أصـــوات قبطيـــة مـن المـــاضي يناير 2004

مينا بديع عبد الملك

قصة الاكتشاف: في شتاء عام 1945 وبالتحديد في شهر ديسمبر منه وبينما كان الفلاحان المصريان عبد المجيد ومحمد علي السمان يحفران داخل جبانة بالقرب

المحـتــوي

قصة الاكتشاف: في شتاء عام 1945 وبالتحديد في شهر ديسمبر منه وبينما كان الفلاحان المصريان عبد المجيد ومحمد علي السمان يحفران داخل جبانة بالقرب من مدينة نجع حمادي لجمع السماد عثرا علي جرة مغلقة بإحكام مصنوعة من الخزف وبالتحديد عند جبل الطارف في الضفة الشرقية لوادي النيل شمال قرية «حمرا دوم» بالقرب من فرشوط في منطقة نجع حمادي. وأمام هذه الجرة الغامضة وقفا يفكران هل بها كنز ثمين أم بها عفريت كما كانت تسود الاعتقادات والخرافات في ذلك الوقت؟ وأخيرًا أمسكا بفأس وحطما الجرة وإذ بهما أمام كومة من أوراق البردي ولم يدر بفكرهما أنهما أمام أحد كنوز تاريخ الحضارة الإنسانية في مجال الفكر والمعرفة. حمل أحد الفلاحين هذه الكومة من أوراق البردي علي كتفه للاستفادة بها كوقود لفرن المنزل!! وبالفعل قامت الزوجة بحرق بعض منها ويظن أنه كان المخطوط الثاني عشر إذ أنه كان بداخل هذه الجرة ثلاثة عشر مخطوطًا يبلغ عدد صفحاتها 1240 صفحة لكن ما هو موجود حاليا يبلغ 1156 صفحة فقط، وبذلك تكون عدد صفحات المخطوط المفقود وهو الثاني عشر 84 صفحة. يتراوح عدد النصوص في المجلد الواحد فيما بين نص واحد (كما في المخطوط العاشر) إلي ثمانية نصوص (كما في المجلد السادس). حدث بعد ذلك أن تسربت بقية المخطوطات ـ عبر تجار الآثار المصرية ـ إلي خارج مصر وبذلك أنقذت من حريق فرن المنزل وعكف العلماء علي دراستها. دور جان دوريس في هذا الكشف: كان لجان دوريس، عضو معهد الدراسات الأثرية الشرقية في فترة الخمسينيات وبعد ذلك مؤرخ الأديان الفرنسي والمتخصص في تاريخ أثيوبيا، فضل المبادرة باقتفاء أثر هذا الاكتشاف نحو عام 1951، حين لم يكن قد مضي علي بدء تسرب المخطوطات إلي سوق الآثار بالقاهرة غير بضع سنوات قليلة، وقد أودعت هذه المخطوطات عقب شراء الحكومة المصرية لها عام 1951 بالمتحف القبطي بالقاهرة وأسند المتحف إلي جان دوريس مسئولية معرفة موطن هذا الكشف الذي ظل مجهولاً فترة من الزمان. اتخذ جان دوريس أهبته لرحلة قصيرة في الصحراء، وبعد مغامرات عدة ـ كان من بينها قضاؤه فترة في المستشفي عولج فيها من عضة كلب ـ بلغ مكانًا يبدو أنه مكان دفن المخطوطات، وهو جبانة من العصر الروماني. ويقدم لنا جيمس روبنسن مدير معهد الدراسات القديمة والمسيحية في مدرسة الخريجين بكلير مونت بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وقد عمل سكرتيراً للجنة مخطوطات نجع حمادي الدولية التي شكلتها مصر بالتعاون مع اليونسكو وكان مشرفًا علي نشر الطبعة الإنجليزية لهذه المخطوطات بمعونة من المنح القومية للدراسات الإنسانية، يقدم لنا وصفًا لهذه الجبّانة. وصف جبّانة المخطوطات: مكان هذه الجبانة هو شريط من الصحراء لا يتجاوز عرضه مائة متر، يمتد بين زرع أخضر يرويه ماء النيل وجرف قائم تنتشر أسفله كتل من الأحجار المتساقطة التي كونت منحدرًا مائلاً في غير انتظام، يستطيع المــرء أن يتسلقه مــن القــاعــدة الصحـــراوية إلي وجــه الجــرف القائـــم فوق الرمال المنبســـطة من تحتــه بنحـــو عشـــرة أمتــار. عند هذا الارتفاع الذي يمكن الوصول إليه بسهولة توجد مغارات صناعية من عهد الأسرة الفرعونية السادسة، وبعض هذه المغارات غير مكتمل والبعض الآخر استعمل كمدفن للموتي، وفي مغارة منها نقوش بارزة ورسوم من النوع الذي تتسم به المقابر الفرعونية. ولكن المغارات جميعًا نهبت منذ القدم، بحيث لم تعد ـ مع حلول القرن الرابع الميلادي ـ سوي صف من الكهوف اللطيفة الجو الصالحة لسكني النسّاك والمتعبدين. وصف المخطوطات: جميع نصوص المخطوطات مترجمة عن أصول يونانية مؤلفة خلال القرون الأربعة الأولي في مناطق مختلفة من حوض البحر المتوسط. وقد تمت ترجمتها إلي اللغة القبطية بواسطة مجموعة من المترجمين خلال القرن الرابع الميلادي وبعضها ربما قبل ذلك بقليل. ويخبرنا د. اميل ماهر إسحق أن مخطوطات نجع حمادي ليست هي النسخ القبطية الأولي وإنما هي تجميع لنسخ تالية ترجع إلي النصف الثاني من القرن الرابع. وبمقارنة الخطوط المكتوبة بها يتضح أنها لعدد من النساخ لا يقل عن ثمانية، وقد يصل إلي أربعة عشر ناسخًا. ويظهر تأثير لهجتهم المحلية، وهي الأخميمية الفرعية أي لهجة ليكوبوليس (أسيوط)، بدرجات متفاوتة في نسخهم التي هي مكتوبة أساسًا باللهجة القبطية الصعيدية، وذلك باستثناء محتويات المجلدين الأول والعاشر والنصين الأول والثاني من المجلد الحادي عشر التي هي مكتوبة أساسًا بنوع من لهجة ليكوبوليس. ويقدم لنا جيمس روبنسون أدلة عديدة علي تعدد نساخ هذه المخطوطات منها: إن جميع النسخ المكررة مختلفة تمام الاختلاف في صياغتها، مما يدل بوضوح علي أن نساخًا لم ينقل عن آخر، كذلك لم ينقل نساخان عن نسخة بعينها لم يكتب لها البقاء. لقد نسخ النساخون الكتب مستقلين. ويبدو أن سلسلة من الكتب المفردة انحــدرت إلي شخص واحـــد أو جماعــة واحـدة وانتظمت منها عند ذلك فقط هذه المكتبة المخطوطة. الكتابات المختلفة بالمخطوطات: في بداية دراسة هذه المخطوطات التي قامت بها لجنة شكّلتها مصر مع اليونسكو والتي اجتمعت في القاهرة في ديسمبر 1970 وكانت تضم من الجانب المصري د. باهور لبيب، والدكتور فيكتور جرجس، ومن الجانب الدولي جيمس روبنسن وآخرون، كان يعتقد أنها «غنوصية» وهذا لفظ يطلق علي مذهب ديني متطرف اكتسح العالم القديم في أوائل عهد المسيحية. ولكن وجد أنها تحتوي أيضًا علي كتابات غير غنوصية، فيها قطعة (في المجلد 6:5) من كتاب الجمهورية لأفلاطون، وأيضًا يوجد في مجلد آخر أجزاء صغيرة بلا عنوان تحث علي النسك معروف أنها (جمل سكستوس) ذات الصبغة الفيثاغورية. وأما «تعاليم سلوانس» (في المجلد 7:4) فهي مثال من الآداب الحكمية المسيحية التي يحتمل أن تكون من إنتاج رهباني، إذ فيها فقرة موجودة بنفس النص في الكتابات العربية تحت اسم الانبا أنطونيوس. أيضًا من بين محتويات هذه المخطوطات مجموعة من الأناجيل غير المعترف بها من الكنائس المسيحية الرسمية منها «إنجيل توماس» و«إنجيل فيليب» و«إنجيل المصريين». كما بها نص عن التراث

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions