الستالينية الأمريكية يناير 2006

فضل مصطفي النقيب

المحافظون الجدد في أزمة ربما تكون الأسوأ منذ أن سيطروا علي مقاليد السياسة الأمريكية عقب تولي الرئيس جورج بوش الرئاسة عام 2000. وللمفارقة فإن أسباب الأزمة

المحـتــوي

المحافظون الجدد في أزمة ربما تكون الأسوأ منذ أن سيطروا علي مقاليد السياسة الأمريكية عقب تولي الرئيس جورج بوش الرئاسة عام 2000. وللمفارقة فإن أسباب الأزمة رغم تشعب عناصرها تعود إلي قضية واحدة «جاهد» المحافظون الجدد طويلاً من أجل الانتصار فيها وهي العراق، فقد كانوا المحرض الأول علي غزو العراق، بل أجبروا كافة الأجهزة والمؤسسات الأمريكية بما فيها أجهزة المخابرات علي دعم هذا التوجه من خلال إعداد وربما تلفيق تقارير تتهم صدام حسين بامتلاك أسلحة دمار شامل والسعي للحصول علي السلاح النووي. والآن وبعد مرور أكثر من عامين ونصف العام علي الغزو تحول العراق إلي مستنقع لا تعرف الولايات المتحدة كيفية الخروج منه، اتجهت أصابع الاتهام إلي جماعة المحافظين الجدد المنتشرة في كل المواقع الحساسة للإدارة الأمريكية، تحملها المسئولية عن الكارثة التي وصلت إلي مستوي غير مسبوق من الخطورة بعد تجاوز عدد القتلي الأمريكيين رقم الألفين في بداية نوفمبر الماضي. لعنة العراق علي المحافظين الجدد لم تقف عند هذا الحد، فقد أوصلت أحدهم وهو لويس ليبي مدير مكتب نائب الرئيس ديك تشيني إلي المحاكمة بعد أن أجبرته علي الاستقالة، وذلك عقب توجيه المدعي المستقل باتريك فيتزجيرالد اتهامات له بالكذب وإعاقة العدالة. ورغم أنه لم يتم توجيه اتهام في نفس القضية إلي عنصر آخر بارز في جماعة المحافظين الجدد وهو كارل روف أحد أهم مستشاري بوش إلا أن كثيرين يعتقدون أن روف لن ينجو هو الآخر من هذه القضية. هكذا تحول المحافظون الجدد الذين حلموا قبل سنوات قليلة بتغيير العالم، إلي عبء علي إدارة بوش بل إلي كابوس مزعج. «وجهات نظر» تعالج أوضاع المحافظين الجدد في مقالين.. الأول يركز علي الأسس الفكرية للمحافظين الجدد، والثاني يعرض طروحات بعض المؤلفين الأمريكيين حول وضع اليمين الأمريكي.

في ربع القرن الأخير، صاغ تيار المحافظين الجدد مفاهيم جديدة عن دور الولايات المتحدة في العالم، وعن وظيفة أصدقاء الولايات المتحدة في العالم في هذا الدور. وتيار «التبعية الجديدة» في العالم العربي يأخذ أطروحاته ومفاهيمه الرئيسية من تلك الوظيفة التي حددها قادة تيار المحافظين الجدد. ولهذا، فإن فهم تيار التبعية الجديدة يتطلب منا فهم تيار المحافظين الجدد. في الولايات المتحدة، ليس هناك تنظيم حزبي يحمل اسم «المحافظين الجدد»، كما أن الأشخاص الذين يلتزمون بمفاهيم التيار لاينتسبون إلي حزب سياسي واحد. صحيح أن غالبيتهم من الحزب الجمهوري، ولكن هناك أيضاً، أعضاء منهم في الحزب الديمقراطي، وآخرين مستقلين. تصف وسائل الإعلام الأمريكية «إيرفنغ كريستل» (Irving Kristol) بأنه عراب المحافظين الجدد، وهو يصف التيار بأنه أقرب ما يكون إلي قناعة معينة (Persuation)، أي أنه يضم مجموعة من الناس الذين لهم قناعة محددة بالنسبة لدور الولايات المتحدة في العالم. وأن هذه المجموعة تقوم بإعداد الإستراتيجيات والسياسات الكفيلة بإنجاح ذلك الدور وتطويره وفق المتغيرات العالمية. تقوم هذه المجموعة بالتأثير علي الرأي العام الأمريكي وصناع القرار الأمريكي من خلال ثلاث قنوات. الأولي، هي القناة الإعلامية، حيث يوجد صحفيون بارزون في الجرائد والمجلات المشهورة مثل «الواشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و «نيوزويك»، ومعلقون مشهورون في المحطات التلفزيونية، مثل محطات ABC و Fox ، يكتبون ويعلقون، بشكل يومي، علي الأحداث من وجهة نظر التيار. كما أن هناك مجلات أسبوعية وأخري شهرية أصدرها، ويشرف عليها بعض قادة التيار، ومهمتها بث آراء التيار والدعاية لتلك الآراء، ومن أهم هذه المجلات، مجلة التعليق (Commentry) التي تصدرها اللجنة الأمريكية اليهودية (AJC) ويشرف علي رئاسة تحريرها «نورمان بوردهارتز» (Norman Pordhartez) وهو يعتبر، إلي جانب إيرفنج كريستول من مؤسسي التيار. أما القناة الثانية، فهي مجموعة مراكز الدراسات والأبحاث التي تحمل صبغة أكاديمية، ولكنها في الحقيقة تسخر أكاديميين للعمل الدعائي، وهي تمول من مؤسسات وشخصيات يمينية معروفة، وعلي علاقة بالشبكة التي تعرف في الولايات المتحدة بالشبكة الصناعية-العسكرية (Industrial-Military- Complex)، ومن أشهر المؤسسات مؤسسة راند (Rand) ، ومعهد أميركان إنتربرايز (American Enterprise Institution). أما القناة الثالثة، فتتمثل بوجود شخصيات من التيار في مراكز هامة وحساسة من مراكز صناعات القرارات. فمنذ مطلع الثمانينيات بدأت شخصيات من التيار تسيطر علي دوائر رسم الإستراتيجيات والسياسات في وزارة الدفاع الأمريكية. وقد أصبح للتيار نفوذ هائل في إدارة الرئيس «بوش» الحالية، إذ أن هناك شخصيات متطرفة من التيار تقوم بصياغة قرارات الإدارة الهامة في كل مايتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة. فالرجلان الثاني والثالث في وزارة الدفاع هما من أشد شخصيات التيار تطرفاً، «بول وولفوتز» الذي يشغل حاليا منصب مدير البنك الدولي و «دغولس فيث». وفي مجلس الأمن القومي هناك المساعد الخاص للرئيس «بوش» ومدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا، «آليوت آبرامز»، وفي وزارة الخارجية هناك السكرتير الثاني «جون بولتن» الذي أصبح مندوبًا لبلاده في الأمم المتحدة، وفي مكتب نائب رئيس الجمهورية هناك «لويس ليبي» الذي قدم استقالته الشهر الماضي بعد فضيحة مدوية، هذا إضافة إلي نائب الرئيس نفسه «ديك تشيني»، والمعروف بمواقفه المتطرفة في تأييد التيار. إضافة إلي ذلك، هناك في الكونجرس ومجالات الإعلام لجنة الخطر الراهن (Committee on Present Danger)، وهي لجنة تم تأليفها في صيف عام (2004) من شيوخ وأعضاء الكونجرس جمهوريين وديمقراطيين ورجال صحافة وإعلام وشخصيات عامة لمواجهة «الخطر الإسلامي». ولقد أخذت اللجنة اسمها من لجنة سابقة كانت نشيطة في ذروة أيام الحرب الباردة لمواجهة «الخطر الشيوعي». بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن المحافظين الجدد كتيار سياسي جديد في مطلع السبعينيات، وفي البداية كان التركيز علي شخصيتين هما «نورمان بودهارتز» و«إيرفنج كريستل»، وهما يهوديان من مهاجري

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions