فـى البلدان الإسـلامية لمـاذا تغـيب الديموقراطية؟



عندما كنت أنهى إجراءات الجوازات للسفر من لندن إلى إدنبرة، سألنى أحد موظفى الجوازات: يا چون «ما الذى ستعمله فى إدنبرة؟» ولما سمع إجابتي: «سألقى محاضرة رئيسة فى مؤتمر عن الإسلام والديمقراطية»..ابتسم وقال: «ستكون تلك محاضرة وجيزة!».
صادفتْ تعليقاته قناعة لدى الكثيرين فى الحكومة، ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام؛ بأن الإسلام أو المسلمين لا يتوافقون بحكم طبيعتهم مع الديمقراطية. وقد دعم هذه النظرةَ النقادُ الأكاديميون وموظفو الحكومة فى أنحاء أوروبا والولايات المتحدة.
كتب «فرانسيس فوكوياما» بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر؛ وهو من المُنظِّرين المحافظين الجدد السابقين:
«للحداثة أساس ثقافى. ولا تنجح الديمقراطية الليبرالية والأسواق الحرة فى كل مكان. فهى أنجح ما تكون فى المجتمعات التى تملك قيمًا معينة، ربما لا تكون أصولها منطقية تمامًا. وليس من المصادفة أن الديمقراطية الليبرالية الحديثة قد نشأت أولاً فى الغرب المسيحي؛ حيث إن العالمية فى الحقوق الديمقراطية يمكن اعتبارها صورة علمانية من المسيحية العالمية. ولكن يبدو حقا أن هناك شيئًا عن الإسلام، أو على الأقل فيما يخص الصور الأصولية للإسلام، التى ظلت سائدة فى السنوات الحديثة، مما يجعل المجتمعات الإسلامية مقاومة للحداثة بصفة خاصة».
لقد استخدم «تونى بلير» (Tony Blair) الحجة التالية لتبرير غزو العراق:
«يواجه هذا العالم الجديد تهديدًا جديدًا من الفوضى والاضطراب نتيجة للدول القاسية مثل العراق، المسلحة بأسلحة الدمار الشامل، أو الجماعات الإرهابية المتطرفة. وهم جميعًا يكرهون طريقتنا فى الحياة وحريتنا وديمقراطيتنا».
إن جماعة متنوعة من موظفى الحكومة وأعضاء الكونجرس والنقاد تردد آراء الخبراء الأكاديميين من أمثال «صمويل هانتنجتون» (Samual Huntington) و«برنارد لويس» (Bernard Lewis)؛ التى تحذر من أخطار «صدام الحضارات» ولهذا الاعتقاد جذور عميقة بين صناع القرار والخبراء، وهو استجابة بصفة جزئية لبعض الحقائق السياسية فى العالم الإسلامي:
* من كل أربع دول أغلب سكانها مسلمون، توجد دولة واحدة تنتخب حكوماتها بطريقة ديمقراطية.
* الحكام فى عدد من الدول الإسلامية التى تدّعى إجراء انتخابات ديمقراطية يفوزون فى انتخابات الرئاسة بصورة روتينية بنسب تقريبية تتراوح بين 90% و9،99%. وقد فاز رئيس تونس «بن علي» بنسبة 4،99% من الأصوات فى انتخابات الرئاسة فى عام 1999، وبنسبة 94.5% فى عام 2004 . وفى مصر فاز الرئيس حسنى مبارك بنسبة 94% فى عام 1999، وبنسبة 6،88% فى عام 2005 من أصوات الناخبين.
* إن أغلب الحكومات الإسلامية تسيطر على الأحزاب السياسية المعارضة، والمنظمات غير الحكومية، وتحدّد نشاطها بصورة قاسية. ولها سلطة الترخيص لها أو منعها وحلِّها، وكذلك تتحكم فى قدرتها على عقد الاجتماعات العامة والاتصال بوسائل الإعلام.
فى عام 2001 على سبيل المثال، وبعد عامين من اعتلاء الملك عبد الله عرش الأردن، قام بحلّ البرلمان عند نهاية مدته؛ واستخدم «الأمن» تبريرًا لتأخير الانتخابات طوال عامين آخرين. وقد ألغى الرئيس المصرى حسنى مبارك الانتخابات البلدية المقررة فى ربيع 2006فجأة؛ خوفًا من تنامى شعبية الإخوان المسلمين، بعد أن فازوا بخُمس المقاعد فى الانتخابات التشريعية فى عام 2005. ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين لا تزال محظورة بصفة قانونية فى مصر، فلا بد أن يتقدم مرشحوها باعتبارهم مستقلين. وإذا كانت الانتخابات قد أجريت فى المملكة العربية السعودية فى عام 2005 لانتخاب أعضاء المجالس البلدية، فإن المجالس قليلة السلطة، أو لا سلطة لها. ولم تتحقّق إصلاحات كثيرة وعد بها كبار الأمراء.
فى مقابل هذه الخلفية، أشار الرئيس چورچ بوش إلى الاهتمام بنقص الديمقراطية فى العالم الإسلامي، واعتبر التحول الديمقراطى هدفًا رئيسًا للسياسة الخارجية الأمريكية، بناء على أسباب جيدة. فالديمقراطيات أكثر استقرارًا من الدكتاتوريات. والديمقراطيات المستقرة تُقَلِّل الظروف التى تُفرِّخ الصراع السياسى والراديكالية والعنف والإرهاب.
إن سـياسة الولايات المتحدة نحـو الديمقراطية فـى الشرق الأوسـط تتـفق فعـلاً مـع عواطـف الأغلـبية الهائـلة من أولئك المشاركين فـى الاستفتاء؛ الـذين يقـولون إنـهم معجبـون بالحـريات السياسية فـى الغرب، ويقدّرون حق تقرير المصير، ويرغبون فى المـزيد منه. ولكـن إذا كانت الـرغبـة فى الديمقراطية لا جدال فيها؛ فلماذا لم يكن الطـريق إليها إذًا أيسر وأسرع؟ إن استفتاء «جـالوپ» العـالمى عـن آراء المشـاركين فى الديمقراطية والسياسة الخارجية الأمريكية يقدم اتجاهات مهمة عن الآراء المشتركة والفوارق المميزة فى التوقعات والأهداف والطرق الواصلة إلى هناك.
إذا كان نشر الديمقراطية هو الهدف المقرر للحكومة الأمريكية، فإن الأغلبية فى الأردن ومصر وإيران وباكستان وتركيا والمغرب لا توافق على جدّية الولايات المتحدة فى نشر الديمقراطية فى مناطقها من العالم.
إن التغير الحديث فى كلام إدارة بوش عن نشر الديمقراطية فى العالم العربى يبدو أنه يدعم هذه الاتجاهات، وخاصة عند اعتبار زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندوليزا رايس» (Condoleeza Rice) للشرق الأوسط فى يناير 2007 . وقد ألغت رايس قبل سنتين زيارة مقررة إلى مصر، احتجاجًا على اعتقال أيمن نور؛ وهو من الزعماء السياسيين الديمقراطيين الليبراليين. وبعثت رايس برسالة: «إن إدارة بوش جادة فى دفع الإصلاح الديمقراطى فى العالم العربي». وعندما زارت مصر فعلاً فى أوائل عام 2006 ، فإنها أنفقت أغلب الوقت فى مناقشة حاجة مصر إلى دفع الديمقراطية والإصلاح. ولما عادت رايس إلى تلك الدولة بعد عام، فإنها على كل حال لم تذكر عَلَنا تراجع مصر عن الديمقراطية والإصلاح. كان نور أقرب المتَحدِّين للرئيس فى انتخابات الرئاسة فى عام 2005 ، ولكنه سُجِن مرة أخري، وتراجعت البلاد عن التقدم الذى أحرزته فى حرية المعارضة والتعبير. وقد وصفت رايس نظام التسلط فى مصر بدلا من ذلك بأنه جزء من «علاقة إستراتيجية مهمة، نقدّرها تقديرًا عظيمًا».
إن اتجاه إدارة بوش فى إستراتيجيتها الجديدة فى الشرق الأوسط هو تدعيم التحالفات التاريخية للولايات المتحدة مع الأنظمة العربية السُّنية الاستبدادية؛ التى كانت سياستها القمعية مدعاة للوم فى التشجيع على التطرف، وأمثال القاعدة. والآن تصف رايْس حكام مصر والأردن والإمارات الست الخليجية وهم من أصحاب الحكم المطلق بأنهم «زعماء مسئولون»؛ لأنهم ينشئون القوة الدافعة فى التحالف ضد إيران فى المنطقة.
ينعكس الغضب من سياسة الولايات المتحدة فى المنطقة فى الصحافة العربية.
يقول الصحفى اللبنانى «ميشيل يونج» (Michael Young):
«إن جدول الأعمال الأمريكى قد تغيّر تمامًا، فالذى كان مفروضًا للعراق أن تتحول إليه قد حلّ محلّه جدول أعمال جديد كليّّا، يحتوى على إيران وحلفاء إيران... لقد انتهت المناقشة حول الديمقراطية اليوم... وإنى آسف لذلك».
فى أعقاب الصراع بين إسرائيل وحزب الله فى لبنان فى عام 2006، وبعد قرار الولايات المتحدة قطع المساعدة لحكومة فلسطين بعد انتخاب حماس زاد اعتراض الصحافة العربية فى الإشارة إلى «المقاييس المزدوجة» للولايات المتحدة فى دعمها للديمقراطية. وقالت افتتاحية فى صحيفة سورية باللغة الإنجليزية هى «سيريان تايمز» (Syrian Times): «إن بوش ومساعديه المحافظين الجدد مازالوا مُصمّمين على حرب العالم كله باستخدام الشعارات الكاذبة والنفاق. وهم فى الممارسة العملية، يقفون بعيدا عن مبادئ الحرية والاستقلال والديمقراطية».
وكتب عز الدين درويش فى «تشرين» السورية:
«تريد الإدارة الأمريكية فى لبنان أن تستأصل المقاومة من خلال التدخل فى النسيج اللبنانى وإحياء الصراع بين الطوائف والمتعصبين. إنها تريد دفع تجار السياسة والحروب إلى المقدمة، واستخدام الضغط على المستوى العربى والدولى لفرضهم حكامًا على لبنان».
اتهم تعليق درويش كذلك الولايات المتحدة بالتدخل فى السياسة الفلسطينية حتى تضمن انتصار فتح على الرغم من دعم الناخبين لحماس:
«فى المناطق الفلسطينية تريد هذه الإدارة أن توقف التفاعل بين الزعماء والجذور الشعبية، وتحاصر المقاومة، وتدق إسفينًا بين الحكومة المنتخبة والناس،على توافق مع خطط الاحتلال الإسرائيلى. كانت النتيجة هذه الحرب بين الإخوة».
ومع ذلك، فعلى الرغم من أن الكثيرين لا يؤمنون بأن الولايات المتحدة جادة فى الديمقراطية فى هذه المناطق، فإن كثيرين فى العالم الإسلامى يقولون إن الحرية السياسية والتحرر، وحرية التعبير هى أكبر ما يدعو إلى إعجابهم بالغرب. وتربط نسبة كبيرة بين «النظام القضائى العادل» و«المواطنين الذين يتمتعون بحريات عديدة» وبين المجتمعات الغربية.
إن نقص الوحدة والفساد السياسى والاقتصادى والتطرف هو أقل ما يدعو إلى إعجاب الكثيرين بالعالم العربى والإسلامي، فى الوقت نفسه.


الديمقراطية والإسلام

يختلف الكثيرون فى العالم الإسلامى والغرب حول الطرق للوصول إلى الحكم الديمقراطى. ومازالت هناك أسئلة مهمة: كيف يمكن أن تزدهر الديمقراطية فى بلاد تكون ثقافتها استبدادية؟ هل يمكن أن توجد الديمقراطية حيث يتشابك الدين والسياسة؟ إن الانتصارات الانتخابية للشيعة فى العراق، وحماس فى فلسطين تبدو مخالفة للديمقراطية الغربية فى الفصل بين الدين والدولة. هل يمكن أن نحصل على الديمقراطية والشريعة؟
وعلى الرغم من أن كثيرًا من المسلمين والحكومات الغربية يتحدثون عن الديمقراطية، فإن حق تقرير المصير لا يستدعى الفصل بين الدين والدولة، كما يفهمه أغلب أولئك المشاركين فى الاستفتاء. وتبين بيانات الاستفتاء أن أغلبية كبيرة من المشاركين فى بلاد الاستفتاء تذكر الأهمية المتساوية للإسلام والديمقراطية باعتبارهما من الأمور الأساسية من أجل رفعة حياتها ومستقبل التقدم فى العالم الإسلامى. كان الإسلام والسياسة مختـلطين فى مصـر والمغـرب وتركيا والأردن إلى باكستان والملايو وإندونيسيا، حيث نجح المرشحون الإسلاميون والأحزاب الإسلامية فى الانتخابات القومية والمحلية.
أظهرت الاستجابات فى الاسـتفتاء كذلك دعمًا شائعًا للشريعة، بالإضافة إلى الدعم القوى للإسلام والديمقراطية. وتمثل الشريعة شيئًا مختلفًا جدّا عند كثير من المسلمين، وتعتبر عادة فى الغرب قانونًا قاسيّا بدائيّا. تعنى الشريعة حرفيا «الطريق إلى الماء»، ولكنها تعنـى «السبيل إلى الله» عند استخدامها فى نطاق ديني، وهى تمثل سبيلاً إلى الهداية الروحية والاجتماعية معًا. إن الشريعة تمثّل البوصلة الأخلاقية للحياة الشخصية والحياة العامة للمسلم. ما الذى يطلبه المسـلمون على ذلك حين يقولون إنهم يريدون الشريعة مصدرا للتشريع؟ إن الإجابة عـلى هـذا السـؤال تبلـغ من التـنوع مثـل ما يبلغه المجتمـع الإسـلامى.
إن مبادئ الشريعة يمكن استخدامها تاريخيًا لتحديد قوة السلطان. كتبت الشيخة ساجدة وهى من الكاتبات المسلمات فى صحيفة الجزيرة ما يلى فى أكتوبر من عام 2006:
«من المنطقى تطبيق قانون الشريعة فى الدول العربية والإسلامية؛ حيث تكون أغلبية السكان من المسلمين. إنها الطريقة الوحيدة للمسلمين حتى يهربوا من الدكتاتورية والقمع عند بعض الحكام العرب؛ الذين يُفضّلون المصالح الشخصية على ما هو أفضل لشعوبهم».
تستمر ساجدة فى الإجابة على سؤال مُرسَل إلى قسم «دعونا نتحدث»:
«يدعو الإسلام إلى العدالة، ولا أرى تعارضا بين الشريعة الإسلامية والحقوق الإنسانية. إن تطبيق الشريعة الإسلامية فى الدول الإسلامية يؤدى على النقيض إلى ضمان الحقوق الإنسانية ضد قمع بعض الحكام العرب، الذين يركّزون اهتمامهم على كيفية استغلال نفوذهم إلى أقصى حد، قبل فقدان العرش».
عندما أعلنت ولاية «كانو» فى نيجيريا لأول مرة أنها ستطبق الشريعة فى عام 2000 مثلا، فقد تجمع الكثيرون من النيجيريين للاحتفال بالقرار فى الأماكن الرئيسة للصلاة فى العاصمة. وقال حسن دامبابا، وهو مدرس كان حاضرًا فى حفلة الإعلان: «إنه تحقيق أحلامنا. نستطيع الآن أن نمارس ديانتنا كما يجب علينا».
اتجه انتباه العالم إلى نيجيريا فى عام 2002 عندما حُكم على سيدة نيجيرية فى الثلاثين من عمرها تسمّى «أمينة لاوال» بالموت رجمًا بالأحجار. وحكمت عليها المحكمة الإسلامية بالزنى نتيجة حملها خارج الزواج، وعقوبته الرجم، بينما أطلق سراح الرجل المتهم بالاتصال الجنسى معها، نظرا لغياب أربعة شهود. وإذا كانت مثل هذه الحالات تمثّل فى الغرب الشريعة، فإن كثيرين من المسلمين يعتقدون أن هذه الحالات تعكس ابتعادًا عن روح الشريعة الحقيقية. وكتبت افتتاحية فى الصحيفة الغانية (Ghanaian chronicle):
«حاول بعض من يُسمَّون بعلماء المسلمين أن يُبرروا الرجم على أساس انطباقه على المتزوجين من الخائنين والزّناة. كيف حدث على كل حال ـ فى حالة «أمينة لاوال» أن المحكمة الشرعية فى «كاتسينا» لم تُصدر حكمًا على الرجل الذى كان سببًا فى حمل «أمينة لاوال»؟ لماذا تخلق انطباعًا بألا عدالة للنساء فى الإسلام؟ لقد كان هناك بصورة واضحة عوامل مجتمعة من ممارسات ما قبل الإسلام، والتحيّز الرجالي، والجهل المجرد والتعصب».
حكمت محكمة الاستئناف الشرعية بنقض إدانتها فى عام 2003 . وتبعا لأربعة قضاة من خمسة، فإن الحكم الأصلى قد خرق بعض مبادئ الشريعة الإسلامية؛ لأنه لم يحقق شرطًا فى وجود ثلاثة قضاة محليين للاستماع إلى قضيتها؛ حيث حضر واحد فقط عند إدانتها، ولم يتيسر للمتهمة الحق فى الدفاع القانونى السليم، كما أن دليل القرائن، وهو فى هذه الحالة حملها، لا يُعتبر دليلاً كافيًا حسب الشريعة الإسلامية.
إن اتهامات العلماء بأن المحكمة الإسلامية فى نيجيريا قد أخذت فى تطبيق الشريعة الإسلامية فى حالة «لاوال» إنما تعكس التفسيرات المتعددة فى نطاق تقاليد الشريعة الإسلامية.
من المحتمل أن يستمر المسلمون فى نيجيريا فى استكشاف المرونة الكامنة فى الشريعة، بينما يطوّرون نظامهم القضائى. وتبعا لبيانات «جالوپ» فإن الشريعة بوصفها مصدرا للتشريع تكسب اليوم دعمًا قويًا من أكثر من سبعة فى كل عشرة مسلمين نيجيريين، الذين يقولون إنهم يريدون أن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع على الأقل، ويريد واحد فى كل خمسة أن تكون المصدر الوحيد. وفى الوقت نفسه، لا يريد واحد فى كل خمسة أن تكون مصدرا للتشريع على الإطلاق.
لو كان الغرب وكثيرون من المسلمين يريدون الديمقراطية للعالم الإسلامي، إذ يعتبرونها قوة للاستقرار ومفتاحا للتقدم فى المستقبل، فإن أسئلة حرجة لا بد من تناولها:
* لماذا تغيب الديمقراطية فى كثير جدّا من بلاد العالم الإسلامي؟ هل يكون الإسلام هو المشكلة؟
* كيف ينظر 3.1 مليار مسلم إلى الديمقراطية؟
* هل يكون دعم أغلبية المسلمين للشريعة سببًا فى هلع الغرب؟
* عندما يعبِّر الرجال والنساء من المسلمين عن رغبتهم فى الشريعة؛ ما الذى يقصدونه؟
* ما هو التفكير الديمقراطى عند المسلمين؟
* إذا كانت الديمقراطية هدفا منشودا عند الكثيرين من المسلمين وفى السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ هل يعتقد المسلمون أن للغرب أى دور يلعبه؟
لماذا تغيب الديمقراطية عن كثير جـدًّا مـن بلاد العـالم الإسـلامي؟
تكمن الإجـابة عـن هـذا السـؤال فـى التاريخ والسياسة أكثر من الدين. كان أمامنا نحن فى الغرب قرون حتى نتقَدّم من الملكيات إلى الدول الديمقراطية الحديثة؛ من مَلَكيات الحق الإلهى إلى دول الأمم الحديثة العلمانية، وقد عانينا أثناء العملية من هروب الثورات والحروب الأهلية. أما الحكومات فى العالم الإسلامى التى تم خلقها فى المقابل بعد الحرب العالمية الثانية، فيبلغ عمرها عقودا من السنين فقط.


من المهم على قدم المساواة أن كثيرين من المسلمين عاشوا قرونًا عديدة تحت حكم الاستعمار الأوربى. وفى منتصف القرن العشرين، عندما أصبحت دول كثيرة تتكون من الأمم، فقد أصبحت القوى الاستعمارية هى التى تحدّد فى الغالب حدودها وتوافق على حكامها. قسّم البريطانيون شبه القارة الهندية فى جنوب آسيا إلى الهند، وإلى باكستان الغربية والشرقية قبيل منحهما الاستقلال، وأصبحت ولاية كشمير التى يغلب المسلمون على سكانها جزءًا من الهند. وشهد العالم بعد الفصل حربا شاملة بين الهندوس والمسلمين، وهجرة الملايين، ثم الحرب الأهلية فيما بعد بين باكستان الشرقية والغربية؛ أدّت إلى خلق بنجلاديش، والصراعات على حكم الهند التى ظلت حتى اليوم.
لقد خلق الفرنسيون فى الشرق الأوسط حدود ما يُعرف الآن بلبنان الحديث، كما وضع البريطانيون الحدود للكويت والعراق، وقسّموا فلسطين وشرق الأردن (الأردن فيما بعد). وأصبح أخوان هاشميان من شبه الجزيرة العربية؛ هما عبد الله وفيصل ملكين على الأردن وسوريا. ثم فيصل ملكا على العراق فيما بعد. وقد ضمّ الأردن فى عام 1950 الضفة الغربية بصفة رسمية، وضاعف عدد سكانه ثلاث مرات، وخلق وضعا تحكم فيه حكومة الأقلية الأردنية أغلبية من السكان الفلسطينيين، يتفوقون على الأردنيين بنسبة 2 إلى 1.
ثم خلع بعض الملوك فى الخمسينيات والستينيات، وحلّ محلَّهم حكام عسكريون أو مجالس عسكرية فى مصر وسوريا وليبيا والعراق. وعلى ذلك، تميّز الشرق الأوسط بانعدام الاستقرار السياسى طوال القرن الماضى على الأقل. ومازالت دول إسلامية عديدة تحكمها ملكيات ودكتاتوريات أو كانت عسكرية فيما سبق.
إن الحدود الاعتباطية والحكام الذين لا يمثلون شعوبهم أنتجوا دولاً من الشعوب الضعيفة، مع حكومات غير ديمقراطية شجعت على ثقافة الاستبداد. وخضعت للدولة أو غابت المنظمات غير الحكومية؛ وهى مفتاح الدعم للديمقراطية (مثل الأحزاب السياسية، والاتحادات التجارية، والخدمات التعليمية والاجتماعية، والنقابات المهنية، ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام). كما عانت دول كثيرة من الفشل الاقتصادى والفساد السياسى. ويجادل كثير من النقاد بأن أوربا وأمريكا أغمضت عيونها عن مثل هذه الأحوال، تدعيمًا للحكام المستبدين فى العالم الإسلامى والأماكن الأخرى لكسب ولائهم أثناء الحرب الباردة، وفى الشرق الأوسط لضمان الحصول على النفط.
إن إيران مَثَل على التأثيرات المعقدة للاستعمار الأوربى. وإذا كانت إيران لم تتعرض أبدا للاستعمار بصورة رسمية، فقد تنافست روسيا وبريطانيا كلتاهما على التأثير فى تلك الدولة. وضع البريطانيون والسوفييت شابًّا صغيرًا جدًّا هو محمد رضا بهلوى على العرش، كى يحلّ محلّ والده، ويصبح الشاه. وفى عام 1951 قام البرلمان الإيرانى ورئيس الوزراء المحبوب والمنتخب ديمقراطيا محمد مصدق بتأميم صناعة النفط الإيرانى. ونجحت وكالات الاستخبارات البريطانية والأمريكية فى خلع مصدق من السلطة فى انقلاب عسكرى عام 3591، وتحولت البلاد إلى الاستبداد تحت حكم الشاه. إن انعكاسات الانقلاب وإسهامه فى الاتجاه المعادى لأمريكا أمكن الإحساس به أثناء الثورة الإسلامية الإيرانية فى عام 9791، واحتلال السفارة الأمريكية.
نظرت إيران مثل أغلب الحكومات المسلمة إلى الغرب لخبرته ونماذجه فى التطور. وعـلى ذلك تبنى الخبـراء الغربيون والنـخبة المسـلمة السـاعية إلى التحديث النموذج الغـربى السـائد: «ينبغى أن تصبح الأمـور أقـرب إلى الغـرب أوالعلمانية فى كل يوم وبكل طريقة». وأدت هذه المعادلة إلى تبنى أساليب الحياة الغربية، والمؤسسـات الغـربية العلمانية السياسية والاقتصادية والتعليمية. وليست الحداثة هى نقل التكنية ببساطة. وإنما هى أن تتغرَّب: أن تلبس الملابس الحديثة (أى الغربية)، وأن تتحدث لغة حديثة (غربية)، وأن تذهب إلى مدرسة أو جامعة علمانية، فيها منهج دراسى حديث (قائم على المنهج الغربي)، وأن تبنى مدنا وضواحى حديثة؛ يخططها فى الغالب مهندسون معماريون غربيون. إن افتراضات نظرية التحديث يطويها عنوان كتاب «دانيل ليرنر» (Daniel Lerner): ذهاب المجتمع التقليدى (The Passing of Traditional Society)واعتقد الكثيرون أن عـلى المسـلمين أن يخـتاروا «مكـة أو الميكنة» (mechanization).
فى استفتاء أجرته الجامعة الأمريكية فى عام 2006 قال طالب مسلم من كينيا عمره واحد وعشرون عامًا: «مازال أعظم تغيير فى مجتمعى هو التغريب على نطاق واسع...؛ أمركة المجتمع. وهو أشد تأثيرًا على الشباب، بدءًا من طريقة تفكيرهم حتى طريقة زيهّم وتصرفهم». واستمر يصف التغيرات بين جيله وجيل آبائه:
«أصبح من الأندر الآن أن تجد شخصًا يجيد لغته الخاصة كما يجيد اللغة الإنجليزية. وتتعرض القيم الاجتماعية للضياع، إذ يسارع الناس إلى ما يرونه أفضل، حيث تتزايد اللا أخـلاقية وإدمان الخمر وأمثـال هذه الرّذائل. وأصبح مـن أصعب الأمور أن تجد إنسانًا يُحسن دينه فى مجتمع أخرج ذات مرة علماء عظماء... تغريب تدريجي، ولكنه أكيد لأناس؛ بعيدًا عما ينتمى حقًا إليهم».
لقد أدهشت الثورة الإيرانية الخبراء وصدمت العالم الغربى فى عام 1979. من يستطيع تفسير سقوط الشاه؛ القوى الذى يرتدى الملابس الغربية، ويتحدث اللغة الإنجليزية، وهو أبو الثورة البيضاء لتحديث إيران؟ كانت فى إيران حملة طموحة للتحديث، موفورة التمويل، ونخبة تعلمت تعليمًا حديثًا، وجيش قوي، وعلاقات متينة مع أمريكا وأوربا، وقوة رئيسة فى إنتاج النفط. أما خصوم الشاه، الذين خَلَوْا من الأسلحة المهمة، فقد اعتمدوا على الخطاب الدينى وشبكة من المساجد للتنظيم والتحريك، وكان يتزعمهم رجل عجوز مُلتحٍ هو آية الله الذى يعيش فى المنفى فى إحدى ضواحى باريس. وقد حققوا مع ذلك نصرًا فى ثورة إسلامية بغير دماء نسبيًا.
من الأمور التى تكاد تخفي، أن وجود الإسلام فى السياسة قد أعيد تأكيده بصورة حادة فى ليبيا والسودان، وامتدادًا إلى باكستان والملايو. إن فشل الحكومات المتعدد فى النواحى السياسية والعسكرية والاقتصادية قد أدّى إلى نفور شائع من اعتمادها المفرط على الغرب. وقد كان هذا التسمم بالغرب متهمًا مسئولاً عن سلب المسلمين من مصدر هويتهم وقيمهم، ومن وحدتهم وقوتهم بناء على ذلك. ونادت الحركات الإسلامية كما نادى الزعماء المسلمون وكثيرون منهم تعلموا تعليمًا حديثًا نادوْا بالعودة إلى صراط الإسلام المستقيم؛ وهو البديل من الرأسمالية الغربية، والماركسية والاشتراكية السوفيتية.
قررت «ليس ماركوس» (Lies Marcoes) التى عملت مع المنظمات الإسلامية للمؤسسة الآسيوية فى جاكارتا حسب ما كتبته فى مقالة فى صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» (Christian Science Monitor)، حيث ذكرت تحولاً واضحًا بين الإندونيسيين نحو الإسلام كاستجابة لفشل حكومتهم. «يرى كثيرون من الناس فشل الحكومة فى تطهير نفسها والقضاء على الرذيلة ومساعدة الفقراء ولذلك سوف يتحول البعض إلى الشريعة باعتبارها الحلّ»، كما قالت.
«على أحمد» الذى يبلغ عمره 26 عاما وهو يعمل مدرسا فى مدرسة الكمال فى جاكارتا، أخبر «كريستيان ساينس مونيتور» أنه صوّت للعلمانية المتعصبة ميجاواتى سوكارنو بوترى فى انتخابات عام 1999؛ لأنه تصور أنها سوف تُنهى الفساد الحكومى الشائن والحكومة المحتقرة. لكن أحمد قال على كل حال إنه أصبح خائب الأمل للغاية فى حكومة إندونيسيا العلمانية:
«إن هذه الحكومة فاشلة تماما، فهم لم يتبنّوا الإصلاح، أو يحموا حقوقنا. القمار والبغاء فى كل مكان. إنى خائب الأمل جدا». قال أحمد إنه ينوى أن يُصوِّت إلى جانب حزب العدالة المزدهر، الذى يفضّل الشريعة الإسلامية الصارمة لإندونيسيا على التنظيمات العلمانية فى البلاد فى الانتخاب عام 2004 . وقال: «إن الشريعة الإسلامية سوف تمحو الفساد. ويبدو أنها الحل الوحيد لمشكلاتنا».
قال طالب من كينيا عمره 21 عاما فى تركيا:
«لقد نجح الإسلام، وهزم مصاعب عظيمة، وأثبت مرة بعد مرة أننا سمعنا الحق عندما قالوا إن الدين هو الإسلام. لقد هيأ الأساس فى كل إنجاز بشرى عظيم، والحل لكل مشكلة إنسانية لا حلّ لها. لكننا فقدنا هذا كله فى وقت معين. إن الشيء الثمين مثلُ الذهب إذا أنت لم تضعه أبدا فى النار، وسَخَّنْته، فلن يكتسب أبدًا ذلك اللمعان الذى يجعله ذهبًا. وكذلك الإسلام؛ شيء طيب ولذلك ينبغى أن يدخل النار، إذا كان له أن يكتشف روحه».
جادل الكثيرون بأن الإخلاص لرسالة الله وبعثته قد أنشأ امبراطوريات وحضارات هائلة؛ بدءًا بالمجتمع الإسلامى فى القرن السابع الذى امتد على مدى أكثر بلاد العالم حتى فجر الاستعمار الأوروبى فى القرن الثامن عشر. وقد استخدمت الدول النفطية الغنيّة الإسلام وثروتها النفطية لنشر نفوذها العالمى إن المخاوف من «الأصولية الإسلامية الراديكالية»؛ كما تبدو فى تصدير إيران للإسلام الثوري، والجماعات المتطرفة مثل جماعة الجهاد الإسلامى فى مصر، والذين اغتالوا رئيس مصر أنور السادات، ونهوض الجهاد الإسلامى الفلسطيني؛ كل أولئك سيطر على الثمانينيات. لكن الذى فات المراقبين هو «الثورة الهادئة»؛ أى وجود تيار رئيس من الحركات الإسلامية الاجتماعية والسياسية غير العنيفة، التى سعَتْ إلى القوة والإصلاح من خلال صناديق الاقتراع لا طلقات الرصاص.
فى أواخر الثمانينيات والتسعينيات وسط ضغط هائل من الاحتجاجات العامة على الاقتصاديات الفاشلة، عقدت الحكومات المسلمة انتخابات محدودة تحت سيطرة الدولة. وذهب الناخبون إلى الاقتراع، ولأول مرة فى بعض البلاد، وأدهشوا كل إنسان عندما خرج المرشحون الإسلاميون والأحزاب الإسلامية فى مقدمة المعارضين. أثبت الإسلاميون أنهم لاعبون سياسيون ناجحون، وانتُخبوا رؤساء ورؤساء وزراء ومحامين وبرلمانيين ووزراء، ورؤساء للمجالس القومية فى بلاد متنوعة؛ مثل مصر ومراكش وتركيا وباكستان والكويت والبحرين والعربية السعودية والعراق وأفغانستان والملايو وإندونيسيا.
لقد هزمت الأحزاب الدينية فى العالم العربى معارضيها العلمانيين هزيمة قاطعة فى غضون السنوات العديدة الأخيرة، حيث أثبت المرشحون الإسلاميون نجاحهم فى الاقتراع. وفى الانتخابات العامة فى العراق عند أواخر عام 2005، كسب التحالف الشيعى 128 مقعدًا من 275 مقعدًا. وفى أول انتخابات فى الأراضى الفلسطينية على مدى عشر سنين هزمت حماس بصورة بالغة الحزب العلمانى الحاكم؛وهو «فتح». وكسبت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة فى مصر نسبة غير مسبوقة؛ هى خُمس مقاعد البرلمان. كما كسب حزب التنمية والعدالة فى تركيا نصرًا كاسحًا فى الانتخابات البرلمانية فى نوفمبر عام 2002، وهو أمر نادر فى الجمهورية العلمانية. وكسب حزب التنمية والعدالة أغلبية من 263 مقعدا، كانت أقل بنسبة أربعة مقاعد من الأغلبية المطلوبة لإعادة كتابة الدستور الذى أصدره الزعماء العلمانيون من قواد الجيش بعد الانقلاب العسكرى فى عام 1980. كما تقدم الإسلاميون بصورة قوية فى العربية السعودية فى انتخابات 2005، حيث كسب الإسلاميون المعتدلون جميع المقاعد فى المجالس البلدية فى مدينتى مكة والمدينة.
تغيّر الموقف فى الفترة الأخيرة على كل حال. إن الحكام بعد الحادى عشر من سبتمبر فى بلاد تمتد من مصر إلى أوزبكستان يستخدمون التهديد من القاعدة والإرهاب الدولي، ويصفون كل معارضة بالتطرف من أجل التحكم فى الانتخابات وتبرير حكوماتهم الاستبدادية. وعلى سبيل المثال؛ فقد وعد الرئيس المصرى حسنى مبارك بإلغاء قوانين الطوارئ سيئة السمعة، عندما رشح نفسه لإعادة انتخابه فى أول انتخابات تتعرض فيه الرئاسة للتحدى أول مرة فى انتخابات الرئاسة فى عام 2005، ولكنه رجع عن وعده؛ نظرا للمسائل «الأمنية». قال الرئيس مبارك إن على المصريين أن يتذكرّوا أنهم يعيشون فى منطقة ملتهبة. «علينا أن نقدّر تعرّض مصر بين حين وآخر للاستهداف». وتسمح قوانين الطوارئ التى ظّلت قائمة منذ جاء الرئيس مبارك إلى السلطة فى عام 1981 بالاعتقالات والاحتجازات.


هل الإسلام هو المشكلة؟ الصـور المتنافسـة

فى الغرب والعالم الإسلامي؟
إن فشل الحكومات واختطاف الحكام والإرهابيين للإسلام، وكذلك الاغتيالات، والهجمات الانتحارية، وايذاء النساء والأقليات قد استوفى ضريبته على المجتمعات الإسلامية، وصورة الإسلام فى الغرب.
أظهر استفتاء أجرته صحيفة «واشنطن پوست» بالاشتراك مع قناة التليفزيون «إيه بى سي» (A.B.C) فى عام 2006 أن نصف الأمريكيين تقريبًا 64% لديهم فكرة سلبية عن الإسلام، بنسبة تزيد 7% عن النسبة الملحوظة بعد بضعة أشهر من الحادى عشر من سبتمبر عام 2001. وتبعًا للاستفتاء، فإن نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الإسلام يشحذ العنف ضد غير المسلمين قد زادت على ضعف النسبة منذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر؛ فارتفعت من 41% فى يناير عام 2002 إلى 33%. وأظهر استفتاء مركز «پيو» (PEW) للاستفتاءات بالمثل أن ثلث الأمريكيين تقريبًا (63%) يقولون إن الإسلام أدعى إلى تشجيع العنف بين أتباعه من الأديان الأخرى.
ترى أغلبية المسلمين الإسلام بأعين مختلفة على النقيض؛ باعتباره دينًا معتدلاً مسالمًا، مركزيًّا فى فهم أنفسهم ونجاحهم. وما زالت أعداد غالبة من المسلمين كما رأينا فى الفصل الأخير تميّز الدين بوصفه مؤشرًا أوليًّا على هويتها، ومصدرًا لهدايتها وقوتها وعاملاً حاسمًا فى تقدمها.
إن أغلب أولئك المشاركين فى استفتاءات «جالوپ» من البلاد التى تكون غالبية سكانها مسلمين (89% فى مصر، و69% فى إندونيسيا و68% فى تركيا) يقولون إن الدين عنصر مهم فى حياتهم اليومية، فيما عدا كازاخستان. هذا يقابل نسبة 86% من المشاركين فى الولايات المتحدة، ونسبة 82% فقط من المشاركين فى المملكة المتحدة، حيث يكون الدين لديهم عنصرًا مهمًا فى حياتهم اليومية.
لكـن الديمقراطية مـع ذلك مـن أكـثر الاستجـابات المقـدمة بوصفها مفتاحًا لمجتمع أكثر عـدالة، وللتقدم. ولما سُـئل المشـاركون نتيجة لذلـك أن يُعلِّـقوا عـلى جـوانب الحياة المهمة عـندهم، فقـد ذكـرت أعـداد كثيرة منهـم حياة دينية روحية ثـريّة، وحكـومة منتخبة بطريقة ديمقراطية؛ على أنها مهمة جدًّا على الأقل.


كيف ينظر 3،1 مليار مسلم إلى الديمقراطية؟

إن الإجابات على أسئلتنا تكشف واقعًا معقدًا مدهشًا؛ إذ هى تعكس قطاعًا متنوعًا من البلاد الإسلامية والطبقات الاجتماعية والفوارق بين الجنسين. والأغلبية الكبرى تقريبًا فى جميع الأمم التى جرى فيها مسح الاستفتاء(59% فى بوركينا فاسو، 49% فى مصر، 39% فى إيران، 09% فى إندونيسيا) تقول إنها لو كانت تُصدر دستورًا لدولة جديدة فإنها تضمن حرية التعبير؛ وتعريفها «السماح لجميع المواطنين بالتعبير عن آرائهم فى الشئون السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة».
على الرغم من أن أولئك المشاركين فى الاستفتاء يعترفون ويُعجبون بجوانب عديدة فى الديمقراطية الغربية، إلاّ أنهم لا يُحبذوّن تبنى النماذج الديمقراطية الغربية بالجملة. يبدو أن كثيرين يريدون نموذجهم الديمقراطى الخاص؛ الذى يشمل الشريعة، لا واحدا يعتمد على القيم الغربية ببساطة. والواقع أن قليلين من المشاركين يربطون بين «تبنى القيم الغربية» وبين التقدم السياسى والاقتصادى للمسلمين. إن التجاوزات السيئة باسم الشريعة لم تنته إلى رفضها بالجملة.
تؤكد بياناتنا على أولئك المشاركين فى بلاد أغلبها من المسلمين إذ يُقدّمون نموذجًا جديدًا للحكومة؛ يكون ديمقراطيًّا، ويحتضن القيم الدينية، وهو يساعد فى تفسير السبب فى رغبة الأغلبية فى أكثر البلاد فى الشريعة بوصفها مصدرًا للتشريع؛ فيما عدا حفنة من الأمم (04).
* قالت الأغلبية فعلا فى بضعة بلاد فقط إن الشريعة لا يجب أن يكون لها دور فى المجتمع؛ ومع ذلك فالأقلية فقط فى أغلب البلاد تريد الشريعة باعتبارها «المصدر الوحيد» للقانون. وتريد الأغلبية فى الأردن ومصر وباكستان وأفغانستان وبنجلاديش أن تكون الشريعة «المصدر الوحيد» للتشريع.
* أدعى الأمور إلى الدهشة غياب الفوارق المنظمة فى دول عديدة بين الذكور والإناث فى دعمهم الشريعة بوصفها المصدر الوحيد للتشريع. ففى الأردن مثلا يريد 45% من الرجال، و55% من النساء أن تكون الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع؛ وفى مصر تبلغ النسبة 07% من الرجال و 26% من النساء؛ وفى إيران 21% من الرجال و41% من النساء؛ وفى إندونيسيا 41% من الرجال و41% من النساء.
من دواعـى العجب أننا لا نحتاج إلى التطـلع بعـيدًا عـن بلادنا حتى نجـد عددًا كبيرًا من الناس الـذين يريدون الـدين مصـدرًا للقانون. فإن استـفتاء«جالوپ» فى عام 2006 فى الولايات المتحدة يدل على أن أغلبية الأمريكيين تريد الإنجيل مصدرًا للتشريع.
* 64% من الأمريكيين يقولون إن الإنجيل يجب أن يكون «أحد» المصادر، و9% يعتقدون أنه يجب أن يكون المصدر «الوحيد» للتشريع.
* ربما كان الأدعى إلى مزيد من الدهشة أن 24% من الأمريكيين يريدون من الزعماء الدينيين أن يكون لهم دور مباشر فى صياغة الدستور، بينما يريد 55% ألاّ يلعبوا أى دور على الإطلاق. هذه الأرقام توشك أن تكون متماثلة مع تلك الأرقام فى إيران.


هل يجب أن يؤدى دعم الأغلبية للشريعة إلى هلع الغرب؟

مازالت الشريعة قرينة الرجم للزُناة، وقطع الأيدى للسرقة، والسجن أو الموت لحالات الرِّدة والزندقة، والقيود على حقوق النساء والأقليات. وقد ظهر مدى التصورات المختلفة عن الشريعة فى العراق، عندما دعا زعماء الشيعة مثل الزعيم الشيعى الكبير آية الله على السيستانى إلى ديمقراطية إسلامية تشمل الشريعة باعتبارها أساس القانون فى الدستور الجديد للعراق.
قال «يونا دام كانّا» العضو العراقى المسيحى فى لجنة صياغة الدستور العراقى فى صيف عام 2005: إن عواقب جعل الشريعة من المصادر الرئيسة للقانون ستكون خطيرة. «وستكون كارثة بالنسبة للنساء». ومع ذلك، تظاهرت أكثر من ألف سيدة عراقية دعمًا للشريعة فى مدينة البصرة الجنوبية فى أغسطس عام 2005، وذلك استجابة لمظاهرة أخرى معارضة للشريعة فى بغداد منذ أسبوع سابق.
قال «ل.پول بريمر» (L. Paul Bremer) وكان عندئذ حاكما للعراق، وهو يتخذ موقفا من الخلاف الذى يتعلق بدور الشريعة فى الدستور الجديد للعراق، فيما يتصل بالدستور المؤقت فى عام 2004: «موقفنا واضح. لا يمكن أن يصبح قانونا حتى أوقّع عليه». أما «دونالد رامسفيلد» (Donald Rumsfeld) الذى كان عندئذ وزيرًا للدفاع، فقد حذّر فى عام 2003 أن الولايات المتحدة لن تسمح للعراق أن يصبح دولة ثيوقراطية مثل إيران، وخلط بين فكرة إدخال الشريعة فى الدستور الجديد للعراق وبين خلق دولة ثيوقراطية، أو حكم رجال الدين.
على الرغم من أن الشريعة فى أماكن عديدة أصبحت توحى إلى الخاطر بالحكم الديني، فإن الاستجابات لاستفتاء «جالوپ» تدل على أن الرغبة فى الشريعة لا تُتَرجم تلقائيًّا إلى الرغبة فى الثيوقراطية. إن أغلبية كبيرة فى بلاد عديدة تقول إن الزعماء الدينيين لا ينبغى أن يلعبوا دورًا مباشرًا فى صياغة دستور البلاد، أوصياغة تشريع قومي، أو كتابة قوانين جديدة، أو تحديد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، أو تحديد زى النساء فى الأماكن العامة، أو ما يذاع على قنوات التليفزيون أو يُنشر فى الصحف. بينما يختار آخرون دورًا مباشرًا يميل إلى خدمة الزعماء الدينيين فى نطاق المشورة لموظفى الحكومة.
توحى الشريعة فى الغرب بصورة التقييد الاجتماعي؛ حيث تتعرض النساء للقمع والحرمان من الحقوق الإنسانية. والواقع أن النساء عانين من تعاليم الشريعة التى تفرضها الحكومة فى بلاد مثل باكستان والسودان وأفغانستان، والطالبان، والعربية السعودية وإيران. وعلى كل حال، فإن أولئك الراغبين فى الشريعة غالبًا ما يتهمون هذه التعاليم بأنها تفسيرات غير إسلامية. وتدلنا بيانات استفتاء «جالوپ»على أن أغلب المشاركين يريدون الاستقلال والحقوق المتساوية للنساء. ويعتقد أغلب المشاركين فى أغلب البلاد التى جرى فيها الاستفتاء أن النساء يجب أن يكون لهن:
* الحقوق القانونية نفسها مثل الرجال (85% فى إيران؛ 90% فى إندونيسيا، وبنجلاديش وتركيا ولبنان؛ 77% فى باكستان؛ 61% فى العربية السعودية). ومن المدهش أن تكون النسبة 57% فى مصر؛ 57% فى الأردن، وهما يُعتبَران بصفة عامة أكثر تحرّرا، فهما يأتيان بعد إيران وإندونيسيا والبلاد الأخرى.
* حق التصويت: 80% فى إندونيسيا؛ 89% فى إيران؛ 67% فى باكستان؛ 90% فى بنجلاديش؛ 93% فى تركيا؛ 56% فى العربية السعودية؛ 76% فى الأردن يقولون يجب أن تستطيع النساء التصويت من دون أى تأثير أو تدخل من أعضاء العائلة.
* حق تولى أية وظيفة يتأهلن لها خارج البيت. كانت أعلى نسبة (90%) فى الملايو وموريتانيا ولبنان. كانت النسبة فى مصر (85%)؛ وتركيا (86%) والمغرب (82%)؛ أى أن النسبة كانت فى مدى الثمانينيات. جاءت بعدها إيران (79%)؛ وبنجلاديش (75%)؛ العربية السعودية (69%)؛ باكستان (62%)؛ الأردن(61%).
* حق تولى الوظائف القيادية على مستويات الوزارة والمجالس القومية. بينما تؤيد الأغلبية فى البلاد التى تم فيها الاستفتاء هذا المبدأ، فإن بلاد الاستثناء هى العربية السعودية (40%) ومصر (50%).
بينما تُصوَّر الشريعة بصفة خاصة على أنها نظام قانونى جامد قمعي، فإن النساء المسلمات يتجهن إلى نظرة أدق للشريعة، ويعتبرن أنها متفقة مع تطلعاتهن إلى اكتساب القوة. إن «جنان العُبيدي»؛ وهى واحدة من تسعين سيدة فى المؤتمر القومى العراقى فى أوائل عام 2005، أخبرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أنها تدعم تطبيق الشريعة. لكنها قالت على كل حال إنها بوصفها عضوة فى المؤتمر سوف تكافح فى سبيل حقوق النساء من أجل الرواتب المتساوية، وإجازة الأمومة مدفوعة الأجر، وتخفيض ساعات العمل للحوامل. وقالت إنها خطّطت لتشجيع النساء على ارتداء الحجاب والتركيز على دعم عائلاتهن. وعند «جنان العبيدي» أن اكتساب النساء للقوة يتفق مع القيم الإسلامية.


عندما يُعبّر الرجال والنساءعن رغبة فى الشريعة؛ فماذا يقصدون؟

إن فكرة خاطئة شائعة عن الشريعة ومعناها تفسّر جمود المجاهدين المتدينين، بالإضافة إلى مخاوف الكثيرين من غير المسلمين. وقد خلط المسلمون وغير المسلمين عبر التاريخ بين تعبيرات الشريعة والقانون الإسلامى على سبيل التبادل. ولما كان القرآن ليس كتاب قانون، فقد استخدم القضاة الوحى والعقل كذلك لإنشاء عدد من القوانين تحكم مجتمعاتهم. وأصبحت هذه القوانين الإنسانية مع مرور الزمن أمورًا مقدسة لا يمكن تغييرها.
إن المسلمين الذين يريدون الشريعة مصدرًا للقانون فى الدساتير لهم من أجل ذلك رؤى مختلفة جدًّا عن كيفية مظهر ذلك. وإذا كان تعريف الشريعة يشير إلى المبادئ فى القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن البعض يتوقعون التطبيق الكامل للقانون الإسلامى الكلاسيكى أو القانون فى العصور الوسطي، بينما يريد آخرون موقفا أشد تقييدًا، مثل منع الخمر، واشتراط الإسلام فى رئيس الدولة، أو إنشاء محاكم للشريعة للقضاء فى الحالات المتعلقة بقانون العائلة المسلمة (الزواج والطلاق والميراث).
يريد آخرون مع ذلك أن يضمنوا ألاّ يتعارض أى قانون دستورى مع المبادئ والقيم الإسلامية كما توجد فى القرآن.
من أجل توضيح الفارق بين الشريعة «والقانون الإسلامي»؛ تصوّر الشريعة كأنها بوصلة (وحى الله، المبادئ الخالدة التى لا يمكن أن تتغيّر)، وتصور القانون الإسلامى (الفقه) كأنه خارطة. ويجب أن تتوافق هذه الخارطة مع البوصلة، ولكنها تعكس أوقاتا وأماكن وجغرافيا مختلفة. والبوصلة ثابتة، أما الخارطة فهى تتعرض للتغيير.
يزعم كثيرون من المصلحين أن التحدى اليوم هو التمييز بين ما يأتى مباشرة من القرآن (شعائر الصلاة والصيام والحج)، وهو مُلزم بصورة عالمية، وبين التفسيرات الدراسية للوحى (التعليمات المعينة المتعلقة بالزواج أو الطلاق وهلمّ جرّا)، وهى تتغير فى نطاق مفاهيم اجتماعية معينة.
يجادل المسلمون الإصلاحيون اليوم بأن الفقه الإسلامى يجب أن يُراجَع على ضوء الأحوال الاجتماعية المتغيرة. إن جمعية الأخوات المسلمات مثلا وهى تدافع عن حقوق النساء فى الملايو تفاوضت مع الحكومة الملاوية لفرض قيود على تعدد الزوجات. واستشهدت بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية للنص على شروط تعدد الزوجات فى عقود الزواج. فإذا قرر الزوج الزواج بامرأة ثانية، فسيكون ملزما بحكم القانون بتطليق زوجته الأولي، وإعطائها مؤخر الزواج والنفقة.
عندما اتهم بعض المُفْتين الجمعية بالخروج على الفقه الإسلامي، ردت الجمعية بآيات من القرآن والأحاديث النبوية التى تجعل الزواج بزوجة واحدة هو الأمر الطبيعى. وذكرت أن حفيدة النبى (عليه السلام) السيدة سكينة بنت الحسين نفسها قد وضعت شروطا مختلفة فى عقد زواجها، ومنها ألاّ يستطيع زوجها الزواج بامرأة أخرى إذا أراد أن يظلّ زوجها. نشرت الجمعية فى تصريح صحفي:
«من الواضح إذًا أن منح الزوجة خيار الحصول على الطلاق من خلال عقد الزواج لا يعارض تعاليم الإسلام. وليس تفسيرًا جديدًا نشأ فى هذه الأزمنة الحديثة فقط. وإنما هو على النقيض مدعوم بالممارسات التقليدية منذ الأيام الباكرة للإسلام».
يقدم هذا المثل لمحة عن المدى الواسع المتنوع للتفسيرات التى تميز الفقه الإسلامى. وعلى ذلك، عندما يقول المسلمون إنهم يدعمون تطبيق الشريعة فإن معنى هذا يمكن أن يتغير تغيّرًا هائلاً من إنسان إلى آخر.
إن موضوع الدين والتغير ليس خاصّا بالإسلام؛ فالناس يواجهونه فى كل الأديان. ولا تحتوى النصوص المقدسة أو الصياغات الكلاسيكية للفقه حلولا معينة لكثير من المشكلات الحديثة. هل يكون الاستنساخ والتلقيح فى الأنابيب من الأمور المقبولة إسلاميّا؟ هل يمكن للمرأة أن تكون رئيسة جمهورية فى دولة حديثة؟ كيف يمكن أن تتناول البنوك وبيوت التمويل الفائدة والقروض؟ ما هى الرُّخص المتاحة للمسلمين الذين يعيشون باعتبارهم أقليات؟ هل تكون الهجمات الاستباقية مُبرَّرة على الإطلاق؟
إذ لا يكون فى القرآن نص واضح، ولا توجد سلطة دينية مركزية فإن فتاوى المفُتين يمكن أن تختلف اختلافًا بيّنًا، وذلك اعتمادًا على مدى تفكيرهم المحافظ أو المُجدّد، ومدى تأثرهم بالسياسة أو تخليهم عنها أفرادًا. وتعتمد الفتاوى فى النهاية على من يكون مُفتيك، كما تعتمد النصيحة التى تتلقاها من قسّيسك أو الربانى الذى تلجأ إليه على هويته أو هويتها.والفتوى على كل حال رأى فقهى غير مُلزم، ويختار المسلمون أية فتوى يطبقونها أو لا يطبقونها فى حياتهم. ويشارك المسلمون فى هذا المجال فى سوق حرة من الفكر الديني؛ وهى مرونة لعلها تفسر الصمود والتنوع للإسلام عبر الجغرافيا والزمان.
ما هو الفكر الإسلامى الديمقراطي؟
هناك مدارس فكرية مختلفة بين المسلمين، فيما يتعلق بالديمقراطية والإسلام. هناك فكرة للأقلية فى المراجع الإسلامية؛ وهى أن الديمقراطية مفهوم أجنبى. والذين يؤمنون بهذه النظرة ويشملون المتطرفين والمسلمين فى التيار الرئيس يريدون استعادة الإمبراطورية الإسلامية؛ لأنهم يقولون إن السيادة الشعبية وثنية؛ تنكر السيادة العليا للّه.
إن نتائج استفتاء «جالوپ» بين المشاركين تُبيّن على كل حال سعة الانتشار لدعم الحريات الديمقراطية وحقوق النساء فى العالم الإسلامى. وهناك عدد من المبادئ فى التقاليد الإسلامية تدعم هذه الحريات.
يجادل المفكر السودانى والدبلوماسى السابق عبد الوهاب الأفندى بأن تأكيد الإسلام للوحدانية وحكم الله المطلق يتطلب نظامًا ديمقراطيًا: «إن سيادة رجل واحد تتعارض مع سيادة الله، لأن الناس جميعًا متساوون أمام الله... والطاعة العمياء لحكم إنسان واحد تناقض الإسلام» وتشمل الوحدانية فى الإسلام الإيمان بأن الحياة لايمكن أن تتجزّأ؛ فلا يمكن أن ينفصل الدين عن جوانب الحياة جميعًا، كما يحدث فى استبعاد الدين من دائرة الحياة العامة.
إن رئيس إيران السابق محمد خاتمي، وهو من دعاة الديمقراطية الإسلامية، ذكر فى مقابلة تليفزيونية فى يونيو عام 2001: «إن الديمقراطيات العالمية تعانى اليوم من فراغ رئيس، وهو فراغ الروحانية»؛ وأن الإسلام يمكن أن يُقدّم الإطار الذى يجمع الديمقراطية والروحانية والحكومة الدينية.
يُعيد المسلمون مثل اليهود والمسيحيين تفسير تقاليدهم من أجل دعم الصور الحديثة للديمقراطية، ويمكن أن تختلف إلى حد كبير. إن صور الديقراطية الغربية تشمل التمثيل الرئاسى والبرلمانى والنسبي، والانتخابات المباشرة وغير المباشرة للرؤساء، وصور الحكومة التوافقية أو المتعارضة. وعلى الرغم من إصرار الولايات المتحدة على الفصل بين الدولة والكنيسة؛ فإن ديمقراطيات أوروبية عديدة لها دين للدولة، أو تقدم تمويلاً أو دعمًا من الدولة للمؤسسات الدينية المعترف بها رسميا؛ مثل بريطانيا العظمى وألمانيا والنرويج.
وعلى الرغم من الفصل الصارم فى فرنسا بين الدولة والكنيسة، وهو قائم على أساس قانون عام 1905 فى الفصل، فإن الحكومة تقدم تمويلاً للكنائس والمعابد والكنيس، التى بُنيتْ قبل عام 1905، باسم المحافظة على الثقافة.
وعلى الرغم من أن هذه المبانى تُعتبر ملكا للدولة، وتتم صيانتها بواسطة الحكومات القومية والمحلية، فإن فى استطاعة رجال الدين استخدامها دون مقابل.
وقد قدمت الحكومة الفرنسية فضلا عن ذلك منذ عام 1959 إعانات مباشرة إلى المدارس الخاصة وكثير منها كاثوليكية وغالبا ما تدفع رواتب المدرسين فى تلك المدارس.
إن مفهوم الاجتهاد فى الإسلام أساسى فى عملية التكيف للظروف الجديدة، وهو ممارسة الحكم الفقهى العالم المستقل. وكما قال خورشيد أحمد وهو زعيم إسلامى بارز فى بريطانيا ومن رجال البرلمان الباكستانيين:
«إن الله أوحى بالمبادئ العامة فقط... ويحاول الناس من خلال الاجتهاد فى كل عصر أن يحاولوا تنفيذ وتطبيق التوجيه الإلهى على مشكلات أزمانهم».
من المفاهيم الإسلامية الأخرى فى الصور الإسلامية المشروعة فكرة الشورى بين الشعب والحكومة فى اختيار أوانتخاب الحكام. هذه الفكرة بالإضافة إلى الإجماع من المجتمع؛ وهو من مصادر الفقه الإسلامى تُستخدمان الآن لدعم البرلمانات والمجالس القومية النيابية باعتبارهما سبيلا يعكس الرأى الجماعى فى المجتمع.
بينما تستمر المجادلات العنيفة حول الديمقراطية، فإن التغيير يحدث فى الواقع. وتستجيب الحكومات مهما كانت الاستجابة متعثرة بطيئة للضغوط من أجل المزيد من المشاركة السياسية، والانتخابات مع درجات متفاوتة من الانفتاح والحرية والشفافية.

إذا كانت الديمقراطية هدفًا مرغوبًا لدى الكثيرين من المسلمين وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ فهل يعتقد المسلمون أن للغرب أى دور يلعبه؟
نحتاج للإجابة عن هذا السؤال أن نبحث بعض الحقائق الواقعية. هناك عدد من التحديات فى الخطة المطلوبة لكسب عقول المسلمين وقلوبهم؛ فإن «الإرجاع» (Feedback) للإجابات عن الأسئلة المتعددة فى استفتاء «جالوپ» يعكس انتقادات وشكوكًا فى السياسة الخارجية والتصرفات للولايات المتحدة.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع للرغبة فى الديمقراطية، التى يعتبرها كثيرون من المسلمين ضرورة لتقدمهم، فيما عدا عشرة بلاد فى الاستفتاء، فإن الأغلبية لا توافق على مبدأ «أن الولايات المتحدة جادة فى التشجيع على النظم الديمقراطية للحكومة فى هذه المنطقة».
إن مواقف المسلمين تجاه الولايات المتحدة مازالت متأثرة بما هو متصور عن أمريكا وأوربا إلى حد كبير من المقياس المزدوج فى تشجيع الديمقراطية، وسجلها الطويل فى دعم النظم الاستبدادية وفشلها فى نشر الديمقراطية فى العالم الإسلامي؛ كما فعلت فى المناطق والبلاد الأخرى بعد سقوط الاتحاد السوفيتى.
فى محاضرة رئيسة عن السياسة فى عام 2002، لاحظ السفير «ريتشارد هاس» (Richard Haas) وهو من كبار الموظفين السابقين فى وزارة الخارجية فى إدارة چورچ بوش، أن الإدارتين الديمقراطية والجمهورية كلتيهما قد مارستا «الاستثناء الديمقراطي» فى العالم الإسلامي، ووضعتا الديمقراطية فى مكانة أدنى من المصالح القومية الأخري؛ مثل الحصول على النفط واحتواء الاتحاد السوفيتي، ومعالجة الصراع العربى الإسرائيلى.
فى الأزمنة الأقرب، زاد ارتياب المسلمين فى تشجيع الولايات المتحدة للديمقراطية بناء على عدد من الأسباب: استخدام «خلق الديمقراطية» بمنطق رجعى لغزو العراق، بعد أن فشلت مسألة أسلحة الدمار الشامل فى تلك البلاد، والانطباع بأن الولايات المتحدة كانت تنسّق نمطًا أمريكيًا «مقبولاً» من الديمقراطية فى العراق، مع اختيارها الخاص لچورچ وشنطن فى العراق؛ وهو أحمد شلبي، وكذلك طابور الإساءات إلى الحقوق الإنسانية بدءًا من جوانتانامو إلى «أبى غريب». يزيد فى دعم مثل هذه الانطباعات رفضُ الولايات المتحدة وأوروبا الاعتراف بحكومة حماس المنتخبة بصورة ديمقراطية.
قال «كينيث روث» (Kennciel Roth) رئيس منظمة مراقبة حقوق الإنسان فى حديث لصحيفة «فاينانشيال تايمز» (Financial Times): «إن المسئولين الأمريكيين كلهم يؤيدون الديمقراطية ماداموا يحبون النتائج». ويعتقد روث أن رسالة أمريكا فى نشر الديمقراطية أصبحت تساوى «تغيير النظام»، وقد فقدت مصداقيتها فى العالم الإسلامى. وقال: «إن دفعها للديمقراطية قد انتهى الآن».
لقد ردّد «سلامة نعمات»، صدى تشاؤم «روث»؛ وذلك فى جريدة واشنطن پوست، وكان محلّلاً أردنيًا ورئيس مكتب الصحيفة العربية «الحياة» فى واشنطن: «إنها قصة نجاح للقاعدة، وقصة نجاح للأنظمة العربية الاستبدادية، التى جعلت الديمقراطية تبدو قبيحة فى أعين شعوبهم. ويمكن أن يقولوا لشعوبهم: انظروا إلى الديمقراطية التى يريد الأمريكيون جلبها إليكم. الديمقراطية هى المتاعب. لعلكم تنسون تمامًا ما وعدكم به الأمريكيون إنهم يعدونكم الموت».
تأثرت أفكار المسلمين فى أنحاء العالم بالانفجار فى وسائل الاتصال الجماهيرية التى اكتسحت أغلب العالم الإسلامي، وتغلَّبت على سيطرة الحكومات. إن صحفًا مثل «الشرق الأوسط» و«الحياة» اتصلت بشبكات تليفزيونية مثل الجزيرة والعربية و«إم .ب. سي» (MBC) وقنوات أخري، حتى تكون بدائل لقنوات «سى. إن. إن» (CNN) و «ب.ب.سي» (BBC). ويمكن رؤية أثر ثورة المعلومات فى العربية السعودية، حيث تعتبر أعداد كبيرة أن التليفزيون العالمى (82%)، والصحف (65%)، والراديو العالمى (42%) والإنترنت (32%) هى مصادر مهمة جدًّا حتى يكون الإنسان على علم جيد بالشئون العالمية. وعند سؤال السعوديين عما إذا كانوا قد شاهدوا قناة الجزيرة فى غضون الأيام السبعة الماضية، أجاب ثلاثة أرباعهم أنهم شاهدوا قناة الأخبار بالقمر الصناعي، وجذبهم أسلوبها فى نقل الأخبار «من مواقعها» بطريقة «موضوعية» ، «جريئة».
ما الذى يعتقده المسلمون عن فرص تحسين العلاقات مع الغرب؟
إن اهتمام الغرب بعلاقات أفضل مع العالمين العربى والإسلامى أدعى أن يكون أشد إيجابية فى الدول الأفريقية المشاركة فى الاستفتاء. كان سكان سيراليون (بنسبة 64%) أدعى الشعوب المدروسة جميعًا فى الاعتراف بأن الغرب يبدى اهتمامًا. وتختلف الصورة اختلافًا حادّا فى أغلب البلاد الأسيوية وبلاد الشرق الأوسط؛ التى يكون أكثر سكانها من المسلمين؛ حيث يزداد الاحتمال جدّا فى تصور الشعوب أن الغرب أدعى ألاّ يبدى الاهتمام من إبداء الاهتمام. تبلغ العاطفة السلبية أقصاها فى تركيا؛ حيث يقول 64% إن الغرب لا يبدى اهتمامًا بعلاقات أفضل، ويقول 57% من المصريين، 53% من الكويتيين إن الغرب لا يبدى الاهتمام.
هل يريد المسلمون علاقات أفضل مع الغرب، على الرغم من إجاباتهم القاسية الراجعة؟ إن نسبة الذين يقولون بأهمية التفاهم الأفضل بين الثقافتين الغربية والإسلامية بالنسبة لهم إلى حد كبير تفوق نسبة الذين يقولون بانعدام الأهمية لهم. إن أولئك المهتمين يتفوقون على غير المهتمين بنسبة 2:1 فى بعض الحالات؛ مثل العربية السعودية ومراكش ولبنان.
لكن ما الذى يعتقده المشاركون فى الاستفتاء أن فى استطاعة الغرب أن يفعله لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي؟ إن أغلب الاستجابات لهذا السؤال المفتوح من مراكش إلى إندونيسيا هي:
* إبداء المزيد من الاحترام والاهتمام.
* لا تُنقصوا من مكانة البلاد العربية والإسلامية.
* أظهروا مزيدا من فهم الإسلام كدين، ولا تَحطُّوا من قدر مايدعَو إليه الإسلام.
من الأمور الكاشفة بالمثل، أنّ على قمة الإجابات للسؤال:
ما هو أقل ما يستدعى إعجابك بالغرب؟ كانت الكراهية أو الحطّ من شأن الإسلام والمسلمين. ولكن كيف تتعلق هذه الإجابات بمسائل الحرية والديمقراطية؟
سُئل المشاركون: «افرض أن واحدًا من حكومة الولايات المتحدة سألك فيما بينك وبينه ما هو أهم شيء يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتحسين مستوى الحياة للناس من أمثالك فى هذه البلاد. ما هى توصيتك؟» كانت أغلب الإجابات بعد:«اخفضوا نسبة البطالة، وأصلحوا البنية الاقتصادية التحتية» هي:«أوقفوا التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية»؛ «أوقفوا فرض عقائدكم وسياساتكم»؛ «احترموا حقوقنا السياسية، وأوقفوا السيطرة علينا»؛ «أعطونا حريتنا الخاصة».
إذا نظرنا نظرة أقرب إلى من سوف نسمِّيهم «بالديمقراطيين المسلمين؛ أولئك الذين يعتقدون أن الديمقراطية مهمة لمستقبلهم وتقدمهم، فذلك يزيد فى فهمنا للموضوع. لعل أهم صفة تميز هذه الجماعة هى تأكيدها القوى على الدين وحقوق النساء.
* يقول أغلب الديمقراطيين المسلمين إن الحياة الروحية للإنسان أساسية؛ فهى شيء لايستطيع الحياة من دونه، ويقول أكثر من 60% إنهم حضروا مناسبة دينية فى الأيام السبعة الماضية.
* تدعم الأغلبية النساء فى الحصول علي: الحقوق القانونية نفسها مثل الرجال (87%)؛ حق التصويت من دون تدخل عائلى (88%)؛ وظيفة تناسب مؤهلاتهن (82%)؛ مناصب القيادة فى الوزارات والمجالس النيابية (72%)؛ قيادة السيارة (76%).
من الطريف أن الديمقراطيين المسلمين أكثر اهتمامًا بتحسين العلاقات مع الغرب، ولكنهم أدعى ألاّ ينظروا نظرة تفضيل إلى الولايات المتحدة، وأحرى أن يقولوا إنّ المجتمعات الغربية لا تبدى اهتمامًا بالتعايش مع العالم العربى والإسلامى. تنعكس هذه المفاهيم فى النسب الصغيرة (5% إلى 10%) التى تؤمن بأن الولايات المتحدة محل ثقة، أو هى صديقة، أو تُعامل البلاد الأخرى باحترام.
إذا اعتبرنا هذه المفاهيم، وكذلك ما يعتقده الكثيرون، وهو أن الغرب معادٍ للإسلام والمسلمين، فلعل أحد الدروس أن الأمر حين يتعلق بالديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، فإن المعايير التى يطبقها الغرب على نفسه يجب أن تُعتَبر متسقة مع تلك التى يطلبها ويتوقعها الآخرون.


عناصر رئيسة

كثيرون من المسلمين يقدّرون عددًا من المبادئ الديمقراطية على الرغم من ندرة الديمقراطيات فى البلاد الإسلامية.
* لا يرى المسلمون تعارضًا بصفة عامة بين القيم الديمقراطية والمبادئ الإسلامية.
* لا يريد المسلمون على وجه العموم الثيوقراطية ولا الديمقراطية العلمانية، ويفضلون نموذجًا ثالثًا؛ تتعايش فيه المبادئ الدينية والقيم الديمقراطية.
* يدعم الرجال والنساء دورًا للشريعة باعتبارها مصدرا للتشريع، ولا يريد أغلبهم فى الوقت نفسه أن يتولى الزعماء الدينيون مسئولية مباشرة فى صياغة التشريع.

 


إن الحـدود الاعتباطية، والحكام الذين لا يمثلون
شعوبهم، أنتجوا دولاً من الأمم الضعيفة، مع حكومات
غير ديمقراطية؛ شجعت على ثقافة الاسـتبداد

للاستزادة
من يتحدث باسم الإسلام
جون سبوزيتو، داليا مجاهد
ترجمة: عزت شعلان
تقديم فهمى هويدي
دار الشروق القاهرة 2009

هزمت الأحزاب الإسلامية
فى خلال السنوات الماضية خصومها العلمانيين
هزيمة قاطعة

إذا كانت الشريعة تُصوَّر
بصورة عامة علي أنها نظام قانوني جامد
قمعى فإن النساء المسلمات لهن نظرة أدق للشريعة؛
إذ يَروْنَها متفقة مع تطلعاتهن
إلى اكتساب القوة


الحكام بعـد الحادى عشر من سبتمبر
يصفون كل معارضة بالتطرف من أجل التحكم فى الانتخابات
وتبـرير حكوماتهم الاستبدادية

يجادل المسلمون الإصلاحيون
اليوم بأن الفقه الإسلامي يجب أن يُراجَع على
ضوء الأحوال الاجتماعية المتغيرة

إن موضـوع الـدين والتغير
ليس خاصّا بالإسلام؛ فالنـاس يواجهونه
فـى كـل الأديان

يري المسلمون تعارضًا بصفـة عامة
بين القيم الديمقراطية والمبادئ الإسـلامية

هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة