الطبعة السادسـة..مــاذا حدث للمصريين ؟

جلال أمين القاهرة 19 أكتوبر 1997

فى سنة 1996 فتحت مجلة الهلال ملفا بعنوان «ماذا حدث للمصريين؟» طلبت فيه من عدد من كتّابها أن يدلى كل منهم بدلوه فى الإجابة عن هذا السؤال، من أى زاوية يشاء،

فى سنة 1996 فتحت مجلة الهلال ملفا بعنوان «ماذا حدث للمصريين؟» طلبت فيه من عدد من كتّابها أن يدلى كل منهم بدلوه فى الإجابة عن هذا السؤال، من أى زاوية يشاء، إذ قدّرت المجلة أننا، ونحن على أعتاب القرن الواحد والعشرين، يجدر بنا أن نتأمل ما طرأ على الحياة الاجتماعية فى مصر من تغيرات، وأن يحاسب المصريون أنفسهم على ما ارتكبوه من أخطاء، على أمل أن يبدأوا صفحة جديدة فى القرن الجديد يحققون فيها ما فشلوا فى تحقيقه من قبل. وقد رحّبت بالمساهمة فى النقاش، واخترت أن أكتب عما طرأ على مركز المرأة فى مصر خلال الخمسين عاما الماضية، من خلال ما حدث من تطورات لمستها من خبرتى أنا الشخصية، فقارنت بين مركز ثلاثة أجيال من النساء فى أسرتى : جيل أمي، وجيل أختي، وجيل ابنتي. وحاولت أن أفهم الخاص من خلال العام، والعام من خلال الخاص، إذ مزجت بين تجربة أسرتى الخاصة بتجربة المجتمع المصرى بصفة عامة، ووجدتهما، كما توقعت، متطابقتين. وقد شجعنى ذلك، كما شجعتنى أهمية الموضوع، على أن أتناول ناحية بعد أخرى من المجتمع المصرى فأتتبع تطوره فى الخمسين عاما الماضية، هى عمر وعيى وإدراكى لما يحدث حولي، مازجا دائما بين تجاربى الشخصية وما أعرفه من دراستى الأكاديمية للاقتصاد والمجتمع المصري. وقد خرجت من ذلك بحصيلة من المقالات وجدتها جديرة بالجمع والنشر فى مجلد واحد. على أنى كنت كلما كتبت مقالا جديدا فى هذه السلسلة استرعى انتباهى بشدة ما أجده من أثر عميق لما يسميه علماء الاجتماع «الحراك الاجتماعي»، على كل جانب تقريبا تناولته فى هذه المقالات من جوانب المجتمع المصري، وكأن هذا العامل، الحراك الاجتماعي، هو العامل الأساسى الذى حكم تطور المجتمع المصرى خلال نصف القرن. والحقيقة أننى لم أتعجب من هذا، فالحراك الاجتماعي، أى ما يطرأ على المركز النسبى للطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة، صعودا وهبوطا، ظاهرة شديدة الصلة ببعض من أقوى النوازع الاجتماعية، كالرغبة فى اكتساب احترام وتقدير الآخرين، أو الرغبة فى التفوق على الآخرين، أو الرغبة فى إشباع الميل إلى السيطرة، أو الخوف من فقدان كل ذلك. فظاهرة الحراك الاجتماعى قد يكون لها فى تفسير تطور المجتمعات ما لهذه النوازع الطبيعية من أهمية فى تفسير السلوك الفردي. أضف إلى هذا أن فترة الخمسين عاما الماضية شهدت معدلا للحراك الاجتماعى لعله أعلى مما شهدته مصر طوال تاريخها الحديث كله على الأقل. هذا الخيط المتصل الذى وجدته يربط بين معظم هذه المقالات التى كتبتها لمجلة الهلال خلال العامين 96 ــ 1997، ذكّرنى بمقالات قليلة أخرى كنت قد كتبتها من قبل عن ظاهرة الحراك الاجتماعى فى مصر فى نصف القرن الماضي، فرأيت من المناسب أن أضم هذه إلى تلك، أملاً فى أن يؤدى هذا الضم إلى إلقاء صورة أوضح وأدق وأشمل، من مقالات الهلال وحدها. هذا إذن هو مضمون هذا الكتاب. سوف يجده القارئ مزيجا من التحليل الأكاديمى والانطباعات الشخصية، وهو مزج من شأنه فى رأيى أن يزيد من فهمنا لظاهرة أعتبرها من أهم الظواهر التى شكّلت التاريخ الاجتماعى المصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين، إن لم تكن أهمها على الإطلاق.

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions