني علي الإنترنت العربية اليوم. تكلم جهارا. لا تدعهم يسكتونك. ولكن أهذه مجرد قصة خرافية؟ الأمثلة علي الآمال المتهاوية تتكاثر عبر المنطقة. مثلا، زهير يحياوي «التونسي»، الذي جرؤ علي الكلام جهارا بنشره مجلة وِب ناقدة للنظام (www.tunezine.com)، والذي قبض عليه وأصبح قضية الموسم العربية الأولي لرقابة الإنترنت، لم يعش حتي يري حلمه يتحقق: مات بأزمة قلبية في 13 مارس 2005، وعمره 36. لقد «نجح في فتح ثغرة»، قالها مؤيدوه - لكن النظام الذي ناضل هو ليهزمه لا زال يعزز ما أشارت إليه بي.بي. سي كـ «واحد من أكثر أنظمة رقابة الإنترنت المحبوكة في العالم». في سوريا، كان رئيس ومؤسس جمعية الحاسبات السورية (ج. ح. س) محط أمل غير هين بخصوص تحقيق ليبرالية النظام السياسي عندما خلف والده علي «العرش» في 2000؛ والآن فإن ج.ح.س (أحد موزعين اثنين فقط لخدمة الإنترنت في البلاد) تعرف أول ما تعرف بافتقارها التام للشفافية في منع المرور لمواقع الشبكة، وسوريا بين الأمم العربية السباقة إذا ما ذكر اعتقال المواطنين علي ذمة تهم متعلقة بالإنترنت (Eid 2004). الرقابة عاجزة تظل الرقابة مسألة شائكة في المنطقة، رغم أنه ليس كل الدول تمارسها بنفس الدرجة. أساليب متعددة تستخدم. فتشيع في السعودية وسوريا وتونس واليمن غربلة وحجب مواقع بعينها محسوبة في عداد الخارجة لأسباب أخلاقية أو سياسية. وقد قللت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن من الغربلة، مركزة علي القليل من مواقع المعارضة السياسية. تغربل قطر فقط ما تراه بورنوجرافيا. والمرور غير المغربل متاح في المغرب والجزائر وليبيا ومصر والسودان ولبنان والعراق والكويت. في بعض الحالات (مثلا السودان واليمن والمغرب) صارت تكلفة الوصول للإنترنت عالية جدا لعدة سنوات مما يقصُر استخدام الإنترنت بفعالية علي أقلية ضئيلة، مع ذلك فهذا آخذ في التغير. وحتي في البلاد التي لا تغلق المرور لمواقع تراها خارجة أخلاقيا أو سياسيا، علي أي حال، فإن الحركة المرورية مراقَبة من قِبل الشرطة وأجهزة الأمن. في السودان، كمثال، وافقت السلطات علي إدخال الشبكة (في 1997) فقط بعدما وجدت ترتيبا سمح للخدمات الأمنية بوصول سهل إلي كل الحركة المرورية: سودانت Sudanet، موزع خدمة الإنترنت الوحيد في بادئ الأمر، كان نصفه مملوكا لوكالة الأمن (وهكذا تمدها بدخل أيضا)، وفي البداية، كان علي المستخدمين تسليم كلمات السر التي تخصهم واضحة الشكل لموزع الخدمة ولم يكن مسموحا لهم بتغييرها. بالرغم من ذلك، فيما تظل الرقابة مسألة همها كبير، لم تكن الحكومات قادرة علي إسكات تعبير المنشقين علي الشبكة، وعلي منع الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا في تقوية الاتصال والتنسيق بين المعارضة ونشطاء المجتمع المدني. إن منع المرور لمواقع معينة يفي بغرض ترحيل جمهور المستخدمين الاعتياديين بعيدا عن المحتوي غير المرغوب فيه؛ وهو لا يعوق أولئك الذين يريدون فعلا الاتصال بالمعارضين طالما أمكنهم إيجاد طرق لتفادي التحكم الرسمي بسلاسة نسبية. وربما وُجد الخوف من الرد، ولكن، كما يذهب محام لحقوق الإنسان بالسودان في مقابلة مع كاتب هذه السطور، «تعرف الحكومة ما نعتقده بطريقة أو بأخري، لذا فلو أرادوا القبض علينا فهم يفعلون ذلك سواء أذعنا رأينا علي الشبكة أم لا، لذا فنحن لا ندع ذلك يقيدنا». تمارس السعودية وسوريا وتونس التحكم الأغلظ يدا في حركة مرور الإنترنت بالمنطقة، ولكن حتي - أو ربما بالخصوص - في هذه البلاد، أثبتت الشبكة كونها عاملا حيويا في فتح النوافذ وتوسيع مجال ما يمكن قوله علي الملأ. فتح زهير يحياوي «ثغرة» كما رأينا؛

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions