أســـــــاطير الخـــــــلق .. بين العــــلم والـــــدين مارس 2006

فكري أندراوس

قد لا نغالي إذا قلنا إن أكبر قوتين في العالم تؤثران علي الإنسان هما العلم والدين، وإن الصراع بينهما يتسم بالعنف أحيانًا. بل قد يغالي البعض فيقول إن الصراع

المحـتــوي

قد لا نغالي إذا قلنا إن أكبر قوتين في العالم تؤثران علي الإنسان هما العلم والدين، وإن الصراع بينهما يتسم بالعنف أحيانًا. بل قد يغالي البعض فيقول إن الصراع بين العلم والدين قد يحدد مصير العالم. أحد أبرز هذه الصراعات في الديانات السماوية هو ما يدور حول الخلق، و أقصد بذلك نظرية دارون وعمر الأرض والكون وما يقوله الدين في هذا المجال. في هذا المقال سوف نستعرض باختصار شديد بعض أساطير الخلق القديمة، وكيف حارب بعض رجال الدين النظريات العلمية الحديثة بينما حاول آخرون استيعاب تلك النظريات بأسلوب ديني مستنير. وإن كان هناك تناقض، بل وأحيانا عداء بين العلم والدين، إلا إن العلم الحديث كما سنري بدأ يبحث عن حاجة الإنسان للدين أو بالأحري لروحانية الدين والتي قد يكون لها عامل وراثي. وإن كنا سوف نتحدث أساساً عما يدور في العالم المسيحي وما يدور في أمريكا خاصة لأسباب سيراها القارئ، إلا إن العالم الإسلامي لا يختلف كثيراً في منظوره للصراع بين العلم والدين عن العالم المسيحي. [ 1 ] ربما كان بحث الإنسان عن الخالق قديمًا قدم الإنسان. من أوائل الرسومات التي رسمها الإنسان القديم هي صور إنسان له رأس حيوان. كان ذلك في أحد كهوف أوروبا منذ أكثر من ثلاثين ألف عام، ويعتقد علماء تاريخ الإنسان أن تلك الرسومات تنم عن رجل دين أو ساحر. وقد يبدو غريباً أن تنتشر مثل تلك الرسومات أو التماثيل في أماكن مختلفة وفي أوقات مختلفة ودون سابق اتصال. وبعض تلك الممارسات ذات الطابع الديني ما زالت موجودة أو مازال يوجد آثار منها في بعض البلاد. كان الإنسان من قديم الأزل يتأمل في الخلق وما يحدث للإنسان بعد الوفاة وربما كان ذلك مبعث العديد من الأديان القديمة. ولما كانت التجمعات الإنسانية متناثرة أصبح لكل تجمع إنساني رؤية خاصة في فلسفة الأديان وفي الخلق تتناسب وظروف تلك المجتمعات. هكذا تعددت الأديان القديمة وتعددت فلسفات الخلق وإن كان هناك بعض التشابه في الأفكار الرئيسية لتلك الأديان. في مصر القديمة - والتي تعد من ألمع الحضارات القديمة - كثرت أساطير الخلق. كانت دورة الفيضان السنوية، تعاقب الليل والنهار، دورة حياة النبات والإنسان.. كلها تشير إلي إعادة الحياة، وكان ذلك مصدر إثراء للأساطير القديمة. إحدي هذه الأساطير هي أسطورة إله الشمس رع ويوجد عدة صور لتلك الأسطورة لعل أبرزها تلك التي ابتكرها كهنة هليوبوليس. تقول تلك الأسطورة إنه في البداية كانت مادة الكون قبل تكوينه (نون) هي التي خرج منها إله الشمس (رع) والذي خلق نفسه وبإرادته ثم خلق(شو) إله ما فوق الأرض وزوجته (تفنت) إله ما تحت الأرض. وقد أنجب هؤلاء الإله (جب) وهو الأرض وزوجته الإله (نوت) وهي السماء. ثم أنجب هؤلاء بدورهم الآلهة أوزيريس، إيزيس، سيث، ونفثي ليحكموا الأرض. ثم أنجب أوزيريس وإيزيس الإله حورس. حدث خلاف بين الآلهة كان من نتيجته أن الإله أوزيريس أصبح إله ما بعد الموت، وأصبح حورس حاكم الأرض وقد تقمص صورة الفرعون أي أن كل فرعون أصبح حورس. كانت هذه إحدي نظريات الخلق وهناك نظرية أخري ابتكرها كهنة ممفيس وهي نظرية الإله بتاح والذي خلق الكون بالكلمة وهو الأسلوب الذي اتبع في الديانات السماوية وبعض الديانات الأخري القديمة. وكان هناك أيضاً الإله آمون وأساطيره في الأسرة الثامنة عشرة، وهي الأسرة التي شهدت أيضاً مولد الإله أتون، ويعتقد الكثيرون أن الديانة الآتونية هي أول ديانة توحيد، وقد أثرت كثيراً علي الديانة اليهودية وإن لم يسعدها الحظ في مصر حيث اختفت باختفاء الفرعون إخناتون الذي ابتكر تلك الديانة وكما كانت هناك نظريات للخلق في كل من مصر، إيران، العراق، سوريا واليونان. ولم يكن باقي العالم بعيداً عن ذلك فكانت هناك أساطير في اليابان ودول آسيا الأخري وتجمعات البشر في أوروبا والأمريكتين وأفريقيا وحتي في المناطق التي كانت معزولة تماماً مثل أستراليا وجزر هاواي كانت هناك أساطير للخلق وكونت جزءاً مهماً من تلك الديانات. تألقت الحضارات والديانات القديمة في الشرق الأوسط وكانت تلك المنطقة أيضاً مبعثاً لكل من اليهودية والمسيحية والإسلام والتي غزت العالم ليتحول قرابة نصف سكان العالم للمسيحية والإسلام. وإن كانت أغلب الديانات القديمة قد اختفت - أو دخل بعض من مفاهيم تلك الديانات في المسيحية والإسلام - إلا إن الأمر يختلف في الصين والهند وبعض بلاد الشرق الأقصي. إن ديانات تلك البلاد مازالت ديانات حية يعتنقها في الهند والصين فقط حوالي بليونين ونصف بليون إنسان. ولأننا في حوارات الأديان نتناسي وجود ديانات أخري فإننا هنا سوف نستعرض باختصار شديد بعض أساطير الخلق والأديان في كل من الهند والصين. كان فلاسفة الصين القدامي يعتقدون أنه قبل بداية الكون لم يكن هناك شيء، وبمرور الزمن تكونت النواة الأولي والتي سميت الواحد العظيم Great Monad. ثم انقسمت النواة الأولي إلي ذكر وأنثي ونتيجة توالدهما نتج الكون. تقول الفلسفة الشائعة لدي الصينيين إنه بعد أن تكوَّن الكون أنجبت الآلهة الإله Panش Ku والذي كان لديه العلم الكامل وهو الذي نظَّمَ الكون (كان الكون قديماً يعني الدولة أو التجمُّع الإنساني في ذلك المكان). عندما مات الإله Panش Ku أصبح صوته هو الرعد، عينه اليسري أصبحت الشمس، عينه اليمني أصبحت القمر، دمائه أصبحت الأنهار، شعره أصبح المزروعات، لحمه أصبح تراب الأرض، عرقه أصبح الأمطار، والطفيليات التي حللت جسمه خرج منها الإنسان. أما الديانة الهندوسية فهي أقدم ديانة حية في العالم، وقد تبدو لأول وهلة ديانة معقَّدة متعددة الآلهة وتسمي Santana Dharma والتي تعني الديانة الدائمة. الحكماء الذين صاغوا تلك الديانة في كتاب مقدس اسمه Vedas (اسم مشتق من العلم) سجلوا في ذلك الكتاب ما كان سائداً في ذلك الزمان القديم. ويصف هذا الكتاب المعبود Brahma بأنه الكامل، ما يؤخذ منه فهو كامل وما يتبقي أيضاً فهو كامل، لو أخذ الكل فالكل كامل وما تبقي أيضاً فهو كامل. هو معبود غير محدود موجود في الإنسان وفي كل الكائنات وفي كل زمانٍ ومكان. ولهذا يعتبر بعض الهنود أن كل الكائنات

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions