الفن القبطى ..صورة مصر فى عصورها المتطورة



ابتكر أقباط مصر عناصر الفن المسيحى المتمثل فى صناعة الأخشاب والفخار والزجاج وصناعة المعادن والعاج والعظم بالإضافة إلى الأيقونات والمنسوجات والعمارة. ويقول الأب يوساب السريانى إن فكرة الأيقونة من بدايتها كانت متداولة فى مصر حتى قبل بداية الفن المسيحى متمثلة فى بورتريهات الفيوم وأخميم، فكان الأقباط يضعون صورهم الخاصة فى منازلهم كما يحدث الآن فى العصر الحديث، ومنها أخذت الأيقونة، ولم يكن هذا الأمر موجودًا فى العالم المسيحى آنذاك. وكان الشعب القبطى فنانًا بطبيعته فقام بزخرفة المنازل والمبانى والكنائس بعناصر أخرى مثل النسيج والأحجار. فى بادئ الأمر ـ كما يذكر وديع حنا شنودة- كان من المعتقد أنه لا وجود لفن قبطى مستقل، وأن تلك الآثار المسيحية التى ترى ماثلة فى كنائس الأقباط وأديرتهم، ما هى إلا آثار بيزنطية يونانية. إلا أن أول من لاحظ استقلال الفن القبطى عن سواه من الفنون الأخرى هو العلامة ماسبيرو Maspero، وجاءت أقوال العلماء الذين قاموا بإحياء هذا الفن باكتشافاتهم وكتاباتهم أمثال بتلر وكلارك ودى كوسون وشاسينا وجاييه وإيفلين هوايت وأميلينو ودريتون وغيرهم من العلماء والباحثين والرحالة، مؤيدة ومجمعة على ذلك. ولو أنه ظهر على هذا الفن فى بادئ الأمر ( فى القرون الثلاثة الميلادية الأولى) مسحة التشابه مع الفن البيزنطى اليوناني، وذلك يرجع إلى ارتباط واتحاد الكنيسة القبطية مع الكنائس المسيحية عامة. ولكن منذ أن انفصلت الكنيسة القبطية عن الكنائس الغربية وأصبح لها وجود ذاتى مستقل أمكن للأقباط من ذلك الوقت أن يتخلصوا من كل شيء له علاقة بالفنون البيزنطية واليونانية، وعادوا إلى الصناعات المصرية الفرعونية مع إدخال التعديلات التى تتفق مع المعتقد الدينى المسيحى. وهنا يقول الأب يوساب السرياني: لقد اقتبس فن مصر القبطى بعض عناصره من الفنون الأخرى خلال الأحداث السياسية أو العلاقات التجارية، فمثلاً بحكم موقع مدينة الإسكندرية الحساس أخذ الفنانون فيها عن الفن اليونانى الرومانى تيجان الأكانثاس بعد أن حوروها وجردوها من نسب الطراز الرومانى الأصلى وأبعاده، كما أخذ الفن القبطى كذلك من الفن البيزنطى ومن الفن الساسانى. ورغم كل ما اقتبس بقى الفن القبطى محافظًا على جوهر قوميته وأصالته. وتذكر نعمت إسماعيل علام أن الفن القبطى هو الفن الأول فى الشرق الأوسط الذى كان من إنتاج الشعب ولم توجهه الدولة. ولقد أنتجه مسيحيو مصر منذ الفترة التى اعترفت فيها الدولة بالكنيسة عام 313م واستمر لفترة بعد الفتح العربى. وقد اهتمت المتاحف الكبرى فى العالم بعرض نماذج الفن القبطى منها متحف اللوفر بباريس، ومتحف برلين بألمانيا، ومتحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة، ومتحف لندن بالمملكة المتحدة، والمتحف الملكى ببلچيكا. كما اهتمت بعض جامعات العالم بإنشاء أقسام متخصصة لدراسة هذا الفن مثل قسم تاريخ الفن القبطى بجامعة "ليدن" بهولندا وقسم الدراسات القبطية بجامعة مونستر بألمانيا الذى أسسه الأستاذ الدكتور كراوزا وقسم الفن القبطى بجامعة وارسو ببولندا الذى يرأسه الأستاذ الدكتور جودلفسكى وقسم آخر بجامعة بباريس. وهنا نذكر بكل تقدير العالم الفرنسى الدكتور بير دى بورجيه رئيس القسم القبطى بمتحف اللوفر بباريس الذى أصدر عدة مؤلفات عن الفن القبطى منها مجلد ضخم يختص بالنسيج القبطى فقط يحتوى على أكثر من 700 صفحة من القطع الكبير ويعتبر أكبر دراسة متخصصة عن النسيج القبطى. ومن شدة اهتمامه بدراسة هذا النوع من الفن ـ كما يذكر الأب يوساب السريانى ـ قام بصنع نول نسيج يدوى ليعمل عليه بنفسه حتى يستطيع أن يقف بنفسه على مختلف الطرق الفنية التى كان يستخدمها الأقباط منذ القرون الأولى. وقبل أن نتعرض لدراسة هذا الفن فإنه يجب الإشارة إلى بعض أسماء المصريين الذين ساهموا ـ فى القرن العشرين ـ بجهد واضح فى هذا المجال منهم: مرقس باشا سميكة (مؤسس المتحف القبطى بالقاهرة)، د. سعاد ماهر محمد (فى النسيج القبطى)، الدكتور أحمد فخرى (فى الآثار)، الدكتور باهور لبيب (فى الآثار)، الدكتور حشمت مسيحة (فى الآثار)، الدكتور لبيب حبشى (فى الآثار). صناعة الأخشاب: تجلى تفوق الأقباط فى فن النجارة فى درايتهم الكاملة بالأنواع المختلفة للأخشاب. فلم يتوقف استخدامهم على الأنواع المحلية ـ كما كان الحال عند قدماء المصريين ـ مثل خشب الجميز والنبق والسنط والنخيل، بل لجأوا إلى استيراد أجود الأنواع من الخارج مثل خشب الأبنوس من أثيوبيا وجنوب السودان، والأرز من لبنان وسوريا، والساج من الهند بالإضافة إلى خشب الجوز والبندق والبلوط من أوروبا وغرب آسيا وغيرها. ففى بادئ الأمر عند استخدامهم للأخشاب المحلية، فإنهم كانوا يشقونها ألواحًا ويسكبون عليها المياه، ثم يتركونها معرضة للشمس مدة كافية حتى تجف، وحتى لا تلتوى بعد صنعها تبعًا لتغير حرارة الجو، ومنها ما كانت رائحته ذكية تساعد على منع الحشرات التى تفتك بها سريعًا. وعندما استوردوا الأصناف الأخرى من الخارج نشأت لديهم طريقة تطعيم الخشب فيصنعون البرواز الخارجى من الخشب العادى ثم يزينون سطحه بحشوات منقوشة من أنواع أخرى فيزداد رونقها وبهاؤها. وكان أعز أنواع الأخشاب عند الأقباط خشب الزيتون الذى ورد ذكره كثيرًا فى الكتاب المقدس، فكانوا يصنعون منه ـ وحتى الآن ـ الأختام المستخدمة فى ختم الخبز المقدس الذى يستخدم فى الصلوات الكنسية، وكذلك خشب الجميز، إذ يعتقد أنها شجرة مقدسة لكونها تعيش أجيالاً عديدة بدون رى بالماء حتى أن المصريين القدماء كانوا يكثرون من زراعتها بجانب المقابر والمعابد وصنعوا منها توابيت الموتى. استمر تزيين الخشب ونقشه برسم صور دينية ومناظر من حياتهم وأعمالهم إلى حوالى القرن العاشر الميلادى فى عصر الفاطميين عندما تبدلت هذه الصور بأشكال هندسية ونباتية تتخللها صور الطيور والحيوانات. وأهم ما يستلفت النظر فى صناعة الأبواب الدقيقة والحواجز الخشبية بالكنائس والتى يطلق عليها اسم حامل الأيقونات، أنها تتكون من عدة قطع صغيرة من الخشب المخروط أو المنقوش. وتتجلى روعة تلك الصناعة فى أنه يمكن تجميع أجزائها بعضها إلى بعض دون استعمال المسامير أو الغراء فى تثبيتها، وأن بين كل حشوة وأخرى تركت مسافة كافية مراعاة لما قد يحدث فى الأخشاب عادة من تمدد أو انكماش تبعًا لاختلاف فصول السنة فيتسنى لها بذلك أن تتكيف حسب اختلاف درجات الحرارة طوال العام. الفخار: تعد صناعة الفخار من أقدم الصناعات التى برع فيها الإنسان إذ أن الأوانى الفخارية كانت الوسيلة الضرورية لطهى المأكولات وحفظ السوائل على اختلاف أنواعها ووضع الحبوب لصيانتها من التلف. وقد ظلت صناعة الفخار محافظة على مكانتها حتى القرن الثالث عشر الميلادى. ومما يدل على انتشار الفخار على نطاق واسع بمصر، وكان زهيد الثمن، ما رواه المقريزى عن أحد الرحالة "أن البقالين وبائعى الخردوات فى القاهرة كانوا يسلمون مبيعاتهم للمشترين فى أوان من الخزف بدون مقابل". وازدهرت صناعة الخزف فى العصر القبطى وامتازت مصنوعات هذا العصر عن غيرها بخلوها من الدهان المعدنى الذى يجعل لها بريقًا ورونقًا خاصًا، وانتشرت صناعة الأطباق الفخار والقدور المعدة لحفظ السوائل لا سيما فى الأديرة القبطية. وكانت تزين هذه القدور والأطباق بأشكال الأسماك والأسد والطيور والنباتات وغيرها من الأشكال الرمزية. وكذلك كان يصنع من الفخار نوع خاص من المسارج المعدة للإضاءة، نقش على سطوحها نصوص قبطية بارزة، وعدد كبير من القوارير الصغيرة الجميلة الأشكال، والتى كانت تستخدم فى حفظ أنواع العطور والدهون والأطياب، وكذلك مجاميع الأنابيب الصغيرة المستديرة التى تعرف باسم قوارير القديس "مينا"، وقد حليت بصورة بارزة للقديس "مينا" (شهيد مصرى فى القرن الرابع الميلادى) تمثله وهو واقف بين جملين وحوله كتابة بالأحرف القبطية البارزة. ومما هو جدير بالذكر أن رهبان دير القديس "مينا" القائم حاليا بمنطقة مريوط ـ غرب الإسكندرية ـ قد قاموا حديثًا بإعادة صناعة تلك القوارير الفخارية بنفس النقوش التى كانت عليها فى القرن الخامس الميلادى وبنفس الإتقان الذى كان لأجدادهم الأوائل، فأعادوا بذلك جزءًا من أمجاد ذلك العصر. كذلك استخدمت بعض قطع الفخار ـ وبالأخص فى الأديرة ـ فى تدوين نصوص قبطية من الكتاب المقدس. كما كانت ـ لكثرتها ورخص ثمنها ـ المادة التى يتعلمون عليها طريقة تحسين وإتقان الأحرف القبطية عند البدء فى تعلم الكتابة. وقد عثر فى الأديرة القديمة على عدة قطع من الفخار الذى استخدم لجميع الأغراض السابقة ويرجع تاريخها إلى ما بين القرن الخامس والثامن الميلادى. الزجاج: يذكر فلندرز بترى أنه كشف عن بعض قطع من الزجاج الشفاف فى إحدى مقابر هوا رة بالفيوم يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، كما وجد أيضًا بعض عدسات كان القصد منها تكبير الأشياء. ويؤكد الفريد بتلر شهرة منطقة وادى النطرون وأديرته منذ العصر القبطى المبكر بهذه الصناعة وأنه كانت توجد فى هذه المنطقة عدة معامل لصناعة الزجاج، وهذه المعامل تعود إلى العصر الرومانى. وفى عام 1730 زار مصر الرحالة جرانجيه وقد رأى ثلاثة معامل للزجاج مهجورة بجهة وادى النطرون، كما كانت الأديرة القبطية ـ حتى القرن التاسع عشر ـ ملأى بالزجاج المستخدم فى المصابيح الملونة المشغولة بالمينا. وفى منتصف القرن الثامن الميلادى بدأت الكنائس فى استعمال أوان للقيام بالطقوس الدينية من مادة الزجاج الدقيق بدلاً من الذهب أو الفضة. صناعة المعادن: نبغ الأقباط فى فن صياغة المعادن، وكان لديهم الكثير من الأوانى والأدوات المعدنية المصنوعة من الذهب أو الفضة أو النحاس أو البرونز وكذلك من الحلى وأدوات الزينة الثمينة الجميلة، وإن كان ما وصلنا منها الآن قليلا جدًا بالمقارنة مع ما كانوا يملكونه من قبل، وسبب ذلك يرجع إلى أنه كان من عادة القوم وقتئذ أن تصهر تلك الأوانى سواء أكانت ملكًا للأفراد أو للكنائس كلما تقادم العهد عليها لاستبدالها بأوان أخرى جديدة. ويحتفظ المتحف القبطى بالقاهرة بالعديد من معادن العصر القبطي، منها باب من خشب الدوم محاط بإطار من البرونز ومزين برسوم بارزة وصور ملائكة، وفى وسطه قرص عليه رسم بارز ودوائر داخلها صلبان برونزية الصنع ويعود تاريخه إلى القرن العاشر الميلادى وعثر عليه فى الفيوم. أيضًا يوجد تمثال رائع وفاخر لنسر من البرونز عظيم الصنع عثر عليه فى حفائر أحد أبراج حصن بابليون بمصر القديمة، ولروعته حاول فيكتور عمانوئيل ملك إيطاليا اقتنائه لكن الحكومة المصرية اعتذرت عن ذلك. أيضًا توجد مجموعة من الأطباق الفضية والنحاسية عليها رسوم أسماك يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادى. صناعة العاج والعظم: العاج والعظم من المواد التى توافرت فى مصر من أقدم العصور التاريخية وتؤخذ من سن الفيل وفرس النهر. ومن بين المصنوعات التى قامت على مادتى العاج والعظم، أدوات الزينة للمرأة كصناعة الخلاخيل والأمشاط ودبابيس الشعر ثم الصناديق الصغيرة لحفظ أدوات الزينة أو القلائد الثمينة وغيرها. وقد ظلت تلك الصناعة منتشرة فى مصر فى جميع عصورها، وفى العصر القبطى بلغت درجة مرموقة من الدقة والإتقان والبراعة، كما كثرت وتنوعت الأدوات المصنوعة من مادتى العاج والعظم، فلقد استخدمت تلك المواد فى عمل لوحات للتصوير بعضها بارز ومنها ما هو غائر فى مناظر دينية رائعة بالإضافة إلى قطع أخرى صبغت على شكل طيور أو حيوانات أو أسماك بالإضافة إلى استخدامها فى تطعيم التوابيت الفاخرة وفى تطعيم أبواب الكنائس ومازالت الحواجز الخشبية (حامل الأيقونات) بكنائس مصر القديمة يشاهد معظمها مطعمًا تطعيمًا تعطينا مثلاً رائعًا لدقة وعظمة ما بلغه الصانع القبطى من براعة عجيبة فى فن التطعيم. العمارة القبطية: إن المسجد والكنيسة هما أهم مبنى فى المدينة وخاصة فى القرى المصرية. فقد ورثنا عن المصريين القدماء الاهتمام الكبير بمعتقداتنا الدينية وتغلغلها فى النفوس. وإذا كان الأقباط قد ورثوا عن المصريين القدماء اللغة القبطية، وهى آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة وورثوا أيضًا بعضًا من الألحان من الموسيقى الفرعونية إلا أنه كان لهم طابعهم الخاص الجديد، وقد ظهر ذلك بوضوح فى العمارة. فنرى كنائس القرنين الخامس والسادس تشبه المعابد ذات الشكل المستطيلى الخارجى وزخارف فرعونية أضيفت إليها الرموز المسيحية إلا أن التصميم الداخلى يختلف تمامًا عن المعبد المصري، بل ويقترب بالأكثر إلى البازيليكا. فبعد منشور التسامح الدينى الذى صدر عام 313م وجد المسيحيون أن أنسب مبنى ممكن أن يتحول إلى كنيسة هو البازيليكا الرومانية التى تتكون من صحن أوسط وجناحين وحنية Apse فى المقدمة للملك أو الرئيس. وقد كان للبازيليكا القبطية فى القرون من الخامس حتى الثامن الميلادى طابعها الخاص من دخولها داخل مستطيل ووجود جناح ثالث غربى ووجود حجرتين بجانب قدس الأقداس (الهيكل) نصف الدائري، ووجود المدخل Narthex أو أكثر كما هو فى الدير الأبيض (نسبة إلى بنائه بالحجر الأبيض) والدير الأحمر (نسبة إلى بنائه بالحجر الأحمر) بسوهاج. وتطور شكل البازيليكا وظهر الخورس وهو قسم منفصل بين الهيكل والصحن كما فى كنائس أديرة وادى النطرون ثم تطور شكل الكنيسة فى القرنين 16 ـ 17م وامتدت من الشمال إلى الجنوب بدلاً من الشرق إلى الغرب، كما فى دير القديسة دميانة بالطربة المدفونة. وفى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد ظهرت الكنائس ذات الاثنتى عشرة قبة كما فى معظم كنائس الوجهين البحرى والقبلى التى بنيت فى هذا العصر. ومن العناصر المعمارية المهمة فى الكنيسة القبطية تيجان الأعمدة، فالعامود القبطى يتألف من ثلاثة أجزاء هى القاعدة والبدن والتاج، ويتميز ببساطة زخرفة بدنه وزخرفة تاجه بعناصر زخرفية مميزة، فبعضها يحمل زخارف نباتية وهندسية تشتمل على أوراق الإكانتس وعناقيد العنب وسعف النخيل وثمار الرمان، والزخارف الهندسية فأخذت أشكال السلال ذات الزخارف المجدولة والمفرغة فى بعض الأحيان. ومن الملاحظ أن شكل أوراق العنب فى الشرق قد طرأ عليه تغيير كبير حيث بسط الفنان القبطى فى شكل الورقة لدرجة أنها صارت فى بعض الأحيان رمزية. وتحولت إلى شكل هندسى متصل، وبذلك مهدت إلى زخارف الأرابسك التى تميز بها الفن الإسلامى. أما العمارة القبطية المستخدمة فى خدمة الحياة الدنيوية فهى تشمل العمارة السكنية والمنازل ومبانيها وزخرفتها وتخطيط المدن ومصانع الهدايا التذكارية. وقد استعان الفنان القبطى ـ فى زخرفة العمارة ـ بمناظر جنى وتجميع محصول العنب، نيل مصرالخالد وفيه تسيرالمراكب محملة بالأوانى الفخارية، غزلان، تماسيح وأسماك وأيضًا نبات اللوتس. ومن ثم كان من الطبيعى أن يستخدم المسلمون الصناع والعمال المهرة من الأقباط فى أعمال البناء والزخرفة فى العصر الأموى. وفى مصر نجد التأثير الفنى للأقباط على زخارف منازل الفسطاط وجامع عمرو بن العاص ومقياس النيل بالروضة. المنسوجات القبطية: تعتبر المنسوجات القبطية من أهم الفنون التى ظهر فيها تطور الفن القبطى. وكان الأقباط يتقنون هذه الصناعة إتقانًا كبيرًا ويصدرون منسوجاتهم إلى روما وبيزنطة فى فترة الحكم الرومانى. ووصلتنا نماذج من المنسوجات القبطية يرجع الفضل فى بقائها إلى جفاف التربة المصرية وإلى عادة الأقباط فى تكفين موتاهم بأجمل الملابس ودفنهم فى مقابر رملية فى الصحراء بعيدًا عن وادى النيل خوفًا من مياه الفيضان. وكان الصانع القبطى يزخرف النسيج برسوم للطيور والأسماك أو نبات اللوتس أو عناقيد العنب أو أشكال هندسية أو بصور أشخاص. وقد ظلت شهرة المنسوجات القبطية حتى العصور الإسلامية وكان نسيج القباطى المعروف بالتابسترى من أفخر أنواع النسيج، وقد اشتهر باسم "القباطى" نسبة إلى قبط مصر. وقد اهتم العالم الإسلامى بصناعات الأقباط فكان الخلفاء يختارون مصر لترسل الكسوة السنوية إلى الكعبة لما لمسوه من إتقان المصريين لصناعة النسيج. أما عن الألوان المستخدمة فى مختلف مظاهر الفن القبطى فكان لها رموزها التى تخدم بدورها المضمون اللاهوتى. فاللون الأصفر يرمز للقداسة التى تنبعث من النور الإلهى ويستخدم عوضًا عن الذهب، واللون الأحمر بدرجاته يرمز إلى المجد والفداء، واللون الأبيض يرمز إلى الطهارة القلبية، واللون الأزرق يرمز إلى الأبدية التى لا نهاية لها، واللون الأسود يرمز إلى الوجود ويستخدم دائمًا فى تأكيد الأشكال وإبراز التصميم. الموسيقى القبطية: الموسيقى المصرية القديمة ـ بشهادة كل العلماء والموسيقيين ـ لا زالت ماثلة فى صورتين: إحداهما تتمثل فى حياة الناس العامة ولا سيما فلاحى مصر، ومصر العليا بصفة خاصة، ممن عاشوا حتى اليوم أبعد ما يكون عن المؤثرات الوافدة وبقيت لهم أغانيهم بترنيماتها على صورة لم تبعد كثيرًا عما كانت عليه فى الماضى البعيد. والأخرى تتمثل فيما لا يزال يتردد بين أرجاء الكنائس القبطية على ألسنة المرتلين والشعب يؤدونه كما وعوه ولقنوه، فمسيحيو مصر ورثوا عن آبائهم الفراعنة موسيقاهم، لم يصرفهم عنها خروجهم من معتقد ولم يمس المعتقد الجديد تلك الموسيقى القديمة فى صميمها وإنما مسها فى ظاهرها فلوَّن منها شيئًا ولكنها لا تزال هى هى موسيقى فرعونية بلحمتها وسداها. ويؤكد العلماء الموسيقيون مثل هكمان وفلز وجلسبى ودريتون وغيرهم أن هناك تشابها فى الأداء بين الغناء الشعبى الحديث والغناء القديم، بل يؤكد أن هناك تطابقًا فى الترتيل والتنغيم بين ما هو جارى على ألسنة المرتلين فى الكنائس القبطية والمغنين فى الريف وبين ما كان جاريا على ألسنة آبائهم من قدماء المصريين. تستخدم الكنيسة القبطية موسيقاها الصوتية ـ وليست الآلية ـ فى العبادة. وهذا تقليد مصرى قديم وتقليد عبادى قديم أيضًا. ففى الدولة الحديثة كان الاهتمام فى مصر القديمة ينصب على الصوت أصلاً، حيث إنهم يعتبرون صوت الإنسان موصلاً للروح من شخص إلى شخص، وأنه أخلص وسيلة للتعبير. وهذه الطريقة الصوتية البحتة أتاحت لكل الشعوب الفرصة للعبادة دون أن تكون مقصورة على الموسيقيين فقط. وقد ذكر فيلو السكندرى (القرن الأول الميلادى) أن جماعة المسيحيين الأولين أخذوا ألحانًا من مصر القديمة ووضعوا لها النصوص المسيحية. ومن بين هذه الألحان لحن "غولفوثا" أو "الجلجثة" أى الجمجمة الذى كان يستعمله قدماء المصريين أثناء عملية التحنيط وفى مناسبة الجنازات. ولحن "بيك أثرونس" أى عرشك أو كرسيك الذى يشتمل نصفه الأول على نغمات حزينة تردد لوفاة الفرعون ونصفه الآخر على نغمات مبهجة تردد لزفاف الفرعون المنتقل إلى مراكب الشمس لتصحبه إلى "رع" فى دنيا الخلود. ويذكر عميد الأدب العربى د. طه حسين أن كل حرف يردد داخل جدران الكنيسة القبطية على مدى كل ساعات الليل والنهار له موسيقاه الملهمة، كما تنفرد الكنيسة القبطية عن كل كنائس العالم بهذا الكم الهائل من الألحان التى تمثل أعمق ما فى ذاكرة البشرية من موسيقى ملهمة تنتمى إلى عشرات الفصائل الموسيقية المختلفة والمتباينة فى تأثيراتها وقوتها، كما أن التأثيرات البديعة لنوع هذه الألحان لا سيما الألحان الجنائزية والتى يرجع تاريخ بعضها إلى العبادة الأوزيريسية (نسبة إلى أوزوريس). وإذا كانت اللغة الإيطالية لغة المسرح والغناء، واللغة الفرنسية لغة الصالون، فإن اللغة القبطية لغة الصلاة. ميزة هذه اللغة ـ كما يذكر عميد الموسيقى القبطية د. راغب مفتاح ـ أن أغلب كلماتها تحتوى على حروف متحركة كثيرة تؤدى إلى سهولة اللفظ وجمال الترتيل والتسبيح. لهذا السبب تفقد أنغام هذه اللغة نحو 70% من أصولها الموسيقية عندما تنقل إلى لغة أخرى. من هنا فإن الموسيقى القبطية تعد أقدم تراث موسيقى فى العالم، وهى موسيقى شعبية وجذورها مصرية عريقة. لذا فإنه من واجب المصريين جميعًا الحفاظ على هذا التراث الفريد باعتباره أحد الفنون القومية المصرية الأصيلة. يبدو مما تقدم عن الفن القبطى أن له طابعًا شعبيا مصريا دنيويا إلى جانب الطابع الدينى ويتفق تمامًا وحياة الشعب المصرية القديمة والفن الشعبى الحديث. وأنه صورة من صور الفنون المصرية فى عصر من عصورها المتطورة وأن له طابعًا شعبيا خاصَا من أصالة وعمق وروحانية. وقد أصبح للفن القبطى تأثيره المباشر فى حضارة أوروبا وفنونها فى عصر من عصور نهضتها وكذلك فى بعض البلاد الآسيوية والأفريقية.< مراجع: 1 ـ يوساب السريانى (الأب) الفن القبطى ـ دير السريان 1995. 2 تاج ألوان قطعة النسيج ألوان نسيج قبطى تظهر به علامة الصليب وفى أعلى القطعة رسم للطاووس الذى يرمز إلى الفردوس والحياة الجديدة نحت قبطى من الحجر يمثل رمز السمكة التى تشير إلى المسيحية. من القرن الرابع الميلادى. بمتحف اللوفر بباريس 4 السمكة ألوان قطعة من الحجر الجيرى يعود تاريخها إلى القرن الخامس وفى أعلاها نقش صليب داخل إكليل من الغار يحمله طفلان. وأهمية تلك القطعة أنها تمثل مزيجًا من العصرين الوثنى والمسيحى. ويعتقد أنها واردة من سوهاج. الفـــــــــــن القـبــــــطى ألوان رسم للقديسين الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا يعود تاريخه إلى القرن 18. [المتحف القبطى بالقاهرة] رسم لميدالية تذكارية من الفضة قام بإعدادها الفنان بديع عبدالملك غطاس صورة مصر فى عصورها المتطورة تاج عمود قبطى من باويط قرن ثامن ميلادى
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة