تاريخ العلاقات السرية بين يهود مصر والحركة الشيوعية..وفرنسا يناير 2002

وليد محمود عبد الناصر

توفي في منتصف مارس 2001 شحاتة هارون وهو أحد الشخصيات البارزة في التاريخ المعاصر لليسار المصري بشكل عام، والحركة الشيوعية المصرية بشكل خاص. ومن اللافت

المحـتــوي

توفي في منتصف مارس 2001 شحاتة هارون وهو أحد الشخصيات البارزة في التاريخ المعاصر لليسار المصري بشكل عام، والحركة الشيوعية المصرية بشكل خاص. ومن اللافت للنظر أن شحاتة هارون اليهودي المصري المنتمي تاريخياًً للتيار الشيوعي قد طلب في وصيته استقدام حاخام من فرنسا للصلاة عليه، وطلب أن ينشر في نعيه جميع هوياته: المصرية واليهودية والانحياز للمضطهدين بمن فيهم الفلسطينيون. وقد أثار غياب شحاتة هارون من جديد ليس فقط مسألة العلاقة بين اليهود المصريين والحركة الشيوعية، حيث لاشك أن هناك الكثير من الكتابات التي تناولت هذه الزاوية سواء من داخل معسكر الحركة الشيوعية المصرية أو من خندق المعارضين لها، ولكنه أثار العلاقة الثلاثية الأبعاد بين يهود مصر والحركة الشيوعية وفرنسا، وهي علاقة تعرض لها عرضاً عدد من الكتّاب في معرض تناولهم لتاريخ يهود مصر أو لتاريخ الحركة الشيوعية في مصر أو الحزب الشيوعي الفرنسي، ولكن ربما لم يتم تناولها بشكل مترابط في مقال بحثي واحد من قبل. ويرتبط الموضوع أيضاً بمناسبة صدور الجزء الأول من مذكرات الأستاذ محمد يوسف الجندي الذي حمل عنوان مسيرة حياتي حتي 1964 "والصادر عن دار الثقافة الجديدة" مؤخراً، وهو كتاب مهم من حيث تناوله لدور اليهود في الحركة الشيوعية المصرية، وأنماط تطور هذه الحركة، وعلاقة ذلك بفرنسا وحزبها الشيوعي، وذلك كله من منظور رواية السيرة الذاتية لكاتبه. ويقر محمد يوسف الجندي في سيرته الذاتية (ص35) أن مؤسسي أكبر أربع منظمات شيوعية في مصر كانوا يهوداً، إلا أنه يوضح بجلاء أن ذلك لم يثر تحفظاً لديه. ففي ذلك الوقت، وقبل حرب فلسطين كان المجتمع المصري يتقبل اليهود ودورهم في المجالات السياسية والاقتصادية والنقابية والاجتماعية. ففي العشرينيات من القرن العشرين وحتي الأربعينيات تزعم يهود منظمات نقابية، وكان منهم داود ناحوم، كما لعبوا دوراً مهما في الصحافة مثل يعقوب صنوع، ولم يجد المصريون العاديون غضاضة في التعامل أو حتي التعاون مع اليهودي مثله مثل القبطى. وبالإضافة إلي اليهود ذوي الجذور المصرية، يشير محمد الجندي إلي أن جالية كبيرة من الأجانب كانت تعيش في مصر، خاصة قبل إلغاء الامتيازات الأجنبية طبقاً لاتفاقية مونتريه لعام 1937، وكان من هؤلاء الأجانب نسبة مهمة من اليهود من جنسيات مختلفة (الفرنسية/ الإيطالية/ اليونانية/ الأرمنية) أو حتي بلا جنسية. وكانت فرصة هؤلاء في الانفتاح علي أوروبا وعلي الثقافة والفكر هناك أكثر من المصريين، ولذا كان من الطبيعي أن يكون لهم ريادة في مختلف المجالات، بما في ذلك الحركات الثورية والتعرف علي الفكر الماركسى. وخلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء التحالف ضد ألمانيا النازية والذي ضم الاتحاد السوفيتي السابق، أصبح هناك تساؤل في تقبل دخول الكتب عن الاتحاد السوفيتي وعن النظرية الماركسية، وافتتح "هنري كورييل" ـ اليهودي ذو الجنسية الإيطالية الذي قدم أبواه أصلاً من فرنسا للإقامة والعمل في مصر ـ مكتبة في ميدان مصطفي كامل سماها "مكتبة الميدان"، كانت تعرض الكتب التي تعكس الفكر الشيوعي، وبالرغم من أن أغلبها كان باللغات الأجنبية، فقد اعتاد الشباب اليساري في مصر علي ارتيادها، ويوضح محمد الجندي أن أبا كورييل كان مليونيراً وأنه في بعض الروايات كانت المكتبة ملك والده ولكن كان يديرها هو. ويري محمد يوسف الجندي في سيرته الذاتية أن اليسار المصري كان يعارض الدعوة الصهيونية والدعوة لهجرة اليهود إلي فلسطين، وذلك بالرغم من أن المنظمات الشيوعية في مصر كانت تضم عدداً من اليهود. بل إن هؤلاء اليهود شكلوا ما سمي بـ"رابطة اليهود للنضال ضد الصهيونية"، كما أنه يؤكد أن النضال ضد المنظمات الشيوعية أيد نضال الشعوب العربية ضد الاستعمار ودعا للتضامن معها، وفي ضوء وجود غالبية ضمن قادة وأعضاء المنظمات الشيوعية في مصر من الأجانب خلال الأربعينيات (ص42)، فإن محمد يوسف الجندي يري أنه كان من الطبيعي أن تساند هذه المنظمات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وأن تؤيد مجيء الحكومة الوفدية للحكم في 4 فبراير 1942، وذلك بالرغم من اتهام قوي وطنية أخري لهذه الحكومة بأنها جاءت علي أسنة الحراب البريطانية. ونلاحظ من قراءة السيرة الذاتية للأستاذ محمد الجندي أنه عندما يسرد أسماء من شملتهم اعتقالات 11 يوليو 1946 التالية للدور النشيط للحركة الوطنية العليا للطلبة والعمال التي لعب الشيوعيون دوراً مهما في إطارها، يبرز عدد لا بأس به من الأسماء اليهودية مثــل هنــري كورييل وداود ناحــوم ونحوم منشه وإيمي ستون وغيرهم (ص55ـ 56). ويتعرض محمد الجندي للخلافات التي جرت عند توحيد تنظيمي "ايسكرا" و"الحركة المصرية للتحرر الوطنى" في تنظيم واحد هو "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)" أو ما سمِّي تاريخياً بوفد الشيوعيين، وجاء ذلك عقب أحداث 1946 (ص59). فقد كان حجم الأجانب في قيادة "ايسكرا" يمثل الأغلبية، بينما كانت القيادة في "الحركة المصرية" من المصريين عدا هنري كورييل، وتركز الخلاف حول تمصير القيادة، وكان كورييل من أبرز الداعمين للتمصير، مما حسم الخلاف لصالح التمصير مع بقاء كورييل مسئولاً سياسياً و"هليل شفارتز" مسئولاً تنظيمياً. وبحلول هذا الوقت، كان مكتب والد هنري كورييل قد تحول إلي مكان للقاءات التنظيمية للشيوعيين المصريين، وكان كورييل يتحدث العربية بلكنة أجنبية، فلغته الأولي كانت الفرنسية، مثله مثل معظم اليهود الأجانب المقيمين في مصر حينذاك، ولكنه كان يقرأ العربية بسهولة (ص60). وكانت الحركة الشيوعية ـ في رأي محمد يوسف الجندي ـ مدخلاً لربط كورييل وغيره من اليهود ذوي الأصول الأجنبية مع المصريين من عمال وموظفين ومثقفين، بل وأزهريين، وغيرهم. ومن المحطات المهمة في مذكرات محمد الجندي تعرضه لحرب فلسطين، فهو يقر بمعارضة "حدتو" للحرب التي كانت كوادر الحركة تري فيها مؤامرة مشتركة بين الاستعمار البريطاني والسراي والرجعية المصرية لصرف الأنظار عن الوجود البريطاني في مصر (ص67 ـ 68). وبالرغم من ذلك يعيد تأكيد أن الحركة كانت ترفض هجرة اليهود إلي

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions