حرب تغيير الشرق الأوسط بالقوة سبتمبر 2006

سلامة أحمد سلامة

كثيرون تخيلوا، حتي خيل لهم، أن مآسي الصيف تأتي وتذهب مثل سحابة عابرة، تتبدد تحت وطأة القيظ اللاهب الذي تشعه حرارة الكون. ولكنهم لم يتخيلوا ــ مهما اشتط

المحـتــوي

كثيرون تخيلوا، حتي خيل لهم، أن مآسي الصيف تأتي وتذهب مثل سحابة عابرة، تتبدد تحت وطأة القيظ اللاهب الذي تشعه حرارة الكون. ولكنهم لم يتخيلوا ــ مهما اشتط بهم الخيال ــ أن النكبة القاسية التي حلت بلبنان والمنطقة العربية لن تدع أحدًا يهنأ ــ علي المدي الطويل أو القصير ــ بما تحمله أيام الصيف عادة من متع الإجازة والاسترخاء والعبث علي شواطئ البحر.. فقد أمطرت سحب الصيف التي غطت البحر والبر بآلاف القاذفات والقنابل والصواريخ الإسرائيلية أرجاء لبنان.. لم تدع مدنيا ولا جهاديا، ولا طفلاً ولا شيخًا، ولا شيعيا ولا سنيا ولا مارونيا إلا سعت لسحقه وتدميره. وفرضت السفن الحربية وقاذفات القنابل الإسرائيلية والأساطيل الأمريكية حصارًا عسكريا وسياسيا ونفسيا علي المنطقة العربية لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث، حتي عندما احتلت القوات الإسرائيلية لبنان عام 1982 ونزلت قوات المارينز علي شواطئ بيروت عام 1983 . ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي تسقط أقنعة الزيف والخديعة والادعاء فيها عن النظم العربية التي لم تجد وسيلة لإخفاء ضعفها إلا بالالتزام بالصمت المطبق، وحتي حين تحركت بعد أكثر من أسبوعين من بدء الهجوم الإسرائيلي علي لبنان، لم تكن علي وعي بأبعاد المؤامرة والأطراف المشاركة فيها والأهداف التي تعمل علي تحقيقها. ففي اللحظة التي تخلي فيها العرب عن تقرير مصائرهم بأنفسهم، أعطوا للآخرين صكًا علي بياض يحددون فيه مستقبل المنطقة طبقًا لمنطق الأقوي، والأكثر قدرة علي تحقيق أهدافه.. وليس طبقًا لادعاءات تاريخية حول حقوق واستحقاقات عربية يمكن الجدل حولها، بل ويمكن تأويلها واختزالها، ثم إسقاطها كلية في بحر النسيان بما يشبه الإجماع الدولي.. وهو ما حدث في الكارثة الأخيرة. ولهذا السبب لم يكن غريبًا أن تتكشف أحداث لبنان عن اتفاق أمريكي إسرائيلي علي إعادة طرح «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، الذي أشارت إليه كوندوليزا رايس عندما وصلت بعد بدء الهجوم الإسرائيلي إلي المنطقة لتتفقد النتائج العسكرية المنتظرة والمدة اللازمة لإكمال المرحلة الأولي منه في حرث الأرض وتجهيز المنطقة وإزالة العقبات التي ظهرت في المقاومة العنيفة الباسلة غير المتوقعة من جانب قوات حزب الله.. وذلك علي الرغم من استخدام الجيش الإسرائيلي ــ المزود بقدرات استخباراتية أمريكية وغربية ــ لأقصي ما لديه من قوة قصف نيرانية وتدميرية، عجزت عن إنزال هزيمة سريعة ساحقة بحزب الله، كما كان متوقعًا لدي بداية الهجوم، كما عجزت عن إشعال حرب أهلية لضرب نفوذ الشيعة في لبنان. يبدو واضحًا أن كوندوليزا رايس كانت تتحدث عن استكمال الخطة التي بدأت بغزو العراق، والتي ما فتئت إدارة الرئيس بوش تري فيها مفتاحًا لإحداث التحول المأمول في الشرق الأوسط وفي العالم العربي والإسلامي. ومازالت الفكرة الرئيسية المسيطرة علي رأس بوش وبلير هي أن الغرب يواجه بصفة أساسية الإسلام الراديكالي أو الراديكالية الإسلامية التي تدور رحي المعارك ضدها في العراق. وهو ما أكده بلير في مؤتمر صحفي علق فيه علي تصريحات السفير البريطاني وليام باتي في بغداد، وقال فيها إن العراق أقرب إلي الحرب الأهلية والتقسيم منه إلي الديمقراطية. ثم أكده الرئيس بوش في تصريحاته عن «الفاشية الإسلامية» التي تعادي أمريكا. ولا يمكن في هذا السياق فصل الحرب الأمريكية في العراق عن الحرب الإسرائيلية في لبنان. فلقد تغير الموقف الأوروبي تغيرًا جوهريا عما كان عليه إبان حرب العراق. ونجحت إدارة الرئيس بوش في ولايته الثانية في تضييق هوة الخلاف بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين، فلم يعد الخلاف يدور حول الحاجة الملحة إلي إحداث تغيير جذري في المنطقة العربية والشرق الأوسط، بل في الوسائل والأساليب التي يمكن استخدامها للوصول إلي أهداف متفق عليها، تسمح بإحداث تحولات تدريجية، دون أن تؤدي إلي هدم النظام الدولي أو هدم النظم العربية نفسها وخلق حالة من الفوضي كما حدث في العراق. ويكاد يكون ثمة إجماع أمريكي أوروبي الآن علي انتهاج سياسات متناسقة لعزل قوي التطرف الراديكالي الإسلامي، من أمثال حزب الله وحماس والفصائل الفلسطينية الرافضة، وإقصائها عن مجالات التأثير السياسي والإقليمي وعدم الاعتراف بها مهما كانت قوتها، بل ومحاربتها باعتبارها منظمة إرهابية. وبالتالي عزل نظم الحكم التي تؤيدها مثل سوريا وإيران. وحتي أحداث سبتمبر 2001 لم يكن التعامل مع حزب الله وحماس وغيرهما من المنظمات والفصائل الفلسطينية جزءًا من الحملة علي الإرهاب وبالأخص في أوروبا، بل اعتبر «حزب الله» جزءًا من التشكيلة السياسية اللبنانية التي تميز التعددية الديمقراطية في لبنان. وسمحت فرنسا ودول أوروبية عديدة لقناة «المنار» بالبث فيها، واكتسب حزب الله وضعًا سياسيا مهمًا حين نجحت قواته في طرد الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، وأعقب ذلك خوضه للانتخابات البرلمانية في مرحلة اعتبرت مقدمة لتحوله إلي حزب سياسي. وكذلك كان الحال مع حماس إلي حد كبير. ولكن هذا التطور لم يستمر طويلاً، بعد أن أجهضته الإدارة الأمريكية الخاضعة لنفوذ اليمين الصهيوني. فشددت حملتها ضد الإرهاب كوسيلة لإحداث الإصلاح الجذري المطلوب في الشرق الأوسط. واستجابت للمطالب الإسرائيلية بعزل الفصائل التي تتخذ من المقاومة شعارًا لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وضرب ما تعتبره إسرائيل مصدرًا لتهديد أمنها وسلامتها، خصوصًا أن السياسة الإسرائيلية منذ ولاية شارون انتهجت أسلوبًا للردع والقمع المنظم الذي يقوم علي تصفية واختطاف وتدمير المواقع والأشخاص والكوادر التي تنشط أو تجاهر بالعداء لمخططات الفصل العنصري من جانب واحد. ولم تغير تل أبيب سياستها العدوانية حتي بعد موت عرفات وصعود أبو مازن الذي انتهج سياسة المهادنة والمواربة دون جدوي. غير أن عاملين مهمين أسهما في تحول الموقف الأوروبي إلي احتضان السياسة الأمريكية القائمة علي توظيف الإرهاب بدعوي محاربة الإرهاب: * العامل الأول: هو وقوع تفجيرات مدريد ولندن التي شاركت فيها عناصر إسلامية متهمة بالانتماء إلي تنظيم القاعدة.. وهي عمليات لم يستفد منها غير واشنطن،

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions