الرأسمالية فى طريقها لتدمير نفسها
باتريك آرتو ومارى بول فيرار
ترجمة: سعد الطويل
القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2008، 110 صفحات
هل الرأسمالية فى طريقها لتدمير نفسها؟ قد يبدو السؤال مثيراً للدهشة، بل استفزازياً فى وقت تعلن فيه كبرى الشركات فى العالم، بما فيها فرنسا، عن أرباح غير
هل الرأسمالية فى طريقها لتدمير نفسها؟ قد يبدو السؤال مثيراً للدهشة، بل استفزازياً فى وقت تعلن فيه كبرى الشركات فى العالم، بما فيها فرنسا، عن أرباح غير مسبوقة، وتمنح مديريها مكافآت مجزية جداً، وتوزع على حملة أسهمها أرباحاً قياسية..
وفى حين يصاب النمو الاقتصادى فى أوروبا على الأقل ــ بالركود، ويكثر نقل المصانع للبلدان البازغة، وتزداد البطالة، وعدم استقرار العمالة، نفهم جيداً لماذا يزداد ويُحمى الجدل حول شرعية الاستيلاء على هذه الثروات.
وفى هذا الكتاب الذى يجلو البصائر بوضوحه، لا يتردد المؤلفان فى شرح هذه المفارقة، ففى الوقت الذى تبدو فيه الرأسمالية فى أوج ازدهارها، نجدها تتعرض لأكبر الأخطار، ونحن معها، فهى رأسمالية بلا مشروع، لا تستخدم ملياراتها فى أى شيء نافع، ولا تستثمر، أو تعمل من أجل المستقبل. وفى مواجهة القلق الاجتماعى، لا تعالج الحكومات عادة إلا الأعراض، حيث لا تصل إلى أعماق المشكلة.
وتكمن المشكلة فى لا معقولية تصرفات كبار المستثمرين الذين يطلبون من الشركات تحقيق نتائج مرتفعة للغاية، والنتيجة أنها تبحث عن العائد بعد ثلاثة شهور بدلاً من الاستثمار طويل المدى، وأنها تلجأ لنقل المصانع، والضغط على أجور العمال، وتتخلى عن خلق فرص العمل فى الزمن الحاضر، وفى بلدها الأصلى. ولهذا يرى المؤلفان ضرورة الإسراع بإصلاح سياسة الادخار بعمق، وفرض قواعد جديدة لحسن إدارتها، سواء على المديرين أو أجهزة الإشراف. ودون هذه الإجراءات لن يمكن تجنب حدوث أزمة جديدة للرأسمالية، مع كل ما يعنيه ذلك من نتائج.
والكتاب لا يصدر من وجهة نظر معادية للرأسمالية، بل بالعكس، فهو يبصر الرأسماليين بخطورة التوجهات الحالية، التى تدعمها الرأسمالية المعولمة فى شكلها النيو ليبرالى المتوحش السائد حالياً. وهو يدعوها للتوقف عن اللهاث وراء الأرباح السريعة عن طريق المضاربة على الأوراق المشتقة وغيرها من الأدوات المالية والرجوع للطريق التقليدى عندما كانت الرأسمالية تقود عملية الإنتاج، وبالتالى تلعب دوراً إيجابياً فى تنمية المجتمع.
والكتاب يشرح بالتفصيل، وبالكثير من الأمثلة الحية، الاتجاهات الخاطئة، بل المنحرفة، التى تؤدى للمخاطر المحيقة بالرأسمالية حالياً، والتى بدأت بالفعل أزمة للنظام الرأسمالية تتضاءل أمامها الأزمة المالية العالمية لعام 1929، فهو يحلل أزمة النمور الآسيوية الفصل الخامس وآثار «التقليد الرشيد» الذى يجعل جميع المستثمرين يشترون معاً ذات الأوراق، ويبيعون فى الوقت ذاته أوراقاً أخرى بعينها، والتقلبات الخطيرة التى تنشأ عن ذلك. وهو يكشف بالتفصيل فضائح الشركات الكبرى المدلسة، حيث خسر مساهمو شركة إنرون، ومن بينهم الكثير من موظفيها وكذلك صندوق معاشاتهم، 40 مليار دولار. كما خسرت البنوك المقرضة لشركة وورلد كوم أكثر من 6 مليارات دولار. أما شركة برمالات فقد زورت ميزانيتها لإخفاء ديون مقدارها 12 مليار دولار، واضطرت الحكومة الإيطالية للتدخل لإنقاذها حماية لمئات الآلاف من عمالها والمتعاملين معها.
ولعل هذا الكتاب يقنع بعض الرأسماليين المصريين اليوم بتتبع خطى طلعت حرب وجيله من الرواد، والتوقف عن سياسة سحب الأموال العامة من البنوك والهرب بها للخارج سواء للمضاربة أو الاختزان. وبالطبع، فهذا يقتضى توقف الحكومة عن اتباع سياسات صندوق النقد الدولى بترك الحرية المطلقة لانتقال رءوس الأموال للخارج، وسياسات منظمة التجارة العالمية التى تلغى أية حماية جمركية لصناعاتنا الناشئة بحجة حرية المنافسة فى سوق لا مجال فيه إلا للكبار، ولسنا منهم. ولعل فى نكبة استيراد القمح هذا العام بعد أن تخلت الحكومة عن شراء المحصول بأسعار مجزية فى العام الماضى ودفعت الفلاحين بذلك لزراعة محاصيل التصدير المزعومة، واضطرت هى لاستيراد القمح بأضعاف ثمن القمح المصرى، لعل فى ذلك درساً تستوعبه الحكومة، ولا يبدو أنها استوعبته، فقد قال وزير المالية فى حديث تليفزيونى مؤخراً: إن الأسعار العالمية للقمح قد انخفضت كثيراً، والحكومة ستستفيد من ذلك الانخفاض لتخفيض أعباء دعم الخبز!