هناك «حقيقة» خلف كل ستار..الصحافة الحقيقية فبراير 2007

أيمن الصياد

«المختلف».. الوصف أطلقه «روجر كوهين» في الهيرالد تريبيون قبل سنتين علي الصحفي الأمريكي الأكثر احتراما «سيمور هيرش»، معتبرًا: «أننا.. نحن الصحفيين الغربيين،

المحـتــوي

«المختلف».. الوصف أطلقه «روجر كوهين» في الهيرالد تريبيون قبل سنتين علي الصحفي الأمريكي الأكثر احتراما «سيمور هيرش»، معتبرًا: «أننا.. نحن الصحفيين الغربيين، أو معظمنا علي الأقل أصبحنا دون أن ندري عبيدا لل MSM وهو اختصار بات شائعا ل Main Stream Media . صحفي واحد ربما يقول كوهين وللمرة الثانية خلال 35 عاما يثبت أنك «كصحفي .. يمكن أن تكون مختلفًا». كان كاتب الهيرالد يتحدث عن كيف فضح سيمور هيرش فضائح سجن أبو غريب، في وقت كان الأمريكيون فيه مزهوين بما بدا انتصارا في العراق، ومخدَرين بدعاوي ترويج الديموقراطية و«حقوق الإنسان». بالضبط كما فعل أواخر الستينيات حين كشف بالأدلة مذبحة May Lai (حيث قامت مجموعة من الجنود الأمريكان لمدة يوم كامل بإبادة جميع سكان قرية فيتنامية تدعي «صن ماي» عرفت علي خرائط الجيش الأمريكي ب My Lai 4). في الواقعتين كان الإصرار، والعمل «الحقيقي» الدءوب، والرغبة في الحصول علي التفاصيل الدقيقة الصحيحة، والقدرة علي الإنصات والاستعداد لسماع كافة الأطراف، والشجاعة في مواجهة أصحاب النفوذ، وراء السبق الصحفي الذي حققه هيرش، وقدرته علي كشف ماأراد له البعضُ أن يظل خافياً. واستطاع هيرش بالحاسة الصحفية والعمل الجاد والعقل المتسائل،اجتياز الحواجز والوصول إلي الحقيقة؛ التي هي دائما للأسف خلف ألف ستار. سيمور هيرش.. قبل سنوات كنا قد صدَّرنا هذه المجلة بتعريفٍ للرجل. ولكن لأن البعض بدا أنه لم يقرأ ربما كان مفيدًا اليوم بعضٌ من التذكرة: دخل سيمور هيرش عالم الصحافة من بابه الحقيقي؛ «الحوادث». حيث اكتسب خبرةً ميدانية ربما كانت ضرورية ليصبحَ «صحفيا حقيقيا». وفي أقسام البوليس؛ حيث يحدثُ أحيانًا كما تعودنا في شرقنا العربي أن يغترَّ بالقوة من يملكُ سطوتها فتأخذه العزةُ بالإثم، اكتشفَ الصحفيُ المبتدئ حقيقة الأفكار الفاسدة الكامنة خلف ستار براق لامع. ذهب هيرش إلي أحد مخافر الشرطة لتغطية حادثة مصرع سجين أسود خلال محاولته الهرب، وهناك سمع أحد ضباط الشرطة يحكي لزميله «متباهيًا» كيف أوهمَ السجين أنه قد أفرج عنه ثم أطلق النار عليه من الخلف وهو يبتعد، مدعيًا أنه كان يحاول الهرب. ومع أن هيستريا التفرقة العنصرية السائدة في ذلك الوقت لم تسمح له بنشر كل الحقيقة، إلا أنه بدأ طريقه في تحدي حالات الصمت المتعمد ليكشفَ علي مدي تاريخه المهني بعضَ أخطر قضايا عصره. ولم يأت عام 1969 إلا وكان قد كتبَ أول تقرير عن مذبحة «ماي لاي» في جنوب فيتنام، ليصبحَ بعد ذلك أهم صحفيي التحقيقات في أمريكا. وفي عام 1970 بعد تسع سنوات فقط من بداية عمله بالصحافة فاز هيرش بجائزة بوليتزر، أهم جائزة علي مستوي العالم في مجال الصحافة وإحدي أهم جوائز الكتابة علي الإطلاق. عن كتابه: My Lai 4: A report on the massacre and its aftermath. والذي أتبعه بكتاب أخطر كشف فيه تواطؤ الجيش الأمريكي بهدف تغطية مسؤولية ضباطه عما ارتكبوه. ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي اصطدم فيها هيرش مع مؤسسة الحرب الأمريكية فقد ساهم في كشف قضية المرض الغامض الذي أصاب بعض الجنود الذين خاضوا حرب الخليج الثانية في كتاب حمل عنوانا دالاً عن الحرب بين محاربي أمريكا المرضي و حكومتهم: Against All Enemies Gulf War Syndrome: The War Between Americaشs Ailing Veterans and Their Government. ثم كان أن نشرت له النيويوركر مقالا في 25 ألف كلمة احتل صفحات عدد بأكمله من المجلة الشهيرة (توزع 450 ألف نسخة أسبوعيا) عرض فيه تفاصيل الوقائع التي حققها بنفسه عبر العديد من المقابلات والرحلات للمذبحة التي ارتكبها الجنرال ماكافري قائد الفرقة 24 الأمريكية يوم 20 مارس 1991 «بعد وقف إطلاق النار» في حرب الخليج الأولي، والتي راح ضحيتها مئات من العراقيين، ليس فقط من بين الجنود الذين كانوا قد شرعوا في الانسحاب ولكن أيضًا بين الجرحي والأسري المدنيين الذين كانوا علي متن سيارات الإسعاف. وهو الاتهام الذي يعد بكل المقاييس جريمة حرب،(المقال نشرته «وجهات نظر» في عدد يوليو 2000). وعلي مدي أكثر من أربعين عاماً يستمر هيرش في صدماته للمجتمع الأمريكي وفي اصطياده للجوائز الصحفية (أكثر من 12 جائزة من أهم الجوائز الصحفية بما في ذلك جائزة جورج بولك أربع مرات) كما يستمر في نشر كتب هامة مثل: Prince of power عن دور هنري كيسنجر في إدارة نيكسون. وThe Dark Side of Camelot عن كيف أثَّر الجنس والجريمة والفساد لعائلة كنيدي علي السياسة الأمريكية. وكذلك مقالاته عن دور ال CIA في مساندة انقلاب الجنرال بينوشيه في تشيلي عام1973 والذي أطاح بالرئيس المنتخب سلفادور الليندي وقضي علي أهم تجربة ديمقراطية في أمريكا الجنوبية. وعن ترسانة إسرائيل النووية والسياسة الخارجية الأمريكية نشر هيرش كتابه The Samson option والذي أثار عداء اليهود له. ثم كان أن نشر في 2004 آخر كتبه (الأشهر ربما في عالمنا العربي) Chain of Command: The Road from 9/11 to Abu Ghraib مازالت أمام الصحفيين قصص عظيمة الكلام لسيمور هيرش ولكن المشكلة «أن جيل صحفيي ووترجيت الحقيقيين قد ترك المجال لآخرين يحبون حضور الحفلات والكتابة في الغرف المكيفة». التعليق يذكرني بما وصفته به مجلة SALON فهو «في عُرف مجتمعات العاصمة ليس رجلاً لطيفًا.. لا يحضر حفلات الاستقبال، كما أنه لا يعرف آليات العلاقات العامة ولا كيف يجامل.. إنه فقط أفضل صحفي تحقيقات علي وجه الأرض ويتوقع أن تتحدث أعماله عن نفسها». بعد أيام فقط من إحالة المقدم ستيفن لي جوردان؛ مدير عمليات الاستجواب في سجن أبو غريب إلي المحاكمة العسكرية (وهو أرفع ضابط أمريكي يُحاكم في هذه الفضيحة) يكون سيمور هيرش الصحفي الشهير الذي كشف الفضيحة، وصاحب التقرير الذي أطاح يومًا بصقر الإدارة الأمريكية ريتشارد بيرل، قد وصل إلي القاهرة في ضيافة «مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية» ليفتتح مشروعا طموحا لتدريب جيل جديد من الصحفيين العرب علي «الصحافة الحقيقية» التي لاتعرف حفلات الاستقبال ولا المجاملة ولا تكترث بالعلاقات العامة.. والتي بحكم التعريف

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions