عندما تبكى الخيول
عبدالرشيد الصادق محمودي
القاهرة: دار الهلال، 2009
ليس فى جاردن سيتى خضرة ولا طيور ولا فراش ولا أخبار عن عروش بعيدة يحرسها الجان. ليس فيها إلا مبان وحديد. فيها حشرات دنيئة كالذباب والصراصير. ولكنها تخلو من ألوان الطبيعة وغنائها.
ليس فى جاردن سيتى خضرة ولا طيور ولا فراش ولا أخبار عن عروش بعيدة يحرسها الجان. ليس فيها إلا مبان وحديد. فيها حشرات دنيئة كالذباب والصراصير. ولكنها تخلو من ألوان الطبيعة وغنائها. ليس فيها نضرة البرسيم ولا ذهب سنابل القمح وهى تتمايل وتموج مع الريح ولم يمر بها الهدهد فى أى يوم من الأيام ليتفقد رعيته. وهى لا تعرف ذلك الجزء من أجزاء النهار الذى يسمى «الضحي»، الضحى عندما يرتفع يطن النحل ويهدل الحمام وربما سمعنا أنين السواقى ونعيق الغربان. الضحى هو الساعة التى تشهد انتشاء الكائنات بالنور قبل اشتعال الأرض بنيران الظهيرة.
ها هو رجل مصرى صميم تحصن مثله مثل كل المصريين فى ركن يفر إليه من المدينة المنهارة. رجل يمارس الفن الذى يجيده كل المصريين وهو فن الصبر على المكروه. لم يعودوا يأبهون لمن يحكمهم ولا لطريقته فى حكمهم. ليس لهم إلا الصبر حتى يمر. فإذا جاءهم مثلاً الإخشيد أو عبده المخصى كافور أو «الرئيس المؤمن» سايروه على قد عقله.. إلى أن يمر، وربما تفوقوا عليه فى النفاق، فأطلقوا اللحى وحفوا الشوارب وحملوا المسابح وحجبوا نساءهم ونقبوهن.