الحكماء يتكلمون

يقول المثل: «إذا نبح كلب عجوز، فإنه يقدم نصيحة».
المسنون الذين يسيرون على طرقاتٍ أكثر، ويأكلون أطعمة أكثر، ويقرأون كتبًا أكثر، لديهم خبرة أكثر، ويتمتعون بسعادة أكثر، ويعانون من مشقات أكثر، ويكونون ذوى خبرة ومعرفة مع تجربة حياة أكثر ثراء. إن هؤلاء العمالقة المثقفين الذين بزغوا فى التاريخ الصينى تركوا وراءهم مقالاتهم المشهورة الخالدة، وهى التراث الحضارى المشترك للبشرية كلها.
سلسلة «الحكماء يتكلمون» الصادرة فى بيروت عن «الدار العربية للعلوم» جمعت أقوال هؤلاء العمالقة.
كانت فترة الربيع والخريف (722 ــ 481 ق. م) وفترة الممالك المتحاربة (475 ــ 221 ق. م) من تاريخ الصين، فترتين ذهبيتين للفكر الصينى القديم. بزغت خلالهما مدارس فكرية عديدة وتبارت.  شملت تلك المدارس: المدرسة الطاوية، والمدرسة الكونفوشيوسية، والمدرسة الموهية، والمدرسة المنطقية، والمدرسة الشرائعية، والمدرسة العسكرية، ومدرسة ين ويانغ، وغيرها من المدارس التى لا يحصى عددها.
احتشد ممثلو تلك المدارس الفكرية فيما بعد فى أكاديمية جيشيا لمملكة تشى. كان العلماء يتجادلون فى ندوات، ويكتبون الكتب لشرح وتفسير مبادئهم ومذاهبهم: دعا بعضهم إلى الخير، فيما دعا بعضهم الآخر إلى الاستقامة، ودعا آخرون إلى اللافعل، وغيرهم إلى الحرية المطلقة،. وقال البعض إن طبيعة الإنسان هى الخير، فيما قال آخرون إن طبيعة الإنسان هى الشر، كما قال البعض إن الأقارب ليسوا أقارب، وقال آخرون إن الخيل ليست خيلاً، وحث البعض على أهمية معرفة الذات وعدو الذات، وجميعهم تركوا خلفهم أعمالاً ثقافية كلاسيكية رائعة وكثيرة.
لسوء الحظ، لم يستمر ذلك الوضع طويلاً، إذ عندما وحّد تشين شى هوانغ (على العرش 221 ــ 206 ق. م) الممالك المتحاربة، وحكم كأول إمبراطور للصين، أصدر رئيس وزرائه، لى سي، أمرًا بحرق جميع الكتب باستثناء كتب الطب، والتنجيم، وزراعة الأشجار. بذلك دُمرت كل كلاسيكيات المدارس الفكرية المتعددة. اتخذ الإمبراطور و (140 ــ 88 ق. م) لأسرة هان الغربية، الكونفوشيوسية مذهبًا رسميًا للدولة، واعتُبرت المدارس الأخرى  مثل الطاوية والشرائعية ــ مذاهب منشقة ومهرطقة.