الجزيرة: قناة تحـدّت العالم



آخر ما كنت أظن أن أفعله هو أن أكتب عن الإعلام أو الفضائيات العربية بصفة خاصة، فقد أسقطت هذا الموضوع من دائرة اهتمامي بعد أن سقط من دائرة احترامي منذ فترة طويلة. كنت في نفس الوقت أحسد أو بالأحري أغبط قطاعًا من الصحافة والإعلام الغربي خصوصًا الـ «بي بي سي».. وكنت في فترة من الزمن حريصًا علي متابعة ما تبثه القناة وما تنشره الصحف عن حرب البوسنة ثم حرب كوسوفا. لطالما كنت معجبًا بجرأة بعض الصحفيين الإنجليز والأمريكيين الذين غامروا بحياتهم في حرب البوسنة بحثًا عن الحقيقة ونشرها في العالم. ولازلت أذكر اسم الصحفي الأمريكي «جوتمان» الذي تمكن من الكشف عن معسكرات الإبادة الصربية للمسلمين وصور ضحاياهم، ورأينا هياكل آدمية جلدًا علي عظم، تتحرك خلف الأسلاك الشائكة كأنها أشباح من عالم آخر.. ولولا هؤلاء الصحفيين والمصورين الشجعان ما عرفنا حقيقة ما يدور في أعماق البوسنة المنكوبة. في نفس الوقت كنت أتحسر علي أنه لا يوجد صحفي عربي واحد لديه من الشجاعة والدربة والرجولة لكي يذهب إلي البوسنة وينقل إلينا أخبارها، ولا توجد مؤسسة صحفية أو إعلامية عربية واحدة لديها الجرأة والمبادرة ولا حتي الرغبة في معرفة حقيقة ما يجري هناك بنفسها. من أجل ذلك اقتنعت أو أقنعت نفسي بأنه لا شيء في هذا الإعلام العربي جدير بالاهتمام أو الاحترام.. وأنه لا أمل هناك. حتي جاء الغزو الأمريكي لأفغانستان وهبط علينا شيء اسمه «الجزيرة» من حيث لا ندري. فقد كانت كل صور الحرب تظهر علي شاشة الـ «بي بي سي» والـ «سي إن إن» وعليها شعار عربي في ركنها الأسفل باسم «الجزيرة».. فما معني هذا؟.. معناه أولاً أن الفضائيتين البريطانية والأمريكية علي شهرتهما وضخامتهما ليس لهما مراسلون في الحرب الأفغانية، وأن مصدرهما الوحيد للأخبار هو فضائية جديدة تصادف أنها عربية واسمها الجزيرة، وأنها سبقت وانفردت دون فضائيات العالم كله بتصوير وبث أخبار هذه الحرب، والمعني الثاني هو أن هذه الجزيرة موضع ثقة ملحوظة من الفضائيتين العالميتين المذكورتين وإلا ما بثتا عنها صورها وأخبارها. تعزز هذا الموقف عندي بعد لقاء جمعني بالصدفة مع أحد الوزراء المخضرمين، كنت قد عرفته والتقيت به كثيرًا في جامعة قطر خلال عقد الثمانينيات. أما المناسبة فكانت حفل عشاء في فرح ابن صديق آخر كان أستاذًا في كلية الهندسة بنفس الجامعة هو الدكتور شاهين، ثم أصبح اللورد شاهين بعد ذلك، ولهذا قصة أخري.. كنا ثمانية جمعنا لورد شاهين علي مائدة واحدة لعلنا نسترجع ذكريات طيبة في جامعة قطر.. كانوا أساتذة في كلية الهندسة فيما عدا واحد أصبح وزيرًا، وكنت في ذلك الوقت منتدبًا من منظمة اليونسكو للمساهمة في تصميم وتجهيز مكتبات جديدة لجامعة قطر ثم إدارتها بعد ذلك.. عهدي بالسيد الوزير أنه كان أكاديميا متميزًا له مؤلفات مرموقة ويتمتع بسمعة جيدة.. تطرقنا في الحديث إلي موضوعات شتي حتي طفت علي السطح سيرة قناة الجزيرة، فإذا به يشكك في نوايا القناة ومصادر تمويلها.
في الحقيقة كان هذا اللقاء نقطة تحول في اهتمامي بالجزيرة فبدأت أجمع عنها معلومات وأتابع في نفس الوقت برامجها وأساليب صحفييها في الحوار واختيار الشخصيات والموضوعات. وعدت أبحث عن أمر «قناة الجزيرة» في كل ما هو متاح من مصادر المعرفة.. وكانت حصيلتي المبدئية 140 مقالة في صحف أوروبية وأمريكية وثلاثة كتب باللغة الإنجليزية.. عجيب هذا الاهتمام العالمي بأمر قناة عربية في بلد لا يزيد عدد سكانه علي نصف مليون نسمة! هل يستطيع أحد أن يدلني علي مقالة واحدة ذات قيمة عن قنواتنا الفضائية الأخري. لقد عشت في بلاد كثيرة مثل بريطانيا واستراليا وبلاد أخري مثل الفلبين و«الواق واق» فلم أر تليفزيوناتهم تهتم في نشراتها الإخبارية بصاحبة الجلالة ولا صاحب المعالي رئيس الوزراء وهم يمارسون أنشطتهم الروتينية، لأن هذه لا تشكل خبراً يستحق الاهتمام، اللهم إلا في حالتين؛ أن يكون لقاءً بعد خصومة وقطيعة، أو ما يسمونه في مجلس العموم البريطاني «ساعة الأسئلة».. وما تشاهده في هذه الساعة عملية جلد حقيقية لرئيس الوزراء ومحاسبته من قبل المعارضة علي كل صغيرة وكبيرة. الجزيرة إذن ظاهرة فريدة في الإعلام العربي ولم أشعر بندم أو خيبة أمل أنني قضيت بضعة أشهر أقرأ وأقلب في الوثائق والكتب والمقالات بحثًا عن سر قوة هذه القناة. ربما أفضل ما قرأت في هذا المجال هو كتاب بعنوان: «الجزيرة ــ كيف تحدت قناة إخبارية عربية الغرب» مؤلفه «هيو مايلز» نشر سنة 2005م ويحتوي علي 438 صفحة،. والمؤلف صحفي إنجليزي يكتب مقالاً أسبوعيا لإحدي المجلات المتخصصة في بريطانيا، ولكنه يعمل في نفس الوقت في شبكة «سكاي نيوز» الإخبارية بلندن.. يقول عن وظيفته إنه كان يشاهد ويراقب القنوات المنافسة الأخري، ويرصد كل صورة تنطوي علي خبر مهم، ويتأكد أن سكاي نيوز لم تهمل أو تفتقد الحصول علي هذه الصورة الهامة. عندما بدأت الحرب الأمريكية علي العراق تغيرت نوبته في المراقبة فأصبحت 12 ساعة تبدأ الساعة السابعة مساء وتنتهي الساعة السابعة صباحًا، يسجل فيها صور الجزيرة لبثها في نشرات أخبار قناة «سكاي نيوز».. يقول مايلز: كانت مشاهدة هذه الصور علي مدار 12 ساعة متواصلة كل ليلة حتي الصباح عملية مرهقة خلفت طنينًا دائمًا في رأسي واستغرقت جهازي العصبي استغراقًا كاملاً، لدرجة أنني لم أعد قادرًا علي متابعة واجباتي الأخري في الكتابة للصحيفة التي كنت مرتبطًا بها.. فقد كان علي أن أكتب مقالاً أسبوعيا لمجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» ولكنني كلما جلست للكتابة لا أري أمامي سوي صور الحرب في العراق.. كنت كمن يدور حول نفسه.. حتي النوم أصبح متعذرًا علي رغم طول السهر.. فإذا حل فجأة استلقيت كالمغشي عليه.. وعندئذ تهاجمني أحلام كالكوابيس منسوجة بصور ومشاهد الحرب التي رأيتها في الليلة السابقة. فلما علم رئيس التحرير بحالي اقترح علي أن أطرح الموضوع الأصلي وأن أكتب عن تجربتي في مشاهدة الحرب علي قناة الجزيرة. يقول مايلز: «هكذا بدأ اهتمامي ومنطلق بحثي حول هذه القناة.. انحصرت مقالتي الأولي عن الجزيرة في كيفية تغطية هذه القناة للحرب في العراق وعندما انتهيت من كتابة المقالة وجدت نفسي أمام أسئلة أكثر من الإجابات: من الذي بدأ هذه القناة؟ ولم ظهرت الآن بالذات؟ كيف يتم تمويلها؟ ما هي حقيقة علاقة الجزيرة بأسامة بن لادن؟ ما هي علاقتها بالمقاومة العراقية؟.. كثير من الصحفيين في الغرب اعتبروا ظهور الجزيرة وما تقوم به في المجتمعات العربية والإسلامية مثل ظهور كتاب جورباتشوف في الاتحاد السوفيتي بعنوان «المصارحة»، ولذلك أطلقوا عليها «المصارحة العربية» فهل هذا صحيح؟.. وماذا يعتقد العرب أنفسهم في وضع الجزيرة عندهم؟.. هل حقيقة تحرك هذه الفضائية البلاد العربية نحو الديمقراطية كما يزعم البعض؟.. أم أنها مجرد تنفيس بديل عن الديمقراطية؟ أسئلة تبدو سهلة ولكن من يعرف طبيعة البلاد العربية وإمكاناتها الإعلامية يدرك أن المسألة ليست بهذه السهولة.. ففي العالم الغربي تستطيع وأنت جالس أمام جهاز الحاسب الآلي أن تحصل ــ بضغط بعض المفاتيح ــ علي معلومات وإحصاءات عن أي موضوع تريد بحثه، أما في العالم العربي فليس هناك دراسات ولا إحصاءات عن أي جانب من جوانب الإعلام.. مثلاً هل تستطيع أن تجد أي دراسة أو أرقام عن بدو سيناء فيما يتعلق بمشاهداتهم التليفزيونية؟ أي قنوات يفضلون ــ وكم ساعة يقضونها أمام برامج فضائية معينة؟ وما رأيهم فيها؟.. لا شيء! يقول هيو مايلز: إن توجيه مثل هذه الأسئلة إلي الناس في العالم العربي تعتبرها السلطات جريمة يمكن أن تؤدي بك إلي السجن.. فالمجتمعات العربية مجتمعات غير شفافة والإحصاءات والدراسات السكانية كالأسرار ليست جزءًا من الحياة العادية.. والطريقة الوحيدة لكي أعرف كيف تُستقبل الجزيرة وما تأثيرها علي الناس؟ هـــو أن أذهب بنفسي إلي العالـــم العربي.. ومن هنـــا بـــدأت مهمتي الاستطلاعية حول العالم التقيت فيها إلي جانب موظفي الجزيرة بعشرات من الشخصيات من مختلف المهن من المثقفين والسياسيين.. والصحفيين والإعلاميين.. ومن الناس العاديين في أماكن تجمعاتهم وأنشطتهم الاجتماعية مؤيدين ومعارضين ولا مبالين. فماذا وصل إليه مايلز في دراسته وبحثه من حقائق عن قناة الجزيرة؟ في مارس سنة 1988 ألغي أمير قطر وزارة الإعلام وألغي الرقابة نهائيا علي الإذاعة والتليفزيون والصحافة والنشر.. فبين عشية وضحاها لم تعد ملكًا خاصًا للدولة وإنما مؤسسات حرة مستقلة من حقها تعيين من تشاء وتفعل ما تريد دون الحصول علي إذن من السلطات الحكومية. منح الأمير قناة الجزيرة الناشئة 137 مليون دولار علي شكل سلفة تنفق منها خلال خمس سنوات.. بدون فوائد.. علي أمل أن تستطيع الجزيرة بعد هذه المدة أن تقوم بتمويل نفسها بنفسها من الإعلانات ومن عوائد بيع منتجاتها الإعلامية.
ولكي يحسم شبهة التمويل من البداية يقول هيو مايلز: إن قناة الـ «بي بي سي» تعتمد في جزء كبير من ميزانيتها علي منحة من الحكومة البريطانية ولكن لا سلطان لهذه الحكومة علي المؤسسة إطلاقًا.. بل في واقع الأمر هناك خلافات سياسية وإدارية كثيرة بين المؤسسة وبين الحكومة.. ويمكن أن تصبح العلاقة بين الجزيرة وبين حكومة قطر علي غرار العلاقة بين الـ «بي بي سي» والحكومة البريطانية. ولكن هناك ـ في نشأة الجزيرة وقصة تشكيلها شق غير معروف بدأ في زمن آخر ومكان آخر. أما الزمن فهو مارس 1994م وأما المكان فهو لندن. في هذا التاريخ تم التوقيع علي عقد اتفاق بين أمير سعودي وإدارة الـ «بي بي سي» علي إنشاء قناة فضائية ناطقة باللغة العربية يمولها هو ممثلاً عن شركة أوربيت.. تبث من مكاتب الـ «بي بي سي» في لندن، وتكون علي نفس المستوي من الأداء المهني بشرط مراعاة الحساسية الثقافية للمنطقة العربية.. ومن هنا بدأ الخلاف يدب حول من تكون له السيطرة علي تحرير المواد.. و انطلقت أولي شرارات هذا الخلاف مع ظهور أستاذ جامعي سعودي اسمه «محمد المسعري» كان يرأس لجنة حقوق الإنسان.. قامت السلطات السعودية بإلغائها فلجأ إلي لندن ليتخذها مقرًا للجنته.. كان يصدر بيانات معادية للأسرة الحاكمة في السعودية، مطالبًا بحكم إسلامي حقيقي.. في أثناء حواره في القناة حدث إظلام تام وانقطع الاتصال.. فغضبت الـ «بي بي سي».. وازداد الخلاف حول التحرير وتفجرت الخلافات بين الحكومتين السعودية والبريطانية حيث طالب السفير السعودي بطرد الدكتور المسعري من بريطانيا فورًا وإلا ستقوم حكومته بإلغاء عقود أسلحة بمليارات الجنيهات الاسترلينية.. استطاعت الحكومة البريطانية احتواء الموضوع.. ثم جاءت الضربة القاضية بعد ذلك ببضعة شهور، عندما أذاعت قناة «أوربيت» فيلمًا وثائقيا بعنوان «موت مبدأ»: ظهرت فيه امرأة فلبينية تحكي قصة جَلْدها في السعودية لخروجها مع أصدقاء من الرجال.. ثم ظهر رجل علي وشك أن ينفذ فيه حكم الإعدام بقطع الرأس.. وقبل هبوط السيف علي رقبة الرجل قُطع الإرسال مرة أخري وماتت القناة بالسكتة الدماغية بعد ثمانية عشر شهرًا فقط من بداية إرسالها.. وحل محلها قناة دزني. في ذلك الوقت كانت قطر تبحث عن إعلاميين علي مستوي متميز لفضائية جديدة تحت الإنشاء اسمها «الجزيرة».. وهكذا وقع 120 إعلاميا من هؤلاء عقودًا مع الجزيرة.. بدأ إرسالها في يناير 1997 لمدة ست ساعات يوميا واليوم أصبحت الجزيرة تبث 24 ساعة في اليوم، وصاحب ذلك انتشار هائل لأطباق الاستقبال في العالم العربي ولم تعد الجزيرة وحدها هي الفضائية العربية علي الساحة بل صحبها ولحق بها فضائيات عربية كثيرة.. ولكن تبقي الجزيرة شيئًا متميزًا بين كل هذه الفضائيات. هيو مايلز يتحدث تفصيلاً عن برامج الجزيرة ومذيعيها الذين صاروا نجومًا. ثم يتوقف طويلاً عند برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي أحدث هزة عنيفة في الأوساط الفكرية والسياسية، وتسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية بين قطر ودول الجوار.. فالبرنامج شديد التطرف شديد الصراحة بدرجة غير مألوفة في بلاد العرب.. ولذلك استقبله الناس بمزيج من الدهشة والصدمة. لم تمض إلا فترة قصيرة علي البرنامج حتي اعتاده الناس.. وإن كان البعض يفضل الحوار الأكاديمي الهادئ علي هذا الصدام الهائج. وكان طبيعيًا أن يختلف المشاهدون حول البرنامج، فمنهم من رأي أن ما يحدث في هذا البرنامج إفراز طبيعي لمجتمعات فكرية عاشت قرونًا يرفض بعضها البعض الآخر.. وظاهرة لنوع من المثقفين لم يعتادوا علي الحوار الديمقراطي، كل واحد يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن خصمه ليس علي شيء.. فريق من المشاهدين يري أنها خطوة نحو الديمقراطية.. وفريق آخر لا يري في هذا البرنامج إلا «ماتش» شتائم ومهاترات بلا هدف. الآن وقد أصبح لهذا البرنامج شعبية كاسحة بدأت بعض الفضائيات العربية تقلده علي استحياء. يقول هيو مايلز: في الحقيقة إن ما يقال في البرنامج كان يدور بين العرب خلف الأبواب المغلقة لسنوات عديدة.. والجديد الذي حدث في الجزيرة هو أن ما كان يدور خلف الأبواب أصبح يقال بصراحة علي شاشات التليفزيون، وهذا ما لم يكن معتادًا في حياة العرب السياسية التي تحفل بقدر كبير من المحرمات والمقدسات التي لا تمس.. بقدوم الجزيرة لم يعد هناك ــ في هذا المجال ــ شيء مقدس.. كل شيء أصبح قابلاً للنقاش والأخذ والرد فيه علي الملأ.. فقد ناقش ضيوف الاتجاه المعاكس: هل الكويت فعلاً جزء من العراق؟.. هل إنشاء دولة الأردن كان جزءًا من المشروع الصهيوني في المنطقة؟ هل تعاني الأسرة الحاكمة السعودية من فساد؟ هل يصح أن تمنح الدول العربية قواعد عسكرية للأجانب علي أراضيها؟.. هل هناك نظم ديمقراطية في العالم العربي أم أن كل الحكومات فيه مستبدة بدرجات متفاوتة؟ ويلاحظ الكاتب البريطاني أن سجل القنوات العربية رسمية كانت أو مستقلة جميعها بلا استثناء لم تعر الشيخ أحمد ياسين ــ رغم مكانته في النضال الفلسطيني ــ أي اهتمام حتي جاءت الجزيرة فظهر فيها لأول مرة في عدة برامج. ارتفع في الجزيرة صوت الأقليات المسكوت عنها.. وظهر أصلان مسخادوف رئيس جمهورية الشيشان الذي أهملته كل الفضائيات العربية وأصدر نداء للأمم المتحدة وأمريكا للتدخل لدي روسيا لإنقاذ الشعب الشيشاني من العدوان الروسي.. الغرب يستمع: مع مرور الوقت واتساع شهرة الجزيرة بدا لبعض القيادات العربية أن الظهور علي شاشتها يكسبهم ثقة الجماهير. وفي سنة 1997 بدأت الجزيرة علاقاتها مع شعب العراق المحاصر الذي أهمله العرب إهمالاً تامًا وأسقطوه من حسابهم، بينما كان يعاني ويلات الحصار الاقتصادي والقصف المتواصل والأمراض المتفشية بسبب التلوث وسوء التغذية. وفي 16 ديسمبر سنة 1998 وفي بداية شهر رمضان الكريم شنت أمريكا غارة مكثفة باسم «ثعلب الصحراء».. وكانت الجزيرة هي القناة الفضائية الوحيدة في قلب بغداد شاهدة علي موجات لصواريخ كروز الموجهة بأشعة الليزر إلي مئات الأهداف في العاصمة العربية.. وفي غضون 15 دقيقة فقط من بدء الهجوم الأمريكي كانت صور الجزيرة تبث علي شاشات التلفزة العالمية، ولم تلبث التايمز اللندنية أن نشرت في 18 ديسمبر علي صفحتها الأولي صور الجزيرة.. وكان هذا السبق الصحفي أول خطوة نحو الشهرة العالمية. قبل ذلك لم يكن الغرب يسمع عن هذه الجزيرة شيئًا، فلما ظهر فيها صدام حسين في خطاب موجه إلي العالم في يناير سنة 2000 اعتبرها الغرب محطة صدام ثم بعد ذلك محطة بن لادن عندما بدأت تبث بياناته ورسائله. وحقيقة الأمر أن «الجزيرة» لم تكن أول محطة تلتقي مع بن لادن وإنما سبقتها الـ ABC الأمريكية في يناير 1999، ولكن لم ينتقدها أحد أو يلتفت إليها، فلما أعلنت الجزيرة أنها سجلت مقابلة خاصة مع أسامة بن لادن وسوف تبثها اعتبر العالم أن هذه جريمة منكرة. ثم جاء اليوم الموعود لبث تسجيل بن لادن في الجزيرة واحتشد ملايين المشاهدين أمام شاشات التليفزيون لسماع خطاب بن لادن كان بن لادن معارضًا قويا للوجود العسكري في أراضي الجزيرة العربية ومن ثم أعلن في خطابه الجهاد ضد أمريكا واستشاطت الكويت والسعودية غضبًا، واعتبرت أن خطاب بن لادن جريمة لا تغتفر. كان الإعلام القطري محرمًا عليه دخول السعودية إلا في حالتين: عند زيارة أميرها إلي السعودية أو في موسم الحج لبث شعائره.. ولكن بعد إذاعة الشريط المشئوم أصبح دخول الجزيرة إلي السعودية محرمًا قطعيا. لم تكن إذاعة شرائط بن لادن وحدها هي السبب في القطيعة بل هناك أسباب أخري.. فقد استنكر وزير الإعلام السعودي أيامها ظهور صدام حسين في الجزيرة وقال إن هذه القناة تقدم السم علي طبق من فضة.. ثم حاول التشكيك في نشأتها ومقاصدها فقال: إننا نعلم أن هذه المحطة وليدة الإذاعة البريطانية.. ونعلم من يقف وراءها ويمولها.. وفي مايو 1999 ظهرت مقالات صحفية في السعودية تتهم الجزيرة بأنها تفبرك الأخبار وتتدخل في الشئون الداخلية للدول.. وشن أئمة المساجد حملة علي الجزيرة لأنها تفسد أخلاق العرب! وأصدروا فتوي بتحريم ظهور السعوديين في هذه القناة. وأبدًا لم يكن بين الحكومات العربية من هو علي استعداد لأن يصدق الموقف القطري الدائم والمعلن «أن هذه مؤسسة حرة وهي مسئولة عن أفعالها ولا نتدخل في شئونها» والسبب علي الأرجح هو أن الأنظمة العربية تسيطر علي الإعلام فيها وتتدخل في شئون القنوات المستقلة وتمنع ظهور شخصيات بعينها في هذه القنوات. ومن هذا المنطلق لم يصدق أحد حكومة قطر واعتبروها مسئولة عن كل كلمة تبث في الجزيرة.. وبدا أن جميع القادة العرب قد شعروا بخطورة هذه القناة وبهذا القدر الهائل من الحرية والصراحة التي يتحدث بها الناس عن استبدادهم وفسادهم.. لذلك حمل علي الجزيرة قادة العرب وأشاروا إليها بأصابع الشك واتهموها بتبني أيديولوجيات مختلفة فتارة هي بعثية صدامية وتارة أخري هي إسلامية متطرفة عميلة لابن لادن.. وتارة ثالثة هي إسرائيلية صهيونية.. وظلت الشكاوي تنهال علي الجزيرة بشكل متواصل من الحكومات العربية.. وبلغ الغضب من الرئيس القذافي أن سحب سفيره من قطر بعد أن اتهمه أحد الليبيين الضيوف بأنه ديكتاتور! يقول هيو مايلز: الحقيقة أن كل هذه الاتهامات علي فداحتها لا يوجد دليل واحد عند أصحابها يؤكدها.. ولكن المشكلة الحقيقية في عقول هؤلاء لأنهم لم يتصوروا ولا يريدون أن يتصوروا أنه من الممكن أن توجد قناة عربية أو مؤسسة إخبارية مهنية علي أي مستوي من الحرية الحقيقية والاستقلال في العالم العربي. لقد حاولت الحكومات العربية تكتيف الجزيرة ومحاصرتها وإعاقة الإرسال فيها إلي حد دفع بعضها إلي اللجوء إلي إجراءات شديدة التطرف شديدة الغرابة.. ففي يناير 1999 كان برنامج الاتجاه المعاكس يستضيف صحفيا جزائريا منفيا وكان الموضوع يدور حول الحرب الأهلية في الجزائر التي ذهب ضحيتها مائة ألف إنسان.. وكان معروفًا مسبقًا أن هذا الصحفي يتهم الحكومة الجزائرية وجنرالات جيشها بانتهاك حقوق الإنسان في الجزائر علي نطاق واسع، وأن معظم القتلي ضحايا لإرهاب الدولة وأن رجال الأمن هم المسئولون عن هذه الجرائم البشعة.. وخوفًا من أن يتطرق البرنامج في مناقشاته إلي تفاصيل وحقائق تراها الحكومة الجزائرية مسائل حساسة قامت بقطع التيار الكهربائي عن العاصمة وعن مدن الجزائر الأخري(!) كذلك كانت الجزيرة تأمل في الحصول علي شطر من كعكة الإعلانات العربية التي بلغت مئات الملايين من الدولارات لتغطي نفقاتها وتستغني بذلك نهائيا عن أي مساعدات مالية تأتيها من أمير قطر.. ولكن الدول العربية قاطعتها لعلها تضطر في النهاية إلي إغلاق أبوابها وتصفية نفسها. الانتفاضة الفلسطينية من بين صور الجزيرة التي أثارت الشارع في البلاد العربية وانتشرت علي كل شاشات التلفزة العالمية وعلي الصفحات الأولي للصحف ـ صورة مقتل الطفل محمد الدرة الذي كان يتحصن في صدر أبيه عندما أطلق عليه جندي إسرائيلي رصاصة أردته قتيلاً في حجر أبيه المصاب. شعر الإسرائيليون بأنهم يواجهون لأول مرة معركة إعلامية حقيقية من قناة تليفزيونية مقتدرة، لديها صحفيون علي مستوي عال من الاحتراف المهني والشجاعة في اقتحام المخاطر بحثًا عن الحقائق.. وهو شيء لم تعتد عليه من الإعلام العربي العاجز المدجن.. ومن ثم بدأت إسرائيل تتربص بالجزيرة وتحاصرها. يقول هيو مايلز: لا شك أن حملة الجزيرة وصورها لم تحرك الشارع العربي فقط ولكنها حركت القادة فعقدوا قمة عربية وقرروا دعم الفلسطينيين بمليار دولار وسحبت مصر سفيرها من إسرائيل.. وفي هذا يقول مايلز: إن الرئيس مبارك قال لمستشاريه إنه لا يستطيع أن يتحمل صور الأطفال الفلسطينيين يقتلون وهم يواجهون الجنود الإسرائيليين بسلاح الحجارة.. لابد أن أفعل شيئًا. ويشير مايلز إلي أن صور الجزيرة اخترقت الحواجز والمسافات ووصلت رسالتها إلي المواطنين العاديين في أعماق القري من إندونيسيا إلي المغرب العربي كأقوي ما تكون.. «لقد أحدثت الجزيرة ثورة في العالم العربي وأصبح بفضلها كل شيء مكشوفًا فلم يعد في الإمكان إخفاء أي شيء عن الجماهير». كان يمكن في الماضي أن يدك نظام دكتاتوري مدينة يعتبرها متمردة مثل مدينة حلب ويقتل من أبناء شعبه عشرات الألوف ولا تجد حسًا ولا خبرًا في الإعلام العربي. والسؤال هو: هل يمكن أن يحدث ما وقع لحلب الآن في وجود الجزيرة دون أن يعرف به العالم وفي حين وقوعه؟ أظن أن هذا أصبح مستحيلاً.. إنها ثورة في الإعلام العربي كما يقول هيو مايلز. .. أمريكا استطاعت الولايات المتحدة أن تحشد تأييدًا عالميا هائلاً علي خلفية الهجوم علي برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001م ولكن سرعان ما فقدت هذا التعاطف العالمي.. وذلك ــ فيما يؤكد هيو مايلز ــ بسبب الصور التي بثتها الجزيرة علي العالم عن الغزو الأمريكي لأفغانستان.. فقد كانت الجزيرة هي القناة الوحيدة الموجودة في أفغانستان منذ حكم طالبان، واستطاعت أن تتابع أحداث الحرب وتصور الضربات الهائلة والتفجيرات المروعة التي لا مبرر لها علي المناطق الآهلة بالسكان المدنيين، وقد أظهرت هذه الصور أعدادًا كبيرة من القتلي والأشلاء لأطفال ونساء في مناطق بعيدة عن معسكرات وقوات طالبان، وأعطي هذا انطباعًا للعالم الخارجي أنها حرب هوجاء علي شعب أعزل وليست علي الإرهاب والإرهابيين كما زعمت أمريكا. يقول هيو مايلز: كان القصف الأمريكي لمكتب الجزيرة في كابل رسالة واضحة للجزيرة أن ترحل من أفغانستان علي الفور.. وبالفعل شرع فريق مراسلي الجزيرة وعلي رأسهم تيسير علوني يغادرون أفغانستان عبر ممرات جبلية وعرة نحو الحدود الباكستانية ليستقر بعد ذلك في العراق.. وليبث منها ملحمة أخري يفضح فيها العدوان الأمريكي علي العراق.. وكان يكفي تيسير علوني ما فعله في أفغانستان ليكتسب اللعنة الأمريكية التي لاحقته حتي استقر في سجون إسبانيا كما استقر زميله سامي الحاج رهينة في سجن جوانتانامو. ذكريات عراقية: بدأ الغزو الأمريكي للعراق في 19 مارس 2003 وسبق هذا بطبيعة الحال استعدادات عسكرية ضخمة وحشد قوات حول العراق وقواعد عسكرية في دول الجوار ومع كل هذه الاستعدادات العسكرية كان هناك استعدادات أخري هائلة لحرب إعلامية شرسة، كان هناك إذاعة أمريكية تعمل بالفعل وتنطق باللغة العربية هي إذاعة «سوا» كما كان تجهيز قناة تليفزيونية أمريكية ناطقة باللغة العربية قائمًا علي قدم وساق.. وهي قناة «الحرة». ولكن البنتاجون لم يكتف بذلك وإنما جاء بترسانته الإعلامية الخاصة، فقد أحضر الجنرال فرانكس معه آخر ما في جعبة أمريكا من تكنولوجيا إلكترونية في البث والرسم والخرائط ليشرح للعالم تفاصيل الحرب الإمبريالية علي العراق. أما بالنسبة لتغطية أخبار الحرب وتصوير المعارك كان هناك الصحفيون «المرافقون»، كما دعا الرئيس بوش جميع رؤساء تحرير الصحف إلي البيت الأبيض حيث أوصاهم ألا ينشروا شيئًا يثبط من همم الجنود الأمريكيين الذين يؤدون واجبًا وطنيا في العراق، وأن يمتنعوا عن نشر أي خبر يسيء إلي سمعة الجيش الأمريكي. ولكي ينفرد رامسفيلد بالساحة الإعلامية أمر بوش جميع الصحفيين والمراسلين الأجانب قبل بدء الحرب بساعات بمغادرة العراق فخرجوا جميعًا.. وبقي فريق الجزيرة وحده يواجه مخاطر الحرب وينقل صورها إلي العالم الخارجي تحت عنوان: «العراق يحترق». وتنقل من العراق أخبار بلدة صغيرة اسمها أم القصر تعدادها لا يزيد علي خمسة آلاف نسمة.. تصمد أمام قوات التحالف أربعة أيام متواصلة. وفي قلب البصرة أثناء حصارها تكشف الجزيرة بالصور الحية فظائع القصف العشوائي علي المدنيين.. صورة لطفل في المستشفي مقطوع الرأس. كان مراسلو الجزيرة يقيمون بفندق شيراتون في البصرة وكان هذا معلوما لدي القوات الأمريكية، ومع ذلك قصفت الفندق بأربعة صواريخ لإجبارهم علي الرحيل من المدينة. ولم يمض وقت طويل حتي راح طارق أيوب مراسل الجزيرة في 8 أبريل 2003 ضحية قصف أمريكي طال فندق فلسطين في قلب بغداد. كان من أنجح أعمال الجزيرة في الفلوجة تصوير قناص أمريكي يقف علي سطح أحد المنازل وهو يصوب بندقيته إلي نساء وأطفال ويمطرهم بالرصاص وهم يسيرون في الشارع.. ولم تمض إلا بضعة أيام حتي راح صحفي آخر من الجزيرة هو «رشيد حامد والي» كان يقف علي سطح فندق بكربلاء للتصوير ضحية رصاصة اخترقت عينه وفجرت جمجمته. هل تصنع الجزيرة ..ديمقراطية العالم العربي؟ يري هيو مايلز أننا لابد من تحرير مسألة هامة قبل الخوض في الإجابة علي هذا السؤال.. لأن هذا السؤال ينطوي علي افتراض أن ما كان ينقص الشعوب العربية لتصنع ديمقراطيتها هو المعلومات.. ومادامت الجزيرة وغيرها من الفضائيات الأخري الجديدة قد وفرت هذه المعلومات إذن فنحن نحقق لهم الديمقراطية.. وهذا كـــلام غير صحيـح علي إطلاقه.. فالواقـع يقـــول إن السلطة ــ بعـد ظهور الـــجزيرة ــ لاتزال مركزة في أيـدي نفس الشخصيات والنخب القديمة التي لاتزال تسيطر علي الأوضاع منذ عقود. ربما كان السؤال الأنسب هو: هل تؤثر الجزيرة في عملية التحول إلي مجتمعات ديمقراطية في العالم العربي؟ هنا يمكن القول بأن الجزيرة لها تأثير كبير علي العمليات والتوجهات الديمقراطية.. فالصحافة الحرة والإعلام الحر هما ركيزتان لا يمكن الاستغناء عنهما في التركيبة الديمقراطية. من هذا المنطلق دعنا نبحث ونحلل مع هيو مايلز التغييرات التي أحدثتها الجزيرة في وسط البركة العربية الآسنة.. يقول هيو مايلز: جرت عادة أصحاب السلطان عندما تستجد تكنولوجيا جديدة أن ينظروا فيها ليروا: هل هذه التكنولوجيا تضعف أو تقوي قبضتهم علي الأوضاع؟ وقد نُظر إلي الفضائيات في أول الأمر نظرة مريبة ومن ثم قاومتها الحكومات في البداية ثم تراخت مقاومتها لعدم وجود وسيلة سهلة لكبح جماحها.. وهكذا بدأت تفكر في معالجات أخري لاحتوائها. وفي هذا يقول هيو مايلز: لا ينبغي أن تتوقع تغييرًا حقيقيا في هذه الفضائيات طالما وُجد وزراء إعلام في السلطة لأن وجود وزير علي رأس وسائل الإعلام معناه الرقابة والتدخل والقيود. وكما ذكرنا رأت بعض الحكومات العربية الأخري أن تنشئ قنوات تليفزيونية كاملة تنحو نفس منحي الجزيرة حتي لا تبقي وحدها متمتعة بخصوصية متميزة عن القنوات الأخري.. ومما استجد أيضًا في المجال الإعلامي بفضل الجزيرة أنها أتاحت للناس العاديين أن يتحدثوا في السياسة بحرية ويعبروا عن همومهم وتطلعاتهم وغضبهم أحيانًا وذلك خلال الهاتف أو عبر الفاكس وشبكة الإنترنت. الجزيرة تتحدي العالم تاريخ الجزيرة حافل بالاتهامات الموجهة إليها من كل جانب.. وفي هذا يقول هيو مايلز: «لقد عبر لي المسئولون العرب عن استيائهم لأن الجزيرة تستهدف الإساءة إليهم وتنحاز لإسرائيل.. وسمعت من المسئولين في الغرب أن الجزيرة تنشر الكراهية ضد أمريكا وضد إسرائيل! وتقول الجزيرة دفاعًا عن نفسها: إنها مجرد قناة إخبارية تقوم بواجبها وتعرف وظيفتها.. والاتهام بالتحيز مع أو ضد أي جهة هو مجرد هراء.. اتهام باطل لا دليل عليه.. إن ما نحاول عمله دائمًا هو بث أخبار دقيقة قدر ما نستطيع، وننقل صورة الأحداث كاملة بكل أبعادها بقدر ما نستطيع.. ولكن يبدو أن أحدًا لا يصدقنا!». <

كنت أتحسر علي أنه لا يوجد صحفي عربي واحد لديه من الشجاعة والدربة والرجولة لكي يذهب إلي البوســـنة وينقل إلينا أخبـــارها

مـــن الــذي بدأ هـــذه القنـــاة؟ ولم ظهرت الآن بالذات؟ كيف يتم تمويلها؟ما هي حقيقة علاقة الجزيرة بأسامة بن لادن؟مـا هـي عـلاقتهـابالمقـاومة العراقيـة؟

هــل حقيقـة تحـرك هذه الفضائيـة البلاد العربيـة نحـو الديمقراطيـــة كمــا يزعم البعـض؟.. أم أنهـا مجـرد تنفيس بديـــل عـــن الديمقــراطيــة؟
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة