مقتل فخر الدين
عز الدين شكري
القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2009، 248 صفحة
الرواية تصلح شهادة حية على العصر والظروف التى حياها شخصياته الروائية، فهو يتعرّض للواقع السياسى العام، وانعكاساته اجتماعيا ونفسيا، بخبرة أتاحها له عمله
الرواية تصلح شهادة حية على العصر والظروف التى حياها شخصياته الروائية، فهو يتعرّض للواقع السياسى العام، وانعكاساته اجتماعيا ونفسيا، بخبرة أتاحها له عمله فى السلك الدبلوماسي،ذلك العمل الذى يقول عنه: ´عندما تكون دبلوماسيا، لا تصنع الأشياء بالضبط كما تريد، فأنت طوال الوقت تتفاوض فى الأمر الذى يلقى ظلاله على الحياة الشخصية، لكن فى الكتابة الأمر مختلف، فأنا أصنع ما أريد، أخلق شخصيات وأصنع أزمات، وأدخل الأزمنة فى بعضها البعض.. ليس لأحد أى سلطة علي.. أنا حر تماماً فيما أريد أن أفعله.
ركَّز عز الدين شكرى فى هذه الرواية على التفاصيل الصغيرة التى تسهم فى صناعة الحدث، لتشكل مجموعة من الأنهار الصغيرة، تصب فى بحر الرواية الكبير، لتشكل ملامحه عبر تفتيت الحدث إلى مكوناته ودوافعه الأولية، بحيث يبدو هذا الحدث حقيقيا وواقعيا إلى درجته القصوي، لا يدور فى فراغ، وليس وليد لعبة روائية قائمة على الصنعة، وهو ما يضفى على فلسفة العنف فى مقتل فخر الدين بعدًا ميتافيزيقيا: ´صمتت بين السريات لحظة، ثم انهال الصوت داميا متفجرًا من كل نافذة ومدخل وسطح.. سقط فخر الدين سقطة واحدة على رصيف الشارع فى دمه الأحمر القاني.. أفسح الهواء صدرًا لإشارة الصمت فصمتت الرشاشات الآلية.. يطل وجه أحد الجنود من باب بيت مقابل.. عبر الشارع مسرعًا شاهرًا بندقيته باتجاه الجسد الممدد على الرصيف.. دفعه بركلتين متلاحقتين حتى يتأكد من موته، رفع رأسه إلى من فوق السطح وأشار بإبهامه إلى أعلي.
فى هذه الرواية يذهب المؤلف نحو هدفه مباشرة، ليدخل قلب معركة الإنسان الفرد مع الزمن الوجودى بعنفه واصطخابه واشتراطات واقعه التى تحيل الحياة جحيمًا لا يطاق، ولتحقيق هذه الرسالة سلكت الرواية طرائق تقنية روائية متعددة، مثل الاقتباسات الشعرية وكلها تقريبًا من محمود درويش رمز المقاومة والصمود فى الشعر العربى المعاصر، وكأنها الخلفية الموسيقية التى تساعد فخر الدين على البقاء، فى ظل إحباطاته المستمرة والمتعددة وتعرضه للخيانة من صديقه الشاعر الذى وشى به، ثم دخوله السجن، وتجنيده فى حفر الباطن، يؤطر الشعر إذن هذه الرؤية الروائية ويخرجها من كآبتها وسوداويتها إلى أفق إنسانى أرحب وجوديا، وكأن الشعر هناهو نقطة الضوء الوحيدة فى روح فخر الدين.
ثم تأتى تقنية السرد المباشر محدد الخط والهدف على لسان السارد المتكلِّم، أو السارد الواعى بالعمل ككل، تخلله آلية البوح والاستدعاء، حيث تعمل الذاكرة عمل المنشِّط الموضوعي، ليستدعى الحدث الآنى تاريخه المتكرر. وهنا يصبح الحوار ضرورة فكرية تظهر مكنون الشخصية الروائية فى تشابكها مع محيطها الأقوى منها القامع لها.
ثم تأتى ثالثًا تقنية الرسائل، وهى تقنية تمنح العمل حيوية وتخرجه من إطار الاصطخاب والعنف الرمزى واللغوى التى تغزو روح فخر الدين فى لحظات عزلته، هذا العمل الذى لم يلق حقه من النجاح والذيوع، جدير بأنه يوضع فى مكانه اللائق به، وبأن يصبح عز الدين شكرى أحد كبار كتابنا المصريين فى فن الرواية.