عرب في الحقـوق يهـود في الواجبات ..الدروز في إسرائيل أكتوبر 2004

صالح محمد النعامى

لشدة ما ألم به انفجر باكياً في مركز الشرطة بعد أن اقتيد إليه مكبلاً بالسلاسل. في الطريق من البار وحتي المركز باءت كل محاولاته للاستفسار من الشرطي الذي

المحـتــوي

لشدة ما ألم به انفجر باكياً في مركز الشرطة بعد أن اقتيد إليه مكبلاً بالسلاسل. في الطريق من البار وحتي المركز باءت كل محاولاته للاستفسار من الشرطي الذي ألقي القبض عليه عن الأسباب التي دفعته للإقدام علي مثل هذا الإجراء ضده. الشرطي أبلغ رؤساءه أنه ألقي القبض علي هذا الشاب بعد أن سمعه يتحدث في هاتفه النقال باللغة العربية، فظن أنه فدائي فلسطيني يعتزم تفجير نفسه في نزلاء البار، فألقي القبض عليه للتحقيق معه. سرعان ما أطلق سراح هذا الشاب «العربي»، بعد أن تبين أنه قائد لأحد أكثر ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي نخبوية. هذا ما حدث في سبتمبر من العام الماضي، في مدينة «نهاريا»، شمال إسرائيل، للعقيد عماد فارس، الدرزي، الذي يقود لواء «جفعاتي». هذا اللواء الذي أخذ علي نفسه قمع الانتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة. فعندما تنقل وسائل الإعلام خبر عملية اقتحام، أو قتل، أو تدمير للمنازل، قام بها جيش الاحتلال في قطاع غزة، فبشكل تلقائي يعرف أن لواء «جفعاتي»، بقيادة العقيد عماد فارس، هو الذي نفذها. فهذا الشاب الذي تجاوز بقليل سن السادسة والثلاثين، لم تغفر حقيقة خدمته في صفوف الجيش الإسرائيلي ثمانية عشر عاما ً حتي الآن، فيقاد إلي مخفر الشرطة لكونه تلفظ بكلمات بالعربية في مكان كل من يتحدث فيه العربية يثير الشبهات. هذا أحد أعراض أزمة الهوية المتفاقمة التي يعيشها آلاف العرب الفلسطينيين من أبناء الطائفة الدرزية في الدولة العبرية. فمن ناحية يؤدي الدروز كل «الواجبات»، التي يؤديها اليهود لدولة إسرائيل، وعلي رأسها الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي مع كل ما يقتضيه ذلك من التصادم مع أبناء شعبهم، ومن ناحية ثانية تتعامل الدولة العبرية مع الدروز كما تتعامل مع بقية العرب الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر في كل ما يتعلق بـ «حقوق المواطنة»، مع كل ما يعنيه هذا من إجحاف علي كل المستويات. وقد بدأ أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل يشعرون أن خدمتهم في الجيش الإسرائيلي، وهلاك المئات منهم في الحروب التي خاضتها إسرائيل لم يقنع دائرة صنع القرار في الدولة العبرية بإنصافهم ومساواتهم علي الأقل باليهود الذين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، من أمثال أتباع التيار الديني الأرثوذكسي. إزاء هذا الواقع فإن الكثيرين من المثقفين الدروز أخذوا ينادون علناً برفض الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي وحل إشكالية الهوية القومية للدروز في إسرائيل بإعادة الالتحام بالبعد القومي العربي والوطني الفلسطيني، لدرجة أن حسين عباس، هو درزي خدم في الجيش الإسرائيلي ثلاثين عاماً، حتي حصل علي رتبة عميد يقول «أن ممارسة الإجراءات العنصرية ضد الدروز جعلتني أشعر بعد هذه الخدمة الطويلة في الجيش الإسرائيلي أني عربي رغم أنفي، ولذا فإني لن أجعل أياً من أبنائي يخدم في هذا الجيش مهما كان الثمن». جذور الأزمة: في العام 1956 أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دفيد بن جوريون قراراً بصفته وزيراً للدفاع يلزم أبناء الطائفة الدرزية بالخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي، ومنذ ذلك الوقت والشباب الدرزي يخدم في معظم وحدات الجيش الإسرائيلي المقاتلة. فلماذا وافق الدروز علي دفع هذه الضريبة الدموية؟ وكيف استطاعت إسرائيل أن تقنع الدروز بعقد حلف الدم هذا معها؟. يقول سليمان الناطور، وهو كاتب وأديب درزي من ذوي التوجهات الوطنية والعروبية «أن هذا يعود لكون الدروز أقلية هامشية، وقد اعتقد قادتها التقليديون أن هذا يتطلب منهم البحث عن جهة أجنبية تمنحهم الحماية من أجل البقاء». ويضيف الناطور «أن الخلافات المذهبية بين الفلسطينيين في ذلك الوقت لعبت دوراً كبيراً في خلق هذا الواقع، فالطائفة الدرزية هي طائفة مذهبية صغيرة تعيش في وسط إسلامي كبير لم يكن يرضي عن طقوسها وعاداتها الدينية، الأمر الذي تولد عنه احتكاكات شعر الدروز علي أثرها، بحاجة إلي من يدعمهم في مواجهة الأغلبية الإسلامية». ويواصل الناطور «أن أقطاب الحركة الصهيونية فطنوا إلي حقيقة الخلافات المذهبية بين الدروز وباقي العرب الفلسطينيين، فاتصلوا بهم من أجل تعميق هذه الخلافات وتشعيبها وأقاموا معهم علاقات حميمة، وقد برز من بين القادة الصهاينة في هذا المجال «أبا حوشن»،رئيس بلدية حيفا، في ذلك الوقت الذي أقنع الكثيرين من الدروز بالتعاون مع المنظمات الصهيونية العسكرية قبل الإعلان عن الدولة العبرية وخصوصاً «الهاجناة». وبعد إقامة الدولة العبرية، صادرت الحكومة الإسرائيلية معظم الأراضي التي تعود للدروز، فحرموا من مصدر رزقهم الوحيد: الزراعة، وبذلك وجد الدروز في الخدمة في الجيش الإسرائيلي مصدراً للرزق، حتي أن الكثيرين من القيادات الدرزية قد وقعت في العام 1955علي عريضة تطالب الحكومة الإسرائيلية بفرض الخدمة الإجبارية علي الدروز، وهذا ما كان في العام الثاني. وكما يقول الصحافي الدرزي هشام نفاع فقد أدت خدمة الدروز في الجيش الإسرائيلي لعشرات السنين إلي فقدان معظمهم للشعور بالانتماء للأمة العربية والشعب الفلسطيني. وقد عملت الدولة العبرية علي قتل انتماء الدروز للعروبة والشعب الفلسطيني. فهم لا يعتبرون أن الدروز عرب ولا فلسطينيون، وقد تواطأت قيادة الدروز التقليدية مع الدولة العبرية في ذلك. وأصبحت القيادات الدرزية تشدد علي أن الدروز إسرائيليون وكفي. لكن لم تقتصر جهود الصهاينة من أجل سلخ الدروز نهائيا عن قوميتهم العربية علي التأثير فقط علي القيادات التقليدية، بل قاموا بإعداد خطة منهجية لقتل روح الانتماء بأسس تربوية محددة الأهداف، فألزموا الطلاب الدروز بتلقي مناهج تربوية خاصة، غير تلك التي يتلقاها بقية الطلاب العرب. وكما يضيف الصحافي هشام نفاع فإن هذه المناهج تهدف إلي خلق الشعور لدي الطالب الدرزي أنه ينتمي الي طائفة مستقلة ولا يربطها بالعرب والفلسطينيين أي رابط. فقد درس هؤلاء الطلاب التاريخ الدرزي الذي يركز بشكل خاص علي العلاقة التاريخية الخاصة بين الدروز ودولة إسرائيل. ومع أن العربية لغة الدروز، فقد درسوهم بما يسمي بالأدب الدرزي، حيث كانوا يقدمون الأديب والشاعر شكيب أرسلان علي أنه أديب

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions