في تاريخ الفنون ظاهرة حميدة.. هي ظاهرة التآخي والتفاعل بين الأشكال المختلفة للإبداع.. خاصة العلاقة التناغمية بين الأدب والفنون الجميلة.. بين الكلمة والصورة، والمعروف أن مكونات الشعر الأساسية، وهو من فنون الكلمة، الموسيقي والإيقاع و«الصورة».. ومن القديم، وفي كل الحضارات والثقافات، وخاصة في الفن العربي الإسلامي، تلازم الفنّان، الكلمة والصورة، في المخطوطات القديمة التي ضمت النص المكتوب إلي جوار الصورة المنمنمة المصاحبة له.
وفي العصر الحديث كانت العلاقة الحميمة بين الأدب والفن سببا أساسيا في ظهور المدارس الحديثة في كليهما، وأبرز مثال علي ذلك العلاقة التبادلية بين شعر «أندريه بريتون» مؤسس الحركة السريالية ومنظّرها وبين لوحات الفنانين السرياليين ومن أبرزهم «سلفادور دالي».
ومؤخرا (في السبعينيات من القرن الماضي) أنجز الفنان العراقي ضياء العزّاوي مجموعة رسوم قيمة مستوحاة من شعر أبي الطيب المتنبي. وفي نفس الفترة تقريبا (عام 1971) اتفق الأديب والناقد رجاء النقاش مع نجيب محفوظ علي نشر مجموعة كتاباته المعروفة باسم «المرايا» وقد طلب رجاء النقاش من الفنان أحمد فؤاد سليم ترشيح فنان كبير ليضع رسوما تليق بهذه الكتابات التي كانت تصف بعض الشخصيات الهامة بطريقة غامضة، لا تفصح عن اسم صاحب الشخصية، وقد رأي أحمد فؤاد سليم أن فنان الإسكندرية الكبير سيف وانلي هو الأقدر علي تصوير كتابات نجيب محفوظ. وقد سافر سليم إلي وانلي في الإسكندرية حيث يقيم وتم إنجاز نشر الرسوم مصاحبة للنصوص في عام 1971 بمجلة «الإذاعة والتليفزيون».
ونحن نقدم هنا آخر التجارب في مجال تفاعل الكلمة والصورة..
فقد تم الاتفاق بين الكاتبة والفنانة سناء البيسي رئيسة تحرير مجلة «نصف الدنيا».. وبين نجيب محفوظ علي نشر ما يكتبه بعد توقفه عن الكتابة فترة طويلة، وقع له خلالها حدثان مزلزلان.. حصوله علي جائزة نوبل للآداب.. وتعرضه لمحاولة اغتيال(!!)
وكان أول هذه الأعمال ما سماه محفوظ «أحلام فترة النقاهة» والتي بدأت المجلة نشرها في أول يناير من عام 2000، أي في أول أيام القرن الواحد والعشرين.. وكانت سناء البيسي قد زارت الفنان محمد حجي، الفنان الصحفي الكبير الذي نشاهد أعماله علي صفحات «وجهات نظر» منذ بداية صدورها.
شاهدت سناء البيسي عند محمد حجي مجموعة من الرسوم بالأسود والأبيض تدور أيضا حول الأحلام، سماها الفنان «أحلام وكوابيس».. وربما أوحت لها مشاهدة هذه الرسوم بتكليف الفنان بعمل رسوم تصاحب «أحلام» نجيب محفوظ.
قام حجي بإنجاز (135) رسما نشرت علي مدي أربع سنوات.
كان حجي قد قام برسم «أحلامه وكوابيسه» أثناء إقامته وعمله في تونس بجامعة الدول العربية عندما كانت هناك، وقد قام خلال هذه الإقامة بعمل دراسة لرسوم الكهوف في منطقة «الناسيلي» (أي الصخور الملساء باللغة البربرية) والموجودة في جنوب شرق الجزائر، ويعتبرها خبراء «فن الصخور» من أغني وأنضج رسوم الإنسان الأول في العالم ويعود تاريخها إلي حوالي عشرة آلاف سنة، وقد تركت مشاهدة ودراسة هذه الرسوم الفطرية أثرا هاما علي أسلوب محمد حجي.
وقد اختار الفنان مؤخرا مجمــــوعة مـــــن رســــــوم الأحــــــلام وأعـــــاد رسمها بالألوان الزيتية علي لوحات مربعة (80 * 80سم) معتبرا رسومه التي أعدها للنشر بمثابة «الإسكيز» أو الرسم التمهيدي للوحات..
ويستضيف المجلس الوطني للفنـــــون والآداب بدولة الكــــويت لوحات حجي هذه لعرضها بقاعاته ابتداء من السادس من ديسمبر من هذا الــعام، ونعرض مختارات منها هنا.
معرض أحلام نجيب محفوظ
محمد حجي
المجلس الوطني للفنون والآداب ـ الكويت ـ ديسمبر 2004