من ولاية الفقيه إلي خلافات الإصلاحيين والمحافظين..إيران بين الترويكا والدويكا!



لا شك أن الثورة الإيرانية حدث متميز في تاريخ القرن الماضي، فقد أطاحت بنظام الشاه الذي كان رمزا عتيدا للقوة الإقليمية؛ بيد أنها لم تكتف باستبدال نظام جمهوري به فحسب، بل أقامت مكانه فكرة أو نظرية سياسية، ما زالت تهيمن بقوة وتفرض حضورها بفاعلية علي المشهد الإيراني. ورغم قلة الأفكار التي تتمكن من الوصول إلي السلطة أو الاستمرار فيها بدون الاضطرار إلي تحولات هامة لصالح توجهات أو شعارات أخري، فقد صمدت نظرية «ولاية الفقيه» في وجه التحديات والمتغيرات واستمرت مهيمنة لأكثر من ربع قرن، منذ نهاية السبعينيات الماضية وحتي وقتنا الحاضر. خلال هذه الحقبة الطويلة، تغيرت صورة العالم الإسلامي من طنجة إلي جاكرتا؛ انقلبت أنظمة واختفت حكومات، فقد أعلنت الولايات المتحدة حربا عالمية ثالثة علي «الإرهاب» عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، اختفي علي أثرها نظام البعث في العراق ونظام طالبان في أفغانستان بفعل الغزو الأمريكي للقطرين، وأعادت معظم الأنظمة العربية النظر في أولوياتها وتحالفاتها واصطفافاتها. ولكن إيران تحت نظام «ولاية الفقيه» لم تنقلب رغم أنها هدف معلن لذلك من قبل واشنطن، وأنجزت تسعة انتخابات لرئاسة الجمهورية الإسلامية منذ قيامها. ولم تنكفئ طهران علي ذاتها إقليميا، بل يزداد حضورها فاعلية ووزنا في المنطقة باعتبارها طرفا أساسيا فيها. تطرح هذه الدراسة لخلفيات وسيرورة وصيرورة نظرية «ولاية الفقيه» -كما تتمثل في نظام الجمهورية الإسلامية- عددا من الأسئلة الرئيسة. ما هي نظرية «ولاية الفقيه»؟ ما هو أساسها العقدي والفكري؟ كيف وصلت إلي الحكم؟ كيف استطاعت هذه النظرية تنحية أو تحييد الاتجاهات السياسية الإيرانية الأخري كالليبرالية والقومية والماركسية؟ كيف أمكن انتقال قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية من مؤسسها، روح الله الخميني، إلي السيد علي خامنئي؟ ماهي الأسس الفكرية لخطاب الرئيس السابق السيد محمد خاتمي؟ ما حجم التأثير الذي تركه التيار الإصلاحي علي البني والتوازنات السياسية والاجتماعية في إيران؟ هل يمكن جسر التناقضات البنيوية في مفهوم ونظام «الجمهورية الإسلامية»؟ وماذا يخبئ المستقبل لإيران من تحديات؟ تفرض هذه الأسئلة وغيرها نفسها علي القارئ العربي رغم مرور عقود علي تأسيس «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» علي أساس نظرية «ولاية الفقيه»، وحضور السياسة أو الموقف الإيراني في المنطقة بشكل يومي ومتداخل. وما زالت هذه النظرية بجوانبها التاريخية والعقدية والسياسية، تمثل لغزا لدي كثيرين في العالم العربي والإسلامي. يشبه الكاتب البناء الفكري والعقدي لنظرية «ولاية الفقيه» بهندسة المنازل الإيرانية التقليدية؛ إذ يبدو كلاهما منغلقا علي نفسه، ولكنه عمليا يقوم بدور المصفاة. ففي حين يستعصي النفاذ إلي واقع إيران السياسي دون الإلمام بمختلف جوانب «ولاية الفقيه»، ينبغي أولا اجتياز تلك الأروقة الطويلة التي تفصل الفضاءات الخارجية للمنزل الإيراني التقليدي عن فضاءاته الداخلية، قبل الولوج أخيرا، بتدرج وسلاسة، إلي مركز المنزل العابق بالأسرار والحرمات. يحاول الكتاب الخروج من ثنائية «مع» أو «ضد» الطاغية علي أغلب الكتابات السياسية، خاصة فيما يتعلق بإيران، لأن هذا النمط من الكتابات يصادر المطلوب منه سلفا، فضلا عن اختزال المعرفة في نطاق ضيق. لكن الكتاب يقدم أيضا أفكاره ورؤاه حول نظرية «ولاية الفقيه»، ويبذل جهدا للتعريف بأبرز الآراء حول الموضوع رغم أنها قد تصب في سياق «مع» أو «ضد». ويحاول المؤلف أن لا يخفي موقفه من نظرية «ولاية الفقيه» بوصفها أحد مفاتيح واقع إيران الحالي، وأساس نظامها وحجر زاويته. وفي وجه آخر، تعتبر نظرية «ولاية الفقيه» قضية فلسفية تتناول حياة الإنسان وعلاقته بالدولة والمجتمع. اختار المؤلف «حدائق الأحزان» عنوانا لكتابه، نظرا لما تمثله حدائق إيران بتصميمها الفريد وعمارتها الخلابة، ولما يتركه حزن الإيرانيين الدائم في النفس من أثر عميق، ويبدو هذا الحزن ركنا أساسيا في وجدان المسلمين الشيعة عموما، والإيرانيين خصوصا. ولا تقتصر وظيفة الحدائق في إيران علي إمتاع النفوس والأبصار، فهي في التراث الإيراني الشعبي أو ممارسات الإيرانيين الاعتيادية جزء من الحياة اليومية، فيها يستريحون ويتنزهون ويتناولون العشاء بليالي الصيف. يتكون الكتاب من خمسة فصول تعالج مختلف مناحي نظرية «ولاية الفقيه». يتناول الفصل الأول الخلفيات التاريخية للتشيع مرورا بعلاقة الفقهاء بالدولة الإيرانية؛ بينما يهتم الفصل الثاني بمباني ومعاني «ولاية الفقيه» وولادة النظرية ودور الإمام الخميني في تطوير مفهومها وبنيتها الفكرية. يتوقف الفصل الثالث عند مرحلة الوصول إلي السلطة والتطورات التي آلت إلي استبعاد التيارات الأخري عن العملية السياسية وانفراد «ولاية الفقيه» بالسلطة في إيران؛ في حين يلقي الفصل الرابع الضوء علي عملية انتقال السلطة بعد وفاة الإمام الخميني إلي السيد علي خامنئي وانعكاساتها علي النظرية ذاتها وواقع إيران السياسي. ويتناول الفصل الخامس دور الرئيس السابق السيد محمد خاتمي في تطوير الخطاب الديني بإيران، وتغيير التوازنات السياسية هناك، مرورا بمفهوم «الجمهورية الإسلامية»، ثم أخيرا التحديات التي تواجهها. الفقهاء والدولة في إيران منذ بدء الحقبة الصفوية، تداخلت الهوية الإيرانية والإسلامية الشيعية وامتزجتا معا حتي أصبح الوجدان الإيراني خليطا فريدا من هذين العنصرين، فلا يمكن الحديث عن المسلمين الشيعة دون أن تستدعي صورة إيران إلي الأذهان، كما لا يمكن تناول إيران دون إبراز وجدانها الشيعي. أثرت هذه الحقيقة بشدة في المهتمين بإيران من القديم، حتي أن المؤرخ المقريزي كان يعتقد بفارسية التشيع. يتعرض الفصل الأول لعقائد المسلمين الشيعة، علي أرضية موضوعية أساسها انتماء السنة والشيعة معا لحضارة الإسلام، وهو ما يقتضي التعريف بعقائد الشيعة، خاصة مع تعرضها أحيانا للتشويه المتعمد، حيث اختلط الأمر علي كثير من المسلمين غير الشيعة. كما أن توحيد كلمة العالم الإسلامي يقتضي أن لا يتجاهل المسلمون السنة شطرا لا يستهان به من الأمة، هم الشيعة. ومن الصعب أن يحاول المرء الإبحار في واقع إيران أو تاريخها دون التطرق إلي وجدانها الشيعي ومراحل تطوره بعد امتزاج الاثنين - إيران والتشيع- حتي صارا مزيجا متداخلا يصعب فصل مكوناته. وكما كانت الدولة الإيرانية القديمة مرتبطة برجال الدين، كان واقع إيران السياسي طوال تاريخها العريق، كالبحر في حال مد وجزر بين الدولة ورجال الدين. اصطلح علي تسمية الفترة الواقعة من الغيبة الكبري عام 940/941 م وحتي عام 1501 م، حين أعلن الشاه إسماعيل الصفوي تشيع إيران رسميا، بأنها مرحلة الفقه الخاص وعلاقة المرجع بالمقلد دون ربط ذلك بالدولة ومؤسساتها. ومنذ بداية عصر «الغيبة الكبري»، أصبح فقهاء الشيعة زعماء المذهب وقادة جماهير المؤمنين، واختصرت جماهير الشيعة الدين والدنيا في الفقهاء، وكانت فتاواهم دستور المؤمنين في عصر غيبة الإمام الثاني عشر ووكلائه الأربعة. واختص الفقهاء بشئون «المرجعية» والإفتاء في أمور الدين والدنيا، خصوصا في غيبة الأئمة المعصومين، بحسبان الفقهاء وكلاء الأئمة. وعلي هذا الأساس، برز بين الفقهاء من عرفوا بالمراجع، وهم رجال الدين الأعلام الذين يرجع إليهم في كل الأمور، ويقلدهم المؤمنون باعتبار أنهم وارثو أسرار وعلم الأئمة من آل البيت. في عهد لاحق، أضيف إلي مستودع الوجدان الشيعي عبارة «من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية»، وبذلك استطاع الفقهاء ترسيخ سلطتهم أكثر فأكثر لدي جماهير المؤمنين، بوصفهم سبيل معرفة إمام الزمان. وكانت نسبة الخمس التي تقتطع من أرباح المؤمن الشيعي والمخصصة للفقهاء بمثابة الأساس المادي لنفوذ واستقلال الفقهاء. ومن الأخماس يوزع الفقهاء هذه الموارد علي مستحقيها، ويصرفونها في مصارفها الشرعية. وهكذا حفظ الخمس مكانة الفقهاء، وعززت استقلالهم عن السلطة الحاكمة، بل ومناهضة توجهاتها السياسية والاجتماعية إن لزم الأمر. ويلاحظ الرئيس السابق محمد خاتمي أنه «مازال الملتزمون دينيا حتي اليوم يدققون حساباتهم نهاية العام ويقصدون رجل الدين، فيقبلون يده ويقدمون له بطيب خاطر خمس أرباحهم، ولكن صاحب الحانوت نفسه الذي تنازل عن خمس ماله يحاول التهرب من دفع الضرائب الحكومية، ونعم ما فعل. فلم تكن الضرائب توظف لصالح الشعب. لقد كانت إتاوات يأخذها الأقوياء من الشعب». صار المرجع، بفضل الخمس، رمزا للمذهب ومركزا لوحدة المنتمين إليه علي اختلاف مطارح عيشهم. وتنوعت اهتمامات «دولة المؤسسة الدينية» بين الإفتاء في أمور العبادات والمعاملات وتلقي الأخماس وإنفاقها في مصارفها الشرعية، والإشراف علي مؤسساتها الاجتماعية والرعوية، لتثبيت ولاء المؤمنين بصيغة «مرجع التقليد» الذي يحتكم المقلدون إليه في أدق التفاصيل، لدرجة أن يقول الإمام الخميني: «يبطل عمل العامي في غير الضروريات، إذا صدر من غير تقليد». جاء إعلان المذهب الشيعي الاثني عشري مذهبا رسميا للدولة الإيرانية في القرن السادس عشر مواتيا للمؤسسة الدينية التي يقودها الفقهاء، فانتقلت نقلة نوعية كبيرة وأولي في تاريخ التشيع. فقفزت مكانة المؤسسة الدينية نوعيا من «دولة متخيلة» أو «موازية» إلي دولة داخل الدولة بعد إعلان تشيع إيران علي يد الصفويين. لم يستطع الحاكم الصفوي أو القاجاري الاستقرار بدون مشروعية المؤسسة الدينية أو مباركة وتأييد الفقهاء. ورغم هذا التأييد، حرص الفقهاء وجماهير الشيعة علي استقلالية جهازهم الاقتصادي- الاجتماعي عن تبعية الدولة، سواء الصفوية التي حالفوها أو القاجارية التي ناصبوها العداء. واستطاع الفقهاء تثبيت دورهم داخل الدولة الإيرانية علي اختلاف الأسر الحاكمة. وبتعاظم المظالم والضغوط علي المجتمع الإيراني في العهد القاجاري، دخل الفقهاء حلبة السياسة من باب الفتوي الدينية، لتكرس التحالف الوثيق الناشئ بين الفقهاء ورجال البازار. وكانت فتوي مرجع التقليد الأكبر آية الله الشيرازي بتحريم استعمال التبغ موجهة ضد المصالح الأجنبية المحتكرة لتبغ إيران، وبالتالي ضد مصالح الأسرة القاجارية الحاكمة، ومنحازة لرجال البازار الذين عانوا من أعباء الضرائب ومنافسة السلع الأجنبية نتيجة لخفض الجمارك عليها آنذاك. شارك الفقهاء بدور رئيس في الثورة الدستورية عام 1906، والمعروفة بثورة «المشروطية» أي الدستور، وهدفت إلي تعيين حدود لصلاحيات الحكام وشرائطها وإقرار حقوق المواطنين القانونية. وتعد هذه الثورة هي النقلة النوعية الثالثة في تاريخ علاقة الفقهاء بالدولة. تحققت النقلة الأولي بالخمس الذي يتلقاه المراجع من المقلدين واستقلال الفقهاء عن جهاز الدولة. وتحققت النقلة الثانية بتحالف الفقهاء مع الدولة الصفوية علي قاعدة منحها مشروعية الحكم، وأنجزت النقلة الثالثة بنجاح الثورة الدستورية وتثبيت مكاسب الفقهاء في الدستور الجديد. عكست علاقة الفقهاء بالدولة الإيرانية في عصر رضا شاه الأزمة العميقة التي عاشتها المؤسسة الدينية كنتيجة لعملية تحديث الدولة الإيرانية التي اعتمدها رضا شاه، والتي فككت إلي حد كبير التحالف بين الفقهاء والبازار، بطرق مختلفة منها استقطاب عدد كبير من الشرائح العليا والمتوسطة في أجهزة الدولة. ومثل اتساع دور الدولة في المجتمع وانخراطها في حياة المواطنين خصما من الرصيد الاجتماعي لمؤسسة الفقهاء، التي لم تعد تمثل سندا اجتماعيا واقتصاديا هاما للجماهير، نظرا لقيام الدولة بذلك الدور. كما اصطفت الأحزاب السياسية إلي جانب رضا شاه بسبب توجهاته التحديثية ومحاولة الأحزاب الانخراط فيها مجاراة لنموذج الدولة العلمانية العصرية في تركيا المجاورة. في عهد محمد رضا بهلوي، استمر الحضور الخافت نسبيا لرجال الدين، مقارنة بدورهم في الثورة الدستورية. وانحصرت الحركة السياسية في التيارات التحديثية والليبرالية واليسارية. وبرزت آنذاك حركة «فدائيان إسلام» بزعامة نواب صفوي، والتي اعتمدت العنف المسلح واغتيال رموز الدولة وسيلة للتغيير. ولا دليل واضحا علي أن هذه الحركة كانت ذراعا للمؤسسة الدينية، بل ربما كان ظهورها مؤشرا علي انزواء رجال الدين من الحياة السياسية وتضاؤل نفوذهم، رغم رعاية المرجع آية الله الكاشاني لصفوي ورفاقه عقب اغتيالهم رئيس الوزراء. كان الدكتور محمد مصدق علي رأس الجبهة الوطنية التي تكونت أواخر الأربعينيات من المثقفين والوطنيين الليبراليين، وأدت مطالبتها بتأميم النفط لاستقطاب الشارع الإيراني، وانضم إليه الكاشاني، أحد أبرز رموز المؤسسة الدينية، تعبيرا عن احتجاجها علي تهميش دورها في المجتمع الإيراني وقتذاك. لكنها كانت في خلفية الحركة السياسية عندما تولي مصدق رئاسة عام 1951، وليس في طليعتها كما كانت في الثورة الدستورية عام 1906 . تصاعدت المواجهة بين مصدق والشاه، وأفتت مجموعة كبيرة من رجال الدين بأن مصدق معاد للإسلام والشريعة، وانسحب الكاشاني من تحالفه مع مصدق، وأعلن معارضته له، لوقوف كتلة مصدق البرلمانية ضد تولي الكاشاني لرئاسة البرلمان. وانسحب الفقهاء مؤقتا من العمل السياسي بعد انفراط تحالف مصدق مع الكاشاني، وساعد علي الانسحاب موقف المرجع الأوحد آنذاك، آية الله البروجردي، المناهض لاشتغال الفقهاء بالسياسة. ونجح انقلاب دبرته المخابرات الأمريكية في صيف 1953 في الإطاحة بحكومة مصدق، وعوقب بالسجن والنفي إلي قرية أحمد أباد بشمالي إيران، حيث قضي بقية حياته حزينا في «حديقة الأحزان» بمنزله هناك، حتي وفاته عام 1967 . في الستينيات، تصدي رجال الدين لثورة الشاه البيضاء متخذين عدة لافتات للمعارضة، وكان علي رأس المحتجين الإمام الخميني، الذي حرض الشعب علي الاحتجاج والتظاهر فيما يعرف ب «ثورة 15 خرداد» التي صادفت ذكري استشهاد الإمام الحسين بكربلاء. فتصاعدت التظاهرات وقتل فيها الآلاف. وأودع الخميني السجن. اجتمع عندئذ كبار مراجع الشيعة، وأعلنوا ترقية الخميني لدرجة آية الله العظمي؛ فاكتسب بذلك الحصانة التي تمنع سجن كبار المراجع احتراما لمقاماتهم الدينية. وتصاعد قمع جهاز السافاك للمعارضة، واستشهد تحت التعذيب في السجون آية الله سعيدي وآية الله غفري، لمعارضتهما النفوذ الأمريكي والإسرائيلي المتزايد في إيران آنذاك. ومع تصاعد الرفض الشعبي والمواجهات بين الشعب وقوات الشاه كان صوت الخميني هو الأكثر راديكالية في معارضة الشاه، إذ كان رافضا لبرنامجه الاجتماعي الاقتصادي، وتبعيته للولايات المتحدة، وعلاقاته المستفزة بإسرائيل. استقطبت راديكالية الخميني شعبية متنامية بين الجماهير، وكان استدعاء الوجدان الشيعي في مواجهة الشاه أمضي أسلحة التيار الديني في الثورة. وأثبت تلاحق الأحداث ونجاح الثورة الشعبية التي أطاحت بالشاه أهمية الوجدان والثقافة في حياة الشعوب وخطأ تهميشهما لصالح السياسة أو الاقتصاد، رغم ارتباط مقدمات الثورة بالمصالح الاجتماعية لشرائحها الثائرة، وبالأجواء السياسية السائدة قبل الثورة. نظرية «ولاية الفقيه» هي نتاج لتطور الفقه الشيعي منذ اختفاء الأئمة المعصومين وحتي ظهور النظرية، ولم يبعثها الإمام الخميني من فراغ، بل سبقه علماء أصلوا لها واشتهروا بها. فقد انبري فقهاء الشيعة منذ غيبة الإمام المهدي لتحليل النص الشرعي وسبر أغواره، وتطوير البحث الفقهي بما يبلور إطارا معرفيا للمذهب وترتيبا لأصوله وتفصيلا لفروعه. وابتكر فقهاء الشيعة مقولة النيابة عن الإمام، علي الأقل، في تحصيل الخمس من المؤمنين، وغيرها. ولكن استمرت حالة التيه السياسي حتي ولدت فكرة «ولاية الفقيه». ظهرت إرهاصات الفكرة في جبل عامل بلبنان، علي يد محمد بن مكي الجزيني العاملي (ت 876 ه، 1471/1472م)، حيث وسع نطاق عمل الفقهاء وتأثيرهم في حياة المؤمنين. استند الجزيني علي ما أسماه «نيابة الفقهاء العامة» عن الإمام المهدي المنتظر، وتشمل القضاء والحدود وإقامة صلاة الجمعة. وقدر الجزيني في كتابه «اللمعة الدمشقية» أن الفقيه هو «نائب الإمام»، وأصبح كتابه من أشهر الكتب، لدي المسلمين الشيعة، بعد اكتشاف أنه أساس نظرية «ولاية الفقيه». ورغم ذلك، لم يقترب الجزيني من فكرة الحكومة الإسلامية بقيادة الولي الفقيه، بل قصد تحسين أوضاع عصر الانتظار حتي عودة الإمام المهدي المنتظر. وأورد الكتاب لأول مرة تعبير «نائب الإمام»، الذي أطلق علي الخميني لدي عودته من المنفي وانتصار الثورة. وبعد الجزيني بأربعة قرون، جاء الشيخ أحمد بن محمد مهدي نراقي كاشاني، وقبل وفاته عام 1248ه، أخرج كتابه «عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام»؛ حيث طور أفكار الجزيني باتجاه توسيع صلاحيات الفقهاء، واستخدم مصطلح ولاية الفقيه لأول مرة في تاريخ الشيعة رافضا «التقية» و«عصر الانتظار». ودعا الشيخ نراقي لقيام الفقهاء بتولي زمام أمور الإدارة والحكم لجماهير الشيعة، رافضا نطاق صلاحيات الفقهاء الضيق. تبني دعوة نراقي علي الأساس الذي أرساه الجزيني قبل أربعة قرون، مع توسع في صلاحيات الفقهاء يتجاوز اجتهاد الجزيني. ذهب نراقي في كتابه مدي أبعد، فقلد الفقهاء الإمامة الكبري، وقال: «كل ما كان للرسول والإمام يؤول إلي الفقيه أيضا، إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص». تتلخص أطروحة نراقي في أمرين: أولهما أن للفقيه، في عصر الغيبة، حق الولاية في جميع الأمور التي كان النبي والأئمة يملكون ولايتها والتصرف بها إلا ما استثناه الدليل الشرعي؛ وثانيهما: حق الولاية للفقهاء في كل ما له ارتباط بدين ودنيا العباد. وتعرض نراقي لعشرة موارد في شؤون ولاية الفقهاء منها: الإفتاء وإقامة الحدود، والحسبة علي أموال الأيتام والمجانين والغائبين، والتصرف في أموال المعصوم (الخمس). ثم بدأ الشيخ الأنصاري، تلميذ نراقي، من حيث انتهي شيخه، فأفتي ببطلان «عبادة تارك طريقة التقليد والاجتهاد»؛ مما يوجب علي الشيعة تقليد المرجع الديني أو الفقيه في كل الأمور الحياتية والمذهبية. فتكرست عندئذ مرجعية الفقهاء ودورهم كنواب للإمام الغائب. ثم جاء الإمام الخميني ليحمل راية فكرة «ولاية الفقيه» في الحوزة العلمية بمدينة قم، التي انتقل إليها مركز الثقل الفقهي في إيران من حوزة أصفهان قبل ذلك بنحو قرن تقريبا. وبعد نفي الخميني لخارج إيران، استقر الإمام في النجف الأشرف بالعراق، وهناك وجد الفرصة ليصوغ أفكاره حول «الحكومة الإسلامية»، والتي ستطيح بسلطة الشاه الدنيوية، وتقيم «الجمهورية الإسلامية» علي أساس نظرية «ولاية الفقيه»، فتغير وجه هذه المنطقة من العالم. ويمكن تقسيم اجتهادات أعلام الفقه الشيعي حول علاقة الدولة بالولاية إلي قسمين أساسيين تبعا لمصدر المشروعية. فهناك اجتهادات تنطلق من قاعدة المشروعية المباشرة من الله، ويقابلها اجتهادات ترتكز علي مشروعية الأمة في حدود تعاليم الشرع الإسلامي. تندرج تحت المشروعية الأولي أربعة اجتهادات. أولا: «ولاية الفقيه» في ظل حكم ملكي لحاكم مسلم، وأبرز من نادي بها العلامة المجلسي (ت 1698م) في أواخر حكم الصفويين الذين سماهم «سلاطين الشيعة». ثانيا: الولاية العامة لجميع الفقهاء، وأبرز أعلامها الملا أحمد نراقي كاشاني، وآية الله بروجردي (ت 1961م)، وآية الله كلبايكاني (ت 1993م)، ويذهبون إلي اختصاص الفقهاء عموما بالولاية، وليس فقيها واحدا فقط، أو حتي مجموعة محددة منهم، وينتمي لهذا الاجتهاد أغلب المراجع الشيعة في إيران وخارجها. ثالثا: ولاية مجلس المراجع أو شوري الفقهاء، ومن أبرز المنظرين لها آية الله السيد محمد الشيرازي (ت 2001م)، وتقتضي قيام مجموعة من المراجع الأكثر شعبية بمهام الولاية علي أمور الناس الدينية دون استئثار فقيه واحد بالولاية علي الأمة. رابعا: «ولاية الفقيه المطلقة»، ونادي بها الخميني، وحصرها في فقيه واحد حائز لشرائط معلومة. وتندرج تحت المشروعية الثانية خمسة اجتهادات. أولا: «ولاية الفقيه» المقيدة بالانتخاب الشعبي، وعلم هذا الاتجاه آية الله حسين علي منتظري، وهو محاولة للحد من رقابة الولي الفقيه، وتقليص بعض صلاحياته التنفيذية. ثانيا: دولة مؤسسية تحت إشراف الفقهاء، وأبرز منظريها العلامة ميرزا حسين نائيني (ت 1936م) الذي كان معارضا لانحياز بعض رجال الدين للاستبداد، ومؤيدا للثورة الدستورية. ثالثا: خلافة شعبية تحت رقابة المرجعية الدينية أو المرجعية الرشيدة، ومنظرها السيد محمد باقر الصدر (1933- 1980م)، وفيها حقوق الشعب السياسية مستقلة عن الفقهاء، بشرط ممارسة الأمة لخلافتها بالاستناد إلي الشوري وولاية المؤمنين والمؤمنات بعضهم علي بعض. رابعا: دولة إسلامية منتخبة شعبيا، وهو اجتهاد لبناني المنبت أبرز رموزه الشيخ محمد جواد مغنية (ت 1979م) والشيخ محمد مهدي شمس الدين (ت 2001م) صاحب نظرية «ولاية الأمة علي نفسها»، ويوفق بين ثوابت الشريعة ومفهوم الدولة بالمعني القانوني الحديث. خامسا: الولاية المشتركة بالتفويض، ومنظرها الدكتور مهدي حائري يزدي وهو ابن مرجع التقليد الأكبر الراحل آية الله عبدالكريم حائري يزدي وصهر الإمام الخميني، ويعتقد الدكتور حائري يزدي أن «ولاية الفقيه المطلقة» لا أساس لها في الفكر الشيعي، ويقدم رؤية لولاية الناس بعضهم علي بعض، قائمة علي أساس وكالة الناس للحاكم. «ولاية الفقيه» عند الخميني ترتكز نظرية «ولاية الفقيه» للإمام الخميني علي كتابه «الحكومة الإسلامية»، وهو محاضرات ألقاها علي طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف. يتكون الكتاب من قسمين: الأول «أدلة لزوم إقامة الحكومة»، ويؤكد علي ضرورة وجود المؤسسات التنفيذية إذ أن وجود القانون المدون وحده لا يكفي لإصلاح المجتمع بل يحتاج الأمر لسلطة تنفيذية؛ والثاني «حقيقة قوانين الإسلام وكيفيتها» حيث ترتقي مرتبة «ولاية الفقيه» إلي مقام الفروض، وأن ولاية الأئمة هي ذاتها ولاية الفقيه العادل من حيث العموم والشمول، وأن وظيفتهما واحدة بالسلطة والولاية، رغم سمو منزلة الإمام «المعصوم» علي منزلة الفقيه العادل. تتلخص الفكرة الرئيسة في الكتاب في أن وظيفة السلطة التشريعية وهيئات سن القوانين هي مجرد التخطيط للوزارات والتشكيلات الحكومية المختلفة من خلال الأحكام الإسلامية، التي يكون الفقيه قيما ووصيا عليها وعلي تطبيقها. ورأي أن شروط الحاكمية التي وجدت في صدر الإسلام إلي زمان الغيبة الكبري للإمام المهدي قد جعلها الله لفترة الغيبة أيضا. وهي شرائط العلم بالشرع والعدالة، إضافة لخصال مطلوبة في الحكام العادلين، علي أن تكون ولاية الفقيه لكافة الأمور الدينية والدنيوية انعكاسا لأوامر إلهية. ويفرق الكتاب بين الولاية التشريعية للرسول والأئمة وبين الولاية التكوينية أو الاعتبارية للولي الفقيه، مسلما بأن الأخيرة لا نص عليها ولا عصمة لها. لذلك، يمكن فهم أن النظرية باستدلالاتها وروحها لا يمكن تطبيقها إلا في مجتمع غالبيته من الشيعة أولا، وأن تقبل هذه الغالبية بتفسير الشريعة الإلهية وفقا لمنظور الولي الفقيه ثانيا. وهذا يرجح مثلا أن مسألة تصدير الثورة غير ممكنة إلا إلي مجتمعات شيعية أو ذات غالبية شيعية، بسبب خصوصية العلاقة بين نظرية ولاية الفقيه والمذهب أو الفقه الشيعي ومراحل تطوره. تستند نظرية «ولاية الفقيه المطلقة» في حق الفقيه في الحكم إلي تأويل البراهين الشرعية كالأدلة القرآنية والأحاديث النبوية أو روايات الأئمة، أما أدلة «ولاية الفقيه المطلقة» فتقسم إلي نوعين: أدلة عقلية وأدلة نقلية. وهي تستند إلي أربعة أركان: أولها، طبيعة ونطاق الولاية فهي شاملة وضرورية ودائمة وعامة؛ وثانيها: النصابة، أي تنصيب الولي الفقيه معقود للفقهاء ولا يتم ذلك بواسطة الشعب مباشرة، وتستمد شرعيتها من الولاية التشريعية؛ وثالثها: الإطلاق، أي أن سلطة الولي الفقيه تمتد لكافة شئون الحكم، فلا سيادة أو صلاحية تخرج عن إطارها، وهو مصدر شرعية الدولة، لأن صلاحيات الولي الفقيه في الحكم هي ذات صلاحيات الرسول والأئمة من بعده؛ ورابعها: الفقاهة، وهي أهم الشروط الواجبة في الولي الفقيه لإدارة المجتمع، فالنظرية تفترض للفقه دورا أساسيا في تشكيل المجتمع، ويمتلك الفقيه القدرة علي إرشاد وقيادة المجتمعات. يلاحظ المؤلف أن الاجتهادات الأخري حول ولاية الفقيه كتقييدها بالانتخاب أو بالدستور أو الرقابة عليها أو جعلها جماعية، هي تنويعات أو استجابات لقضايا عملية وإشكاليات نظرية ناجمة عن طبيعة وأركان النظرية الأصلية. فقد اجتهد الفقهاء الشيعة للتوفيق بين القيادة الشعبية وأركان النظرية الأربعة. لدي وصول طائرة الإمام الخميني مطار طهران مطلع فبراير/شباط 1979، جسد نزوله إلي أرض وطنه عائدا من المنفي، مع المجموعة المرافقة، مركز ثقل الطبقة السياسية الإيرانية لحظة انتصار الثورة. فالتيارات السياسية الإيرانية، من اليمين إلي اليسار، شاركت بقدر متفاوت في الثورة. لكن شكل السلطة عقب سقوط الشاه تناغم مع التحالف الجديد بين الخميني ورجاله والتيار القومي الليبرالي من جهة أخري. بعد أيام، دعا الإمام لمؤتمر صحفي بمقر إقامته، أكد فيه علي اختيار الشعب زعيما له، وأعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة بدلا من حكومة شهبور بختيار، وحدد مهامها بالإشراف علي انتخابات مجلس تأسيسي ثم انتخاب برلمان وتنظيم استفتاء علي قيام «الجمهورية الإسلامية»، واعتبر معارضة الحكومة الجديدة معارضة لحكم الإله. وفي اليوم نفسه، بعث بخطاب تكليف بتشكيل الحكومة إلي مهدي بازركان، متوخيا إنهاء الفوضي العامة الناجمة عن وجود حكومة شهبور بختيار في السلطة. كان اختيار الخميني لبازركان بسبب ماضي بازركان النضالي الإسلامي والوطني وليس لانتمائه الحزبي في الجبهة الوطنية. وباعتبار الخميني أعلي سلطة في البلاد بعد انتصار الثورة، فهو من يعين الحكومة ومن يحدد وظيفتها التي ستتوج بإعلان «الجمهورية الإسلامية». لم يكن الصراع علي السلطة في إيران بين أنصار ومعارضي ولاية الفقيه مقتصرا علي السياسيين. بل كان أيضا داخل طبقة رجال الدين أنفسهم، وفي قمة هذه الطبقة أيضا داخل إيران وخارجها، فأحدث شرخا طوليا في بناء المؤسسة الدينية، من مراجع التقليد وحتي طلبة الحوزات العلمية. فبعد عودة الإمام الخميني منتصرا، أيد المراجع في قم قيادته للثورة كدور سياسي، لكنهم - باستثناء آية الله منتظري- عارضوا ولايته المطلقة كفقيه أو كمرجع تقليد أوحد. واستندوا في معارضتهم لمبدأ «ولاية الفقيه المطلقة» إلي رؤيتهم العقدية القائلة بأن هذه الولاية جديرة بالإمام الغائب وحده. كما عارضوا الدستور الجديد، ورأي الأبرز في المعارضة -آيات الله شريعتمداري ومرعشي وكلبايكاني- أن إشراف الفقهاء علي القضاء، علي غرار تحالف الفقهاء والحركة الوطنية أبان «الثورة الدستورية» عام 1906 كان لوصول الثورة إلي غاياتها. علي السطح، بدت معارضة مراجع التقليد للدستور المقترح كاختلاف طبيعي في الاجتهاد التقليدي، لكن المعارضة تأسست في العمق علي مقاومة المراجع لتقليص صلاحياتهم إذا أصبح الإمام الخميني قائدا للأمة الإيرانية دينيا وسياسيا، أو أن يصبح مرجعا أوحد مما يهمش حضورهم. وانتشرت معارضة مبدأ «ولاية الفقيه المطلقة» داخل الطبقة الدينية في حياة الخميني وتعددت مستوياتها داخل الحوزة؛ بل ذهب بعضهم، كالخوئي ومهدي حائري يزدي، للقول بأن «ولاية الفقيه المطلقة لا أساس لها في الفكر الشيعي». وشأن كل الثورات، ظهر الصراع في إيران الثورة بين «أهل الثقة» و«أهل الخبرة» في مجال تسيير أمور الدولة. وبعد أسابيع من انتصار الثورة، ظهر مصطلح «الثورة الثقافية». وعلي نحو ما، كانت حكومة بازركان تمثل «أهل الخبرة» في مواجهة «أهل الثقة» من رجال الإمام، مما رسخ المواجهة بينهما. وكانت هناك مواجهة أخري بين رجال الدين ورجال السياسة للسيطرة علي الدولة، ومواجهة ثالثة بين أنصار الدولة الدينية وبين أهل الكفاءة التكنوقراط. في 2 أبريل/نيسان 1979، أطل الإمام بطلعته المهيبة علي الجماهير الإيرانية عبر التلفزة، وأعلن نتيجة الاستفتاء علي «الجمهورية الإسلامية» وتأييد الإيرانيين لها بنسبة 98 بالمائة، مدشنا قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبذلك، قطعت نظرية «ولاية الفقيه» شوطا طويلا علي طريق التنفيذ، ولم يتبق إلا التمكين لها، وإفساح المجال لتشكلها وظهورها. كان مهدي بازركان مثقفا متدينا يؤمن بدور الدين في رسم الأهداف الكبري للسياسة، ولكن دون انخراطه فيها نهائيا، ويقول في ذلك: «إن الدين يحدد أصول السياسة ومبادئ وأهداف الحكم، لكنه لا يتدخل في التفاصيل والجزئيات». في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، احتلت مجموعة من الطلبة الإيرانيين السفارة الأمريكية بطهران واتخذت العاملين فيها رهائن حتي تعيد واشنطن الشاه الهارب إلي إيران لمحاكمته وتعيد أموال البلاد التي هربها للخارج. استقالت حكومة بازركان لينتهي دورها في دراما الثورة. بعد أن أودت تفجيرات المنظمات المناوئة لنظام «ولاية الفقيه» بحياة بعض أهم الرموز المؤيدة للإمام، مثل مطهري ومفتح وبهشتي ومنتظري الابن وباهنر ورجائي، أصبحت النواة الصلبة للنظام ولمؤيدي الإمام تتكون من: آية الله حسين علي منتظري وحجج الإسلام السيد علي خامنئي (ثالث رؤساء الجمهورية) والشيخ هاشمي رفسنجاني (رئيس البرلمان) والسيد أحمد الخميني (مساعد الإمام). وكان الصف الثاني يضم حجج الإسلام علي مشكيني (رئيس مجلس الخبراء) وموسوي أردبيلي (رئيس القضاء) ومحمدي ريشهري (وزير الأمن). لم يعد رجال الدين يتحكمون بالدولة عن بعد فحسب، بل شغلوا قمتها بأنفسهم. وهكذا أحكمت نظرية «ولاية الفقيه» قبضتها علي الدولة ومراكز القرار بإيران لأول مرة في تاريخها، بعد تحييد المعارضين، ورغم تغييب بعض أهم الرموز المؤيدة للإمام. خلافة الإمام في خضم الأحداث والأخطار، لم تفت الإمام والمؤيدين لنظرية «ولاية الفقيه» ضرورة تعيين خليفة للإمام، مما يرسخ النظرية واستمرار قيادة النظام علي أساسها. لم تتوافر في الحلقة المحيطة بالإمام شخصية تصلح لشغل منصب خليفة القائد سوي آية الله منتظري، فهو آية الله الوحيد بينهم. بيد أن الخلافات التي لم تظهر حول قيادة الخميني نظرا لوزنه السياسي ودوره التاريخي في انتصار الثورة، ظهرت للعلن مع اختيار منتظري لخلافة الإمام في قيادة الجمهورية. فعمد المعارضون في قم لخلافته لترويج فكرة القيادة الجماعية المنصوص عليها بدستور الجمهورية قبل تعديله، باعتبارها حلا وسطا بين تيارات متعارضة. لكن رجال الإمام رأوا أن التهديد الخارجي لإيران لا يسمح بقيادة جماعية، بل قيادة فردية يتأهل لها منتظري الأقرب إلي فكر الإمام ونظرية «ولاية الفقيه». بدوره، رأي منتظري الاحتكام للجماهير في النزاع حول المرجعية قائلا: «ولاية أمر المسلمين يجب أن تكون بالانتخاب الشعبي». وهذا الرأي يعني، رغم وجاهته، محاولة لحشد السياسة ورموزها في طهران لحسم معارك فقهية تدور في الحوزة العلمية بقم. لكن الأمور استقرت وقتها علي توتر وحذر، مع بقاء منتظري في منصب خليفة الإمام. استدعي قبول الإمام بقرار مجلس الأمن رقم 598 القاضي بوقف إطلاق النار، بين العراق وإيران بعد ثماني سنوات من الحرب، اصطفافات جديدة علي الجبهة الداخلية؛ فكان سكوت المدافع فاتحة لإعادة ترتيب المشهد الإيراني من الداخل وعلاقات التوازن السياسي في مرحلة ما بعد الحرب. لكن استمر تقسيم العمل بين رجال الإمام بعد نهاية الحرب. فآية الله منتظري يرابط في الحوزة للذود عن أفكار النظام، بينما يقوم حجتا الإسلام خامنئي ورفسنجاني بأدوارهما التنفيذية والتشريعية. اختلفت أدوات وجبهات العمل لدي كل من ممثل خط الإمام في قم ورجال الإمام في طهران؛ وتضاربت بالتالي المصالح والأفكار. وقبل وفاة الإمام بشهرين، أطيح بمنتظري من منصبه لأسباب عائلية محضة. فقد استخدم خصومه تحفظات علي شخص السيد مهدي هاشمي، شقيق السيد محمد هاشمي، صهر منتظري. وقدم مهدي هاشمي للمحاكمة بتهمة العمالة وأعدم إثر محاكمة سريعة. واستخدم ذلك لاحقا للنيل من مكانة منتظري، وبالتالي تبرير إبعاده عن السلطة، باعتبار أن بطانته لم تعد فوق الشبهات. وجاء إعفاء منتظري من خلافة الإمام ليغير مسار تطور الدولة الإيرانية سياسيا ومذهبيا؛ فقد كان الإمام يملك المرجعية الدينية والثورية معا، وكان آية الله منتظري أقرب رجاله لهذا التوصيف. فقد حاز كلاهما صلاحية الفتوي الدينية، أي صلاحية المرجع الديني. وبعطف المرجعية السياسية علي المرجعية الدينية، يكون موقع منتظري هو الأقرب إلي مكانة الإمام الخميني وشرائط الولي الفقيه. وبعزل منتظري، بدأت مرحلة الفصل بين المرجعية السياسية والمرجعية الدينية، مما يضعف موقع خليفة الخميني، خاصة في الجانب الفقهي؛ لأن القائد السياسي القادم للجمهورية لن يكون هو المرجع الديني، كما كان الخميني. أدي ذلك التغيير إلي أن يكون الإمام الخميني هو أول وآخر مرشد للثورة يجمع، بلا منازع، بين المرجعيتين، وأن يرجح العامل السياسي علي المذهبي بوضوح في بنية وهياكل الدولة الإيرانية. بعد رحيل الإمام، انعقد مجلس الخبراء لاختيار خليفة له. وكانت الآراء تتجه إلي تفكيك صلاحيات الولي الفقيه بعزل درجة مرجع التقليد (آيات الله العظام) عن ولاية أمر الجمهورية، أي فصل الولاية الروحية علي المؤمنين عن الولاية السياسية علي الجمهورية. وكان الإمام قبل وفاته بأسابيع قد أعلن أنه يكفي أن يكون المرشد مجتهدا، ذلك أنه منتخب من قبل الخبراء الذين انتخبهم الشعب أيضا. أي أن انتخاب الخبراء للمرشد نافذ لأنهم منتخبون من الشعب، وينوبون عنه في اختيار المرشد. باختصار، استند مجلس الخبراء في اختيار السيد علي خامنئي إلي خمس ركائز: الفصل بين القيادة السياسية والمرجعية الدينية؛ تزكية الإمام لاختيار السيد خامنئي كما شهد رفسنجاني وأحمد الخميني؛ مشروعيته الثورية وتاريخه النضالي؛ توافر شروط الدستور بعد تعديله قبل وفاة الإمام؛ والبيعة (العقد بين الأمة والحاكم). كذلك، يؤول البعض صحة اختيار السيد خامنئي بأن الولاية في إطار نظرية «ولاية الفقيه» لا تنحصر بفقيه معين، ولكن إذا أجمع أهل الحل والعقد الذين ترتضيهم الأمة علي فقيه دون غيره، يصبح هذا الفقيه الجامع لشرائط ولاية الأمر واجب الطاعة، وتكون بيعته واجبة بالتعيين أيضا علي كل المسلمين لدي طلبها، وهي منعقدة له حال انتخاب مجلس الحل والعقد له. قاد الثنائي (الدويكا) خامنئي ورفسنجاني إيران بعد رحيل الإمام، فأعادا بناء الاقتصاد بعد حرب مع العراق دامت ثماني سنوات، وحافظا علي موقع طهران كطرف رئيس في المنطقة، وراوغا الضغوط الأمريكية، ونجحت تحالفاتهما الإقليمية والدولية في إفراغ سياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية من محتواها. جسد الثنائي مصالح ومواقع ضمن النظام الذي لم يجد صعوبة في إعادة إنتاج السياسات ذاتها، لكن الصعوبة كانت في تجديد نفسه. فنشأت فجوة بين جماهير الشباب التواقة للانفتاح والإصلاح وبين رموز النظام، مما جعل سد هذه الفجوة ضرورة مصيرية. وبحلول منتصف التسعينيات، كان جيل الشباب الذي لم يعاصر الثورة يمثل تحديا كبيرا للنظام نظرا لتفاوت منظومة القيم بين الأجيال إضافة إلي تطلعاتهم نحو الانفتاح، مما أوجد حاجة إلي رمز إصلاحي جديد. علي هذه الخلفية، كانت الأرضية مهيأة لظهور رمز إصلاحي تلتقي حوله التيارات الإصلاحية والمعارضة، لتنفيس الاحتقان وإبقاء هذه التيارات في مربع الجمهورية الإسلامية. وكان أن أجاز النظام ترشيح السيد محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية. في 1997، شهدت إيران الانتخابات الرئاسية السابعة التي جاءت بالسيد خاتمي إلي رئاسة الجمهورية، حيث أطلقت سياساته رياح القوي الإصلاحية، فعرت تلك القوي مكامن ضعف المجتمع وجددت حيويته أيضا. ويعود فوز خاتمي لبرنامجه الفضفاض، المرتكز داخليا علي مفاهيم متطورة وجديدة، كالمجتمع المدني ودولة المؤسسات وسيادة القانون؛ وخارجيا بالانفتاح علي دول الجوار والعالم وحوار الحضارات. استقطب تحالف خاتمي الإصلاحي أصوات الشباب والمتشوقين لهذه القيم، وضم مختلف الألوان السياسية من القوي الليبرالية إلي يسار الوسط، ومن تكنوقراط جهاز الدولة إلي التيار الديني المستنير، إضافة لقوي اليسار بأطيافه المتعددة. وتناغم كل ذلك مع مرجعية الثورة الإيرانية. واجهت رئاسة خاتمي صعوبات مؤسسية متعددة. ورغم ذلك، أحرز النظام الإيراني نجاحات كبيرة إقليميا ودوليا، استنادا إلي التعددية والانفتاح اللذين مثلهما. وبرهنت رئاسته الأولي والتأييد الشعبي الجارف في النصف الأول من الرئاسة الثانية علي أن موقع رئيس الجمهورية يمكن أن يتناغم مع وتيرة العمل السياسي، ويتضافر مع تيارات سياسية متباينة، لياخذ فعالية مجتمعية وسياسية تتخطي الإمكانات الدستورية المخولة لهذا المنصب. بيد أن مكمن القوة الأساسي يتمثل في خطاب خاتمي المتميز عن الخطاب الديني السائد قبله، بحيث يمكن القول -ببعض الاطمئنان- أن الخطاب الديني لخاتمي هو التجديد الأبرز في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وهكذا، شهدت إيران في فترة رئاسة خاتمي ثلاثي حكم (ترويكا)، يتكون من المرشد السيد خامنئي ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ رفسنجاني ورئيس الجمهورية السيد خاتمي. وكان الأساس الموضوعي لدخول رئيس الجمهورية إلي الترويكا، هو تمثيله السياسي للتيارات الشعبية، ولكن دون أن يمثل مصالح اقتصادية بعينها أو شرائح اجتماعية محددة كحال شريكيه في الحكم. بل إن عدم وضوح التوجه الاقتصادي للإصلاحيين أفقدهم التأييد الجذري لشرائح اجتماعية بعينها، وجعلهم منبرا لمعارضة طوباوية أحيانا وتجمعا للناقمين علي النظام أحيانا أخري. بدوره، وقف الرئيس خاتمي علي أرضية الثورة الإسلامية، واستمد شرعيته منها. فهو السيد حجة الإسلام، والمحارب القديم دفاعا عن الثورة. ورغم أن التظاهرات والاحتجاجات كشفت عن فجوة بين إمكانات خاتمي الدستورية المحدودة وتطلعات المتظاهرين، كان خاتمي (الابن الشرعي للثورة) هو الفرصة الأخيرة للنظام السياسي الإيراني للانتقال بمنظومته القيمية من شرعية الثورة إلي شرعية الدولة. انحدرت الأغلبية الإصلاحية في البرلمان إلي أقلية صغيرة منذ انتخابات 2004 النيابية، مقابل استفراد التيار المحافظ بالأغلبية. وتبدلت صورة المشهد السياسي أكثر في ضوء انتخابات 2005 الرئاسية، من أجنحة مختلفة داخل النظام إلي أحادية سياسية (يونيكا) محافظة تحت عباءة مرشد الجمهورية. اكتسب انتخاب محمود أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية أبعادا خاصة بسبب الانقلاب الذي أحدثه في التوازنات السياسية بين جناحي النظام الإيراني، المحافظين والإصلاحيين. فشهد النظام السياسي منذ الانتخابات الرئاسية انقلابا علي توازناته، يتمثل في هيمنة تيار واحد علي السياسة في إيران. يلاحظ المؤلف أن توصيفات «المحافظين» و«الإصلاحيين» لا تنطبق دائما -بالضرورة- علي تيارات إيران السياسية، لأنها تفتقر للدقة، ولا تتطابق باستمرار مع الواقع الموضوعي. وينطوي حصر التصنيف في معسكرين علي تبسيط يتجاهل بروز تيارات أخري، كالتيار القومي المتوزع بين المعسكرين، اللذين يموجان بتنوع داخلي مدهش، ولا يمثلان كيانا مصمتا سياسيا وأيديولوجيا. يضم معسكر المحافظين قسمين كبيرين: المحافظون التقليديون بزعامة المرشد السيد خامنئي، والمحافظون البراغماتيون بزعامة الشيخ رفسنجاني. وبين الكتلتين دارت المنافسة ليس في انتخابات الرئاسة فحسب، بل في تقاسم النفوذ والأدوار بمؤسسات الدولة. ذهبت انتخابات 2004 البرلمانية بترويكا (خامنئي-رفسنجاني-خاتمي) لصالح دويكا (خامنئي- رفسنجاني)؛ ثم جاء فوز أحمدي نجاد بالرئاسة ليطيح بالدويكا لصالح يونيكا المرشد، لأن مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يترأسه رفسنجاني يختص بالفصل في المنازعات بين رئاسة الجمهورية والبرلمان. وبما أن الرئاسة والبرلمان أصبحتا في قبضة تيار المرشد، فالأرجح أن لا يجد رفسنجاني دورا هاما داخل المؤسسات الدستورية بعد الانتخابات. تحديات المستقبل تواجه إيران أربعة تحديات رئيسة، تتوزع بين ضبط عمليات الحراك السياسي الداخلي؛ وتجديد النخبة الإيرانية وعلاقتها بتوازنات النظام السياسي؛ والتعامل مع مسألة القوميات؛ وأخيرا إثبات الحضور الإقليمي ومواجهة الأخطار الخارجية. ويتوقف مستقبل النظام علي قدرته علي التعامل مع هذه التحديات. شهدت الجمهورية الإسلامية منذ قيامها تسعة انتخابات رئاسية وسبعة انتخابات برلمانية؛ أي أن الطابع الشعبي ركن أساسي لمشروعية نظام «ولاية الفقيه». وهي انتخابات تتمتع بنزاهة غير معتادة إقليميا. ويشهد الحراك السياسي الذي ساد خلال رئاستي خاتمي علي حيوية المجتمع الإيراني. وربما كانت تجربة خاتمي الإصلاحية محصلة شروط خارجية وداخلية معقدة بمرحلة تاريخية معينة من عمر النظام، مما يدفع للاعتقاد بصعوبة تكرارها. وفي ظل سيطرة تحالف محافظ علي مقاليد الحكم، لا يتوقع توسيع صلاحيات رئاسة الجمهورية مقابل صلاحيات الولي الفقيه لإحداث توازن بين المؤسسات، وهو توسيع يمثل شرطا أساسيا لتجذير النظام الإيراني ورفده بالقبول الشعبي الواسع. تميز النظام السياسي الإيراني بالوحدانية والتنوع معا. وبفضل وجود الأجنحة في قلب النظام، يراعي صنع القرار مصالح مختلفة ومتعددة؛ بما يجعله نقطة لتوازنات القوي، ويسبغ عليه طابعا جماعيا وشعبيا. وأضفي وجود الأجنحة حيوية علي المشهد الإيراني، وحقق إعجابا خارج إيران بنظامها السياسي. وساد التنوع منذ انتصار الثورة، واستمر بوجود تيارات متباينة تحت عباءة الثورة، فأصبح قرينا للنظام الثوري الإيراني. ويمكن توقع تغيرات في توازنات النظام تؤدي لاختفاء «يونيكا» المرشد لصالح «دويكا» جديدة بين التيار المحافظ بقيادة المرشد والتيار الأصولي الذي يمثله أحمدي نجاد المتحالف مع قسم هام من رجال الدين بقيادة آية الله جنتي. والتحدي هنا ليس في قدرة النظام السياسي علي تجديد نخبته، فقد أثبت قدرات معتبرة بهذا الصعيد، وإنما في قدرة النخبة الجديدة علي تغيير التوازنات السياسية داخل النظام، بما لا يعرضه للاهتزاز أو يكشفه أمام الخارج. المركزية قدر إيران منذ القديم، إذ كانت مهمة حفظ الأقاليم المختلفة جغرافيا والمتنوعة قوميا المهمة الأساس للدولة عبر العصور. وقد استغرقت دولة «ولاية الفقيه» في المركزية حتي فاقت سابقاتها، مما ساهم في بقاء أقاليم الدولة موحدة. والحقيقة أن للقوميات المكونة للشعب الإيراني حقوقا ثقافية وسياسية ما زالت تطالب بها، ولكن الدول المركزية متعددة الأعراق يسكنها أيضا هاجس التفتت مما يجعلها تتشدد في مسألة القوميات. بيد أن مفهوم «الهيمنة الفارسية» علي إيران ليس صحيحا علي إطلاقه. ويتوقع أن يزداد إلحاح مسألة القوميات الإيرانية، بدخول المصالح الأمريكية علي الخط وسعيها لرسم خرائط «جديدة» لشرق أوسط «جديد». وقد يكتسب هذا التحدي أبعادا جديدة مع استخدام أمريكا لورقة القوميات لزعزعة النظام لدي عدم الوصول لتفاهمات إقليمية معه. كرس الطابع الأيديولوجي للدولة الإيرانية، والمرتكز علي «ولاية الفقيه» حضور طهران إقليميا عبر خطابها السياسي والديني، كما لم تتنازل الجمهورية الإسلامية عن أي طموح إقليمي للدولة الإيرانية الحديثة، وغدت مرجعية سياسية للشيعة في العالم. ويمثل النظام الإيراني إحدي قوي الممانعة الأساسية أمام التصورات الأمريكية لإعادة رسم الشرق الأوسط. ومع إحاطة قوات واشنطن بإيران في ظل عدم وجود تفاهمات بينهما، يتوقع اندفاع الأمور نحو تصعيد أكثر. ويكمن التحدي الأهم في قدرة إيران علي تحقيق تفاهمات -حول دورها الإقليمي- مع واشنطن مع حماية دولتها وأيديولوجيتها.
نظرية «ولاية الفقيه» بوصفها أحد مفاتيح واقع إيران الحالي، وأساس نظامها وحجر زاويته. وفي وجه آخر، تعتبر نظرية «ولاية الفقيه» قضية فلسفية تتناول حياة الإنسان وعلاقته بالدولة والمجتمع.
صار المرجع، بفضل الخمس، رمزا للمذهب ومركزا لوحدة المنتمين إليه علي اختلاف مطارح عيشهم. وتنوعت اهتمامات «دولة المؤسسة الدينية» بين الإفتاء في أمور العبادات والمعاملات
جاء الخميني ليحمل راية فكرة «ولاية الفقيه» في قم، وبعد نفيه لخارج إيران، استقر الإمام في النجف الأشرف بالعراق، وهناك وجد الفرصة ليصوغ أفكاره حول «الحكومة الإسلامية»
شأن كل الثورات، ظهر الصراع في إيران الثورة بين «أهل الثقة» و«أهل الخبرة» في مجال تسيير أمور الدولة. وبعد أسابيع من انتصار الثورة، ظهر مصطلح «الثورة الثقافية».
اكتسب انتخاب نجاد لرئاسة الجمهورية أبعادا خاصة بسبب الانقلاب الذي أحدثه في التوازنات السياسية بين جناحي النظام الإيراني، المحافظين والإصلاحيين.
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة