إسرائيل: خطة الانطواء !



علي الرغم من أن نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة قد أفضت إلي تغيير الخارطة الحزبية في الدولة العبرية بشكل واضح، إلا أن هذه النتائج لم تمنح تفويضاً واضحاً وجازماً لحزب بعينه لتطبيق برنامجه السياسي، الأمر الذي ينذر بمحدودية هامش المناورة أمام أي حكومة ستشكل في الدولة العبرية. لقد أدت هذه الانتخابات إلي دخول أحزاب لأول مرة البرلمان، في حين تهاوت أحزاب كبيرة لتصبح أحزاباً هامشية، في الوقت التي لم تنجح أحزاب ذات ثقل في تجاوز نسبة الحسم. ونحن هنا سنحاول الإجابة علي عدد من الأسئلة المحورية المتعلقة بنتائج هذه الانتخابات. فما الذي أدي إلي هذه الانقلابات في الخارطة الحزبية الإسرائيلية، وما هي سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة في ظل نتائج الانتخابات، وما مدي استقرار مثل هذه الحكومة؟ وكيف ستؤثر نتائج الانتخابات علي مستقبل التسوية، وعلاقات إسرائيل مع الشعب الفلسطيني ومحيطها العربي والدولي؟ وكيف عكست نتائج الانتخابات الاستقطاب الاثني في المجتمع الإسرائيلي؟ الانقلابات الحزبية وأسبابها من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها عادة معظم الذين يتناولون الشأن الحزبي الإسرائيلي أنهم يصنفون هذه الأحزاب كأحزاب يمين ووسط ويسار دون أن تعكس منطلقات هذه الأحزاب دلالات هذه المصطلحات المتعارف عليها في العالم. فمثلاً، من ناحية البرامج الاقتصادية الاجتماعية نجد أن برامج أحزاب اليسار في إسرائيل وبخلاف ما هو عليه الحال في أحزاب اليسار في أرجاء العالم تنادي باقتصاد السوق وغيرها من السياسات الاقتصادية الليبرالية. ومن ناحية سياسية، نجد أن أحزاب يسار الوسط واليسار تتبني مواقف متطرفة في تصورها للتسوية مع الشعب الفلسطيني، فحزب العمل الذي يمثل يسار الوسط ينادي بضم التجمعات الاستيطانية الكبري في الضفة الغربية للدولة العبرية، في حين أن حركة «ياحد»، التي تمثل أقصي اليسار الصهيوني تنادي بالإبقاء علي القدس المحتلة كعاصمة «موحدة وأبدية » للدولة العبرية. هذه المقدمة ضرورية قبل الخوض في قراءة نتائج الانتخابات لاستيعاب دلالاتها وتداعياتها. لقد حل حزب «كاديما» بزعامة رئيس الوزراء إيهود أولمرت في المرتبة الأولي بين الأحزاب من حيث عدد المقاعد وحصل علي (29 مقعداً)، وهو عدد متدن مقارنة بما قد توقعته له استطلاعات الرأي قبل شهر من الانتخابات، حيث توقعت هذه الاستطلاعات أن يحصل هذا الحزب علي 40 مقعدًا علي الأقل. لقد خاض «كاديما» هذه الانتخابات لأول مرة بعد أن قام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون بالانشقاق عن حزب «الليكود»، بعد أن تبين له أن معظم نواب الحزب يرفضون خطة « فك الارتباط»، وبعدما شعر أن هناك من يسعي للإطاحة به من زعامة الحزب ورئاسة الوزراء، وشكل هذا الحزب، الذي انضم له فيما بعد عدد من قادة حزب العمل أبرزهم زعيم الحزب السابق شمعون بيريس وحاييم رامون وداليا اتسيك، وعدد من الساسة المنتمين للأحزاب الأخري. وإن كان في حكم المؤكد أن أولمرت هو الذي سيشكل الحكومة القادمة، إلا أن مهمته ستكون شاقة وقاسية جداً، إذ أن حصول الحكومة علي ثقة البرلمان يوجب أن يدعمها 61 نائبًا علي الأقل، وهذا يعني أن «كاديما» سيحتاج للائتلاف مع عدد كبير من الأحزاب ذات الأجندة المتعارضة والمتناقضة من أجل أن تحظي الحكومة القادمة بتأييد أغلبية مستقرة في البرلمان، الأمر الذي يعني أن هامش المناورة أمام أولمرت سيكون محددًا للغاية. في نفس الوقت فإن ضمان استقرار هذه الحكومة وبقائها لمدة أربع سنوات أخري سيكون محل شك كبير بغض النظر عن الأحزاب التي ستنضم إليها، وذلك بسبب التباينات الكبيرة بين هذه الأحزاب. وواضح تماماً أن حصول حزب «كاديما» علي العدد الأكبر من المقاعد يدل علي تأييد قطاع كبير من الإسرائيليين للخطوات أحادية الجانب التي وعد بها الحزب علي صعيد العلاقة مع الشعب الفلسطيني، سيما خطة «الانطواء» التي أعلن عنها أولمرت، لكن هذا التأييد لم يكن كبيراً كما كان يراهن أولمرت، الأمر الذي سيضطره للتحالف مع أحزاب تعارض أو تتحفظ علي هذه الخطة، وهذا ما سيعقد فرص تطبيق هذه الخطة. وهناك من يعزي عدم حصول حزب «كاديما» علي عدد أكبر من المقاعد، إلي قضايا الفساد التي أثيرت ضد زعيم الحزب أولمرت وعدد من قادته، سيما الوزير تساحي هنغبي. 1- من ناحية ثانية لا خلاف علي أن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات كان حزب «الليكود»، فهذا الحزب الذي كان الحزب الأكبر في البرلمان السابق، ويهيمن علي أربعين مقعدًا (ثلث عدد مقاعد الكنيست)، تراجع ليحصل علي 11 مقعداً فقط. ومن المؤكد أن انهيار «الليكود» بهذا الشكل المدوي، عجل بنشوب حرب وراثة، هدفها الإطاحة بنتنياهو، إذ اتفق معظم قادة الحزب علي أنه يتوجب عزل نتنياهو الذين اعتبروه المسؤول عن خسارة الحزب، وقد تشكل حلف مكون من الوزراء السابقين، أبرزهم: سيلفان شالوم وليمور ليفنات وداني نافيه ويسرائيل كاتس للعمل بشكل واضح وعلني للاطاحة بنتيناهو وإقصائه من زعامة الحزب. النتيجة ذات الدلالة أن جمهور حزب الليكود وجمهور الناخبين الإسرائيليين بشكل عام عاقب نواب الليكود الذين عارضوا خطة «فك الارتباط»، وتحدوا زعامة شارون، وهم الذين أطلق عليه «المتمردون»، حيث أن معظم هؤلاء النواب لم ينجحوا في الاحتفاظ بمقاعدهم في البرلمان الجديد. من ناحية ثانية تراجع تحالف لأحزاب اليمين المتطرف المكونة من حزب الاتحاد الوطني وحزب «المفدال»، من عشرة مقاعد إلي تسعة مقاعد. مع العلم أن جمهور هذا التحالف محسوب عموماً علي التيار الديني الصهيوني، الذي ينتمي إليه معظم المستوطنين في الضفة الغربية. وهذا يعني أن المستوطنين وقيادتهم السياسية تلقوا ضربة قوية وقاسية ومحرجة، إذ أن هذه النتيجة دلت علي البون الشاسع الذي يفصل قيادة المستوطنين عن أغلبية الإسرائيليين. دلت هذه النتائج علي أن اليمين الإسرائيلي الكلاسيكي الذي يمثله الليكود وتحالف المفدال و«الاتحاد الوطني»، والقائم علي الرفض المطلق لإخلاء أي مستوطنة في الضفة الغربية فشل في إقناع الجمهور الإسرائيلي بوجهة نظره هذه فشلاً ذريعاً. وبات في حكم المؤكد أن هناك جمهورًا إسرائيليا واسعًا وعريضًا يؤيد القيام بخطوات أحادية الجانب تقوم علي إخلاء بعض المستوطنات من أجل الاحتفاظ بأغلبية هذه المستوطنات، كما ينادي بذلك حزب «كاديما»، ويتساوق معه في ذلك حزب «العمل»، وإن كان هذا التأييد ليس حاسماً، كما عبرت عن ذلك نتائج الانتخابات. ومقابل انخفاض قوة التيار الديني الصهيوني، فقد عزز التيار الديني الأرثوذكسي الذي يتكون من حركتي «شاس» و«يهدوت هتوراة» من قوته في البرلمان الجديد، حيث زاد تمثيل هذا التيار بنائبين. من ناحية ثانية حافظ حزب العمل علي تمثيله في البرلمان، ومع ذلك فإن هذه النتيجة تعتبر إنجازا لزعيم الحزب عمير بيريتس، حيث إن الحزب حقق هذه النتيجة علي الرغم من انسحاب أحد ابرز مؤسسيه وزعيمه السابق شمعون بيريس ومعه عدد من أبرز قادته. ولا شك أن النتيجة التي حصل عليها حزب «المتقاعدين» الذي سيمثل لأول مرة في الكنيست قد مثلت مفاجأة كبيرة ومدوية، بعد أن فاز الحزب بسبعة مقاعد. ولا يختلف اثنان من علماء الاجتماع السياسي علي أن النتيجة التي حصل عليها هذا الحزب تمثل احتجاجاً علي السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العقدين الأخيرين والتي عمدت إلي تقليص مخصصات الضمان الاجتماعي للطبقات الضعيفة، وضمنها المتقاعدين، مع العلم أن مستوي الحياة المرتفع في الدولة العبرية زاد من متوسط عمر الإسرائيليين, الأمر الذي أوجد عددًا كبيرًا من المتقاعدين، حيث يصل عددهم إلي 750 ألف متقاعد، وهذا عدد كبير جداً مقارنة بالعدد الإجمالي للإسرائيليين. وإن كان هذا الحزب قد حقق مفاجأة بدخوله بهذه الزخم إلي البرلمان الجديد، فإن حزب «شينوي» الذي يمثل التيار العلماني الليبرالي، والذي كان يعتبر ثالث أكبر حزب في البرلمان السابق وكان ممثلاً بخمسة عشر نائباً، قد فشل في تجاوز نسبة الحسم، ولم يعد ممثلاً بأي نائب في البرلمان الجديد. أما أقصي اليسار الصهيوني الذي يمثله حزب «ياحد» فقد تقلص من خمسة مقاعد إلي أربعة، وهذه تمثل ضربة قوية لزعيم الحزب يوسي بيلين. وهذا يعني أن يسار الوسط واليسار الصهيوني ممثل فقط بـ 23 نائبًا فقط في البرلمان، وهذا عدد نواب حزبي «العمل» و«ياحد»، الأمر الذي يعني أن هذا اليسار لم يعد بديلاً جدياً في التنافس علي السلطة في الدولة العبرية. بالنسبة للأحزاب العربية, فقد زادت من قوتها بشكل واضح، وارتفعت من ثمانية مقاعد إلي عشرة، وجاءت هذه النتيجة بعكس كل التوقعات، وهذا يدل علي أن الأحزاب الصهيونية فشلت عملياً في إقناع فلسطينيي 48 بالتصويت لها كما كان يحدث في الانتخابات السابقة. ومما لا شك فيه أنه كان بإمكان هذه الأحزاب أن تحصل علي عدد أكبر من المقاعد لو اتحدت. سيناريو تشكيل الحكومة علي الرغم من أن حزب «كاديما» الذي وجد من العدم قد فاز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة، إلا أن هذا العدد (29 مقعداً) لم يكن كافياً لمساعدة زعيم الحزب إيهود أولمرت لتشكيل حكومة مستقرة، حيث إن هامش المناورة أمامه بات محدوداً جداً. فلو تحقق ما كانت تتوقع استطلاعات الرأي من حصوله علي 40 مقعداً لكان بالإمكان القول أن أولمرت عندها سيشكل الحكومة التي يري أنها الأنسب لتنفيذ مخططاته السياسية ذات البعد الاستراتيجي، وبالظروف الائتلافية التي يراها مناسبة. ومع ذلك، فإن الاعتبار الأهم من بين اعتبارات هامة أخري، الذي علي أساسه يمكن لأي حزب أن يشارك في الحكومة، هو القبول بخطة « الانطواء »، التي سنناقشها لاحقاً. يعي أولمرت أن الشريك الطبيعي له في تنفيذ خطة الانطواء هو حزب العمل، وهنا يتوجب أن نذكر أن الشروط التي وضعها زعيم حزب العمل عمير بيريتس قبل الانتخابات لانضمامه لحكومة بزعامة أولمرت لا تتضمن أي شرط سياسي، بل يتضمن شروطًا ذات علاقة بما يزعم بيريتس أنه « ثورة اجتماعية »، ولعل أبرز هذه الشروط رفع مستوي الحد الأدني للأجور إلي ألف دولار، وغيرها من الشروط الاقتصادية الاجتماعية. ويعتبر حزب المتقاعدين أيضاً شريكًا طبيعيا في حكومة أولمرت القادمة، لأن هذا الحزب لا يضع أي شروط سياسية لمشاركته في الائتلاف، وتنحصر مطالبه في المجال الاقتصادي الاجتماعي، وتحديداً حرصه علي تضمين السياسة الاقتصادية للحكومة بنودًا لضمان حقوق للمتقاعدين. وواضح تماماً أن أولمرت سيكون مجبراً للاستعانة بالأحزاب الأرثوذكسية الممثلة في البرلمان، وهي حركة «شاس» 12 مقعدا، وحزب «يهدوت هتوراة»(6 مقاعد)، أو علي الأقل أحدها. مع العلم أن حركة «شاس»، و«يهدوت هتوراه»، ذوات توجهات يمينية متطرفة في كل ما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين. ولكن هذين الحزبين لهما مصالح خاصة، حيث إنهما بشكل تقليدي استغلا وجودهما في الحكومات الإسرائيلية من أجل تحويل الدعم المالي لمؤسساتهما التعليمية والدينية. في حال انضمام هذين الحزبين إلي ائتلاف يضم كاديما والعمل والمتقاعدين و«ياحد» يصبح عدد النواب الذين يدعمون الحكومة القادمة 77 نائبًا، وهذا من ناحية نظرية ائتلاف مستقر. لكن هناك مشكلتين ستواجهان مثل هذا الائتلاف. فأولاً: بسبب الاختلاف علي طبيعة العلاقة بين الدين والدولة بين الأحزاب الأرثوذكسية من جهة وبين حزب «ياحد»، فإنه سيكون من الصعب جداً علي «ياحد» أن يسلم بعدم تضمين برنامج الحكومة بنودًا تكسر «الوضع القائم» (statuse que )، في العلاقة بين الدين والدولة، وهذا ما لم يمكن أن تقبله الأحزاب الأرثوذكسية. الأمر الذي يعني أنه سيكون من الصعب أن نتصور أن يكون حزب «ياحد» شريكًا في ائتلاف مع الأحزاب الأرثوذكسية. المشكلة الثانية تكمن في أن حزب العمل وبسبب الفارق البسيط في عدد المقاعد بينه وبين حزب كاديما (10 مقاعد)، فانه سيطالب بحقيبتين سياديتين كبيرتين من الثلاث الهامة (الخارجية، المالية، الدفاع). لكن لما كان حزب كاديما يصر علي الاحتفاظ بحقيبة المالية، فإن الحقيبة الكبيرة التي يبدي أولمرت استعداده لتسليمها لحزب العمل ستكون وزارة الدفاع. وفي حال قبول حزب العمل تولي وزارة الدفاع، فإنها ستكون من نصيب زعيم الحزب عمير بيريتس، وهذا يعني أنه ستكون هذه المرة الأولي التي تتولي شخصية مدنية منصب وزير المالية. وحتي لو اكتفي حزب العمل بوزارة كبيرة واحدة، فإن هذا يعني أن أولمرت سيجد نفسه في مشكلة مع قادة حزبه، الذين يتطلعون إلي تبوؤ مناصب هامة في الحكومة الجديدة.. وتبقي هناك مشكلة أمام أولمرت في ضم حزب شاس، إذ أن التجربة دلت أن شاس عندما تقع ساعة الاختبار في كل ما يتعلق بالاتفاقيات السياسية أو الخطط أحادية الجانب، فإنها تترك الحكومة بسرعة، فقد عارضت «شاس» اتفاقيات أوسلو، كما أن شاس كانت معارضة قوية لخطة «فك الارتباط»، من هنا فإن العديد من مقربي أولمرت يحذرون من ضمها للحكومة، ويوصون بدلاً منها بضم حزب «إسرائيل بيتنا»، بقيادة افيجدور ليبرمان. لكن أولمرت من ناحيته لا يريد المجازفة بالاستغناء عن أي حزب سياسي وذلك من أجل ضمان استقرار ائتلافه الحاكم. من هنا فإنه أصبح في شبه المؤكد أن حكومة أولمرت ستضم أيضاً حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يعتبر أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً، وهو الذي يطالب بالتخلص من فلسطينيي 48 عن طريق مبادلة الأراضي التي يعيشون عليها في إسرائيل بالتجمعات الاستيطانية، بحيث تحول الأراضي التي يعيشون عليها إلي الكيان الفلسطيني المستقبلي، مقابل ضم التجمعات الاستيطانية في الضفة لإسرائيل. صحيح أن هذا الحزب يعارض خطة «الانطواء» لكن بسبب توجهات هذا الحزب الاثنية فإنه سيقبل بالتعايش مع هذه الخطة، في حال منح زعيمه ليبرمان ما يمكن أن يقدمه لليهود الروس كإنجاز. خطوات أحادية وواضح تماماً أن أي ائتلاف حاكم بزعامة إيهود أولمرت سيكون ملزماً بتنفيذ خطة «الانطواء» التي أعلن عنها أولمرت عشية الانتخابات. وتنص الخطة علي ضم معظم المستوطنات اليهودية التي أقيمت بعد العام 1967، والتي تنتظم فيما يعرف بالتجمعات الاستيطانية الكبري رسمياً للدولة العبرية، وإسدال الستار علي أي فرصة للتباحث حولها في أي تسوية سياسية مستقبلية. إلي جانب ضم منطقة «غور الأردن» التي تمثل حوالي 25% من مساحة الضفة الغربية، وضم المناطق التي تحتوي علي مصادر المياه العذبة، سيما في جنوب الضفة الغربية، ناهيك عن استكمال تهويد القدس المحتلة ومضاعفة مساحتها عبر ربطها بالمستوطنات اليهودية المجاورة، سيما مستوطنة «معاليه أدوميم» التي تعتبر أكبر مستوطنة في الضفة الغربية. وقد وعد أولمرت بأن تكون أول مرحلة من مراحل هذه الخطة بناء 3500 وحدة سكنية في المنطقة التي تفصل القدس المحتلة عن «معاليه أدوميم». الأمر الأكثر خطورة في هذه الخطة هو أن أولمرت لا يكتفي بالأراضي الفلسطينية الشاسعة التي التهمها جدار الفصل العنصري، بل يؤكد أن هناك حاجة لزحزحة مساره نحو الشرق ليضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وجنوباً ليضم ما تبقي من مناطق تحتوي علي مصادر المياه العذبة. أولمرت أعد ما يعتبره مسوغات منطقية لتنفيذ هذه الخطة. فهو يدعي أنه يقدم علي تنفيذ هذه الخطة لأنه بعد فوز حركة حماس لم يعد هناك ثمة شريك فلسطيني يمكن التوصل معه إلي تسوية سياسية. وهذا الزعم يثير سخرية حتي جميع المعلقين في الدولة العبرية، الذين يؤكدون أن خطة «الانطواء» كانت جزءاً من الخطوات أحادية الجانب التي اتفق عليها كل من أولمرت وسلفه أرئيل شارون في منتصف العام 2003، حتي قبل أن يخطر علي بال أحد في الساحة الفلسطينية تنظيم انتخابات تشريعية. وأعلن أولمرت بشكل لا يقبل التأويل أن انضمام الأحزاب الأخري للحكومة سيعتمد علي موقفها من خطة «الانطواء». أولمرت وبمعزل عن المتغيرات في الساحة الفلسطينية توصل إلي قناعة مفادها أن علي الدولة العبرية أن تستعيض عن التسوية الثنائية مع السلطة الفلسطينية بخطوات أحادية الجانب لضمان تحقيق خارطة مصالحها الإستراتيجية، وكان هذا المنطق وراء قيام اولمرت بحث ارئيل شارون علي تنفيذ خطة «فك الارتباط»، في قطاع غزة، وشمال الضفة الغربية. إن هذه الخطة قد أحدثت انقسامات داخل النخب الحاكمة في الدولة العبرية. فهناك من أثني علي توجهات أولمرت وحثه علي المزيد من الخطوات أحادية الجانب، وهناك من اعتبرها تضر بإسرائيل. فالمتحمسون لخطة «الانطواء» يرون أن فوز حماس يمثل حدثاً إيجابيا لإسرائيل لأن الدولة العبرية أصبحت حرة في أن تحدد حدودها وحدها، كما فعلت في قطاع غزة، من غير أن تعالج قضية اللاجئين، أو القدس أو قضايا أخري، لأن أحداً في العالم لا يمكن أن يعتقد أن إسرائيل بإمكانها مناقشة هذه القضايا مع حكومة بقيادة حركة حماس. ويحث هؤلاء أولمرت علي تسريع وتيرة الفصل الديموغرافي بين الفلسطينيين واليهود، كما تنص خطة «الانطواء»، حيث إن الدولة العبرية ستكون قادرة علي إغلاق حدودها إغلاقا تاماً، أمام العمال الفلسطينيين. لكن هناك من الدوائر المرتبطة بصنع القرار من يتحفظ علي هذه الخطة، علي اعتبار أن الخطوات أحادية الجانب تعني أن مستقبل الصراع سيظل مفتوحاً علي كل الاحتمالات. وينصح هؤلاء ومن ضمنهم متان شتينبرغ كبير المستشرقين في جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة، الذي يري أن إسرائيل بدلاً من الخطوات أحادية الجانب بإمكانها القيام بخطوة كبيرة تمثل دق إسفين بين حركة حماس والشعب الفلسطيني. وحسب رأيه فإن إسرائيل بإمكانها وضع الحكومة والمجتمع الفلسطيني أمام اختبار صعب في حال قامت ببلورة خطة إسرائيلية للتسوية تقوم علي خطة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. ويري أن مثل هذه الخطوة ستسمح بدق إسفين بين حماس وفتح وبين حماس وبين الشعب الفلسطيني. ويضيف أن مثل هذه الخطة ستدفع أزمة انتصار حماس إلي السطح. ويشدد شتينبرغ علي أن إسرائيل مطالبة بالعمل علي توضيح الفوارق والتباينات في المجتمع الفلسطيني وليس طمسها، منوهاً إلي أن ذلك سيتيح لأبو مازن إبداء المرونة ويوفر الشروط لإحداث تغيير في نتائج الانتخابات القادمة الفلسطينية القادمة. بالطبع واضح تماماً أن الخطة التي تنوي الحكومة القادمة تطبيقها تهدف إلي تصفية القضية الوطنية الفلسطينية بكل ما تعني هذه الكلمة، وإصرار أولمرت علي جعل خطة «الانطواء» الهدف الرئيسي لحكومته القادمة يعني أن إسرائيل تسارع إلي حسم الحقائق بزعم غياب الشريك الفلسطيني. مناورات إسرائيلية واضح تماماً أن الائتلاف الحاكم القادم في إسرائيل سيستفيد في المناورة أمام الفلسطينيين من الآتي: 1- فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وتشكيل الحركة للحكومة الفلسطينية سيساعد الحكومة الإسرائيلية القادمة في القيام بمناوراتها السياسية وعملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين. فالحكومة الإسرائيلية القادمة، وكما تفعل الحكومة الحالية، ستدعي أنه بفوز حماس وتشكيلها الحكومة لم يعد هناك شريك لإسرائيل في الجانب الفلسطيني، الأمر الذي يعتبر مسوغاً لتنفيذ المزيد من الخطوات أحادية الجانب، وعلي رأسها خطة «الانطواء». مع العلم أن الدولة العبرية شرعت في الخطوات أحادية الجانب قبل فوز حماس. لكن الذي يساعد إسرائيل في استغلال فوز حماس، هو الحساسية الكبيرة التي قابلت بها معظم دول العالم فوز حماس، ومن ضمنها العديد من الدول العربية ذات الدور المحوري في المنطقة. والشروط التعجيزية التي تضعها حكومة أولمرت علي حكومة حماس مقبولة حتي علي العديد من الدول العربية. لكن أكثر من ذلك فأنها مقبولة علي العديد من الأطراف الفلسطينية، وضمنها الرئيس محمود عباس، الأمر الذي يعي أن قدرة الحكومة القادمة علي المناورة في العلاقة مع الفلسطينيين ستكون سهلة. 2- ستصعد الحكومة الجديدة من قمعها للشعب الفلسطيني، وذلك بفعل طبيعة الأحزاب المشاركة فيها، إلي جانب وجود مناخ دولي متعاطف ومؤيد لإسرائيل في ردها علي عمليات المقاومة المنطلقة من قطاع غزة، حيث إن العمل المقاوم انطلاقا من غزة لا يحظي بالتفهم الدولي بعد تنفيذ خطة «فك الارتباط»، وتفكيك المستوطنات هناك. 3- لا شك أن انضمام حزب العمل لحكومة أولمرت ووجود شمعون بيريس في هذه الحكومة تحديداً سيساعدها في إحداث المزيد من الاختراقات في الساحتين الدولية والعربية، في ظل تشتت المواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية. وليس من المستبعد أن تشهد عملية التطبيع بين دولة الاحتلال والعديد من الدول العربية انطلاقة، بفعل وجود حزب العمل وبيريس. مجرمو الحرب في الكنيست تميزت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بشكل خاص بنجاح عدد من أشهر الجنرالات في مجال قمع الشعب الفلسطيني في دخول البرلمان الجديد. ولعل ابرز هؤلاء كان بلا شك افي دختر الذي حل في المكانة الرابعة في قائمة حزب «كاديما»، وهو رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية «الشاباك» السابق، وهو مرشح لتولي منصب وزير الأمن الداخلي في الحكومة الإسرائيلية القادمة. ديختر لا يفوت فرصة دون التباهي بما يعتبره أهم «إنجازاته» وهو تكريس عمليات الاغتيال لتكون أهم مركب في الجهد الأمني الصهيوني في مواجهة حركات المقاومة. بل إن ديختر يحرص علي تذكير كل من يستمع إليه بدوره في تطوير الوسائل المعتمدة في تنفيذ عمليات الاغتيال، سيما توظيف الطائرات بدون طيار في تنفيذ عمليات الاغتيال. ليس هذا فحسب، بل إن ديختر لا يتردد في الاعتراف بأنه يتلذذ برؤية الأطفال الفلسطينيين وهم يعانون من القمع الإسرائيلي. وكان شارون قبل مرضه قد «طمأن جمهوره إلي أن ديختر هذا سيكون وزير الدفاع في الحكومة التي سيشكلها بعد الانتخابات. ويذكر أن محكمة أمريكية تدرس طلباً لإلقاء القبض علي ديختر بسبب سجله في عمليات القتل والإعدام بدون محاكمة. وإلي جانب ديختر، نجح جدعون عيزرا النائب الأسبق لرئيس «الشاباك»، والذي شغل في حكومة اولمرت السابقة منصب وزير الأمن الداخلي، في دخول البرلمان. وكان يطلق علي عيزرا هذا في إسرائيل «رئيس محكمة العالم السفلي»، بسبب ارتباطه بعمليات الإعدام الميداني التي قامت بها المخابرات الإسرائيلية ضد نشطاء حركات المقاومة الفلسطينية بعد وقوعهم في الأسر. وعيزرا هو الذي نادي بقتل ذوي منفذي العمليات الاستشهادية علي اعتبار أن هذا عامل ردع يمكن أن يساهم في وقف العمليات الاستشهادية. وسيضم الكنيست الجديد شاؤول موفاز وزير الحرب الذي يؤكد للجمهور الإسرائيلي أنه بإمكانه أن يركن إليه في « تأديب » الفلسطينيين والعرب، وهو متحمس كبير لعمليات القمع، ومن المتوقع أن يواصل الإمساك بحقيبة الدفاع في الحكومة الجديدة. ويعتبر الجنرال رافي ايتان رئيس حزب المتقاعدين الذي فاز بسبعة مقاعد في الانتخابات الأخيرة أحد أبرز مهندسي عمليات الاغتيال في تاريخ الدولة العبرية. فقد شغل في السابق منصب رئيس شعبة العمليات في جهاز «الموساد»، وهو مسئول عن معظم عمليات التصفية التي قام بها الموساد ضد قادة منظمة التحرير، وهو الذي شارك في اختطاف ادولف رايخمان مساعد هتلر من الأرجنتين في العام 1964، وهو الذي جند الجاسوس الأمريكي اليهودي جونثان بولارد لصالح إسرائيل. وفي حزب العمل هناك الجنرال عامي ايالون القائد السابق لكل من جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك»، وسلاح البحرية في جيش الاحتلال، وهو من قادة حزب العمل، الذي تباهي مؤخراً بأنه قتل بيده من الفلسطينيين أكثر مما قتلت حركة حماس من اليهود منذ انطلاقتها وحتي الآن. وإلي جانب ايالون، هناك الجنرال داني ياتوم، من نواب حزب العمل، وهو الرئيس الأسبق لجهاز «الموساد»، الذي في عهده تمت محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العام 1997، إلي جانب المئات من الجرائم التي قام بها «الموساد»، مع العلم أن داني ياتوم كان يشغل قبل ترؤسه «الموساد» منصب قائد المنطقة الوسطي في جيش الاحتلال. وبحكم موقعه هذا قام ياتوم في العام 1994 بالرد علي مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي نفذها المجرم باروخ جولدشتاين وراح ضحيتها 29 فلسطينياً أثناء أدائهم صلاة الفجر في الحرم، بسجن عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في المدينة في منازلهم لأكثر من أربعين يوماً، في حين ترك سوائب المستوطنين يعيثون فسادا في شوارعها، وكأنه يكافئهم علي المجزرة. وهناك الجنرالان بنيامين بن اليعاز وافرايم سنيه، من قادة حزب العمل، وهما من الذين تعاقبوا علي قيادة قوات الاحتلال في الضفة الغربية، وهما يتباهيان بأنهما كانا صاحبي الدور الأكبر في تدمير بيوت المواطنين الفلسطينيين، ويقران أنهمـا كانا يتواطآن مع المستوطنين في مصادرة أراضي الفلسطينيين لبناء المستوطنات في أرجاء الضـفة الغربية. وفي حزب «إسرائيل بيتنا»، هنـاك الجنـرال يسرائيل حسون، وهو نائب سابق لرئيس جهـاز «الشـاباك»، وأشار الحزب إلي دور حسون هذا في تنفيذ مئات العمليات الخاصة ضد الفلسطينيين والعرب والتي قتل فيها الكثيرون. إلي جانب الجنرال ايفي ايتام نائب عن حزب «الاتحـاد الوطني»، و كان قائداً للواء المشاة «جفعاتي» خلال الانتفاضة الأولي، وأدين في محكمة عسكرية بتحطيم أطراف شابين من مخيم «البريج» للاجئين وسط قطاع غزة بالحجارة.

انهيار «الليكود» بهذا الشكل المــدوي ،عجــل بنشـوب حـرب وراثة، هدفهاالإطاحة بنتنياهو، إذ اتفق معظم قادة الحزب عـلي أنه يتوجب عزل نتنياهو الذين اعتبروه المسؤول عن خسارة الحزب

التجربة دلت أن شاس عندما تقع ساعة الاختبار في كل ما يتعلق بالاتفاقيات السياسية أو الخطط أحادية الجانب، فإنها تترك الحكومة بسرعة، فقد عارضت «شاس»اتفاقيات أوسلو، كما أن شاس كانت معارضة قوية لخطة «فك الارتباط»

المتحمسون لخطة «الانطواء» يرون أن فوز حــــماس يمثل حدثا إيجابيا لإسرائيل لأن الدولة العبريةأصبحت حـرة في أن تحـدد حـدودها وحدها، كما فعــلت في قطـــاع غزة

ستـُصعِّد الحكومة الجديدة من قمعها للشـــعب الفلســـطيني، وذلك بفعـل طبيعـة الأحزاب المشاركة فيها، إلي جانب وجود مناخ دولي عاطـف ومؤيد لإسرائيل في ردها علي عمليات المقاومة المنطلقة من قطاع غزة
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة