سـيرة ذاتيّة..الشـيوعيون المصــريون ....... والســلطة!



كثير هو ما كتب عن تاريخ الحركة الشيوعية المصرية، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق وانتهاء الحرب الباردة، ووجود قدر من المهنية العلمية والمنهج الموضوعى فى معالجة مسألة التيارات الشيوعية عموماً، فكراً وتنظيماً، وفى منطقتنا العربية على وجه الخصوص. وبعض ما كتب جاء على يد خبراء متخصصين وباحثين جادين بحثاً عن الحقيقة وانطلاقاً من أرضية المفترض أنها محايدة، أو من معادين للشيوعية، أو من مؤيدين لها أو حتى منتسبين لها فى شكل مذكرات أو شهادات أو روايات. ولا يتسع المجال هنا لذكر هذه المصادر أو حتى بعضها. ولكن بالرغم من هذا الكم الهائل من الدراسات والمذكرات والشهادات، فما زال المجال مفتوحاً على مصراعيه للمزيد من الإسهامات.
والكتاب الذى نعرض له هنا له أكثر من خصوصية، سواء لموضوع الكتاب، أو للكاتب ذاته. فالكتاب عنوانه: «حدتو: سيرة ذاتية لمنظمة شيوعية»، ومؤلفه هو الكاتب والأديب الأستاذ محمود الورداني، ويقع فى 515 صفحة، ومن إصدارات دار الهلال المصرية.
فموضوع الكتاب يتعلق بأحد التنظيمات الشيوعية المصرية الهامة، بل واحد من أبرز هذه التنظيمات، إن لم يكن أبرزها على الإطلاق، فى إطار ما يسمى بالحلقة الثانية للحركة الشيوعية المصرية، أى تلك الممتدة زمنياً ما بين منتصف عقد الثلاثينيات من القرن العشرين حتى قيام أكبر تنظيمين شيوعيين مصريين بحل أنفسهما أو بلغة أكثر دقة «إنهاء وجودهما المستقل» فى مارس وأبريل 1965 على التوالى ودعوة أعضائهما للانخراط، كأفراد، فى عضوية التنظيم السياسى والشعبى الوحيد حينذاك «الاتحاد الاشتراكى العربي». وهذا التنظيم الذى نتحدث عنه هو «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» التى عرفت واشتهرت اختصاراً باسم «حدتو»، والتى وصل الأمر ببعض مؤرخى الحركة الوطنية المصرية، إلى أن يطلق عليها تعبير «وفد الشيوعيين»، أى ما يماثل حزب الوفد بالنسبة للشيوعيين المصريين، والمقصود هنا أن «حدتو» كانت تنظيم الأغلبية داخل صفوف الحركة الشيوعية المصرية فى سياق المقارنة مع وضعية حزب الوفد المصرى كحزب الأغلبية فى الحياة السياسية المصرية ما بين عام 1923 وحتى 23 يوليو 1952. ويتتبع المؤلف نشأة وتطور «حدتو» فى تلك الفترة الزمنية الثرية بالأحداث، وإن كان تركيزه أكثر على الفترة الممتدة من 23 يوليو 1952 حتى قرار الحل أو إنهاء الوجود المستقل فى مارس 1965، ويستعرض دورها الفكرى والسياسى والاجتماعى وعلاقاتها ببقية التنظيمات الشيوعية المصرية، وخارج مصر، وبالسلطات السياسية المصرية وبالمجتمع المصرى وقواه المختلفة، وأيضاً بالتطورات الإقليمية والدولية خلال تلك الفترة.
أما الخاصية الثانية، فهى أن المؤلف الأستاذ محمود الوردانى يقر فى مقدمة كتابه أنه، وإن انتمى للحركة الشيوعية المصرية خلال مرحلة ما من الحلقة الثالثة لهذه الحركة، أى التالية لقرار الحل أو إنهاء الوجود المستقل عام 1965، بل وتعرض للاعتقال بسبب انتمائه للحركة الشيوعية، فإنه لم ينتم قط إلى تنظيم «حدتو»، ولكنه يشير إلى أن ما شجعه على المضى فى إعداد هذا الكتاب هو حث اصدقاء كثيرين له ممن انتموا لـ «حدتو» على القيام بهذه المهمة.
وتتعلق الخاصية الثالثة بأن من قدم للكتاب هو الأستاذ محمد يوسف الجندي، أحد الأقطاب البارزين للحركة الشيوعية المصرية، ونجل يوسف الجندى رئيس جمهورية زفتى خلال ثورة 1919، والكاتب والناشر الشهير، والذى يقر فى تقديمه بموضوعية وحيادية تناول المؤلف محمود الوردانى لـ «حدتو».
وتتصل الخاصية الرابعة باستعانة المؤلف عبر الكتاب بعدد ضخم من المذكرات والروايات والشهادات والمذكرات والكتب، بل والوثائق الرسمية والحكومية، وإن كانت الغالبية العظمى من المراجع التى لجأ إليها اقتصرت على ما صدر عن قيادات وكوادر الحركة الشيوعية المصرية بتنظيماتها المختلفة، خاصة من حدتو. إلا أننا لا نجد عبر الكتاب إلا قليلاً من الاستعانة بمصادر إما معادية لهذه الحركة، أو كتابات علمية عن الحركة وتاريخها ودورها، أو عن حدتو تحديداً. كما أنه من اللافت أنه بينما استعان المؤلف مثلاً بكتاب مصطفى طيبة عن مذكرات السيد/كمال الدين رفعت، فإنه لم يستعن بالمؤلف الهام لمصطفى طيبة نفسه عن الحركة الشيوعية المصرية ما بين 1945 و1965.

 


والآن ننتقل إلى جوهر الكتاب ذاته، فعندما ينتهى القاريء من قراءة آخر صفحة من صفحات الكتاب، يدرك يقيناً أنه من الصعب الحديث عن «حركة» شيوعية مصرية واحدة، فتلك الحركة خلال الفترة التى يتعرض لها الكتاب كانت أبعد ما تكون عن الوحدة، حتى من الناحية النظرية، سوى لفترات وجيزة للغاية، وحتى خلال تلك الفترات المحدودة، فإن الانقسامات كانت متجذرة بداخلها، وكانت المحاور مرتكزة على الانتماءات التنظيمية لكل شخص أو مجموعة. ويحرص المؤلف طوال الكتاب على إبراز هذه السمة التى يعتبرها مميزة للحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية، ويعرض المؤلف أمثلة كثيرة على تبادل الاتهامات فيما بين التنظيمات الشيوعية بالتخوين ومقاطعة كل طرف للباقين واتهام كل طرف للآخر بـ «السعى لتخريب مسيرة الطبقة العاملة» أو «التحريفية»، بالإضافة إلى اتهامات العمالة للأجهزة الأمنية، وكذلك الاتهامات بالانعزالية والانتهازية وضيق الأفق. وتلفت صفحات الكتاب الاهتمام إلى أمر يبدو غريباً ولكن الأمثلة عليه كثيرة، ألا وهو أن كل فصيل شيوعى مصرى فى الفترة محل الدراسة كان أقدر على العمل والتعاون بل والتنسيق مع تيارات سياسية غير شيوعية بشكل أكثر سهولة من العمل أو التعاون مع فصائل شيوعية! ويكرر الكاتب اعتبار طابع الانقسام والتشرذم مرضاً «جينياً» امتد لاحقاً إلى الحلقة الثالثة من الحركة الشيوعية المصرية.
ويعرض الكتاب لمحاولات توحيد الفصائل الشيوعية المختلفة منذ مطلع الحلقة الثانية للحركة الشيوعية المصرية، ووساطة أطراف شيوعية خارجية، عربية وأجنبية، للتوصل إلى هذا الهدف. ويرجع الكتاب فشل محاولات توحيد الفصائل الشيوعية المصرية أيضاً إلى عدم إفساح المجال، حتى داخل المعتقلات، لمناقشات فكرية وسياسية مستفيضة للخلافات تؤدى للتوصل إلى قناعات ومواقف مشتركة. فبدلاً من إنجاز الوحدة داخل المعتقلات تضاعفت الانشقاقات.
وبالرغم من أن الكاتب يشير فى مرات قليلة خلال الكتاب إلى دور عوامل خارجية فى ظاهرة التشرذم التى أصابت الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية، فإنه ــ من وجهة نظرنا ــ لا يوفى هذا الأمر حق قدره. فلا نعرف إلا قليلاً عن دور أحزاب شيوعية خارج مصر ــ خاصة الحزب الشيوعى السوفيتى فى إحداث هذه الانقسامات أو التسبب فيها أو اتخاذ مواقف إزاءها، كما لا يعرض المؤلف بشكل كاف لدور السلطة السياسية فى مصر، فى الحقبتين الملكية والناصرية على حد سواء، فى الدفع نحو هذه الانقسامات، وكذلك دور قوى سياسية أخرى فى مصر فى تسهيل أو الإسراع بحدوث هذه الانقسامات، خاصة فى الفترة شبه الليبرالية السابقة على ثورة 23 يوليو 1952.
كما يعرض لنا الكتاب نماذج من لغة الخطاب السياسى فيما بين هذه التنظيمات الشيوعية المصرية أو من أحدها عن باقيها، لنجد أنفسنا هنا أمام لغة اتهامات بالعمالة والخيانة تكاد تفوق الاتهامات التى تكيلها تلك التنظيمات الشيوعية للخصوم الأيديولوجيين والسياسيين للماركسية وللحركة الشيوعية. كما تضمنت الاتهامات المتبادلة الاتهام بالعداء للوحدة الوطنية(!) و«المركزية المطلقة» و«الانعزال عن الشعب والطبقة العاملة» و«اليسارية الجوفاء(!)»، بالإضافة لاتهام كل تنظيم للآخر بأنه مكون من «أبناء الباشوات» و«راكبى السيارات الفاخرة». ويركز المؤلف طوال الكتاب على إبراز ظاهرة التفتت التى عانت منها الحركة الشيوعية المصرية، حتى داخل السجون والمعتقلات باستثناءات قليلة يشير إليها فى الكتاب، ويعتبرها آفة صاحبت الحركة وفشل الشيوعيون المصريون فى التخلص منها. كما يكرر اتهام هذه التنظيمات بما يسميه «العجز التنظيمى والفقر النظري». ويعتبر المؤلف أن هذه الانقسامات داخل صفوف الحركة الشيوعية المصرية شكلت عامل طرد لعناصر متميزة من الحركة الشيوعية المصرية.
ويتناول الكتاب موضوعاً آخر مهماً طالما تم تناوله، خاصة من جانب خصوم الحركة الشيوعية المصرية، ألا وهو دور اليهود، ليس فقط داخل «حدتو»، بل وفى مجمل الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية. ويحاول الكاتب تقديم تفسيرات موضوعية لهذا الدور تتجاوز نظرية المؤامرة، ويتلمس أسباباً تاريخية لهذا الدور، خاصة قبل 23 يوليو 1952، ولكن الكاتب، وإن حرص على الابتعاد عن أى بعد عنصرى فى تناول هذا الموضوع، فهو لم يجامل اليهود ودورهم فى الحركة الشيوعية المصرية، بل سعى لإنصافهم وإعطائهم قدرهم وما يستحقونه من تقدير من وجهة نظره، ونذكر بشكل خاص إبرازه لما قام به شيوعيون أجانب فارين من مصر من دور فى تعبئة الرأى العام الفرنسى ضد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، بالرغم من كونهم يهوداً. ولكن المؤلف انتقد أشخاصاً منهم بعينهم ــ أحياناً بحدة ــ من جهة أخرى لدورهم فيما اعتبره المزيد من التفتت للحركة الشيوعية المصرية، وكذا لما أسماه لدى بعضهم «أنانيته» وانعزاله ليس فقط عن الشعب المصرى المفترض أن تعبر الحركة الشيوعية المصرية عن قواه الكادحة والعاملة وعن همومه وتطلعاته، بل حتى الانعزال عن بقية أعضاء نفس التنظيم الشيوعى الذى ينتمى إليه.
ولكن المؤلف حرص، مثله فى ذلك مثل الدكتور رفعت السعيد، فى عمله الموسوعى الضخم المكون من خمسة أجزاء عن الحركة الشيوعية المصرية، على إنصاف «هنرى كورييل»، أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل فى تاريخ الحركة الشيوعية المصرية، حتى بعد انتقاله إلى خارج مصر وتأسيسه «مجموعة روما» التابعة لـ «حدتو» والتى ضمت أعضاء «حدتو» المقيمين فى باريس، بل أنصفه حتى فى مواجهة قرار التنظيم بحل مجموعة روما فى 14 مارس 1958 وفصم العرى معها، حيث استمرت «مجموعة روما» رغم ذلك فى مساندة شيوعيى «حدتو» داخل مصر، خاصة خلال محنة الاعتقال الكبرى ما بين 1959 و1964، وكذلك لدوره فى تمصير الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية، وأيضاً دوره فى الالتفات لأهمية تجنيد «حدتو» لضباط الجيش والأزهريين والفلاحين والنوبيين والسودانيين، وفى إدخال الفتيات والسيدات بأعداد كبيرة لعضوية التنظيم، وكذا ربطه النضال السياسى للشيوعيين بالنضال ضد المحتل البريطاني، وزهده فى أى منصب قيادى بالتنظيم، ونجاحه فى تعبئة دعم الأحزاب الشيوعية خارج مصر لدعم «حدتو». ويذكر الأستاذ محمود الوردانى لكورييل فضلاً أيديولوجياً هذه المرة، وهو إدخاله مفاهيم هامة فى فكر «حدتو» مثلت ابتعاداً عن الإطار النظرى الجامد أو التعامل مع الماركسية وكأنها نصوص مقدسة، ويضرب مثالاً على ذلك بطرح كورييل بأن القول بالدور القيادى للطبقة العاملة لا يجب أن يعنى استبعاد قوى اجتماعية أخرى تتصف بالثورية ويجب أن تشارك مع الطبقة العاملة فى قيادة النضال ضد الاستعمار. كما يذكر المؤلف لكورييل تحذيره للشيوعيين المصريين عقب تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 من المبالغة فى «تمجيد» الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نظراً لأن «نظامه استبدادى وغير ديمقراطي». ولكن المؤلف انتقد كورييل بشأن قبوله قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947، وإيمانه بحق اسرائيل فى الوجود الآمن فى نفس الوقت الذى كان يعلن فيه معارضته للصهيونية وللنزعة التوسعية لدولة إسرائيل، ويشير المؤلف إلى ما يسميه تحول هنرى كورييل للصهيونية عقب حرب 5 يونيو 1967 كما انتقد دوره فى محاولة الوساطة فى السبعينيات من القرن العشرين بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقاً دعمه لزيارة الرئيس المصرى الراحل أنور السادات للقدس فى 19 و20 نوفمبر1977 .
ولكن المؤلف يستدرك مقراً بأن الحكومات العربية والقيادة الفلسطينية تبنت بشكل متزايد موقفاً متخاذلاً فى مواجهة حقوق الشعب الفلسطينى فى نفس هذه الفترة، ويتهم الحكومات العربية بأنها استخدمت قضية فلسطين لتبرير ما أسماه بـ «القمع الداخلي» لشعوبها. ولا يفوت المؤلف هنا إشادته بما أسماه «الموقف الصلب» للشيوعيين المصريين والعرب تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية، خاصة بعد حرب 1967. بل إن المؤلف يسهب فى الإشادة بمواقف شيوعيين مصريين، خاصة من «حدتو»، الذين رفضوا أصلاً أى حق لإنشاء دولة يهودية فى فلسطين وتحدثوا عن «عروبة» فلسطين، بينما فرق بعضهم بين «الطبقة العاملة اليهودية» فى فلسطين ومن أسموهم بـ «الرأسماليين الصهاينة» الذين غرروا بالطبقة العاملة اليهودية فى ضوء مصالحهم لإنشاء دولة يهودية. ووصف هؤلاء الشيوعيون المصريون فى تلك المرحلة المبكرة الصهيونية بالفاشية وبالتحالف مع الاستعمار واعتبروا إسرائيل رأس حربة الاستعمار ضد الشعوب العربية، ولكن هؤلاء أيضاً هاجموا من أسموهم بـ «الحكومات العربية الرجعية» بنفس القدر. ولكن بعض هؤلاء الشيوعيين غلب عليهم الخطاب الأيديولوجى منقطع الصلة بالواقع مثل الدعوة لـ «وحدة العرب واليهود فى فلسطين ضد الاستعمار ومن أجل الاستقلال والديمقراطية». ولكن المؤلف يقر بموافقة تنظيمات شيوعية مصرية على قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947، وينتقد هذا الموقف، بنفس القوة التى هاجم بها من أسماهم بـ «الشوفينيين القوميين العرب» داخل مصر وفى بقية أنحاء الوطن العربى الذين دعوا إلى إلـقاء اليهـود فــى البحــر.
وفى الإطار نفسه، لم يفت الكاتب أن يسترسل فى شرح ما يعتقد أنه خلفيات تاريخية وأيديولوجية للموقف السوفيتى إزاء إسرائيل وقضية فلسطين، دون أن يتطوع للبحث عن التبريرات أو الأعذار لهذا الموقف. ولكن الكاتب يرفض تماماً افتراض «المؤامرة» مرة أخرى فيما يتعلق بهذا الموقف السوفيتى الداعم لإقامة دولة إسرائيل ضمن دعمه لحل الدولتين الذى تبناه قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947، ويعيد للذاكرة أن الموقف السوفيتى الأول كان الدعوة لإنشاء دولة موحدة ثنائية القومية عربية ويهودية فى فلسطين، وهو اقتراح رفضه فى حينه الزعماء العرب والقادة الصهاينة على حد سواء، الأمر الذى دفع الاتحاد السوفيتي، بحسب المؤلف، لقبول قرار التقسيم باعتباره حلاً، وإن لم يكن عادلاً، فهو أفضل «الحلول السيئة». وينتقل المؤلف لانتقاد الاتحاد السوفيتى ويصف موقفه بالواهم، فالمؤلف، وإن كان يتفق مع طرح أن قرار التقسيم كان «الحل العملى الوحيد»، فهو يهاجم موقف الشيوعيين الذين تحدثوا عن «تحالف العمال والفلاحين العرب واليهود ضد المشروع الصهيونى فى فلسطين»، ويتهم كلاً من الاتحاد السوفيتى والشيوعيين المصريين بتجاهل أو العجز عن إدراك «العامل القومى اليهودي»، ربما بسبب الخلفية الأيديولوجية الماركسية الأرثوذكسية التى قللت من أهمية الاعتبارات القومية، كما يتهم موقفهم بالجمود العقائدى الذى أملى عليهم افتراض تحالف البروليتاريا على الجانبين الفلسطينى واليهودي، كما يتهمهم بالمراهنة الخطأ لاحقاً على أن الدولة اليهودية ستكون ديمقراطية وتقدمية. ولكن المؤلف حرص فى مواقع عدة من كتابه على تأكيد أن مواقف الشيوعيين المصريين إزاء إسرائيل والقضية الفلسطينية منذ قرار التقسيم لم تكن يوماً قائمة على الانصياع للمواقف السوفيتية.
وفى هذا السياق، ركز المؤلف على الدور القيادى الذى لعبه شباب الأجانب ــ خاصة اليهود ــ فى تأسيس الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية، بجانب بقايا شيوعيى الحرس القديم من الحلقة الأولى من تاريخ الحركة الشيوعية المصرية (حزب عام 1923 والذى كان مصرياً بالكامل)، ووصف دور المصريين فى نشأة تلك الحلقة الثانية بأنه كان كدور الجزر المنعزلة من الانتلجنتسيا ذات المسحة اليسارية، بينما بقى الدور الأساسى منوطاً بالأجانب، وأغلبهم كانوا من اليهود، بسبب تشكل بعض الجاليات الأجنبية فى معظمها من العمال والحرفيين، كحالة الإيطاليين، وتأثرهم بالمد اليسارى فى أوروبا، وعمل العمال المصريين والأجانب جنباً إلى جنب فى الورش والمصانع. ويفرق المؤلف بين اليهود المصريين واليهود المتمصرين، كما يشير إلى أن بعض اليهود المصريين كانوا معادين للصهيونية، ورفضوا بعد قيام دولة إسرائيل أى صلة معها وأعلنوا الكفاح ضد سياساتها العدوانية. وحظى هؤلاء بغض الطرف من جانب سلطات الاحتلال البريطانى بسبب حربها ضد الفاشية فى أوروبا. ويتصف الكاتب بالموضوعية عندما يشير إلى قطاعات أخرى من اليهود المصريين غير الشيوعيين الذين عارضوا النشاط الصهيونى داخل مصر فى تلك الفترة لما أدى إليه من إساءة إلى وضع اليهود فى مصر واستفزاز الرأى العام المصرى ضدهم. كما يذكر الكاتب لهؤلاء الشيوعيين الأجانب فى مصر وجود اهتمامات لهم خارج الحدود، أبرزها اتصالهم بالأحزاب الشيوعية فى دول عربية أخري، ودعمهم للجمهوريين فى أسبانيا إبان الحرب الأهلية هناك فى ثلاثينيات القرن العشرين، كما كان لهم انتماءات للأحزاب الشيوعية فى بلدانهم الأصلية. ويشير ضمنياً إلى علاقات بعض هؤلاء الشيوعيين الأجانب بحزب الوفد المصرى فى ذلك الوقت. ولكن على الجانب الآخر، يذكر للمؤلف إقراره بأن أحد أسباب الانقسام الذى لحق بالحركة الشيوعية المصرية فى حلقتيها الثانية والثالثة يعود إلى ما أسماه بـ «الولادة المتعسرة للحلقة الثانية»، أى تصدى الأجانب واليهود لقيادة التنظيمات الشيوعية المصرية، وعرضه لتفاصيل محاولات تمصير الحركة الشيوعية المصرية.

 


كذلك أسهب الكتاب كثيراً فى تبيان ما أسماه حقيقة موقف فصائل الحركة الشيوعية المصرية ــ خاصة «حدتو» ــ تجاه الوحدة المصرية/السورية فى فبراير 1958 ومجمل مسألة الوحدة العربية خلال تلك الفترة، وما أسماه الكاتب «الموقف القومي» لهذه الفصائل بخلاف ما تم الترويج له من جانب خصومهم عن عدائهم للقومية والوحدة العربية، بل أظهر حماسهم لهذه الوحدة، ولكن على أساس فيدرالى وليس اندماجياً، وبدون أن يكون ثمن الوحدة إنهاء الوجود المستقل للأحزاب الشيوعية العربية، خاصة الحزب الشيوعى العراقى عندما كان الحديث فى أعقاب ثورة العراق فى 14 يوليو 1958 عن الوحدة بين الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) وبين العراق، أو إنهاء الديمقراطية والتعددية السياسية والتنظيمية، ومفنداً القول بأن الشيوعيين المصريين تحالفوا مع الزعيم عبد الكريم قاسم فى العراق ونظامه ضد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. ويشير المؤلف إلى أنه إزاء الوحدة المصرية السورية فى المقام الأول، وبالرغم من حل الحزب الشيوعى السوري، رحب الشيوعيون المصريون بالوحدة وأصدروا كراسات تضمنت تأكيدات على أن الحركة القومية العربية هى حركة شعبية معادية للاستعمار وتقدمية من الناحية الاجتماعية فى نضالها ضد الإقطاعيين والاحتكاريين، بل ورفضوا الاعتراض على حل الأحزاب فى سوريا معتبرين أن السياسة المعادية للاستعمار لدولة الوحدة ستوفر ظروفاً ملائمة للديمقراطية (!)، ودعوا للتركيز على ما أسموه «النقاط الإيجابية» فى الحكم. ويرجع المؤلف التغيير فى المواقف عقب ثورة العراق إلى ظهور جبهة بين الشيوعيين والبعث وقوى سياسية أخرى فى العراق مما دفع الشيوعيين فى مصر لرفع شعار الجبهة أيضاً وإعلان دعمهم للجبهة الوطنية فى العراق، وهو الأمر الذى دفع بدوره الرئيس الراحل عبد الناصر إلى شن حملة سياسية وإعلامية ضد نظام الحكم فى العراق ومن ثم احتدم الصراع بين الرئيس عبد الناصر والشيوعيين المصريين. وقد ذهب الشيوعيون المصريون خطوة أبعد بالقول بأن غياب الديمقراطية عن مصر يقلق الدول العربية الأخرى ويبعدها عن الدخول فى وحدة مع مصر، مستذكرين ازدهار الديمقراطية فى سوريا قبل الوحدة مع مصر، ومكررين تمسكهم بالصيغة الفيدرالية فى مواجهة الوحدة الاندماجية.
وبالرغم من كل الانتقادات التى تضمنها الكتاب للحلقة الثانية للحركة الشيوعية المصرية، بما فى ذلك «حدتو»، فإنه سعى لإنصافها، فاعتبر «حدتو» ــ منذ تأسيسها عام 1947 بالاتحاد بين «الحركة المصرية للتحرر الوطني» و«إيسكرا» و«القلعة» - أقرب إلى البوتقة التى انصهرت فيها اتجاهات شيوعية عديدة، كما اعتبر «حدتو» التنظيم الأكثر تمثيلاً للمجتمع المصرى من حيث احتوائها على قيادات وكوادر للحركة العمالية المصرية، بالإضافة لأبناء وبنات الأرستقراطية المصرية، إذا جاز لنا القول بوجود أرستقراطية مصرية وليس أرستقراطية تركية فى مصر خلال تلك الفترة، وصفوة الانتلجنتسيا، وروائيين وفنانين تشكيليين وسينمائيين وفلاحين، بل وأزهريين، وأقباط ويهود، ونوبيين، بل وسودانيين حيث كانت مصر والسودان معاً حينذاك تحت التاج المصري، وأيضاً ضباط، بمن فيهم عدد من الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد، ورجالاً ونساءً.
ويعرض المؤلف لدور «حدتو» على وجه الخصوص، ومجمل الحركة الشيوعية المصرية، على ساحة العمل الوطنى فى مصر، بدءًا بانتفاضة الطلاب والعمال عام 1946، والتى لا شك أنها أعطت دفعة للحركة، أو الحركات، الشيوعية المصرية، على صعيد الخبرات المكتسبة والشعبية المتزايدة والتلاحم بدرجة أكبر مع بقية فصائل الحركة الوطنية المصرية. ويشير المؤلف إلى رفع «حدتو» شعارات تبنتها الحركة الوطنية المصرية ككل، مثل رفض التفاوض مع المستعمر والدعوة للكفاح المسلح ضده والدعوة لمواجهة سيطرة الاستعمار الاقتصادية وإرهاصات الدعوة لمواجهة المتحالفين مع الاستعمار من كبار الماليين والإقطاعيين، ورفض عقد معاهدات تعاون أو تحالف أو دفاع مشترك مع الغرب، والدعوة لإطلاق الحريات، خاصة حرية الصحافة. بل إن الشيوعيين المصريين طالبوا فى ذلك الوقت بصدور قوانين للإصلاح الزراعى وبتأميم قناة السويس وبمجانية التعليم والرعاية الصحية وتوفير الضمان الاجتماعي، وبدأت «حدتو» جهود توحيد الحركة النقابية العمالية المصرية، وكذا كافحت لبناء اتحاد ديمقراطى لطلاب الجامعات فى مصر. ويشيد المؤلف بدعوة «حدتو» فى تلك الفترة لحماية الرأسمالية الوطنية باعتبارها حليفاً للطبقة العاملة المصرية فى نضالها ضد الاستعمار، وذلك فى إشارة ضمنية لحزب الوفد المصرى حينذاك، ودعت «حدتو» إلى «جبهة وطنية ديمقراطية»، وهو الأمر الذى فتح الباب أمام إدانة تنظيمات شيوعية مصرية أخرى لها. ولم يفت الكاتب أن يشيد بدور «حدتو» فى الكفاح المسلح فى منطقة القناة عقب إلغاء معاهدة 1936 على يد حكومة الوفد فى أكتوبر 1951. كما يشير إلى سعى «حدتو» خلال تلك الفترة لبناء منظمات علنية كواجهة لنشاطها مثل «حركة أنصار السلام»، ويعتبر أن هذا «التكتيك» ساعد على انتشار التنظيم وانفتاحه على الجماهير، ومن ثم اتساع قاعدته الشعبية، وهى خاصية يرى المؤلف أنها لازمت «حدتو» كلما حدثت انفراجات ديمقراطية فى النظام السياسى المصرى قبل 1952، حيث كان التنظيم ينفتح حينذاك على القوى السياسية الأخرى ويسرع بالتصدى لمهام النشاط الجماهيري. ولكن المؤلف يشير إلى المثالب على الجانب الآخر، ومنها عجز الشيوعيين المصريين عن استغلال فرصة أحداث 1946 لتوحيد صفوفهم، وكذا فشلهم فى إخراج قيادات قوية أو عجز قياداتهم على التعامل مع الموقف. وهنا يعقد الكاتب مقارنة لافتة بين أوجه الفشل تلك لدى الشيوعيين المصريين تجاه أحداث 1946 وتجاه أحداث يناير 1977 بعد ذلك بأكثر من ثلاثة عقود. كما يعرض لدور التنظيم فى مكافحة وباء الكوليرا فى مصر عام 1947.
ولكن المؤلف فى كتابه هذا لا يجيب عن سؤال هام يتصل بإشادته بتعاون «حدتو» مع قوى سياسية أخرى فى مصر ما بين 1946 و1952، ألا وهو: هل تخلت «حدتو»، وغيرها من التنظيمات الشيوعية، عن القوى السياسية الأخرى عقب يوليو 1952؟ وتحديداً بعد أزمة مارس 1954؟ فى ضوء عدم تعليقهم على ما تعرضت له القوى السياسية الأخرى على يد حكومة يوليو، بل وعدم تعرضهم لموضوع الحريات السياسية والتنظيمية للقوى السياسية الأخرى فى مصر أو تقديم اشتراطات واضحة بشأن ضمانات خاصة بديمقراطية الحكم وتوفير واحترام الحريات عقب الإفراج عن الشيوعيين المصريين عام 1964 وإدماجهم كأفراد فى النظام السياسى القائم بعد قبولهم بحل أحزابهم أو إنهاء وجودها المستقل؟

 


ومن الموضوعات التى يتناولها الكتاب، سواء فى الحقبة الملكية أو الناصرية، هو ما تعرض له الشيوعيون المصريون، خاصة قيادات وكوادر وأعضاء «حدتو»، من تعذيب يعرض لتفاصيله، ولكن لا تخطئ العين أن التركيز الأساسى للمؤلف هو على الفترة الناصرية. وكما هو متوقع يبرز المؤلف حالة «شهدى عطية الشافعي» الذى قضى تحت التعذيب، ويسعى أيضاً لإبراز أن السبب فى كشف ما حدث لشهدى فى حينه هو النجاح فى تسريب الأخبار إلى خارج مصر، وتحديداً إلى الحزب الشيوعى السوفيتى ورابطة الشيوعيين اليوغوسلاف، وهو ما يعتبر المؤلف أنه سبب حرجاً للرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر الذى كان فى يوغوسلافيا فى ذلك الوقت، مما دفع به إلى فتح تحقيق فى القضية. ولكن يحسب للكاتب أنه لم يقصر السرد على هذه الحالة المعروفة، بل يتناول حالات أخرى كثيرة بعضها يكاد يكون مغموراً. ويحرص المؤلف على إعرابه عن «الإعجاب» بـ «الصمود الأسطوري» للشيوعيين المصريين فى مواجهة التعذيب، إلا أنه يعترف بأن البعض ضعف واستسلم وفرط وتحول لعيون للأجهزة الأمنية، ولكنه يعتبر هؤلاء قلة محدودة، ويصنف ذلك على أنه «ضعف إنسانى مشروع»، كما يشير إلى حالات نادرة انهارت تماماً بين من أصيب بالجنون ومن أصيب بالانهيار العصبي. وفى الإطار نفسه، يشن المؤلف هجوماً متواصلاً على من يتهمهم بممارسة التعذيب بحق الشيوعيين المصريين، ويخص بالهجوم السيد/ ممدوح سالم، وزير الداخلية ثم رئيس الوزراء فيما بعد فى سبعينيات القرن العشرين فى ظل حكم الرئيس الراحل أنور السادات، عندما كان ضابطاً بالمباحث فى فترة «المحنة الكبري» للشيوعيين المصريين ما بين 1959 و1964 بشكل خاص. وبالرغم من كل ما تقدم، فإن المؤلف يقر فى بعض صفحات الكتاب بأن الضربات الأمنية للشيوعيين المصريين كان لها تأثير سلبى على الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية. ويتميز الكاتب بأنه يشير إلى أن التعذيب لم يقتصر على الشيوعيين، بل إنه يذهب إلى القول أنه بعد ثورة يوليو 1952 مورس تعذيب وصفه بـ «البشاعة والانحطاط» ضد كل خصوم يوليو، ويخلص إلى أن هذا التعذيب لم يكن هدفه العقاب، بل «التحطيم والاستباحة وتحطيم الإرادة والإحساس بالذات وإهانة الكرامة الإنسانية وإذلالها» على حد قوله، واعتبر ما جرى «إبادة حقيقية». وفيما يخص الشيوعيين، كان هناك هدف إضافى للتعذيب وهو تفكيك الرابطة الحزبية، وهدر كرامة القيادة علناً أمام الكادر، مما دفع القيادة للحديث عن أن الهدف هو مجرد الحفاظ على حياة الكادر، وهو هدف يرفضه المؤلف لأن الكادر لن يكون حزبياً بعد الإذلال والإهانة التى تحقق هزيمة داخلية للبشر. ويقر المؤلف بأن بعض أشكال التعذيب توقفت بعد وفاة شهدى عطية الشافعي، مثل الضرب والسخرة، ولكن لم يتوقف التعذيب كلية.
ومن المسائل التى نرى أن المؤلف لم يوفها حقها موقف الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية، و«حدتو» خاصة، تجاه الدين. بل نكاد لا نرى سوى إشارة واحدة فقط إلى هذا الموضوع، وهذا يبدو مستغرباً، خاصة إذا ما قارناه بتصدى المؤلف بإسهاب، كما ذكرنا آنفاً، للدفاع عن موقف الشيوعيين المصريين إزاء المسألة القومية العربية وقضية الوحدة العربية، وأخذاً فى الاعتبار أهمية الاتهام للشيوعيين فى المجتمع المصرى منذ ظهور الحركة الشيوعية المصرية بالعداء للدين!
ولكن يذكر للكاتب التطرق لمسألة أخرى لا تقل أهمية، وهى التوقف والتأمل أمام إشكالية جادة للغاية، وهي: هل كان المجتمع المصرى مؤهلاً خلال الفترة من منتصف الثلاثينيات وحتى منتصف الستينيات من القرن العشرين لوجود تنظيمات شيوعية من جهة درجة التطور للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية؟ وترتبط هذه الإشكالية بأخرى وهي: هل كانت الطبقة العاملة المصرية، التى يفترض أن الحركة الشيوعية كانت تسعى لإنصافها، ممثلة بشكل كاف أم غائبة عن المواقع القيادية بالتنظيمات الشيوعية المصرية؟ ولا يقدم الكاتب إجابة محددة، ربما تاركاً الحكم والتقدير للقارئ، وإن أشار فى أحد المواضع أن مصر كانت قبيل حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 مؤهلة لثورة شعبية، دون أن يذكر إن كانت هذه الثورة كانت ستكون بقيادة الشيوعيين أو غيرهم.
ويحكى لنا الكتاب تفصيلاً علاقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتنظيم «حدتو» قبل ثورة 23 يوليو 1952، وذلك بقدر عال من الموضوعية مبيناً حجم العلاقة ومداها، ولكن أيضاً حدودها، فيشير إلى قيام «حدتو» بطباعة منشورات تنظيم «الضباط الأحرار»، ولكنه يذكر أيضاً رفض الرئيس عبد الناصر قبول الضباط المنضمين لـ «حدتو» فى تنظيم «الضباط الأحرار» كمجموعة مع قبولهم فرادي، وكذا الإشارة إلى رفض عبد الناصر الحديث عن «الاستعمار الأمريكي»، وسخريته من تولى ميكانيكى من سلاح الطيران المصري، هو سيد سليمان رفاعى المعروف باسمه الحركى «الرفيق بدر»، منصباً قيادياً بـ «حدتو». وبينما يقر المؤلف بانفراد «حدتو» ضمن التنظيمات الشيوعية المصرية بتأييد ودعم حركة الجيش فى 23 يوليو 1952، بينما عادتها معظم التنظيمات الشيوعية المصرية بالإضافة إلى الحركة الشيوعية العالمية، فإنه فند الادعاءات القائلة بأن حركة الجيش جاءت بتخطيط أمريكي.
وكما هو متوقع من كتاب حول فصيل شيوعى مصرى فى الفترة ما بين 1935 و1965، يتعرض المؤلف لأحداث كفر الدوار فى سبتمبر 1952 وما يسميه سحق الجيش لحركة العمال وإعدام العاملين مصطفى خميس ومحمد البقري، معتبراً أن هدف تحرك العمال اقتصر على تحسين شروط العمل، ويتهم «حدتو» بالفشل فى احتواء الموقف، وعدم إدانتها الحادة لإعدام خميس والبقري، ويرجع ذلك إلى ما انتهى إليه أمر «حدتو» من تأييد مطلق للثورة، وهو أمر يستغربه الكاتب باعتبار أنه من المؤكد أن أحداً لم يعتبر أن الثورة كان لها توجهات «يسارية». ويعتبر المؤلف أن أحداث كفر الدوار كانت مؤشراً على ظهور ما يطلق عليه «الطابع القمعي» للثورة، وبينما كانت «حدتو» ترجع هذا «القمع» إلى ما كانت تسميه «ضغوط الاستعمار الأنجلو/الأمريكي»، فإن المؤلف رأى أن القمع مكون طبيعى لأى نظام يقوده العسكريون، ويعتبر ذلك مقدمة لفترة عداء بين الثورة و«حدتو» برز فى يناير 1953 بعد اعتقال أعداد من أعضاء «حدتو» ووقوف «حدتو» ضد التقارب بين الثورة والولايات المتحدة. وفى مقابل دعوة «حدتو» قيادة الثورة إلى إنشاء جبهة وطنية، جاء الرد ممثلاً فى استثناء المعتقلين الشيوعيين من قرار الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، بحجة أن الشيوعية جريمة اجتماعية وليست سياسية! وبالتالي، بدأت الانتقادات تظهر داخل «حدتو» لتأييدها المطلق للثورة، وأبدى بعض الأعضاء التحفظ على الطبيعة الطبقية لقيادة حركة الجيش باعتبارها ممثلة للبرجوازية الصغيرة، وانتقد بعضهم «انعزال» «حدتو» عن الطبقة العاملة المصرية ودعوا إلى إقامة جبهة وطنية ديمقراطية مع عناصر من حركة «مصر الفتاة» وبعض الضباط وبعض عناصر حزب الوفد، بل وعناصر من جماعة الإخوان المسلمين، وبدأ أولئك الحديث عن «مطالب ديمقراطية». وثار الجدل مبكراً فيما بين الشيوعيين حول ما إذا كان يمكن اعتبار «هيئة التحرير»، التنظيم السياسى والشعبى الوحيد الذى أسسته الثورة عقب إلغاء الأحزاب، ممثلة للجبهة الوطنية التى كان يدعو إليها شيوعيو «حدتو».
ومنذ ذلك التاريخ استمر رهان «حدتو» على وجود جناحين داخل قيادة الثورة: جناح ديكتاتورى وآخر تقدمى بزعامة «جمال عبد الناصر»، وهو تحليل يرى المؤلف أنه أدى بتنظيم «حدتو» إلى ارتكاب أخطاء يصفها بـ «الكارثية». وكانت الأغلبية داخل «حدتو» ترى أنها فى جبهة مع الحكومة. ويشير الكتاب إلى أن موقف الأغلبية داخل «حدتو» لم تع أن الرئيس عبد الناصر، رغم وطنيته، ورغم أنه حقق على أرض الواقع أكثر مما تمناه الشيوعيون، كان مصراً على تصفية جميع القوى السياسية و«تأميم» الحياة السياسية والصراع الاجتماعى فى مصر، فى «نزوع عسكري» للانفراد بالحكم وتشكيل طبقة برجوازية جديدة، ويعبر المؤلف عن عدم فهمه لتفرقة «حدتو» بين ممارسات حكومة الرئيس عبد الناصر ضدهم وبين ما كان ينتهجه الرئيس الراحل من سياسات وطنية داخلياً وخارجياً. فبحسب المؤلف، فإن الرئيس الراحل عبد الناصر كان مزهواً بانتصاراته العربية والدولية، وانطلق من هناك داخلياً للتصفية الكاملة والنهائية لكل القوي: الوفد ومصر الفتاة والإخوان المسلمين ثم اتجه لاحقاً لتصفية الشيوعيين، ويحمل المؤلف على الرئيس عبد الناصر رفضه التعاون مع الشيوعيين خلال تلك الفترة رغم أنهم دعوا إلى التحالف معه وتحت قيادته. ويشير المؤلف إلى «إصرار» «حدتو» معظم فترات الفترة الممتدة من 1952 إلى 1965 على عدم التراجع عن تأييد حكومة الثورة تحت شعار «عدم تغليب التناقض الثانوى على التناقض الرئيسي». فبالرغم من إقرار «حدتو» بأن الحكومة القائمة هى حكومة برجوازية وطنية، فإنها اعتبرت البرجوازية الوطنية حليفاً للطبقة العاملة لاشتراك كليهما فى الكفاح ضد الاستعمار ومن أجل السلام وصيانة الاستقلال الوطنى وتوحيد الأمة العربية، مع عدم إنكار وجود اختلاف فى الغايات والوسائل، فيبقى هدف الشيوعيين هو بناء الاشتراكية ومن ثم الشيوعية، إلا أن «حدتو» أكدت أن الأولوية هى للنضال ضد الاستعمار. ويدهش المؤلف لأن «حدتو» توهمت أن خطها السياسى لدعم الرئيس عبد الناصر هو الصحيح وهو الذى سينتصر. بل يذهب المؤلف أبعد من ذلك ويرى أن «حدتو»، والتنظيمات الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية بشكل عام فيما بعد، لم تنهر بسبب الاعتقال أو التعذيب، بل بسبب ما يسميه بـ «العجز الفكرى والسياسي» عن الاستقلال عن الحكم، وعدم التمييز بين الرئيس عبد الناصر كوطنى معاد للاستعمار وبين إصراره على تصفية الحياة السياسية بالكامل: أحزاباً ونقابات وصحفاً، فبينما كان الرئيس الراحل يواصل إحداث تغييرات اجتماعية جذرية فى مصر لصالح الفقراء ويعمق تحالفاته مع حركات التحرر الوطنى فى العالم الثالث ومع المعسكر الاشتراكي، كان يواصل «قمعه» ــ بحسب المؤلف - لأى حركة شعبية أو سياسية مستقلة داخلياً.

 


ويستغرب الكاتب موقف شيوعيى «حدتو» المعتقلين الذين وجهوا للرئيس عبد الناصر رسالة يطالبونه فيها بتوفير حماية للمعتقلين من جماعة «الإخوان المسلمين» الذين خرجوا عن الجماعة وهم معتقلون وقرروا تأييد الحكم، بدلاً من أن يطالب هؤلاء الشيوعيون الرئيس عبد الناصر بالإفراج عن الشيوعيين أنفسهم! ويبرز المؤلف التناقض بين امتلاء المعتقلات بالشيوعيين فى عهد الرئيس عبد الناصر بينما قطاع هام من الشيوعيين المصريين، خاصة شيوعيى «حدتو»، يبعث برسائل التهنئة للرئيس الراحل، بل و«من أجل عيون عبد الناصر» ــ على حد قول المؤلف ــ هاجمت «حدتو» تنظيمات شيوعية أخرى ولم تفطن إلى أن الاعتقالات شملت آلاف الشيوعيين، سواء من دعا للتحالف تحت قيادة عبد الناصر، مثل «حدتو»، أو من تحفظ على ذلك. كما يأخذ المؤلف على شيوعيى «حدتو» خصوصاً، ومجمل الشيوعيين المصريين عموماً، قبولهم التفاوض مع السلطة الناصرية وهم رهن الاعتقال، ولكن المؤلف لا يقول لنا ماذا كان البديل أمام الشيوعيين المصريين؟
ويرى المؤلف أنه كان على «حدتو» الحفاظ على مسافة كافية من السلطة، والاستقلال عنها وتأييدها بشكل مشروط على أرضية المواقف المشتركة وفى إطار جبهة وطنية، كما أنه يأخذ عليها عدم الالتفات إلى ما يسميه بـ «الطابع المعادى للديمقراطية» للناصرية، وتأجيل «حدتو» أى مطالبة بالديمقراطية، التى أسماها بالفريضة الغائبة حينذاك. ولكن المؤلف يعود إلى إنصاف «حدتو»، فيعتبر تأييدها للرئيس الراحل عبد الناصر ليس تملقاً أو خوفاً بل بناء على موقف سياسى قائم على حسابات خاطئة، وينفى عنها تهم العمالة للسلطة أو خيانة مصالح الطبقة العاملة المصرية. ويقر المؤلف بأن تنظيمات شيوعية مصرية أخرى غير «حدتو» نجحت فى الاستقلال عن حركة الجيش فى المرحلة الأولي، ونجحت بعض هذه التنظيمات فى التفرقة بين السياسات الخارجية الإيجابية لقيادة الثورة وبين سياساتها الداخلية المتصفة بشكل متزايد بطابع «ديكتاتوري». بل يشير إلى أن بعض التنظيمات الشيوعية المصرية صنفت الحكم الناصرى بأنه ممثل البرجوازية الكبيرة خلال الخمسينيات بالرغم من توثيق العلاقات مع المعسكر الاشتراكى فى الخارج وإعلان قوانين الإصلاح الزراعى فى الداخل.
وبالرغم من رفض المؤلف طرح «حدتو» خلال تلك الحقبة بوجود جناحين داخل السلطة، فإنه ناقض نفسه فى أكثر من موضع بالكتاب، حيث تحدث عن وجود أجهزة قمع وتعذيب حاولت عرقلة الإفراج عن الشيوعيين المصريين منذ عام 1963 عبر الوقيعة بينهم وبين قيادة الرئيس عبد الناصر. كما ناقض نفسه عندما تحدث عن سعى شيوعيى «حدتو» لدعم «عناصر يسارية» داخل السلطة!
ولكن المعضلة فى الكتاب هى التناقض فيما يتعلق بتواجد «حدتو» بين صفوف الجماهير بعد يوليو 1952، ففى بعض المواضع يدفع بأن الشيوعيين المصريين عجزوا عن التأثير أو بناء جسور مع الجماهير بينما كانت وسيلتهم الوحيدة لفرض التحالف معهم على أسس متكافئة على عبد الناصر هى تواجدهم وتأثيرهم وسط الجماهير، وفى مواضع أخرى يرى أن الشيوعيين كان لهم وجود وتأثير فى الشارع المصري! ويتصل هذا بمقارنة المؤلف بين تواجد كل من الشيوعيين والإخوان المسلمين فى صفوف الجماهير، فهو يعتبر أن جذور الإخوان غير عميقة اجتماعياً، بينما الشيوعيون لهم جذور شعبية وتاريخ عميق فى الحركة الوطنية المصرية(!) وتأتى هذه الإشارة ضمن إشارات عديدة ضمنية وغير مباشرة لجماعة الإخوان المسلمين، جميعها سلبية، بشأن دور الإخوان، بل ودور معتقلى الجماعة داخل نفس المعتقلات التى كان يوجد بها الشيوعيون خلال تلك الفترة. وفيما يتعلق بالتواجد والتأثير الجماهيرى للشيوعيين، يقر المؤلف بأن وجود الشيوعيين انحسر فى الشارع بعد حملة اعتقالات يناير 1959، فكل الجسور مع النقابات والمصانع والأحياء والريف اقتلعتها «آلة الدعاية الجبارة» لعبد الناصر، خاصة فى ظل خوض الرئيس الراحل معارك حقيقية وفى ضوء «كريزما» عبد الناصر والتحولات الاجتماعية الداخلية التى أجراها وما يسميه المؤلف «الأوضاع المتردية للحركة الشيوعية».
ولا يمنع ما تقدم من القول بأن شيوعيى «حدتو» أيدوا قانون الإصلاح الزراعى الأول وسعوا لمواجهة تحايل كبار الملاك على القانون، ولكن الشيوعيين بدأوا الحديث عن العلاقة بين النضال ضد الاستعمار وتأمين المكاسب الاجتماعية وبناء حياة ديمقراطية.
وفى هذه المرحلة، سعت «حدتو» للحصول على دعم الأحزاب الشيوعية والنقابية العمالية فى الخارج. وفى إطار هذا المسعي، وجهت «حدتو» تحية للحزب الشيوعى الإسرائيلي، وهو ما يراه المؤلف «خطأ» ليس له ما يبرره، وفتح الباب لهجوم الثورة على «حدتو» وكيل الاتهامات لها. كما دفعت «حدتو» نحو وحدة التنظيمات الشيوعية المصرية، خاصة أن الانقسام فيما بينها حال دون اعتراف الحركة الشيوعية الأممية بالحركة الشيوعية المصرية. إلا أن ما حدث على أرض الواقع كان العكس: انقسامات داخل «حدتو»، وهو ما يعزز أحد أبرز الفرضيات التى قام عليها الكتاب، ألا وهى أن الانقسام والتشرذم كان خاصية ملازمة للحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية.
وإذا كانت أحداث كفر الدوار قد حظيت باهتمام المؤلف فى إطار تحليل علاقة الشيوعيين بقيادة الثورة المصرية، فإن المحطة الثانية البارزة فى هذه العلاقة هى بالطبع أزمة مارس 1954، ويركز الكتاب على أبعادها الاجتماعية ممثلة فى نية مجلس قيادة الثورة إصدار قانون بحرمان العمال من حق الإضراب ومنح أصحاب العمل حق الفصل التعسفى مما دفع خالد محيى الدين ويوسف صديق للاستقالة من المجلس، ويتهم الإخوان المسلمين بتدبير مظاهرات فبراير 1954 المؤيدة للرئيس محمد نجيب.
ولكن تطورات دولية مثل مؤتمر التضامن الأفرو/آسيوى فى باندونج وصفقة الأسلحة التشيكية لمصر ورفض الرئيس عبد الناصر لسياسة الأحلاف الغربية فى المنطقة، دفعت ليس فقط «حدتو» بل وتنظيمات شيوعية أخرى إلى تأييد الثورة واعتبار عبد الناصر بطلاً.
ويشير الكاتب محمود الوردانى إلى أن حكومة 23 يوليو استمرت فى ممارسة الاعتقال والتعذيب بحق الشيوعيين المصريين عبر مختلف مراحل الثورة، بالرغم من تأييد «حدتو» وغيرها من التنظيمات الشيوعية المصرية فى مراحل مختلفة خلال تلك الفترة لثورة يوليو وقيادتها، وأن الحالة الوحيدة للجوء الرئيس الراحل عبد الناصر للتحالف مع الشيوعيين كانت فقط فى مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956.

 


ويكرس المؤلف جزءًا هاماً من الكتاب للعدوان الثلاثى وموقف الشيوعيين المصريين تجاهه، فيذكر أن هنرى كورييل أبلغ الرئيس الراحل عبد الناصر بالعدوان قبل وقوعه بـ 20 يوماً، بل إن الشيوعيين المصريين توقعوا مبكراً وقوع العدوان كرد على قرار تأميم القناة. وفور وقوع العدوان بدأ الشيوعيون فى حشد الجهود من أجل الكفاح المسلح وشكلوا لجان المقاومة الشعبية فى منطقة القناة والتى أصدرت نشرة «الانتصار». كما استغل الشيوعيون الفرصة لتعبئة الطبقة العاملة المصرية وأبرزت «حدتو» الربط بين دور الطبقة العاملة المصرية فى مقاومة العدوان الثلاثى ودورها فى ثورتى 1919 و1952، إلا أنه بعد دحر العدوان ساعد الشيوعيون فى جمع السلاح من الأهالى وتسليمه للحكومة. ووافقت الحكومة على تدريب الشيوعيين على حمل السلاح ووفرته لهم، ولكن الحكومة حرصت على السيطرة على حركة المقاومة من جانب الشيوعيين، وبالرغم من ذلك نجح الشيوعيون فى الاختلاط بالفلاحين فى منطقة القناة والمناطق المحيطة بها وتدريبهم بدورهم على حمل واستخدام السلاح. ويشير الكتاب إلى دور الراحل «كمال الدين رفعت» فى تدريب الشيوعيين وفى التنسيق بين الدولة وبينهم.
ولكن عقب إلحاق الهزيمة بالعدوان الثلاثي، لم يوافق ثوار يوليو على مواصلة العمل المشترك مع الشيوعيين المصريين، فجاء قرار منع المرشحين الشيوعيين من التقدم لانتخابات مجلس الأمة (البرلمان) عام 1957، وبدأ إحياء قضايا قديمة بحق الشيوعيين. ومرة أخرى يستعجب الكاتب من رد فعل «حدتو» على هذه الإجراءات، حيث استمرت فى افتراض وجود انقسامات داخل السلطة ما بين جناح رجعى وآخر تقدمى بزعامة الرئيس عبد الناصر، ورأت أن واجب الشيوعيين هو الدفاع عن الأخير، بل وجهت انتقاداتها للشيوعيين أنفسهم وانقساماتهم وعدم انضمامهم للاتحاد القومى (التنظيم السياسى الوحيد الذى خلف هيئة التحرير) و«تخويفهم» للبرجوازية الوطنية!
ومن المسائل التى يسرد لها المؤلف جزءًا فى كتابه موقف «حدتو» من الاتحاد القومي. فقد وافق شيوعيو «حدتو» على دخول الاتحاد القومى كتنظيم وليس كأفراد باعتبار ذلك تجسيداً لفكرة الجبهة المشتركة التى تبنتها «حدتو». ومن جهة أخري، يبرز المؤلف دور الرئيس الراحل أنور السادات فى الهجوم على الشيوعيين عندما كان أميناً عاماً للاتحاد القومي، حيث رفض فكرة الجبهة الوطنية أو السماح بوجود أحزاب، ورد الشيوعيون ــ من خارج «حدتو» - بالقول بفشل الاتحاد القومى وانفضاض الشعب من حوله ووصفوه بأنه «مفروض على الشعب» وطالبوا بحق الشعب فى تكوين أحزاب وبدأوا يثيرون قضية الديمقراطية ويطالبون بإلغاء الأحكام العرفية التى سبق أن أيدواها إبان العدوان الثلاثي، وطوروا نظرياً مقولة أنه فى ظل وجود طبقات يجب السماح بقيام أحزاب تعبر عن هذه الطبقات.
ويعود المؤلف إلى تناول الدور السوفيتي، حيث يوضح مسئولية «التنظير الأيديولوجى والسياسي» داخل الحزب الشيوعى السوفيتى خلال تلك المرحلة عن سوء تقدير «حدتو» وشيوعيين آخرين خارجها تجاه الحقبة الناصرية، حيث بدأ منظرو الحزب الشيوعى السوفيتى الترويج لمقولة أن الثورات الوطنية فى العالم الثالث هى حليف للقوى الاشتراكية، الأمر الذى يتطلب انضمام الشيوعيين لقيادات هذه الثورات. فقد راجع الحزب الشيوعى السوفيتى الموقف للاستفادة من صعود حركات التحرر الوطنى فى العالم الثالث، وبدأ تطوير نظرية «التطور اللا رأسمالي»، أى تحول المستعمرات مباشرة للاشتراكية، مثل كوبا كاسترو وأندونيسيا سوكارنو والكونغو لومومبا ومصر عبد الناصر. وسمح هذا التنظير بأن تقود البرجوازية الصغيرة المعادية للاستعمار أوطانها نحو الاشتراكية، وبالتالى كان على التنظيمات الشيوعية العمل معها لإنجاز الاشتراكية. وانطبق ذلك على مصر بعد حديث الميثاق الوطنى عام 1962 عن الاشتراكية العلمية. ومثل هذا التنظير السوفيتى لاحقاً غطاء لإعلان التنظيمات الشيوعية حل نفسها، أو بتعبير المؤلف أنه «مادام عبد الناصر يبنى الاشتراكية، فليخلع الشيوعيون المصريون ملابسهم ويركضون نحو القفص». ويوضح المؤلف أن نفس هذا الميثاق الوطنى تحدث عن الديمقراطية باعتبارها «خديعة غربية»، واكتفى بالحديث عن «الديمقراطية الاجتماعية»، كما استمر الشيوعيون المصريون بعد إعلان الميثاق يتعرضون لتصفية مستمرة ومنظمة جسدياً وعقلياً، على حد قول المؤلف.
ويخصص المؤلف جزءًا هاماً من الكتاب لما يسميه «تجريدة» يناير 1959 ضد الشيوعيين المصريين، أو ما جرى على تسميته فى الأدبيات السياسية المعاصرة للشيوعيين المصريين بـ «المحنة الكبرى للشيوعيين». ويصدر حكماً بأن ما جرى للشيوعيين المصريين ما بين 1959 و1964 يشكل وصمة عار على جبين الناصرية، خاصة أن الشيوعيين المصريين لم يحملوا السلاح ضد الحكم. ويعرض المؤلف لمقدمات «الحملة»: شنت الصحافة المصرية حملة على الشيوعيين باعتبارهم عملاءًا للاتحاد السوفيتي، وهاجم خطباء المساجد «الشيوعيين الكفار المنحلين»، وبدأت الدعاية فى المدارس والجامعات للتحذير من الشيوعيين. ومرة أخرى يستعجب المؤلف رد فعل «حدتو» على هذه المقدمات، فقد اكتفت بالقول بأن هذه مجرد «أزمة ثقة» مع الحكم وسوف تمر، بل أصدرت قيادة الحركة تعليمات لأعضائها بعدم الهروب أو مقاومة أوامر الاعتقال. وبرغم حملة الاعتقالات لاحقاً وبرغم تعرض معتقليها للتعذيب على حد قول الكاتب، استمرت «حدتو» فى تأييد الرئيس الراحل عبد الناصر وحكومته، بل أرسلت إليه خطاباً مفتوحاً فى سبتمبر 1959 تجدد تأييدها للثورة برغم الاعتقالات وتبرر ذلك بأن «المصلحة الطبقية» للطبقة العاملة تحتم التحالف مع الحكومة القائمة، بل استمر هذا الموقف من «حدتو»، حتى بعد وفاة شهدى عطية الشافعى وغيره من الشيوعيين تحت وطأة التعذيب. وكان رد الحكومة ليس فقط رفض التحالف مع الشيوعيين بل السعى لتصفيتهم، ضمن كافة المخالفين لها. ويستغرب المؤلف أن شيوعيى «حدتو» دافعوا خلال التحقيقات والمحاكمات عن الشيوعية ولكنهم أنكروا انتماءهم الحزبي، منعاً لاستفزاز الحكم «الحليف»، على حد تعبيرهم، وأصروا على الحديث عن «مجموعة اشتراكية» داخل السلطة يجب العمل معها لتحقيق وحدة العمل من أجل الأهداف الوطنية و«الديمقراطية(!)».
ويشيد المؤلف بما يسميه مقاومة المعتقلين الشيوعيين داخل المعتقلات والسجون، فقد واصلوا النقاش السياسى والتثقيف النظرى للشباب، وجعلوا ما يرد لهم من الخارج من أطعمة أو غير ذلك ملكية عامة تطبيقاً لمبادئهم، ونظموا ندوات ثقافية تناولت أعمال روائية وكتب فكرية. بل وفى معتقل الواحات طرح المعتقلون الشيوعيون فكرة استصلاح أراض محيطة بمعتقل الواحات وزراعتها، وهو ما قبلت به إدارة المعتقل وتحولت إلى واقع فعلى فيما يشبهه المؤلف بالمعجزة! ولكنه يعود فيأخذ على التنظيمات الشيوعية المصرية أنها حتى فى مشروع كهذا قسمت الأراضى بين التنظيمات بدلاً من العمل معاً. ومع ذلك، حرص الكاتب على إبراز أن «حدتو» حاولت فى البداية الامتناع عن الانضمام لأى مقاومة فى المعتقلات بحجة أن من شأن ذلك «استفزاز» الدولة التى كانت «حدتو» تعتبرها حليفاً، وبحجة أن الدولة تتجه نحو «الاشتراكية»، وهو تبرير كان مثار سخرية المؤلف. ويورد المؤلف مفارقة تتمثل فى تكليف الدولة لبعض الشيوعيين بإعداد تـقـارير للعــرض على الرئيس الراحــل عبد الناصر وهم بداخل المعتقلات! ولا ينسى الكاتب أن يشير إلى أن حملة الاعتقالات شملت أيضاً شيوعيين من أبناء قطاع غزة، وكذلك من سوريا ولبنان، خاصة عندما كانت سوريا جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة (1958 ــ 1961). وفى المعتقلات نظم شيوعيو «حدتو» فصولاً لتعليم اللغتين الإنجليزية والفرنسية والرياضيات للمسجونين العاديين مما جعل العلاقات معهم جيدة ورفض المسجونون الجنائيون مراراً أن تستخدمهم إدارة المعتقلات ضد الشيوعيين بحجة أنهم «كفرة». كما سعى الشيوعيون لمحو أمية السجانة من الجنود وضباط الصف. كما نظمت محاضرات عامة، وإن كانت منفصلة لكل تنظيم على حدة(!)، وتم تقديم إنتاج فنى وبناء مسرح فى معتقل الواحات، والأهم أن الشيوعيين بنوا مسجداً فى المعتقل، بالرغم من أن الإخوان المسلمين كانوا معتقلين هناك من قبل ولم يبنوا مسجداً، على حد قول المؤلف.
ويكرس الكاتب فصلاً للحديث عن المعتقلات الشيوعيات فيما يسميه أول حالة جماعية لاعتقال النساء لأسباب سياسية فى تاريخ مصر. وبخلاف الرجال، تمكنت الشيوعيات من العمل الجماعى داخل المعتقلات، رغم تباين الانتماءات التنظيمية، لمقاومة الإدارة عبر إضرابات الطعام وغيرها وبلورة مطالب مشتركة نجحن فى تحقيق معظمها عبر لجنة قيادية لهن وحسن إدارة معاركهن، بالرغم من ضغوط مارستها عليهن السلطات عبر أسرهن وأطفالهن لإجبارهن على الإدلاء باعترافات أو التعاون مع الأجهزة الأمنية. كما أقمن علاقات إنسانية جيدة بالمسجونات العاديات من خلال محو أميتهن، وشكلن فريق تمثيل وأعددن مجلة مسموعة. ويشيد المؤلف بدفاع المعتقلات الشيوعيات خلال التحقيقات والمحاكمات، حيث ركزن على غياب الديمقراطية، واعتبرن الأخيرة السبيل الوحيد للحفاظ على استقلال الوطن. وخارج المعتقلات تكونت جبهة من عائلات المعتقلات لمساندتهن فى مقاومتهن بالداخل.

 


ومن داخل المعتقلات، واصلت «حدتو» التمسك بمواقفها المؤيدة لسياسات الرئيس عبد الناصر متهمة عناصر فى قمة السلطة مثل السيد/زكريا محى الدين والسيد/عبد اللطيف البغدادى بوضع الخطوط العامة لتعذيب الشيوعيين بالتعاون مع رجال المخابرات المركزية الأمريكية مثل «مايلز كوبلاند». ولكن على الجانب الآخر كان هناك من قيادات يوليو السيد/كمال الدين رفعت والسيد/لطفى واكد وغيرهما ممن شهدوا لصالح الشيوعيين، خاصة دورهم فى التصدى للعدوان الثلاثى عام 1956. وبخلاف مواقف سابقة لـ «حدتو»، حرصت الحركة على إصدار تقرير يعلن أن إسرائيل دولة عنصرية ويعلن رفض الحركة لقرار تقسيم فلسطين. كما أعادت تأكيد التحالف مع السلطة، ولكنها أشارت لاختلافات معها بشأن الديمقراطية وطالبتها بضرب «القوى الرجعية» وبالمزيد من التحولات الاجتماعية. وكإثبات لحسن النوايا، أخطر قياديون شيوعيون مسئولين رفيعى المستوى فى السلطة بمعلومات عن مؤامرة انقلابية متوقعة. وبينما امتنع شيوعيو التنظيمات الأخرى داخل المعتقلات عن الهتاف بحياة عبد الناصر، فإن شيوعيى «حدتو» هتفوا بحياته، وهو أمر يستنكره المؤلف: فكيف يهتفون لرئيس يعتقلهم؟
ويكرر المؤلف مراراً الموقف الذى يراه عبثياً: شيوعيون يؤيدون نظاماً وطنياً يقوده زعيم وطني، بينما الحكم يعتقلهم ويعذبهم! فهدف الحكم ــ بحسب رأيه ــ هو القضاء على أى تنظيم مستقل بحيث يكون البديل الوحيد المتاح أمام الشيوعيين هو الدخول فرادى للتنظيم السياسى الوحيد، وليس الدخول كتنظيم فى إطار جبهوي. ويعرض الكتاب لرسالة وجهها الراحل شهدى عطية الشافعى للرئيس الراحل عبد الناصر عام 1959 من السجن أكد فيها تأييد الشيوعيين لزعامته وسياساته الخارجية والاقتصادية والاجتماعية ولفكرة الجبهة الوطنية، واستحضر دورهم فى مواجهة العدوان الثلاثي، ثم تساءل، بصيغة النفي، عما إذا كان اعتقال الشيوعيين أدى إلى إزالة الفجوة بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق.
وهنا يبرز الكاتب أن الشيوعيين خارج «حدتو» رفضوا اعتبار التأميمات التى أعلنها الرئيس الراحل عبد الناصر فى تلك الفترة «تقدمية» ما لم تصاحبها إجراءات ديمقراطية باعتبار التأميم رأسمالى حيث تقوم الدولة بدور الرأسمالى مباشرة، فأصبحت رأسمالية دولة واستمرت علاقات الانتاج رأسمالية، خاصة أنه عقب تأميمات يوليو 1961 أعلنت أحكام قاسية بحق الشيوعيين. وبالمقابل، بقيت «حدتو» على طول الطريق تؤمن بوجود «مجموعة اشتراكية» مختلطة بأفكار قومية فى السلطة بزعامة الرئيس عبد الناصر، ويعيد المؤلف تكرار أن هذا الموقف كان كارثياً للحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية. ولكن تفسير «حدتو» أصر على أن وجود أجنحة داخل السلطة هو سبب ما تعرض له الشيوعيون نتيجة محاولة جهات فى السلطة إفساد العلاقات بين الشيوعيين وعبد الناصر، ورأت الحركة أن أفكار عبد الناصر اقتربت من الاشتراكية العلمية وقابلة للتطور بما يسمح بوحدة الشيوعيين مع مجموعة عبد الناصر الاشتراكية، قياساً على ما حدث فى كوبا وبعض دول شرق أوروبا. بل إن بعض قيادات «حدتو» رأوا أن الخلاف مع عبد الناصر بعد 1961 لم يعد حول الاشتراكية أو التوجهات الاقتصادية والاجتماعية بل حول استقلالية التنظيم والدخول للتنظيم السياسى الواحد للسلطة كتنظيم ومدى قبول السلطة بذلك.
ووصل الأمر بـ «حدتو» إلى اعتبار شرط قبول العضوية بالحركة هو القبول بحماية النظام الوطنى القائم، ورأوا فى المرحلة انتقالاً من الرأسمالية إلى الاشتراكية، ودفعوا بأن اعتقالهم وتعذيبهم يجب ألا يحولا دون التفكير بموضوعية. فمنذ عام 1962، تحدث بعض قادة «حدتو» عن فرصة قيام حزب واحد للاشتراكية العلمية، وآخرون تحدثوا عن حل الحزب والانضمام لقيادة عبد الناصر، خاصة فى ضوء الحديث عن بناء تنظيم طليعى داخل الاتحاد الاشتراكى العربى التنظيم السياسى الذى خلف الاتحاد القومى وتوسيط شيوعيين مفرج عنهم بعد أن التحقوا بدوائر الحكم، ولكن بقيت قواعد وكوادر «حدتو» ضد الحل. ويتهم المؤلف الشيوعيين الذين التحقوا بالسلطة بـ «دفن» الحلقة الثانية للحركة الشيوعية المصرية، ويؤكد أن الحكم لم يقدم تنازلات حقيقية للشيوعيين بل مجرد ساحات تنفيس، مشيراً إلى أن دور الشيوعيين كان محدوداً ومقيداً ومفيداً للسلطة، ومع هذا كانت تعارضه أجهزة استبعدت أسماء الشيوعيين من الترشح فى انتخابات وحدات ولجان الاتحاد الاشتراكي. بل فرضت العزلة على معظم الشيوعيين المفرج عنهم عام 1964 ووضعت العراقيل أمام عودتهم لأعمالهم فى وقت كانت عائلاتهم فيه بلا مورد لمدة خمس سنوات، وذلك بدلاً من الترحيب بهم كطلائع للفكر الاشتراكى السائد. وينفى المؤلف عن الشيوعيين سعيهم لمكاسب مادية من جراء الالتحاق بالسلطة، ويرجع ذلك إلى قناعة فكرية وسياسية بالبحث عن موطيء قدم لليسار. واتخذت «حدتو» قراراً بأن من ينضم للتنظيم الطليعى تتوقف عضويته فى «حدتو» إثباتاً لحسن النية ولتدعيم الحكم، بينما استمر الكادر الوسيط والقواعد فى الحركة ترفض الحل وفوجئت به. وتم تخويل مسئول سياسى واحد سلطة اتخاذ القرار بـ «حدتو» بما ضرب بعرض الحائط كل مباديء الديمقراطية، بل وحتى الديمقراطية المركزية. وفى اليوم التالى لحل الحركة، تم تأسيس تنظيم جديد بواسطة أربعة من قيادات «حدتو» مما أظهر التخبط وغياب النقاش أو الإجماع على قرار الحل. ولكن المؤلف ينتقد أن منتهى أمانى «حدتو» هو أن يسمح لهم الرئيس عبد الناصر بدخول التنظيم الطليعي، خاصة أنهم كانوا معزولين عن العمال والطلاب والنقابات، وينتقد تجاهلهم أن الدفاع عن حق التنظيم المستقل هو السبيل للدفاع عن وجودهم ليكون التحالف مع الرئيس عبد الناصر وفق برنامج محدد. ودليل المؤلف على صحة هذا النقد أن عدداً من قادة «حدتو» اعترفوا لاحقاً بخطأ قرار الحل عام 1965 وسعوا لإعادة بناء الحركة عام 1975. أما من جهة أجهزة السلطة، فيعرض المؤلف لتقرير يفسر حل «حدتو» و«الحزب الشيوعى المصري» باعتباره اعترافاً من الشيوعيين بضعفهم وأخطائهم وجزءًا من مؤامرة منهم لاختراق التنظيم السياسى ممثلاً فى الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى والسيطرة عليهما من الداخل تمهيداً للانقضاض على الثورة، ويدلل التقرير على ذلك بأن الشيوعيين المصريين لم يكونوا يوماً موضع اعتراف داخل مصر أو موضع اعتراف الحركة الشيوعية الأممية.
ويشير المؤلف فى الختام إلى هزيمة يونيو 1967 بعد عامين من حل الشيوعيين المصريين لتنظيميهم الرئيسيين كدليل

على ما أسماه «هشاشة» الحكم الناصرى برغم جبروته الظاهر.
وفى الختام، وبالرغم من كافة الملاحظات والتعليقات التى عرضنا لها آنفاً، تبقى حقيقتان هامتان بشأن الكتاب الذى اتخذنا منه هنا مدخلاً لدراسة تاريخ الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثانية ما بين 1935 و1965 ، خاصة «حدتو»، وهما حقيقتان تهزان العديد مما استقر فى العقل الجمعى السياسى المصري، بل والعربي. أما الحقيقة الأولى فهى أن الكتاب بتركيزه على ظاهرة التفتت والانقسام داخل تلك الحركة خلال تلك الفترة نجح فى إثبات أننا كنا بصدد «حركات» متضاربة ومتناقضة فيما بينها وليس «حركة» شيوعية مصرية واحدة أو موحدة أو حتى متناغمة أو منسجمة فيما بين فصائلها. أما الحقيقة الثانية فهى أنه ليس صحيحاً ما استقر فى الذهن المصرى والعربى لعقود بأن الشيوعيين مؤيدون بشكل آلى للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسياساته، بل إن هذا يصدق فقط على قطاع من الشيوعيين، كما أن حـتى هؤلاء الذين أيدوا كانوا لاحقاً مثار انتقاد موضوعى وأيديولوجى وسياسى حاد من قطاعات هامة من الحلقة الثالثة من الحركة الشيوعية المصرية كما يظهــر جلياً من هذا الكتاب.
وأخيراً، يشجع الكتاب الذى عرضنا له على المزيد من البحث والدراسة العلمية والمنهجية لموضوعات الحركات الشيوعية المصرية، فى حلقاتها الثلاثة، باعتبارها جزءًا هاما من التطور الفكرى والسياسى والاجتماعى للشعب المصري، ومكوناً لا غنى عنه لتطوير صحى ومتوازن للذاكرة التاريخية والوطنية المصرية.


حدتو: سيرة ذاتية لمنظمة شيوعية
محمود الوردانى
دار الهلال ــ القاهرة


موضــوع الكتـاب يتعــلق
بأحــد التنظيمـات الشـيوعية المصــرية
الهامة، بل واحـداً من أبرز هذه التنظيمــات،
إن لم يكـن أبرزهــا عــلى الإطلاق لم يفت الكاتب أن يسترسل
فــى شرح مــا يعتقــد أنه خلفيات تاريخية
وأيديولوجية للموقف السوفــيتى إزاء
إسرائيلوقضية فلســطين


من المسـائل التى نـرى
أن المؤلف لم يوفهـا حقهــا موقف
الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها
الثانية، و«حــدتو»خاصــة،
تجـاه الدين

 

هل كان المجتمع المصرى
مؤهلاً خلال الفتـرة من منتصـف
الثلاثينيات وحـتى منتصـف السـتينيات
مــن القــرن العشـرين لوجـود
تنظيمات شـيوعية؟

 

هـل كانت الطبقـة العــاملة
المصــرية، التــى يفترض أن الحــركة
الشيوعية كانت تسعى لإنصافها، ممثلة بشكل
كـاف أم غائبة عن المواقـع القيادية
بالتنظيمات الشيوعية المصرية؟

 

الكتاب بتركيزه على ظاهـرة
التفــتت والانقسام داخـل الحـركة
الشيوعية خلال تلك الفترة نجح فى إثبات أننا
كنــا بصــدد «حـركات»متضــاربة
ومتناقضــة فيما بينها

هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة