حين أصبحت الكنيسـة.. مصـرية يناير 2005

فكري أندراوس

في يوم مشمس في شهر ديسمبر سنة 1945 في قرية جبل الطارف بالقرب من نجع حمادي كانت المصادفة حليفة الإنسانية في اكتشاف يعده البعض أهم اكتشاف أثري في القرن

المحـتــوي

في يوم مشمس في شهر ديسمبر سنة 1945 في قرية جبل الطارف بالقرب من نجع حمادي كانت المصادفة حليفة الإنسانية في اكتشاف يعده البعض أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين. في ذلك اليوم كان المزارع محمد علي السمان وأخوه أبو المجد ينقبان عن سباخ لتسميد الزراعة وإذ بهم يكتشفون وعاء من الفخار طوله أكثر من متر. أثار ذلك الاكتشاف الدهشة والأمل والخوف بين الأخوين. كان الخوف من أن يحتوي الوعاء علي عفريت أو روح شريرة ولكن الأمل كان يداعبهم في اكتشاف كنز يحل مشاكل الفقر والتي تعاني منها الأسرة بعد قتل عائلها. لم يتردد الأخوان كثيراً ففتحوا الوعاء يحدوهم الأمل في كنز. فتح الوعاء ولم يخرج عفريت ولكن لم يكن هناك كنز أيضاً. كانت خيبة أملهم كبيرة حين اكتشفوا أن محتويات الوعاء عبارة عن بعض الكتب مكتوبة بلغة غير معروفة علي أوراق لم يروها من قبل. حمل الأخوان محتويات الوعاء مع بعض السباخ علي ظهر الجمل وعادوا إلي منزلهم يلعنان حظهما السيئ. ابتدأت والدتهما تستخدم بعض هذه الأوراق لتسهيل إشعال وقود الفرن لطهو الطعام وإنضاج الخبز. لم ترغب العائلة في بقاء تلك الكتب في منزلهم لأنه كان عرضة للتفتيش في أي وقت لاتهام محمد في قتل قاتل والده ثأراً. أخذ محمد علي هذه الكتب إلي كاهن القرية الأب باسيليوس عبد المسيح وصرح للكاهن أن يأخذ أحد هذه الكتب علي أن يحفظ الباقي لديه كأمانة. وجدت بعض هذه الكتب طريقها للقاهرة وتسرب الخبر لتجار الآثار وكذلك لمصلحة الآثار. وقد وجد بعض هذه الكتب طريقه إلي الخارج، وقد استطاعت مصلحة الآثار والمتحف القبطي فيما بعد الحصول علي الكتب كافة حتي التي وجدت طريقها للخارج. وقد عرف أن هذه الكتب وعددها 13 مجلداً تحتوي علي أناجيل لم تكن معروفة من قبل مكتوبة علي أوراق البردي باللغة القبطية. وقد أطلق علي تلك الكتب فيما بعد مكتبة نجع حمادي. لم يعرف العالم الكثير عن تفاصيل ذلك الاكتشاف حتي سبعينيات القرن الماضي حيث استطاعت هيئة اليونسكو مع هيئة الآثار المصرية تصوير الكتب كافة والتي تحتوي علي 52 كتيباً 41 منها لم يكن معروفاً من قبل وعدد صفحات الكتب المكتشفة 1152 صفحة. بعد التصوير أصبحت محتويات المكتبة متاحة للباحثين الذين نشروا آلاف الكتب والمقالات. لقد سلطت مكتبة نجع حمادي الكثير من الأضواء علي المسيحية في قرونها الأولي. أهم محتويات تلك المكتبة: إنجيل توماس، إنجيل فيليب، إنجيل الحقيقة، إنجيل وليم، إنجيل المصريين، الكتاب السري ليوحنا، الكتاب السري لجيمز، حكمة المسيح، جمهورية أفلاطون، أصل العالم، وبعض رسائل تحمل اسم تلاميذ المسيح. كل هذه الأناجيل والكتابات المسيحية لم تعترف بها الكنيسة الأولي التي اعترفت فقط بأناجيل أربعة منذ أواخر القرن الثاني وتلك هي أناجيل مرقص، يوحنا، متي ولوقا. وكل تلك الأناجيل تحكي قصة حياة المسيح إلا أن هناك بعض الاختلافات المهمة بين تلك الأناجيل. وقد حاربت الكنيسة منذ أواخر القرن الثاني باقي الأناجيل وقد نجحت تماماً في إخفائها إلي أن عثرنا علي مكتبة نجع حمادي. حوالي 90% من مكتبة نجع حمادي يعتبر كتباً أغنوسطية Gnostisism والكلمة أصلها يوناني تعني المعرفة ويعرفها قاموس المورد بأنها »مذهب بعض المسيحيين الذين اعتقدوا أن المادة شر وأن الخلاص يأتي عن طريق المعرفة الروحية«. أما القاموس العصري فيعرفها بأنها »مسيحيين يعتقدون بأن الخلاص بالمعرفة دون الإيمان«. والحقيقة أن تعريف الغنوسطية أمر صعب حيث إن هناك أيضاً غنوسطية يهودية وغنوسطية إسلامية (مثل آراء المعتزلة الخاصة بالتفسير) وكذلك غنوسطية معاصرة. ومن الممكن تعريف الغنوسطية التي نحن بصددها أنها حركة دينية مسيحية فلسفية عرفت في القرن الثاني الميلادي تعتمد علي التفسير الرمزي المستنير ولها جذور في الفلسفة القديمة لليونان وبلاد فارس والهند. وقد حاربت الكنيسة هذه الحركة وقضت عليها في أواخر القرن الرابع. من هنا كان اهتمام الباحثين بمكتبة نجع حمادي حيث إنها أضافت لمعلوماتنا الكثير عن المسيحية في قرونها الأولي وكيف استقرت الكنيسة إلي ما تمارسه الكنائس الآن خصوصاً الأرثوذكسية )وتعني التفكير المستقيم (والكاثوليكية (وتعني كنيسة جامعة). كيف كانت المسيحية إذاً في مصر في قرونها الأولي؟ نحن نعلم من قديم أن أقباط مصر تركوا بصماتهم علي مفهوم المسيحية في العالم فمنهم خرج فلاسفة المسيحية الأوائل من مدرسة اللاهوت بالإسكندرية، ومنهم خرج رواد الرهبنة الأوائل والتي انتشرت بعد ذلك في العالم المسيحي. ومنهم من دافع ببطولة وتضحيات كثيرة عما اعتبره الإيمان الأرثوذكسي السليم. وإن كنت سأتعرض لهذا المقال بإيجاز شديد عن بعض المهم في مكتبة نجع حمادي إلا أنني سأهتم أكثر بتاريخ المسيحية في مصر حتي القرن الرابع حيث استقرت الكنيسة المصرية. اختيار بعض الأناجيل دون الأخري المفهوم السائد بين الأقباط أن المسيحية دخلت مصر علي يد القديس مرقص عام 43 حين زار الإسكندرية ورسم حنانيا كأول أسقف بمصر ليبشر بالمسيحية. ولكن غالباً ما تكون المسيحية قد دخلت مصر قبل ذلك التاريخ حيث إن العلاقات بين فلسطين والإسكندرية كانت قوية وسريعة وقد كان بالإسكندرية جالية يهودية كبيرة. وحنانيا هذا الذي رسمه القديس مرقص كان يهودياً قبل تحوله إلي المسيحية، وقد اعتبرت المسيحية في أوائل عهدها كمذهب يهودي. يذكر لنا التقليد الكنسي أيضاً أن القديس مرقص زار الإسكندرية للمرة الثانية ما بين عام 64وعام 68 وكان عدد المسيحيين قد زاد كثيراً وأصبحوا عرضة للاضطهاد. وفي خلال هذه الزيارة كتب القديس مرقص أحد الأناجيل الأربعة والذي يحمل اسمه وقد استشهد بعد ذلك بقليل علي أيدي الغوغاء بعد احتفال معبد السيرابيوم.Serapis وقد ظلت بقايا القديس بالإسكندرية حتي القرن الحادي عشر حين سرقها تجار فينسيون وأخذوها إلي فينسيا (مدينة البندقية بإيطاليا) وشيدوا بها كاتدرائية ضخمة مازالت موجودة وسميت فينسيا جمهورية القديس مرقص. نحن لا نعلم الكثير عن المسيحية حتي أواخر القرن الثاني وإن كنا نعلم أن عدد المسيحيين قد زاد كثيراً ومع زيادة العدد زاد الاضطهاد .

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions