العصيان المدني وسيلة للتغيير
نوفمبر 2006
احتلت إنجلترا مصر لتأمين طريقها للهند سنة 1882 وكان جلاؤهم عنها سنة 1947 مع احتفاظهم بقناة السويس حتي سنة 1954 . الشعب المصري شعب متجانس، اللغة عربية،
المحـتــوي
احتلت إنجلترا مصر لتأمين طريقها للهند سنة 1882 وكان جلاؤهم عنها سنة 1947 مع احتفاظهم بقناة السويس حتي سنة 1954 . الشعب المصري شعب متجانس، اللغة عربية، الديانة الإسلام مع وجود أقلية قبطية قديمة. كانت مصر قبل الاحتلال دولة مستقلة ومتكاملة بها وزراء وبرلمان منتخب، دولة تكامل بناؤها علي مدي ثلاثة أرباع قرن. وحتي خلال الاحتلال استمر وجود نوع من الاستقلالية والديمقراطية. أما الهند فدخلها الإنجليز للتجارة والسيطرة ابتداءً من حوالي سنة 1650 وكانت محتلة تمامًا عسكريا سنة 1757 وكان جلاؤهم سنة 1947 . الهند بلد شاسع متباين في المناخ والأصل العرقي والطائفي، بها 17 لغة رسمية معترف بها في الدستور، الديانة الرئيسية الهندوسية، بها أقليات بوذية، وإسلامية، ومسيحية، وجينية (ديانة هندية قديمة تعود للقرن الخامس قبل الميلاد)، وبارسية (ديانة إيرانية قديمة اختفت من إيران). كان من باب أولي أن تنجح الديمقراطية في مصر ولكنها ما زالت متعثرة. أما في الهند فبتركيبتها المعقدة قد راهن الكثيرون بعد استقلالها علي عدم نجاح الديمقراطية بها وأنها ستتحول لدويلات متحاربة، غير أن هذا لم يحدث، ومازالت الديمقراطية في الهند متماسكة.
إن تعثر مسار الديمقراطية في مصر مطروقٌ من قبل، وتناوله الكثيرون داخل وخارج مصر ولن أتعرض له في هذا المقال.
إنني أعتقد ان دراسة الديمقراطية الهندية سوف تساعدنا في تفهم أكثر لمشاكل الديمقراطية في مصر وفي الدول العربية وكذلك في طرق حلها. لماذا وُفِّقَت الديمقراطية في الهند رغم المشاكل العديدة التي قابلتها وما زالت تقابلها؟ إن الديمقراطية الهندية مازالت متماسكة بعد أكثر من نصف قرن، إنها أكبر ديمقراطية في العالم وأكثرها تعقيداً. في هذا المقال سوف نستعرض تاريخ الديمقراطية في الهند وماذا حققت من نجاح والصعوبات التي تواجهها. سوف أتعرض باختصار شديد لتاريخ حياة غاندي وحركة غاندي للعصيان المدني والتي أدت إلي استقلال الهند وديمقراطيتها. سوف أتوقف قليلا أمام حركة تمثيل الأقليات في الهند وأمام مشكلة كشمير وما تمثله من تحدي للديمقراطية.
إن حركة غاندي المسالمة أعطت الإنسانية الطريق لمحاربة الظلم أينما كان. لقد ساهمت حركة غاندي للعصيان المدني في مقاومة ظلم الحكومات لشعوبها، في مقاومة الشركات متعددة الجنسيات، في حركات التحرير، في الانتفاضة الفلسطينية الأولي، في حركات الديمقراطية، وفي مقاومة اضطهاد الأقليات. إن الهند صاحبة مدرسة من الممكن أن نتعلم منها الكثير وبدون استخدام العنف.
[ 1 ]
كانت عائلة غاندي من الطبقة المتوسطة. ولد غاندي عام 1865 وكان أصغر إخوته الأربعة، كانت شخصية غاندي شخصية معقدة من الصعب تحليلها نفسيا كما سنري. تأثر غاندي في الصغر بوالديه، يبدو أن أهم ما تعلمه من والده هو الصدق، عندما كان صغيراً سرق بعض النقود لشراء سجائر، شعر بالذنب، فاعترف لوالده الذي احتضنه ولم يعاقبه وشجعه علي عدم الكذب. عندما كتب غاندي سيرته الذاتية اعتبر تلك التجربة تجربة مع الصدق. اهتم غاندي كثيراً بأن يكون صادقاً وسمي كتاب سيرته الذاتية «تجربة مع الصدق». أما عن والدته فقد زرعت فيه الإيمان وكانت بالنسبة له قديسة كثيرة الصيام وقد ظهر تأثره بها كثيراً عندما كبر وبدأ كفاحه ضد الظلم، وفي صياماته الطويلة.
كان غاندي في طفولته منطوياً وخجولاً، واستمر كذلك حتي منتصف العشرينيات من عمرة حين غيرتهُ الظروف. كان تلميذاً متوسط الذكاء، أحبهُ مُدرِّسُوه، حصل علي ما يعادل الثانوية عندنا بمجموع قدره 39%، وكان أقل مجموع للنجاح هو 33%. تزوج غاندي في سن الثالثة عشرة طبقا للتقاليد الهندية، كان غيوراً جداً علي زوجته، واعتقد أنه يمتلكها. عندما كان عمره في السادسة عشرة وكان والده يحتضر، ترك والده وهو يحتضر ليمارس الحب مع زوجته. أثناء ذلك توفي الوالد، فشعر غاندي بالندم الشديد لعدم وجوده معه في لحظاته الأخيرة. اعتقد غاندي أنهُ أهمل واجباته تجاه والده واستمر ذلك الشعور بالذنب معه لمدة طويلة وقد مثلت تلك التجربة مشكلة نفسية بالنسبة للجنس في حياة غاندي كما سنري.
يعتقد البعض أن تلك الظروف جعلته مرهف الحس وأنهُ اعتبر نفسهُ فيما بعد ابنًا للمجتمع بأكمله. في سن الثامنة عشرة قررت العائلة وبعض الأصدقاء أن أفضل الخيارات لغاندي أن يذهب لإنجلترا ليدرس القانون. كانت دراسة القانون في ذلك الوقت بسيطة، وتستلزم دراسة القانون الروماني والقانون العام فقط ثم عبور امتحان في هاتين المادتين فقط ليحق للناجحين بعد ذلك ممارسة القانون. كان اجتياز هذا الامتحان سهلاً، وكانت نسبة النجاح حوالي 80%. كان غاندي سعيداً بذلك المشروع وسافر لإنجلترا سنة 1888 ومكث بها حوالي ثلاث سنوات ونجح في اجتياز الامتحان. في إنجلترا حاول غاندي أن يكون جنتلمان إنجليزيا، تعلم الرقص وخرج مع بعض البنات الإنجليزيات، تعلم الفرنسية وزار فرنسا. تعرض لبعض أساليب الحياة الغربية، وإن ظل حتي غادر إنجلترا شاباً ساذجاً غير مثقف وقليل الثقة بالنفس، ولم يكن هناك ما ينبئ بأنهُ سيكون ذا شأن.
عاد غاندي للهند عام 1891، وبدأ يحاول ممارسة القانون، افتتح مكتباً للمحاماة بعد حوالي ستة أشهر حضر لهُ أول عميل في قضية بسيطة. كان غاندي شديد الخجل، في المحكمة أمام القاضي لم يستطع غاندي أن يفتح فمه بكلمة واحدة، تنحي عن القضية. وصف غاندي تلك الفترة في سيرته الذاتية «بأنه لا يوجد نهاية لحالتي اليأس والخوف اللتين تعتريانني». حاول أن يكون مدرسًا للغة الإنجليزية ولكنه لم يوفَّق.عمل لفترة بسيطة ككاتب للعرائض والشكاوي. شاءت الظروف أن تُعرَض عليه المساعدة في قضية طرفها هنود في جنوب إفريقيا. كان المفروض أن يعود غاندي للهند بعد الانتهاء من تلك القضية والتي ستستغرق شهورًا قليلة، إلاَّ إن ذلك لم يحدث، مكث غاندي في الهند واحداً وعشرين عاماً غيرت حياته تماما وأهَّلتهُ للدور الهائل الذي قام به في الهند. ركب البحر سنة 1983 لجنوب إفريقيا، ثم أخذ القطار لبروتوريا. حصل علي تذكرة قطار بالدرجة الأولي ولم يكن للهنود أو غير البيض أن يسافروا بالدرجة الأولي. طلب منه