مدينة من رخام مارس 2007

مينا بديع عبد الملك

في 7 يوليو من عام 1905م توصل عالم الآثار الألماني كارل ـ ماريا كاوفمان Kaufmann 1872 ــ 1951 ومعه مساعده ايوالد فولز Falls إلي اكتشاف المدينة الرخامية

المحـتــوي

في 7 يوليو من عام 1905م توصل عالم الآثار الألماني كارل ـ ماريا كاوفمان Kaufmann 1872 ــ 1951 ومعه مساعده ايوالد فولز Falls إلي اكتشاف المدينة الرخامية بمنطقة مريوط غرب الإسكندرية والمعروفة باسم منطقة «بومنا» أي منطقة «القديس مينا» الذي يعد من أشهر الشهداء الأقباط في القرن الرابع الميلادي 286 ــ 309م. بدأ كاوفمان رحلته الاستكشافية في عالم الآثار بزيارته إلي الصحراء الليبية والتي رافقه فيها مساعده فولز للبحث عن آثار مسيحية في منطقة «سيرين» وهضبتها بليبيا، إلا أن مصاعب سياسية واجهت البعثة مع حاكم ليبيا، مما دفع البعثات الأثرية التي جاءت إلي الشرق أن تتجه صوب منطقة مريوط. معالم علي الطريق إلي المدينة الرخامية كان أهم ما استرشد به كاوفمان وفولز، الطريق الذي سلكه البابا بنيامين الأول البطريرك 38 623 ــ 662م إلي برية شيهيت، وأيضًا وصف الرحالة البكري ــ أحد الجغرافيين العرب ــ الذي زار المنطقة وشاهد بقايا المدينة القديمة عام 1086م وكان «كاترمير» Quatremere قد قام بترجمته إلي الفرنسية. كذلك اعتمد علي مخطوط محفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس ويعود تاريخه إلي القرن الحادي عشر الميلادي. لم يكن وصول كاوفمان إلي المدينة صعبًا لدرجة ما، إذ إن الذين سبقوه في تلك المحاولة قد ألقوا ضوءًا واضحًا عليها، خاصة ما قام به الرحالة كارفر Carver. فأول رحالة ذكره التاريخ علي أنه زار كرم «بومنا» أو «أبو مينا» هو باخو Pacho وكان ذلك عام 1824م حين مر صدفة بالمنطقة وهو في طريقه من أبو صير إلي قصر القطاجي Qatagi، جاء بعد ذلك الرحالة يونكرز Junkers. في عام 1904 نشر الأدميرال «بلومفيلد» Blomfield مقالاً بعنوان مار مينا الإسكندري بمجلة جمعية آثار الإسكندرية تحدث فيها عن أواني القديس مينا الفخارية التي صُنعت في مدينة أبو مينا، ثم حدد أيضًا مكان كنيسة مار مينا الكبري علي أنها تقع في أقصي الجنوب. ثم طلب من جمعية آثار الإسكندرية التي تأسست عام 1893م أن تقوم بالبحث عنها. نظم أيضًا العالم الإيطالي د. بريشيا Breccia رحلة في عام 1904 لاستكشاف الصحراء الغربية بحثًا عن مدينة أبو مينا، وظل يجول هناك حتي تقابل مع البعثة الألمانية بقيادة كاوفمان، فكتب بريشيا يقول: ... واضطررنا للانسحاب بكل تواضع أمام البعثة التي كان يقودها الأسقف كاوفمان الذي جاء إلي مصر بغية الوصول إلي نفس الهدف، إذ إنه كان لدي هذه البعثة الكثير من الإمكانيات المادية والاستعدادات الطبية مما لم يكن في استطاعتي الحصول علي مثله. رغم كل المحاولات السابقة للوصول إلي هذه المنطقة والاستعدادات الضخمة التي كانت لبعثة كاوفمان ــ كما ذكر د. بريشيا ــ فإن البعثة واجهت صعوبات جمة في عملها حتي سقط كاوفمان مريضًا، وفكر مع أعضاء البعثة الألمانية في العودة إلي بلادهم بعد أن تملك منهم اليأس!! بداية الكشف عن المنطقة في تلك الأثناء حضر أحد الصبية البدو ومعه آنية كاملة من أواني القديس مينا ــ ذات الشهرة العالمية ــ وقدمها إلي «فولز» مساعد كاوفمان وأخبره أنه وجدها في أحد أفران الفخار القديمة بالقرب من المكان الذي ينقبون فيه. وأخيرًا أرشدهم أحد البدو إلي مكان يدعونه «قلعة الخليفة»، وهو كوم من الحجارة المتراكمة، وفي الحقيقة لم تكن قلعة الخليفة هذه بعد البحث والتنقيب سوي مكان كنيسة البابا ثاؤفيلس الأثرية. كان هذا اليوم ــ 7 يوليو 1905 ــ بمثابة أسعد أيام حياة كاوفمان. أما تفاصيل هذا الحدث فيسجله كاوفمان بنفسه في كتابه النفيس عن مدينة مينا بمريوط فيقول: بعد مسيرة 30 يومًا علي ظهر الإبل في دروب الصحراء الليبية وصلت البعثة الاستكشافية من وادي النطرون مخترقة صحراء أولاد علي، إلي مجمع آثار «أبو مينا»، عادوا بعدها إلي المعسكر وهم مجهدون، خائرو الهمة، معتقدون أنهم فشلوا في بلوغ هدفهم. وأقاموا مدة يومين في خيام يرفرف عليها العلمان المصري والألماني والتي وضعتها الحكومة المصرية تحت تصرفهم. وودعوا الدليل البدوي بعد أن أمضوا عامين تحت شمس ليبيا المحرقة علي أمل العثور علي المدينة الأثرية. قابلت البعثة العديد من الأطلال التي لم تمسسها يد قط في كرم «أبو مينا». وعندما سقط كاوفمان مريضًا في معسكر أبو مينا أهداه أحد أفراد قبيلة «أبو علي» شقفات أوستراكات عثر عليها أثناء تجواله لأول مرة في منطقة الآثار. فاعتقد كاوفمان أن هذا يؤدي إلي احتمال اكتشاف آثار «أبو مينا». وقد تعزز هذا الاحتمال عندما أهداه صبي بدوي قنينة قارورة عليها كتابات يونانية ثم قاده إلي المكان الذي عثر عليها فيه وكان عبارة عن بقايا فرن لعمل الفخار. وهنا كان اكتشاف المنطقة الأثرية. كانت ضخامة المدينة التي عثروا عليها قد فاقت كل توقعاتهم. وقد جاءت فرحتهم بالاكتشاف عقب الحالة السيئة التي كانوا عليها، وعلي الفور أسرعوا بقدر الإمكان بعمل الرسومات الكروكية للمنطقة والتقاط بعض الصور الفوتوغرافية والتي بلغت في الكتاب الذي وضعه كاوفمان عدد 102 صورة بالإضافة إلي 68 رسمًا كروكيا وهندسيا وبعض الصور التاريخية الأخري. المباني الدينية بالمدينة المقدسة سجل بعد ذلك كاوفمان وصفًا دقيقًا لما كانت عليه المباني الدينية في تلك المدينة المقدسة، فيقول: عند بدء التنقيب المنظم في أواخر نوفمبر 1905 أثارت انتباهنا ثلاث نقاط. أولاها منخفض علي شكل حوض شبه دائري يبلغ أصغر أقطاره أربعين مترًا في اتجاه الشمال بالقرب من مركز الأطلال، وهو حوض ماء يرتبط بالحمام المقدس لمدينة مينا وذلك لسد حاجة الزوار والرهبان من الماء. وفي موقع ثان بالقرب منه وجدت قمينة للفخار أعطت البعثة الاستكشافية احتمال إعادة اكتشاف مدينة مينا المطمورة. وهنا ظهرت للعيان بالقرب من المبني الضخم المكتشف سلسلة من القمائن وقنوات لتوصيل المياه وصهريج رائع. فكانت حصيلتنا من فخاريات القديس مينا وفيرة. ثم جاء الحدث الثالث والذي أكد اكتشاف المدينة المقدسة وهو وجود تراكم دائري من الأحجار غير منتظم يحتل مركز المدينة. وقد تطلب الأمر أولاً تدريب العمال علي مهمتهم الشاقة فلم نبدأ أعمال التنقيب إلا في نهاية ديسمبر.

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions