لا تراهنــوا علي ديجـول إسرائيلي ..الـرجـل الـذي لا يتغير! يناير 2005

هنري سيجمان

[ 1 ] حين أعلن أريئيل شارون لأول مرة اعتزامه «فك الارتباط» من جانب واحد بغزة وتفكيك أربع مستوطنات معزولة شمالي الضفة الغربية، اعتقد الكثير من

المحـتــوي

[ 1 ] حين أعلن أريئيل شارون لأول مرة اعتزامه «فك الارتباط» من جانب واحد بغزة وتفكيك أربع مستوطنات معزولة شمالي الضفة الغربية، اعتقد الكثير من المراقبين أنه في سبيله لتحقيق توقعهم بتحويله نفسه عاجلاً أم آجلاً إلي ديجول الإسرائيلي واتخاذه قرارات صعبة تنهي في آخر الأمر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وحتي هؤلاء الذين كان لديهم شك في احتمال حدوث مثل هذا التحول، وكانوا يعتقدون أن شارون يقصد بالانسحاب من غزة خلق فعالية تؤدي في الوقت ذاته إلي مزيد من الانسحاب من الضفة الغربية، إذ أنه يقضي بذلك علي خرافة أن أي سعي لتفكيك المستوطنات سوف يجر البلاد إلي حرب أهلية. ولهذا السبب حظيت مبادرة شارون بالترحيب، ليس فقط من حكومة بوش، التي لم تجد أن شارون قد اتخذ أي إجراء من الفظاعة بحيث لا يستحق التأييد الأمريكي، بل كذلك من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا (الأعضاء الثلاثة الآخرون في اللجنة الرباعية التي شُكِّلت للإشراف علي تنفيذ «خارطة الطريق»). ما عزز تصور أن يتحول المهندس الرئيسي لمشروع المستوطنات إلي قائد لحملة تدعو إلي إزالتها هو ذلك الصدع الذي يزداد اتساعًا بين شارون والكثيرين من حزبه الحاكم الليكود؛ الذي رفض بشدة اقتراحه طرح الانسحاب من غزة للاستفتاء في 2 مايو. وقد أخزت اللجنة المركزية لليكود شارون مرة أخري في 31 يوليو بالتصويت ضد اقتراحه إدخال حزب العمل في الحكومة لخلق أغلبية في مجلس وزرائه تؤيد الانسحاب (صوتت اللجنة لمصلحة القرار في 9 ديسمبر). وفي 11 أكتوبر انضم كثيرون من حزب شارون الحاكم إلي المعارضة السياسية تأييدًا لتحرك شكلي لرفض خطاب «حالة الأمة» بمناسبة افتتاح الدورة الشتوية للبرلمان الإسرائيلي. وكانت تلك هي المرة الأولي في تاريخ إسرائيل التي تصوت فيها الكنيست الإسرائيلية للتعبير عن عدم الثقة في خطاب الافتتاح الذي يلقيه رئيس الوزراء. وفي أعقاب ذلك صوتت أغلبية واضحة من أعضاء الكنيست في 26 أكتوبر تأييدًا لخطة شارون، لتطغي بذلك علي معارضته داخل حزب الليكود. أقنع استعداد شارون للمخاطرة برئاسته للوزارة ولانقسام حزبه حول قضية الانسحاب من غزة الكثيرين في أبعد الجهات احتمالاً بأنه أدرك أخيرًا أنه «لا يمكنه محو حلم الفلسطينيين القومي بالقوة»، كما جاء في مجلة «ذي إيكونوميست». ودعت المجلة «العالم الذي اعتاد تصوير مستر شارون علي أنه شيطان» إلي أن يتمني «له النجاح». وبالمثل تساءل الكاتب الصحفي أفراهام تال «هل يتخلص شارون يومًا من الصورة الشيطانية الملتصقة به؟ إنه حتي حين يقرر اتخاذ الإجراءات لا يتخيل أحد قط أنه قادر علي ذلك، حيث إنه يكافح ببسالة ضد قوي متشبثة بآرائها داخل حزبه وتحاول القضاء عليه. ومازال شارون يصوَّر علي أنه سياسي ماكر يموه نواياه الحقيقية باستمرار.» استشهادًا بمقال كنت قد نشرته في صفحة الرأي بصحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون»، انتقد تال «سيجمان ومن علي شاكلته» لعدم فهمهم مقدار ما طرأ علي شارون من تغيير. وأكد تال أن «شارون يدرك الآن أنه لكي تظل هناك دولة يهودية، لابد لإسرائيل من فك ارتباطها بأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين»، وهو ما يعني التخلص من غزة ومعظم الضفة الغربية. بناء علي ما قاله مراقبون كثيرون من هذا النوع، فليس شارون وحده هو الذي تغير، بل كذلك الجانب الفلسطيني. وهم يشيرون إلي «الحرس الجديد» الفلسطيني الذي يتحدي من يسمون «الأبوهات» (جمع أبو) الذين جاءوا من تونس مع ياسر عرفات؛ هؤلاء القادة الذين ينظر إليهم الجيل الشاب من الفلسطينيين الذين حصلوا علي حقهم في أن تُسمع أصواتهم، بالمشاركة في الانتفاضة الأولي ويقبعون في السجون الإسرائيلية، علي أنهم فسدة وعجزة. وانتهت مقالة «ذي إيكونوميست» التي أشرت إليها إلي أن هذا الجيل الشاب من الفلسطينيين تعلم أنه «لا يمكنهم إزالة إسرائيل بالقوة». ما يؤسف له أن هذه الآراء تقوم علي قراءة مغلوطة لكل من الواقعين الإسرائيلي والفلسطيني. فشارون لا يوشك أن يوافق علي شروط الحد الأدني الخاصة بدولة فلسطينية يمكن أن تقوم. ذلك أن إصراره الشديد علي تحاشي التعامل مع الفلسطينيين ـ ولو لمنع الفوضي في أعقاب الانسحاب الموعود من غزة ـ وتوسيع النشاط الاستيطاني في أنحاء الضفة الغربية، وهو ما زاد في أعقاب خطط انسحابه، يدحض مثل هذا التفكير الذي توحي به الأماني بأنه تغير. أظهر أحدث تقرير من مراقبة المستوطنات في حركة السلام الآن أن أعمال التشييد ووضع البنية التحتية تجري في 474 موقعًا استيطانيا في الضفة الغربية وغزة، بما في ذلك خمسون موقعًا تعدي فيها التوسع أو التشييد الجديد حدود المستوطنات، وذلك انتهاكًا للوعود التي قدمها شارون للرئيس بوش. فبحلول نهاية شهر أغسطس كان هناك حوالي 3700 وحدة سكنية تحت الإنشاء في أنحاء الأراضي المحتلة. بل جري إعداد الأرض لإقامة الآلاف من المنازل الأخري؛ حتي في مواقع حددها شارون باعتبار أنه سيتم الجلاء عنها ضمن خطة فك الارتباط. ويساعد ما يجري تنفيذه الآن في الوقت الراهن من تنمية وتوسيع للمستوطنات الرئيسية في الضفة الغربية علي تقسيمها إلي كانتونات فلسطينية غير متجاورة، هي في واقع الأمر بانتوستانات يمكن أن يعيش فيها الفلسطينيون تحت الرقابة الإسرائيلية دون أن تكون لهم دولة موحدة خاصة بهم. استمرت حكومة شارون في نزع ملكية الأراضي في الضفة الغربية، بدعوي أنها «أراضي الدولة»، لتوسيع المستوطنات بناء علي معلومات من الإدارة المدنية الإسرائيلية. ومنذ بداية 2004، أُعلن أن حوالي 2200 دونم (550 فدانًا) في الضفة الغربية أراضي دولة، مقابل 1700 دونم خُصصت لهذا الغرض في العام السابق. وكما أشارت مراقبة المستوطنات في حركة السلام الآن، فإن هذا التخصيص يسمح للحكومات الإسرائيلية دائمًا بإقامة المستوطنات وتوسيعها، مما يمكنها من الالتفاف حول تعهدها بعدم نزع ملكية أية أراض فلسطينية أخري من أجل بناء المستوطنات. يري شارون أن الانسحاب من غزة هو الثمن الذي لابد لإسرائيل أن تدفعه إن هي أرادت استكمال تحويل الضفة الغربية إلي كانتونات تخضع لسيطرة إسرائيل. ومن المهم كذلك تحويل

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions