ساعة سقوط الملكية فى مصر



1
تجارب مباشرة على حافة بركان:
[فى الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الثلاثاء 23 يوليو 1952 ـ كنت فى بيتى أنتظر إشارة ـ اتصالا تليفونيا فى الغالب ـ من الصاغ «سعد توفيق» يبلغنى رسالة من البكباشى «جمال عبد الناصر حسين» (أو كذلك أوحى لى بأكبر قدر من الوضوح ـ دون قول صريح). ولم أكن أعرف موضوع الرسالة المنتظرة لكنى تصورته بالضرورة موصولا بالمشهد السياسى الجارى فى مصر تلك الأيام ـ وتداعياته الخطرة التى تحولت كل ساعة ـ وكل دقيقة ـ إلى سيل متدافع، متسارع، تتزايد حركته وتتعالى منذرة بأنه الطوفان! ...................
................... [كانت الدقائق ـ والثوانى ـ تمر ببطء ثقيل كأن وحدات الزمن طال عمرها ونامت عقاربها على سطح الساعة لا تخطو من خط إلى خط ولا تنتقل وتمشى لتمارس حسابها للوقت. وفى الساعة الحادية عشرة إلا ربعا دق جرس التليفون، لكن المتكلم لم يكن من أنتظره، وإنما كان «فريد زعلوك» (باشا) (وهو الآن وزير للدولة مع «نجيب الهلالي» (باشا) ومساعد مباشر له). وبادرنى «فريد زعلوك» وصوته مشحون بنبرة قلق اختلف معها صوته الطبيعى كما ألفته (فقد كان صوته دائما مشحونا بكفاءة خطيب محرض من أيام زعامته للطلبة الوفديين فى جامعة فؤاد الأول لمدة عشر سنوات كاملة قضاها بالقصد المقصود طالبا فى كلية الحقوق). وبتلك النبرة المشحونة بالنذر سألنى «فريد زعلوك» إذا كنت عرفت أن «ضباط الجيش نزلوا إلى الشارع؟» وبدا لى التعبير غريبا ـ وأضاف «فريد زعلوك» أن المعلومات «لديهم» ـ أى لدى القصر والوزارة ـ فى الاسكندرية تفيد أن هناك حالة عصيان فى الجيش، وأن هناك ضباطا تركوا ثكناتهم «ونزلوا إلى الشارع!» ـ واستطرد «فريد زعلوك» يقول أن «نجيب (باشا)» كان يريد أن يكلمنى لكنه الآن فى اجتماع مع رئيس الديوان الملكى (حافظ عفيفي) لتدارس التطورات». وقلت «أنه ليس لدى رد على سؤاله بشكل محدد ـ لكن «حواسى الصحفية» تقول لى أن هناك أمرا يجرى الآن وإن كنت لا أعرف على وجه اليقين شكله أو حجمه أو اتجاهه». وكان سؤاله التالى مباشرة «هل رأيت اللواء نجيب بعد عودتك من الإسكندرية أو سمعت منه؟» وأجبت بالنفى وشعورى الداخلى أننى لا أريد لحديثنا أن يطول ـ من هاجس يلح على بأن أترك الخط التليفونى مفتوحا لاتصال أنتظره وقد يكون فيه جلاء ويقين. وأخذت من «فريد زعلوك» رقم تليفون مكتبه فى بولكلى (مقر رئاسة الوزارة فى الاسكندرية) قائلا «إننى سوف أعود للاتصال به بعد قليل لعل لديه أو لدى جديدا عن «تطورات الموقف». ووضعت سماعة التليفون مكانها ورحت أنظر إليها وكأنها كائن حى أمامى أنتظر منه أن يشاركنى فى حوار. وعندما وصلت عقارب الساعة بشق الأنفس إلى الحاديــة عشــرة لم تبــق لـدى طاقــة على الصبر، وكان الخاطر الذى يلح على «أننى لا أقدر عـلى انتظار إشارة الصاغ «سعد توفيق» ـ بل إن الانتظار فى حد ذاته لم يعد مقبولا من «مخبر» صحفى «فى لحظات نزلت فيها الحوادث (ضباطا) إلى الشوارع» (حسب تعبير وزير الدولة «فريد زعلوك» (باشا)] ...................
................... [وعندما فتحت باب بيتى لأخرج (وفى ذهنى أن أقصد إلى مبنى أخبار اليوم بظن أننى هناك أقرب إلى مجرى الحوادث) ـ سمعت رنين التليفون وعدت ملهوفا أسمع صوت الصاغ «سعد توفيق» دون مقدمات يسألنى بما معناه «إذا كنت أعرف محطة البنزين وراء كوبرى القبة؟ وإذا كان ذلك، فعلى أن أكون هناك حوالى الساعة الثالثة قبل الفجر». ثم يضيف «لا تذهب عن طريق العباسية ـ جرب الطريق الخلفى من ناحية قصر القبة» ثم مضيفا وبسرعة «سوف تجدنى أو تجد خبرا منى هناك» ـ وانتهى الاتصال! كانت «حواسى المهنية» يقظى، وكان أول ما فعلته أننى عدت إلى باب بيتى أغلقه بعد أن تركته مفتوحا حين سمعت رنين تليفون فى اللحظة الأخيرة قبل الخروج! ـ لأنى أحسست بحاجة إلى ترتيب خطاى قبل أن أتحرك على غير هدى مسوقا ـ ومشوقا إلى الجرى وراء «أمور» أعرف «أنها الآن تقع» أو «على وشك أن تقع» ـ لكن المعلومات اللازمة لتوجيه أى عمل لا تزال مجهولة ـ على الأقل غير محددة! وكان تفكيرى ينتقل من «تصور» إلى «تصور» كأنها طرفات جفن (وهى حالة يعرفها أولئك الذين يكون عليهم أن يختاروا على عجل فى مواقف يمكن أن تكون فارقة). كانت أفكارى تتداعى واحدة متصلة بواحدة: ـ لا وسيلة ولا جدوى من محاولة الاتصال مرة أخرى بالصاغ «سعد توفيق» لسؤاله عن أكثر مما نطق به «خطفا» ولم يزد ولم ينتظر ـ ثم إننى لا أعرف أين هو؟! ـ ومن الآن الساعة الحادية عشرة وحتى ذلك الموعد المعلق فى الهواء عند الفجر ـ مدة أربع ساعات وهى فى السياسة «دهر»، وفى مثل أحوال مصر لحظتها «أبد» يستحيل انتظاره حتى يحل. ـ والذهاب إلى مبنى «أخبار اليوم لن يفيد فى الغالب بشيء إلا البقاء رهن مكتب يستطيــع أن يطلــب محــررين من بيوتهــم لكنـه لا يعرف إلى أين يدفع بهم ـ كما أنه لا يستطيع من هناك الاتصال بالإسكندرية ـ لأن الإسكندرية هى التى تحاول الآن أن تعرف شيئا عما يجرى فى القاهرة (بدليل اتصال «فريد زعلوك» بي). ـ ولمع فى ذهنى خاطر مثل ومض برق وسط الضباب: «محمد نجيب» (وكان ذلك استطرادا من سؤال «فريد زعلوك» عما إذا كنت رأيت «محمد نجيب» أو سمعت منه بعد عودتى من الإسكندرية). وبان وسط تضارب التصورات خط راح يزداد وضوحا كلما ركزت عليه: ـ هناك أربع ساعات من الآن ـ حتى الفجر ـ وإذا كان هناك «ضباط نزلوا إلى الشارع» ـ فالغالب أن «محمد نجيب» يعرف شيئا ـ أو أنه يستطيع أن يعرف شيئا. ـ وما داموا فى الإسكندرية (وزير الدولة باسم رئيس الوزراء يسألنى عن «محمد نجيب»)، فلا بد أنهم يظنون بوجود اتصال على نحو ما بينه وبين ما هو جار الآن أو ضمن توابعه. ـ وفى كل الأحوال فإن «محمد نجيب» هو نفسه عقدة الموضوع فى أزمة حل مجلس إدارة نادى ضباط الجيش التى هى بالتحديد بداية الانزلاق نحو ما يجرى هذه الساعة. والغريب أننى أثناء ذلك كله لم أفكر فى الاتصال تليفونيا ببيت «محمد نجيب» وإنما وجدت نفسى أقود سيارتى على الطريق إليه: شارع فؤاد الأول ـ شارع الملكة نازلى ـ ميدان المحطة ـ شارع الملك ـ إلى الزيتون من وراء قصر القبة (وذلك طريق أطول قليلا من طريق العباسية لكننى ـ ربما ـ بوحى الوعى الباطن كنت أتبع نصيحة «سعد توفيق» ـ وكانت تلك «ضربة حظ» ـ فلو أخذت طريق العباسية لوجدته مغلقا بسبب التحركات العسكرية التى كان نطاقها يتسع) ..........................
..........................

فاروق
[وعندما توقفت بسيارتى أمام بيت اللواء «محمد نجيب» كان البيت غارقا فى الظلام فيما عدا خطوط ضوء تبين من خلال الرقائق العرضية للباب الخشبى الذى يسبق الضلف الزجاجية لباب غرفة الاستقبال المجاورة لمدخل البيت الطبيعى. ووقفت لحظة أتلفت حولى ـ وبدا كل شيء هادئا وكل الناس نيام. وصعدت درجات السلم القليلة إلى الشرفة الصغيرة التى يطل عليها البابان: باب الدخول الطبيعى إلى البيت وباب غرفة الاستقبال. وكانت خطوط الضوء العرضية وراءه هى الإيحاء الوحيد باليقظة أو بالسهر! واقتربت «أدق» على الباب خفيفا ـ وخيل إلى أننى أسمع صوتا شبيها بصوت اللواء «محمد نجيب». ومضت ثوان مشدودة على الآخر كأنها وتر قوس مسحوب إلى أقصى حد ليدفع بسهم إلى أقصى مدى. ثم سمعت صوت الباب الزجاجى يفتح وبعده مزلاج الباب الخشبى (ولم أسجل ولا أتذكر من الذى فتح الباب وفى الغالب فإنه جندى المراسلة الذى كان يقوم على خدمة البيت) ثم وجدت صاحب البيت اللواء «محمد نجيب» جالسا وراء مكتبه والتليفون فى يده وهو مصغ باهتمام ـ ويشير إلى أن أدخل وأجلس وأنتظره حتى يفرغ من حديثه! كان انتباهى كله مركزا عليه أستشف من كلمات قليلة ينطق بها ـ موضوع حديثه أو شخصية محدثه. ثم كانت المفاجأة حين وجدته يقول ما معناه «أنه سوف يحاول تكملة الصورة ومعرفة التفاصيل» ثم يضيف على غير انتظار «وحتى عندى هنا الأستاذ هيكل من «أخبار اليوم» » ثم يزيد قائلا لمحدثه «نعم . . . نعم»! ـ ثم يمد سماعة التليفون ناحيتى يدعونى إلى الكلام هامسا «هذا مرتضى المراغى باشا (وزير الداخلية) .... طلب أن يتكلم معك حـين قلت له أنك عنـدي». وفاجأنى ما فعل كما فاجأنى ما قال، ولم يكن هناك مجال للتردد. وسألنى «مرتضى المراغي» (وزير الداخلية ورجل الملك القوى المدخر للحظة العصيبة) دون مقدمات «عما يجرى عندكم!» وقلت «إن فريد زعلوك (زميله فى الوزارة) اتصل بى قبل أكثر من ساعة وأبلغنى بعض التفاصيل عما وصل إليهم فى الإسكندرية عن خروج ضباط فى الجيش من ثكناتهم إلى الشارع. وقد خطر لى أن أجيء إلى بيت اللواء نجيب بظن أنه قد يعرف شيئا، ولكنى وجدته وحده يتحدث إليك!» وقال «المراغي» ـ (كما سجلت فى أوراقي) ـ «هناك عيال مجانين .... ضباط جيش تركوا ثكناتهم وخرجوا فى حالة عصيان سوف تودى بهم «فى داهية» وهذا «الجنون» يجب أن ينتهى قبل أن يطلع الصباح، وأنا «كلفت» اللواء نجيب أن يتصرف كما يرى مناسبا وأن يتوجه إلى حيث يقابل «هؤلاء المجانين» ويقنعهم بفض اعتصامهم والعودة إلى بيوتهم. واللواء نجيب مخوَّل بإبلاغهم «أنه لن تجرى ملاحقة أحد منهم بعقاب وسوف نعتبر الأمر طيش شباب دفعت إليه الحماسة الزائدة...» وتوقف لكنه لم يلبث حتى فاجأنى بسؤال مؤداه: «إذا كنت أعتقد أنه (اللواء نجيب) يستطيع إقناعهم ـ لأن هذه فضيحة للبلد لا بد من تداركها قبل أن يعرف عنها أحد، والمطلوب هو لمُّ الموضوع بسرعة بحيث يمكن نفى خبره إذا تسرب شيء عنه» ـ ثم يضيف «مرتضى المراغي»: «أعطنى اللواء نجيب» ـ ثم يزيد «إنه لا بد أن يتحرك اللواء نجيب فورا وخصوصا أنهم يعرفون أنه رجل محترم فى أوساط الضباط الشبان ـ على أنه يتعين عليه الآن أن يستعمل حزمه قبل طيبته قبل أن يضطروا إلى إجراءات لا داعى لها لأنه إذا مضى هؤلاء «المجانين» فى جنونهم فإن المشانق سوف تكون صفوفا قبل أن يطلع الصبح»! ثم يصل «المراغي» إلى أن يقول لى «حاول أن تقوى عزيمة اللواء نجيب ما دمت معه الآن ـ وتعرفه». وناولت سماعة التليفون إلى اللواء «نجيب» ولم يطل حديثه مع وزير الداخلية وإنما أنهاه وهو يقول ويكرر «حاضر... إن شاء الله خير». وأعاد اللواء «محمد نجيب» سماعة التليفون إلى مكانها وسألته مستغربا وإلى حد ما معاتبا ـ «لماذا قال لوزير الداخلية أننى هنا؟» ورد بلهجة أحسست فيها بيقظة ذكاء بما مؤداه «أردت أن يطمئن المراغى باشا. أردت أن أؤكد له أننى لا أعرف شيئا بشهادة أننى الآن مع صحفى يمثل جريدة يقال أنها الأقرب إلى «السراي»!» ومد يده فى هدوء إلى منفضة سجائر من المعدن ترك عليها غليونه عندما انهمك فى حديثه التليفونى مع وزير الداخلية ـ والآن عاد يشعله مرة أخرى وهو ينظر إلى من وراء شعلة عود كبريت ينعكس لهبها فى عينيه] ..........................
.......................... [لم يكن اللواء «محمد نجيب» يعرف كثيرا عما يجرى وما أستطيع ترجيحه سواء من الحديث معه أو (فيما بعد) مع آخرين غيره ملخصه: 1 ـ إن اللواء «نجيب» كان بحكم الظروف محور ومدار أزمة نادى ضباط الجيش. 2 ـ إن ذلك وضعه فى مكانة معنوية لها قيمة بين التنظيمات السرية النشطة فى الجيش وأولها تنظيم الضباط الأحرار (الذى يقوده البكباشى «جمـال عبد الناصر حسين»). 3 ـ إن تنظيم الضباط الأحرار لم يتصل باللواء «محمد نجيب» إلا فى وقت ما من شهر يوليو سنة 1952 لأن فكرة القيام بحركة عسكرية واسعة تحتاج إلى قائد من رتبة كبيرة لم تنشأ إلا فى ذلك الوقت. 4 ـ ولأنه قبل أن تنشأ هذه الفكرة ـ أى حتى يوليو 1952 ـ كان تركيز حركة الضباط الأحرار على عمليات اغتيال لقيادات سياسية وعسكرية تهز أعمدة النظام الملكى بحيث يصبح سقوطه محتملا (فى ظرف سنة أو سنتين) بما يفتح الطريق إلى ثورة شعبية سنة 1953 حسب تصورات قيادة التنظيم. 5 ـ ومع التدهور السياسى فى شهر يونيو والنصف الأول من شهر يوليو وتساقط الوزارات السريع فى تلك الأسابيع الحاسمة فإن «لجنة القيادة» فى تنظيم الضباط الأحرار قررت فى «وقت ما» «قرب» منتصف يوليو 1952 ـ أن تقوم بتغيير أساسى فى خططها ـ ملخصه العدول عن فكرة الاغتيالات والتعجيل بـ «حركة عسكرية» تفتح الطريق إلى «التغيير». 6 ـ وكانت خطة الحركة العسكرية هى «السيطرة على الجيش» وإملاء الشروط على الملك وعلى السياسيين وفتح الطريق لثورة شعبية.] ..........................
..........................

محمد نجيب
[وفيما بعد سمعت فكرة خطة السيطرة على الجيش من «جمال عبد الناصر» بنفسه وهى بالنص كما سجلته يومها: «أدركنا أن منطق الاغتيال لا يحل شيئا سوى أنه يغرق البلد فى «بركة دم». والحل الحقيقى أمامنا أن نفرض على الملك تغييرا كاملا. كان تقديرنا أن الملك قادر على إملاء إرادته لأنه يستعمل الجيش عصا يرهب بها الشعب، ولذلك فإن خطتنا كانت أن نأخذ «العصا» من يد الملك ونضعها فى يد الشعب، أى أن ننقل ولاء القوات المسلحة من خدمة الملك لكى نضعها فى خدمة الشعب. وجوهر الفكرة أننا إذا أخذنا الجيش من الملك فمعناه أن القصر فقد سلطته على فرض إرادته فوق الشعب.] 3- يترتب على ذلك أن الاتصال العملى باللواء «محمد نجيب» لقيادة «حركة الجيش» لم يبدأ إلا «فى وقت ما» من شهر يوليو 1952 ـ لأن فكرة السيطرة على الجيش لم يؤخذ بها (بديلا لفكرة الاغتيالات) إلا فى تلك الفترة. ولم يكن معقولا أن تتصل جماعة من الشباب (تنظيم الضباط الأحرار) بضابط على مستوى اللواء «محمد نجيب» مبكرا عن شهر يوليو لإقناعه بالمشاركة فى عمليات اغتيال تمهد بعد سنة أو سنتين لثورة شعبية! 3 ـ وربما أن ذلك اللقاء بين «جمال عبد الناصر» و«عبد الحكيم عامر» مع اللواء «محمد نجيب» فى بيته مساء يوم 18 يوليو 1952 والذى جرى أمامى دون أن أعرف ما دار فيه ـ كان بذاته المناسبة التى أكد فيها الضباط الأحرار عرضهم على «محمد نجيب» لكى يتصدر حركتهم (وتقديرهم المبدئى أن يتم ذلك فى ظرف شهر). وكان «عبد الحكيم عامر» الذى خدم لبعض الوقت تحت قيادة «محمد نجيب» هو الذى اقترح اسمه أولا، وربما كان هو أول من فاتحه، ولعل التأكيد الرسمى لهذا العرض هو لقاء «جمال عبد الناصر» (ومعه «عبد الحكيم عامر») فى بيت «نجيب» (مساء 18 يوليو) ـ وعندما تصادف وجودى هناك] ..........................
.......................... [ومهما يكن الآن ـ الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليلة 23 يوليو فإن اللواء «محمد نجيب» عرف بصورة قاطعة أن حركة الجيش بدأت مبكرة «جدا» عن الموعد الذى يتوقعه، ثم إنه تلقى هذه اللحظة من وزير الداخلية (ورجل القصر القوي) «أحمد مرتضى المراغي» (باشا) ـ تكليفا رسميا من أعلى مستوى بأن يبذل كل جهده لتدارك «تصرفات شبان مجانين» تركوا الثكنات ونزلوا إلى الشارع فى حالة عصيان ضد النظام توالت وقائعها حول مبنى رئاسة هيئة أركان حرب القوات المسلحة على طريق منشية البكرى وما فيه من مبان تضم رئاسات أسلحة الجيش وقتها.] ..........................
......................... وهكذا كان اللواء «محمد نجيب» الذى جلست أمامه فى بيته رجل الساعة (وسط ذروة الأزمة) ربما دون أن يقصد ـ ذلك أنه: معروض عليه ـ أولا ـ من تنظيم الضباط الأحرار أن يقود خطتهم الجديدة بالسيطرة على الجيش (وقد عجَّلوا بها شهرا عما أبلغوه به لأنهم وجدوا الظرف السياسى مناسبا إلى جانب اعتبار أمنى فرضه ما بلغهم من توصل أجهزة الأمن إلى قائمة بأسماء معظمهم). ثم أنه مطلوب منه ـ ثانيا ـ بتكليف من القصر الملكى والوزارة القائمة على الحكم وعلى لسان «مرتضى المراغي» ـ «أن يبذل جهده لفض اعتصام أو عصيان قام به مجانين من ضباط الجيش نزلوا إلى الشوارع وإقناعهم بالعودة إلى بيوتهم وكأن شيئا لم يكن تجنبا لفضيحة أو مصيبة سوف تقع قبل أن يطلع الصبح!» وعندما فرغ اللواء «محمد نجيب» من حديثه التليفونى مع «مرتضى المراغي» ـ كان توقعه أنه سوف يتلقى مع أى لحظة إشارة أو رسـالة أو دعوة من القائمين على حركة الجيش. وكان الرجل (الذى رأيته فى تلك الساعة المتأخرة من الليل) يستشعر مسئوليته وكان قلبه وعقله فى حالة اتساق مستريح مع نفسه ولعله كان كذلك مطمئنا إلى فرصته: بمعنى أنه: «إذا وجد أن الشبان نجحوا فى السيطرة على الجيش فهو معهم (وذلك قلبه) ـ وإذا تعثرت خطاهم فهو وحده يقدر على حمايتهم بوعد رسمى يملكه «وكأن شيئا لم يكن» (وذلك عقله). على أن الأهم هذه اللحظة كان أن يتلقى اللواء «نجيب» إشارة ـ أو رسالة أو دعوة من «الجماعة» كما كان يسميهم ـ ومشكلته الملحَّة أنه لا يعرف أين يذهب لو أراد أن يؤدى ما هو معروض عليه (من قيادة الحركة) وما هو مطلوب منه (بتكليف القصر). ومرت قرابة نصف الساعة واللواء «محمد نجيب» يحاول الاتصال ببعض من يعرف من قواد الجيش (وفيهم شقيقه «على نجيب» قائد سلاح المشاة) ـ لكنه لم يوفق فى العثور على أحد منهم (لأن كبار الضباط الذين استدعاهم القصر لقمع حركة التمرد وقعوا فى أسر المتمردين واحدا بعد الآخر وهم فى طريقهم إلى اجتماع عاجل دعوا إليه فى مكتب رئيس هيئة أركان الحرب الفريق «عثمان المهدي»). ويدير اللواء «محمد نجيب» رقم سكرتير الفريق «عثمان المهدي» وحين يذكر اسمه ـ إذا هو يقع على «عبد الحكيم عامر» ويميز صوته من أول كلمة نطق بها، وكذلك تجيئه دعوة الجماعة لكى يتوجه إلى حيث كانوا هذه اللحظة ـ فى رئاسة هيئة أركان حرب القوات المسلحة (وهى مقر وزارة الدفاع الآن). مرتضى المراغى يطلب أن يتحرك اللواء نجيب فورا وخصوصــا أنهم يعرفون أنه رجـــل محتــرم فى أوساط الضبــاط الشــبان. يتعـــــين عليـــــه الآن أن يســــتعمل حــــــزمه قبــــــــل طيبتــــــه ولأنه إذا مضى هــــؤلاء «المجــــانين» فى جنونهــــم فــإن المشــــانق ســـوف تكون صفوفا قبل أن يطلع الصبح»! 2
وسط العاصفة بمحـــض مصادفة .

عبد الحكيم عامر
[دخلت باب رئاسة هيئة أركان الحرب (وهو الآن مبنى وزارة الدفاع) فى الساعة الرابعة إلا ثلثا بالضبط.] ..........................
.......................... وكان اللواء «محمد نجيب» قد وصل قبل ذلك بسبعة وثلاثين دقيقة واستقبله الصاغ «عبد الحكيم عامر» ليبلغه أن القاهرة «تحت السيطرة». ويكون السؤال الأول للواء «نجيب» عن «موقف الفرقة الأولى مشاة فى العريش؟» (وهى القوة الرئيسية الضاربة فى الجيش المصرى ذلك الوقت) ويرد «عبد الحكيم عامر» بأن «تأييد الفرقة للمعركة مضمون وفى الطريق (ولم يكن ذلك دقيقا لأن قائد الفرقة فى تلك الساعة رفض قبول طلب بعض الضباط المنتمين إلى حركة الأحرار (صلاح سالم وآخرين) ـ بأن يعلن تأييده ـ للحركة. وخشى «صلاح سالم» وأربعة ضباط كانوا معه أن تأخير التأييد قد يدعو قيادات المناطق العسكرية (الموزعة على أقاليم البلاد) ـ إلى الانتظار والتردد مما يثير شكوكا لا داعى لها هذه اللحظة الحرجة وقرر «صلاح سالم» وزملاؤه التصرف على مسئوليتهم ـ وكان تصرفهم أن أشهروا السلاح فى وجه اللواء «سيف اليزل» ثم اقتادوه إلى حمام غرفته وأغلقوا عليه الباب مع حارس عليه منهم، ثم خرجوا ليبعثوا إشارة باسمه إلى قيادة الحركة فى القاهرة نصها «أنا ومن معى نؤيد حركتكم». وكان نص الإشارة غريبا لكن صياغته فى ذلك الموقف حققت غرضها! ..........................
.......................... [وقفت قرب باب المبنى أتأمل المشهد حولى وقد ازدحمت ردهته بأعداد من الجنود الذين شاركوا بالدور الحاسم فى الحركة قادمين من معسكر «هاكستيب» تحت قيادة المقدم «يوسف منصور صديق» الذى رأيته جالسا على كرسى بجوار الباب يسعل بشدة وهو يطلب أى «تموين» (طعام) لجنوده لأنهم منذ الأمس «على لحم بطونهم لم يأكلوا ولم يشربوا شيئا.» وبدا «يوسف منصور صديق» مستثارا لسبب لم أتبينه. وكان بين نوبات السعال يطلق شتائم مرسلة كالقذائف فى كل اتجاه! وصعدت درجات سلم المبنى إلى الدور الأول واتجهت يسارا إلى ناحية مكتب «عثمان المهدي» (باشا) وكان الممر المؤدى إليه مليئا بزحام شديد اختلط فيه الضباط وضباط الصف والجنود ـ بشرا وسلاحا. ولمحت وسطهم الصاغ «كمال الدين حسين» وفى يده مدفع رشاش (وكنت لقيته أول مرة مع «قوات أحمد عبد العزيز» فى الخليل وكان يومها قائد مدفعية تلك القوات من المتطوعين وقضيت معه يوما كاملا أتابع ضرباته الموجهة إلى مستعمرة «رامات راحيل» على مشارف «بيت لحم»). وقصدت ناحيته وبجانبى «سعد توفيق»، وحين رآنى اندفع معانقا ـ وبيننا مدفعه الرشاش! ـ يقول بلهجة الهتاف وليس لهجة الكلام ـ ! ـ «هذا نصر من الله وفتح مبين». ولم ينتظرنى لأعلق أو أسأل وإنما شدَّنى إلى جانب من الممر يقول لى «كان البكباشى جمال (عبد الناصر) يتحدث معنا قبل نصف ساعة عن «تقديرك بأن الإنجليز لن يتدخلوا»!» ورجوته أن ينتظر لأن كل ساعة لها حساباتها ولكل ظرف أحكامه. وكان «كمال الدين حسين» ذاهبا إلى غرفة أخرى فى نهاية الممر وكذلك قال لي: «سوف تراه الآن على أى حال» وأضاف «إن البكباشى جمال لم يكن يعرف أننى قابلتك منذ أيام الفرقة «الخفيفة الحركة» ـ (وهو الوصف الرسمى لقوات المتطوعين التى يقودها «أحمد عبد العزيز»). ودخلت غرفة سكرتارية «عثمان المهدي» (باشا) وكان الباب الداخلى المؤدى منها إلى مكتب رئيس هيئة أركان الحرب مغلقا وعليه حراسة مسلحة. وقال لى «سعد توفيق»: «القيادة كلها فى الداخل مع سعادة اللواء (نجيب) يرتبون لبقية العملية». ومضت قرابة العشر دقائق ثم خرج «جمال عبد الناصر» من مكتب رئيس أركان الحرب وأقبل وعلى شفتيه نصف ابتسامة وفى عينيه نظرة يصعب ترجمتها لكنها موحية بمعان كثيرة صامتة، وسألني: «ما رأيك؟» وقلت على الفور «إننى مأخوذ مما أرى وأسمع»، واتسعت نصف الابتسامة وضوت عيناه بذلك البريق الذى لمحته فيهما قبل خمس ليال وقال: «لدينا اجتماع لم يبق منه كثير، نصف ساعة على أقصى حد ثم أعود!» وكان «عبد الحكيم عامر» وراءه وقد تصور ما قلته لـ«جمال عبد الناصر» تعبيرا عن القلق، وهكذا قال: «لا تخف، كل شيء يسير بالضبط كما رسمنا» وقلت بسرعة: «المشكلة أننى لا أعرف بالضبط ماذا رسمتم؟!» وعقَّب «جمال عبد الناصر» وهو يتجه عائدا إلى حيث كان اجتماع القيادة: «سوف نتحدث فيه عندما نعود إليك» ـ سألنى «عبد الحكيم عامر» قبل أن يلحق بـ«جمال عبد الناصر»: «هل تلحق الجرائد ببيان يجرى إعداده الآن؟» ونظرت إلى ساعتى وكانت الخامسة إلا عشر دقائق بالضبط. وأجبت بأننى «أشك» !] ..........................
.......................... [كان «عبد الحكيم عامر» هو الذى ذكَّرنى عن غير قصد بما نسيته فى خضمِّ أحداث بدت لى «غير معقولة»، وملأى بالاحتمالات». وهكذا اتصلت لأول مرة بأخبار اليوم ورد على «حامد» عامل التليفون المكلف بالسهر. وعرفت منه أن الأستاذين «مصطفي» و«على أمين» اتصلا من الإسكندرية «أكثر من عشرين مرة» يسألان عنى، ويطلبان منه استعمال كل مهاراته فى العثور على أينما أكون. ثم إنه حاول فى الساعات الأخيرة وأيقظ أقارب لى وأصدقاء ولم يصل إلى شيء. وأخيرا وصل إلى القول بأن الأستاذ «حسين فريد» «سكرتير التحرير العام لأخبار اليوم موجود فى مكتبه» وطلبت توصيلى به. وراح «حسين فريد» فور أن سمع صوتى يبدى الانزعاج ـ «يظهر أن هناك أخبارا مهمة جدا ومصطفى (بك) يكاد يجن ليعرف أين أنت؟» سألت «حسين فريد» عن موقف «طبعة القاهرة» وقال: «هذا بالضبط ما كان مصطفى (بك) ينتظرك من أجله». لم نكمل حديثنا فقد قطعه «حامد» (عامل التليفون) الذى دخل على الخط يقول لى «إن مصطفى (بك) على الخط من فندق سيسيل فى الإسكندرية، وقد عرف أننى أتحدث مع حسين فريد وطلب قطع المكالمة مع حسين فريد وتوصيله بك». وجاءنى صوت «مصطفى أمين» كأنه يهز الأسلاك ويكاد يقطعها «هل تعرف ما جري؟» ثم يواصل دون توقف «فريد زعلوك قال لى أنه اتصل بك أول الليل. وتصورتك وراء الحوادث التى تجرى عندكم وتوقعت أن أسمع منك لكنك اختفيت بالكامل والدنيا مقلوبة». عاد يكرر منفعلا (كما هى عادته أوقات الأزمات) «الدنيا مقلوبة، أين أنت؟» وقصدت أن أكون هادئا فقلت «بالضبط فى الموقع الذى انقلبت فيه الدنيا!» وصرخ «مصطفي» : «إيه؟» وخطف «على أمين» منه سماعة التليفون وجاءنى صوته باندفاعه الطبيعى يصوب عشرات الأسئلة فى نفس واحد: «أين أنت؟ هل لديك صورة عما جري؟ ماذا تقول؟» ثم زعق بأعلى صوته «هناك تمرد عسكري!» وقلت ـ مرة أخرى ـ قاصدا إظهار الهدوء «إنى فى مركز هذا التمرد!»

جمال عبد الناصر
وأراد «علي» فى اندفاعه أن يتأكد فسألنى «ورحمة والدتك؟» وكان ذلك هو القسم الشائع على لسان التوءمين منذ رحيل السيدة «رتيبة» والدتهما. وقلت «على ... والدتى على قيد الحياة»، وتدارك معتذرا. وبدأت أشرح أننى تابعت حركة عسكرية يظهر لى أنها استولت على قيادة الجيش وسيطرت على القاهرة. وبدوره عاد «مصطفى أمين» يخطف سماعة التليفون من توءمه ولديه ألف سؤال كأنها طلقات مدفع رشاش، وقلت: «إننى لا أستطيع أن أرد على هذه الأسئلة الآن والقضية العاجلة فى رأيى هى ماذا نفعل بالطبعة الأخيرة من الأخبار وهل نضع فيها إشارة إلى ما جرى أو ننتظر؟» وتبادلنا الرأى من زواياه المهنية والسياسية واستقر الرأى بيننا «بلا خلاف» على أفضلية أن تصدر جريدة «الأخبار» دون إشارة لما جرى. وأول دواعينا أننا لا نعرف حدوده حتى هذه الدقيقة، ومع أن هناك بيانا منتظرا ـ فإن هذا البيان لم يصل إلينا حتى الآن «لأنهم ما زالوا يكتبونه هنا فى الغرفة المجاورة». وسألنى «مصطفي» «هل أستطيع أن آخذ رقم التليفون الذى تتكلم منه حتى نظل على اتصال؟!» ورجوتــه أن ينتظـر حتى أسأل لأن التصرفات فى مثل هذه الأجواء لا تحتمل أى خطأ حتى إذا توافر فيها حسن النية. ..........................
.......................... [كان الصاغ «سعد توفيق» ما زال واقفا إلى جانبى وقد اعتراه توتر ظاهر من حديث تليفونى يسمعه ولا يعرف هل يتركه يستمر أو يقطعه ـ والتفتُ إليه أستأذنه «هل من المسموح به أن أعطى لمصطفى أمين رقم تليفون هذا المكتب؟» واعترض «سعد توفيق» بحزم. وفى تلك اللحظة انفتح باب الغرفة التى كان فيها اجتماع القيادة وخرج «جمال عبد الناصر» ووراءه «عبد الحكيم عامر». ولاحظ «جمال عبد الناصر» فورا تفاصيل المشهد: سماعة التليفون فى إحدى يدى ـ ويدى الأخرى مطبقة على بوقها لكتمان الصوت ـ و«سعد توفيق» يبدو عصبيا ـ وأنا أحاول أن أشرح له شيئا. وبسرعة عرض «سعد توفيق» للمشكلة شارحا «مصطفى أمين على الخط من الإسكندرية يطلب رقم تليفون هذا المكتب» و«أننى سألته إذا كنت أستطيع إعطاءها له» «وهو معترض وأنا أحاول إقناعه» ـ وتطلعت ناحية «جمال عبد الناصر» أنتظر رأيه وقد احتكم إليه «سعد توفيق». وسبقه «عبد الحكيم عامر» تلقائيا برفض قاطع ـ لكن «جمال عبد الناصر» تدخل ليقول «أعطه الرقم... ذلك لم يعد الآن يضر، وربما ينفع». ولم يجادل «سعد توفيق» ولا «عبد الحكيم عامر»، وأعطيت الرقم لـ«مصطفي» (وكان 55455). وأعدت سماعة التليفون إلى مكانها والتفتُّ لأجد «عبد الحكيم عامر» يعبر بملامحه عن الدهشة بينما «جمال عبد الناصر» يشرح له وجهة نظره، ويعرضها بتأنٍّ وكأنه يفكر فى الأمر وهو يشرح: «أولا لم يعد هناك خطر لأنهم عرفوا بالفعل بما قمنا به. وإذا اتصلوا مع «الأستاذ هيكل» هنا فسوف نعرف نحن كيف يفكرون؟ وحتى كيف يتصرفون هناك فى الإسكندرية! ثم إننا نحتاج إلى قناة اتصال إضافية معهم» ثم زاد «هم بدأوا يتصلون بنا ـ هناك عم للملكة ناريمان اتصل منذ قليل يبلغ رسالة ونحن أعطينا ردا ـ وسوف نرى ما يحدث والصبح لم يطلع بعد، والنهار أمامنا طويل!» ولفت نظرى لحظتها «علامات» لها «دلالات»: * لفت نظرى أن الطريقة التى استبعد بها جمال عبدالناصر ردة الفعل الأولية لعبدالحكيم عامر تظهر أن له وضعا خاصا فى الحركة يتقدم به على آخرين. * ولفت نظرى أن جمال عبدالناصر أبدى رأيه على شكل قرار نهائى ولم يلتفت وراءه ليستأذن غيره، ومعنى ذلك أن المسئولية عنده. * ولفت نظرى أخيرا أن جمال عبدالناصر أبدى رأيه بسرعة وعرض مبرراته فى وضوح، أى أنه يملك كفاءة ربط المنطق بالقرار، وبسرعة.] ..........................
..........................

مصطفى أمين
[ومضت خمس وثلاثون دقيقة، وعند الساعة الخامسة والنصف وكنت قد تركت غرفة مكتب سكرتارية الفريق «عثمان المهدي» (باشا) وخرجت إلى الممر الواسع أمامها أراقب ما يجرى وأتابع الحركة دون تدخل بسؤال لأحد ـ حتى عندما لمحت وجوها أعرفها. ونزلت على السلم إلى مدخل المبنى مأخوذا بمشهد جنود من الكتيبة الثالثة عشرة المشاة وقد افترشوا أرض الفناء الخارجى لمبنى القيادة وراحوا يتناولون طعامهم فى سكون (أرغفة من الخبز وقطع من الجبن الأبيض وفتافيت من الحلاوة الطحينية) وسؤالى لنفسى «ماذا يعرف هؤلاء عن العمل الذى شاركوا فيه، وهل كانوا مدركين منذ البداية أنهم يشاركون فى تمرد عسكرى ـ عصيان ـ انقلاب؟ ثم ماذا يعرفون الآن بالضبط وكيف يشعرون هذه اللحظة وهم معرضون للعقاب ـ ربما على أعواد المشانق؟» وتوقفت تأملاتى عندما سمعت صوتا ينادينى، والتفتُّ لأجد جاويشا يقول لى «إن جناب الصاغ سعد يريدك حالا فى المكتب». وكان «مصطفى أمين» على الخط من الإسكندرية، يقول إنه فى مكتب وزير الدولة فى بولكلى (الإسكندرية). ثم سمعت «فريد زعلوك» (باشا) وصوته بالهمس يقول «سوف أحوِّلك إلى دولة الباشا». وسمعت تكة خافتة ثم صوت رئيس الوزراء («أحمد نجيب الهلالي» باشا) دون مقدمات يسألنى أولا أين أنا؟ ـ وقلت «إننى فى مبنى رئاسة القوات» ـ وكان سؤاله الثانى بما مؤداه «أفهم أنك لا تستطيع أن تتكلم على حريتك ولكن قل «لا» أو «نعم» وذلك يكفينى ـ هل هو انقلاب عسكري؟» ورددت بأمانة بأننى لا أشعر أن هناك قيدا يمنعنى من الكلام ـ وأما عن سؤاله فالجواب أننى لا أعرف إلا ما أستطيع أن أرى، وهناك بالتأكيد فيما هو أمامى «حركة ضباط لديهم مواجع خاصة بالأحوال فى البلاد ويبدو لى أنهم قرروا أن يتصرفوا بنوع من الغضب إزاء السلطة السياسية». وسألنى رئيس الوزراء: «هل اللواء نجيب عندك فى نفس المبني؟» وأضاف «عرفت من مرتضى (باشا) أنك كنت عند نجيب فى بيته بعد منتصف الليل». وقلت «إن اللواء نجيب هنا فى المبنى.» وسأل «الهلالي» (باشا) «ما هو موقفه؟» ولم ينتظر إجابة بل استطرد «هل له نفوذ وسطهم؟ ـ هل يسمعون كلامه؟ ـ أو هل هو معهم؟» وقلت لرئيس الوزراء (ولم تكن الأمور تحتمل شيئا آخر): «دولة الباشا ـ كل ذلك لا أستطيع الإجابة عليه لأننى بحق لا أعرف.» وساد الصمت لثوان وعاد «نجيب الهلالي» (باشا) يقول لى «الموقف خطير والبلد على كف عفريت، وسوف أضغط عليك أكثر وأسألك : هل اللواء نجيب فى مكان قريب منك؟ ـ وإذا كان ـ هل تقدر على رجائه بأن يجيء إلى هذا التليفون الذى تكلمنى منه لأسأله وأسمع منه؟» وقلت لرئيس الوزراء: «دولة الباشا ـ لك على أن أحاول ورجائى أن تظل على التليفون وسوف أعود إليك بأسرع ما أستطيع». ووضعت سماعة التليفون على المكتب.] ..........................
.......................... [والتفت إلى «سعد توفيق» الذى كان جالسا على كرسى أمامى وعيناه معلقتان بشفتى لا يريد أن يفلت منه حرف أنطق به، وسألته «إذا كان فى مقدوره أن يدخل غرفة الاجتماع ويستأذن اللواء محمد نجيب ـ هل يستطيع المجيء إلى هنا لأن نجيب الهــلالى (باشــا) رئيــس الــوزراء يطــلب أن يتحـدث معه». وقال «سعد توفيق» «أنه لا يستطيع مقاطعة اجتماع القيادة ولكنه سيكتب ورقة للبكباشى جمال.» ثم خرج من باب المكتب إلى الممر الفسيح المزدحم بالضباط والجنود أمامه، ومضت قرابة الدقيقتين ثم انفتح باب غرفة الاجتماع (مكتب «عثمان المهدي» (باشا)) المؤدى إلى مكتب سكرتاريته وظهر اللواء «محمد نجيب» ووراءه «جمال عبد الناصر» وخلفهما «عبد الحكيم عامر» و«كمال الدين حسين». وكان «جمال عبد الناصر» يهمس بشيء فى أذن اللواء «محمد نجيب» الذى تقدم من المكتب وعليه سماعة التليفون ورفعها وتحدث بأسلوب مؤدب ومنضبط: «أفندم دولة الباشا» ـ ولم نكن نسمع ما يقوله رئيس الوزراء بالطبع ولكن صوت اللواء «نجيب» كان واصلا إلينا بنبرته الهادئة. ولم يطل الحديث، وكان ما سمعناه من ردود اللواء «نجيب» على رئيس الوزراء موحيا بعباراته المقتضبة ـ والواضحة فى نفس الوقت: ـ «نعم يا دولة الباشا» ـ «هم لديهم طلبات يصرون على تنفيذها» ـ «طلباتهم خاصة بالجيش وضرورة تطهيره» ـ «نعم، طلباتهم كلها فى إطار الجيش، هذا ما يهمُهم» ـ «طبعا . . . طبعا» ـ «أوامرك يا دولة الباشا» ـ «تستطيع الاتصال بنا فى أى وقت» ـ «هم أيضا حريصون على الوطن وتهمهم مصر والكل يفديها بحياته!» والتفت اللواء «نجيب» ناحيتى يقول: «رئيس الوزارة يريد أن يتحدث معك». وبينما كنت أتناول منه سماعة التليفون كان «جمال عبد الناصر» يستدير عائدا إلى قاعة الاجتماعات مفسحا الطريق أولا للواء «محمد نجيب». وسألنى «نجيب الهلالي» (باشا): «محمد ـ يظهر أن اللواء نجيب معهم؟» وقلت «إن ذلك ظنى أيضا» ـ وعاد يسأل: «هل انضم إليهم أم أنه كان معهم من البداية؟» وقلت «إننى صادقا لا أملك إجابة على هذا السؤال». ..........................
..........................

على أمين
وفى الساعة السادسة وخمس دقائق توافق حدثان مع نفس اللحظة دعى «سعد توفيق» إلى غرفة اجتماع القيادة لأقل من دقيقة وعاد وفى يده ورقة عليها صورة من بيان سوف يعلن بعد قليل (الساعة السابعة) من إذاعة القاهرة (وقد تمت بالفعل سيطرة القوات على استوديوهاتها فى شارع الشريفين). وكان «سعد توفيق» يناولنى الورقة قائلا «هل لديك رأى أو ملاحظة على هذا النص؟» ورحت أجرى بعينى على سطوره (وكان البيان رقم 1 من «قيادة حركة القوات المسلحة»). ولحظتها دق جرس التليفون ورد «سعد توفيق» الذى كان واقفا بجوارى وفى يده نسخة نهائية من البيان رقم (1) وراح يناولنى سماعة التليفون قائلا: «مكتب رئيس الوزراء يطلبك». وكنت قد وصلت إلى آخر نص البيان حيث «إمضاء اللواء محمد نجيب». وكذلك أعدت الورقة إلى «سعد توفيق» ـ لكنه قبل أن يسلمنى سماعة التليفون عاد يكرر سؤاله على عجل وقلت بسرعة «ما قرأته معقول ـ لكنكم تعرفون أكثر من أى طرف آخر ما الذى تريدونه ـ أو ما الذى تقدرون عليه». قلت ذلك وأمسكت بسماعة التليفون وسمعت صوت وزير الدولة («فريد زعلوك») يقول خطفا «دولة الباشا معك»، ثم صوت «الهلالي» (باشا) فى لهجة مشحونة لم أسمعها منه قبلا: «محمد ـ أريد أن أكلفك بمهمة هذه اللحظة من أجل مصلحة البلد. إذهب للواء نجيب حيث يكون الآن وأبلغه على لسانى «أننى توصلت إلى نتيجة مرضية مع جلالة الملك. الوزارة سوف تستصدر مرسوما ملكيا بتعيين اللواء محمد نجيب قائدا عاما للجيش (بدلا من «محمد حيدر» (باشا)) واللواء نجيب من هذا المنصب يستطيع إجراء أية تغييرات فى الجيش بما يحقق مطالب عرفنا أن «الجماعة عندك» مصرين عليها. وأنا شخصيا متحمس لهذه المبادرة الطيبة التى تظهر استعداد جلالة الملك للتعامل مع الموقف بحكمة وأضيف إلى ذلك أن الوزارة تضمن تنفيذ هذه المطالب كما تضمن عدم مساءلة أى ضابط عن أى تصرف قام به هذه الليلة! وكذلك فإن المشكلة تصبح محلولة قبل أن تصحو الدنيا، وحلها يكون فى الإطار الدستورى السليم دون «فرقعة».» كرر «نجيب الهلالي»: «دون فرقعة لأن أى فرقعة فى هذا الظرف لها عواقب لا يعلم نتائجها غير الله وحده». وأحس رئيس الوزراء بحرجى فاستطرد «إننى أقدر أننا نضغط عليك ـ لكنه لو كانت لدينا وسيلة أخرى فى هذا الوقت الضيق لأعفيتك من هذه المهمة ـ تحامل على نفسك وابذل جهــدك لأن الظروف خطرة ـ وسوف أظل على التليفون حتى أسمع منك ـ والله يوفقك». وتركت سماعة التليفون على المكتب وإحساسى أن دائرة حصار تضيق من حولى. وتنبهت بسرعة إلى صوت حركة تزايدت فى الممر الخارجى، ووجدت «سعد توفيق» يتجه بسرعة إلى الباب الرئيسى للغرفة قائلا «إن اجتماع القيادة انتهي». ولحقت به، وبالفعل فإن الاجتماع انتهى كما أن المشاركين فيه يخرجون وقد وقف عدد منهم يتحدث إلى بعض العسكريين من الضباط (وضباط الصف) ـ وكان «محمد نجيب» ومعه «جمال عبد الناصر» أول من وقع بصرى عليه وكأنه كتلة «مغناطيس مسحور» تشد إليها الأبصار دون انتظار ـ وقصدت إلى حيث يقف أرجو اللواء «محمد نجيب» فى «كلمة على جنب». واتجه إلى أول غرفة مفتوحة، وهو يسحب بيده «جمال عبد الناصر» ليجيء معنا ووراءه جاء «عبد الحكيم عامر» (وثلاثة أو أربعة من الضباط الذين كانوا يحضرون اجتماع القيادة) ـ ولم يكن لأحد خيار ـ وعلى أى حال فإن الموقف كان أدق من كافة الأسرار ولعله كان من الأوفق الآن لكل الأطراف أن يكونوا جميعا على معرفة ونور بما يجرى ويقال دون خفاء أو إخفاء! ونقلت للواء «نجيب» رسالة «الهلالي» (باشا) وأنهيت بأنه على التليفون ينتظر، وسمعنى الكل فى صمت. وكان اللواء «نجيب» هو الذى قطع الصمت بسؤال وجهه إلى «جمال عبد الناصر» لفت نظرى فيه بقوله «ما رأيك ياجمال «بيه» ؟» (ولفت نظرى هذا اللقب المضاف فجأة) ـ ثم استطرد اللواء «نجيب» «مسألة تستحق البحث». وأخذ «جمال عبد الناصر» من يده وسحبه إلى ناحية نافذة الغرفة يقول له بالهمس شيئا. وعندما عادوا بعد نصف الدقيقة تقريبا كان «جمال عبد الناصر» هو الذى وجه إلى القول بأن «اللواء نجيب يريد أن يتحدث بنفسه مع رئيس الوزارة ليسمع منه ما لديه ويقول له ما عندنا». ورجعنا إلى غرفة المكتب حيث كانت سماعة التليفون فى مكانها عليه، وفى فترة الانتظار فإن «الهلالي» (باشا) كما ظهر تركها لـ«فريد زعلوك» الذى بادر فور سماعه صوتى بقوله «ثانية واحدة!» ثم ناول السماعة للهلالى باشا (لأن صوت رئيس الوزراء) هو الذى رد على. وبادرته على الفور «إن اللواء نجيب جاء ليتحدث بنفسه معك وهو واقف بجانبى الآن ـ فهل ذلك مناسب؟» ورد «الهلالي» (باشا) بسرعة «خير ما فعلت»! وسمع اللواء «نجيب» (وفى الغالب فقد سمعه بنفس الألفاظ التى سمعته بها) وإن أضيف إليه مع تواصل الحديث (فيما بدا) لمسة من «السكر» رفضها اللواء «نجيب» وقصد أن يبين رفضه فقد رد بصوت يسمعه الواقفون حوله، قائلا «لا ـ يا دولة الباشا ـ الترقية إلى رتبة الفريق لا لزوم لها، فلا أستطيع أمام إخوانى قبول مكافأة على واجب أديته معهم». ثم جرى تبادل عبارات سريعة واستأذن اللواء «نجيب» لدقيقة أو دقيقتين يتشاور خلالها مع «زملائه» ـ واتجه مع «جمال عبد الناصر» وآخرين من ضباط القيادة إلى طرف الغرفة وكان واضحا أن اللواء «نجيب» يميل إلى قبول عرض رئيس الوزراء ـ ثم نادانى اللواء «نجيب» إلى حيث كانوا واقفين يسألنى «هل تفتكر أنهم جادون فيما يقولون به لتجنب حدوث «فرقعة»؟ » وقلت «لكى أكون أمينا فيما أقول فأظنهم جادين فيما يتعلق بتعيينك قائدا عاما، وأما فيما يتعلق بعدم مساءلة أحد فيما قام به هذه الليلة فإننى لست متأكدا أن ذلك ممكن!» وتدخل «جمال عبد الناصر» مقاطعا بما معناه «إن لديه اعتراضا على سؤال اللواء نجيب من الأصل ـ وأما عن الفرقعة فإنها مطلوبة فى ذاتها ولا يمكن أن تكون الآن حجة فى يد طرف». وأراد اللواء «نجيب» أن يقول شيئا، وتدخلت ألفت نظر الجميع إلى أن رئيس الوزراء على التليفون ينتظر. وتوجه اللواء «نجيب» إلى ناحية «جمال عبد الناصر يسأله «ماذا أقول له؟» ورد «جمال عبد الناصر» بدون انتظار «قل له أن يفتح الراديو على إذاعة القاهرة الساعة السابعة وسوف يجد جوابا على أسئلته كلها».
كانت الثوانى تمشى مكثفة بثقل وعمق يجعل كل ثانية عمرا كاملا. وتحرك اللواء «نجيب» ناحية التليفون يستأنف حديثه مع رئيس الوزراء، وراح يتكلم محاولا انتقاء ألفاظه: «دولة الباشا ـ إخوانى هنا لا يوافقون وردهم سوف يصل للحكومة عن طريق الإذاعة الساعة السابعة (بعد أكثر قليلا من نصف ساعة) ـ يا دولة الباشا هذا رأينا هنا جماعة ـ والله يقدم ما فيه الخير للبلد وكلنا نريد خدمة مصر ـ نحن نقدر الظروف ولذلك قامت الحركة ـ اطمئن يا دولة الباشا كل الناس متحملة لمسئولياتها.» وتوقف اللواء «نجيب» ثم التفت إلى يقول «رئيس الوزراء يريد أن يكلمك ثانية». وسمعت «الهلالي» (باشا) يسألنى «ما رأيك؟ يظهر أن الجماعة عندك مصممين على الفرقعة؟» ورددت «بأن لديهم فى ذلك وجهة نظر». وسألنى عما أقصد، ولم أجد حرجا فى أن أقول له «إننى سمعت رأيا يقول إن الفرقعة مطلوبة فى حد ذاتها!» وسألنى عما يعنيه ذلك وقلت «لا أعرف بالضبط، لكنى أظن أن ما يعنونه هو الإعلان عن وقوع حدث كبير». وكانت المفاجأة التى لم أتوقعها سؤال من «الهلالي» (باشا): «هل تستطيع سؤالهم إذا كانوا يريدون من الوزارة أن تستقيل؟» وعندما أحس رئيس الوزراء بدهشتى أكد أن السؤال ضرورى. وكذلك وضعت يدى على سماعة التليفون والتفتُّ إلى اللواء «نجيب» أنقل إليه السؤال ـ وظهرت الحيرة واضحة على ملامحه من مفاجأة سؤال لم يكن ينتظره. ولكن «جمال عبد الناصر» تولَّى الإجابة مرة ثانية قائلا: «له حق ـ الأفضل أن تستقيل الوزارة»، وحاولت أن أتدخل برأيى لأول مرة فقلت ما معناه «إن الهلالى رجل نزيه وقدير، وهو بالكاد عاد أول أمس إلى رئاسة الوزارة بعد موقعة هائلة من أجل التطهير». ورد «جمال عبد الناصر» بما مؤداه «إن ذلك خارج الموضوع ـ قل له إن ذلك طلبنا وقد وفَّر علينا أن نحرجه بأن نطلبه منه». ولم يكن هناك بد مما ليس منه بد، وكذلك قلت عبارة (من أثقل العبارات التى وردت على لسانى طوال تجربتى الصحفية) «يظهر يا دولة الباشا أنهم يريدون ذلك». ولم يقل «نجيب الهلالي» (باشا) فى هذه اللحظة إلا كلمتين ـ أو كلمة واحدة كررها مرتين «حاضر. . . حاضر». وعندما أغلقت سماعة التليفون مع «نجيب الهلالي» (باشا) ـ التفتُّ حولى لأجد أن لجنة القيادة اكتشفت على حين غرة وبتداعى التطورات أنها أمام مشكلة لم تخطر على بال أحد منهم، والمشكلة: إذا كانوا قد طلبوا الآن استقالة وزارة «الهلالي» ـ وإذا كان ظاهرا أن «الهلالي» سوف يقدم استقالته ـ فمن يكون رئيس الوزراء فى هذه الحالة؟ وبالتأكيد فإن ذلك سؤال سوف يطرح عليهم حتى بإملاء الظروف ـ ولم يكونوا على استعداد له. ..........................
.......................... [والحاصل أن الإشكال وجد لنفسه حلا بالمصادفة، ففى ذلك الوقت وصل عدد من الصحفيين إلى مقر القيادة كان أولهم الأستاذ «حلمى سلاَّم» (من دار الهلال)، وبعده الأستاذ «إحسان عبد القدوس» (وهو رئيس تحرير روز اليوسف) ـ وكان «إحسان» هو الذى اقترح اسم «على ماهر» (باشا) لتشكيل الوزارة (الرجل المستعد دائما للمهام الصعبة فى الظروف الأكثر تعقيدا!) وقبلت لجنة القيادة بالاقتراح. والحقيقة أن أحدا لم يعترض عليه لأن المشكلة قفزت إلى داخل الصورة فى اللحظة الأخيرة وعلى غير انتظار!] لفت نظرى أن جمال عبدالناصر أبدى رأيه على شكل قرار نهائى ولم يلتفت وراءه ليستأذن غيره، ومعنى ذلك أن المسئولية عنده
. ولفـــت نظـــــرى أيضـــا أن جمـــال عبدالناصــــر أبدى رأيه بســـرعة وعرض مبـــرراته فى وضـــــوح، أى أنه يمـــلك كفـــاءة ربــــــط المنطــــق بالقـــــرار، وبســــرعة قال لى الهلالى (باشا) أبلغ اللواء نجيب على لسانى «أننى توصـلت إلى نتيجة مرضية مع جلالة الملك. الوزارة سـوف تستصدر مرسوما ملكيا بتعيينه قائدا عاما للجيش (بدلا من «محمد حيدر» (باشا)) ومــن هــذا المنصــــب يســتطيع إجـراء أيــة تغييرات فى الجيش بما يحقـق مطالب عرفنـا أن «الجماعة عندك» مصرين عليها 3
فاروق يحاول الهرب صباح 23 يوليو
لأن الوثائق البريطانية والأمريكية والفرنسية تمثل أكثر المصادر حيدة واطلاعا على لحظات سقوط أسرة «محمد علي» فى مصر ـ ومن رغبة فى الدقة ـ وفى نزاهة العرض فقد يكون من الأفضل ترك هذه الوثائق تروى قصة السقوط مشهدا بعد الآخر حتى نزل الستار عن مأساة الملك فاروق! ســرى أسبقية ـ أسبقية الساعة 6:25 صباحا (8204/1018) أفاد القائم بالأعمال السير مايكل كرسويل فى الإسكندرية إلى أن هناك تقارير تفيد أن عددا من ضباط الجيش المصرى المتضايقين (disaffected) من الأوضاع تمكنوا من السيطرة على القاهرة أثناء وجود البلاط الملكى والحكومة فى مصيفهم بالإسكندرية. ويبدو أن هؤلاء الضباط تمكنوا أيضا من إملاء رغباتهم على البوليس وقد وجهوا رسالة إلى القائم بالأعمال البريطانى لإخطاره بأنهم سوف يقاومون بكل سلاح معهم أى حركة للقوات البريطانية تقصد إلى التدخل ضد حركتهم. وقد أخطروه أيضا أن دوافع حركتهم هى التطهير الداخلى دون مقاربة للشئون الخارجية، وأنهم ـ كما يؤكد بيان يصدر عنهم ـ مسئولون عن حماية أرواح وممتلكات الرعايا الأجانب. نرى إخطار دول الكومنولث عن طريق المفوضين السامين لها فى لندن (لأن هذه الدول قد تكون لها قوات أو أفراد عسكريين فى قواعد منطقة قناة السويس.) الإسكندرية سرى للغاية الساعة 6:55 صباحا 23 يوليو 1952 (رقم 202/1018) 1060 ـ طوارئ 1 ـ تأكدت الآن أن مجموعة عسكرية يقودها ضباط متمردون تمكنت من السيطرة على القاهرة خلال الليل وفرضت طاعة أوامرها على البوليس المحلى. وبعثت المجموعة مندوبا إلى سفارة الولايات المتحدة تخطرها بأن ما قاموا به عمل داخلى بحت. وتطلب إخطار السلطات البريطانية بأنهم سوف يقاومون أى تدخل بكل شدة ـ وهم لا يرغبون فى أكثر من تطهير بلدهم من الفساد. 2 ـ نحن نعلم أن سياستنا هى الامتناع عن التدخل عسكريا ـ بطريقة أوتوماتيكية ـ للدفاع عن الملك فاروق وموقفنا أننا إذا تلقينا منه طلبا رسميا بمساعدته فإننا سوف ندرسه فى وقته على ضوء الظروف. ومع ذلك فقد ترون ضرورة إخطار القائد العام للقوات البريطانية فى مصر باتخاذ ما يراه من إجراءات فى منطقة القناة أولا وذلك لضمان عدة أهداف: أولها أن تكون القوات جاهزة لما قد يطلب منها ـ وثانيها أن نضمن حرية الملاحة فى قناة السويس. 3 ـ فهمنا من المعلومات المبدئية أن قيادة الحركة الحقيقية من شباب ضباط الطيران ـ وكان بعضهم مسئولا عن الشغب أثناء انتخابات مجلس إدارة نادى ضباط الجيش. ويظهر من معلومات أولية أن هؤلاء الطيارين لديهم مشاعر وفدية. ويبدو لنا أن الموقف خطر ودقيق خصوصا وأن زعماء الوفد أيضا كلهم فى فرنسا وسمعنا أنهم دعوا على عجل لكى يعودوا. 4 ـ إننى لا أستطيع فى الوقت الحاضر أن أقرر مدى قوة الحركة واتساعها ولكنه يبدو أن اللواء نجيب قائد المنطقة المركزية فى القاهرة (يقصد اللواء «على نجيب» شقيق اللواء «محمد نجيب») قد انضم إلى الطيارين الشبان الذين دعوه لقيادة حركتهم. ...................
................... [كانت المعلومات الأولية كلها مغلوطة: ابتداء من وصف قيادة الحركة بأنها من ضباط الطيران ـ إلى الإشارة لميولهم الوفدية ـ إلى دعوة زعماء حزب الوفد للعودة من فرنسا ـ إلى أن قائد الحركة هو اللواء «على نجيب» (والمفارقة أن اللواء «على نجيب» كان ساعتها ضمن كبار الضباط الذين تم اعتقالهم بأمر من قيادة الحركة!] سرى ـ عاجل 23 يوليو 1952 من السفير البريطانى فى واشنطن السير أوليفر فرانكس إلى وزير الخارجية ـ لندن 1 ـ أبلغتنى وزارة الخارجية الأمريكية أن الملك فاروق اتصل فى الساعة الخامسة صباحا (23 يوليو) بالسفير الأمريكى المستر جيفرسون كافرى طالبا منه ـ بدافع إحساسه الشديد بالخطر ـ أن تساعده الولايات المتحدة على مغادرة الأرض المصرية بأسرع ما يمكن ـ وقد سأل فاروق «إذا كانت هناك أى قطعة بحرية أمريكية قريبة من الشواطئ المصرية تستطيع أن تتحرك بسرعة إلى ناحية الميناء الخاص بقصر رأس التين لكى تأخذه وعائلته إلى خارج مصر تحت حماية أمريكية». وذكر فاروق للسفير كافري: إنه لا يستطيع وأسرته أن يغامروا بالذهاب إلى أى مكان لأنهم قد يقعون فى الأسر، وهو لا يستطيع أن يتبين مدى الاتصال بين حركة الضباط فى القاهرة وبين قوات حامية الإسكندرية. وقد فكر فى المغادرة بواسطة اليخت الملكى «المحروسة» لكن القومندان («جلال علوبة») قائد اليخت أبلغ جلالته أنه يخشى أن تكون بطاريات السواحل موالية للانقلابيين ومن ثم تقوم بضرب اليخت الملكى بمدافعها وتعطله أو تغرقه. ذكر فــاروق لكافــرى أنــه لم يوجـه مثل هذا الطلب إلى السلطات البريطانية لأنه لا يريد أن يغادر مملكته تحت حماية المدافع البريطانية حتى لا تسوء صورته أمام شعبه، فضلا عن أنه ليس واثقا من النوايا البريطانية تجاهه. 2 ـ إن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغتنى أنها على اتصال بوزارة الدفاع لتحديد موقع أقرب سفينة حربية أمريكية من الشواطيء المصرية لكن ذلك الإجراء من قبيل الاحتياط فقط إذا دعت الظروف ـ كما سيجرى البحث فى إمكانية ترتيب نقل الملك وعائلته بالجو إذا استحال طريق البحر. 3 ـ وفى الوقت الراهن فإن كافرى نصح الملك فاروق بأن يحتفظ بهدوء أعصابه لأن «ذعره» (panic) الظاهر لا يخدم هدفه ولا حياته والأفضل له أن يقعد ثابتا فى قصره فى انتظار الكيفية التى سوف يتصرف بها الانقلابيون ـ كما أنه أخطر الملك بأن الحكومة الأمريكية لن تخذله بما يعرض سلامته للخطر دون أن يتسبب ذلك فى تدخل أمريكى سافر فى شأن يبدو حتى هذه اللحظة داخليا لأن مطالب الضباط مقصورة على إبعاد عدد من رجال الملك فى الجيش. 4 ـ إن الحكومــة الأمريكيــة بتلك النصيحــة بســطت حمايتهــا على الملك على أنه لا يظهر حتى الآن أن هناك تهديدا جديا لعرشه أو لحياته ـ والحكومة الأمريكية تتقصى الأمور بدقة وإذا ظهر أنه بين الانقلابيين ضباط شيوعيون فإنها سوف تعاود حساب موقفها من الامتناع عن التدخل المباشر. 5 ـ إن السفير جيفرسون كافرى نصح الملك إلى جانب ذلك بفتح قناة اتصال مع «ضباطه المتمردين» واستطلاع نواياهم. 6 ـ طلب منى «هنرى بايرود» (مساعد وزير الخارجية الأمريكي) من باب الاحتياط أيضا أن نخطرهم بموقع أقرب سفينة حربية بريطانية إلى ميناء قصر رأس التين الملكى فى الإسكندرية. طوارئ ـ سرى جدا من مايكل كريسويل (القائم بالأعمال البريطانى فى مصر) إلى وزير الخارجية (رقم 219/1009) 23 يوليو الساعة 7:55 (صباحا)

مرتضى المراغى
1 ـ أبلغت السفير الأمريكى كافرى موافقتنا الكاملة على النصيحة التى قدمها إلى الملك فاروق بأن يظل قاعدا فى مكانه (to sit tight) باعتبار أن ذلك هو أفضل الخيارات له ولسلامته الشخصية والمحافظة على عرشه. 2 ـ أعلن الانقلابيون فى القاهرة بيانهم الرسمى ونقوم بإجراء تحليل له الآن، ويبدو أن قائد الحركة المعلن عنه هو اللواء محمد نجيب ولكن القوة الحقيقية كما بلغنا هو الضابط مصطفى كمال صدقى (النشط البارز فى تنظيم الحرس الحديدي!!). ويظهر أيضا أن الضابط الثانى بعده فى الحركة هو القائمقام أنور السادات الذى كان متهما فى اغتيال أمين عثمان (باشا). 3 ـ يبدو أن حامية الإسكندرية لا تزال على الحياد حتى الآن ويبدو الموقف هادئا فى كل معسكرات الجيش فى هذه المدينة. 4 ـ قرر الملك أن يتصل بقيادات التمرد وكلف وزير الداخلية مرتضى المراغى بأن يتصل باللواء نجيب (كان المراغى وزيرا للداخلية مع نجيب الهلالى ولكنه فقد هذه الصفة عندما قدم الهلالى استقالة وزارته). 5 ـ علمت هذه اللحظة أن المراغى اتصل من الإسكندرية بقادة الحركة العسكرية فى القاهرة ودعا اللواء نجيب إلى مقابلته فى الإسكندرية لكن اللواء نجيب اعتذر عن السفر وطلب مجيء المراغى إلى القاهرة، وسوف يتوجه المراغى فعلا إلى القاهرة. 6 ـ نقدر قوة الانقلابيين فى القاهرة بثلاثة ألوية ـ وتتكون حامية الإسكندرية من لواء واحد. 7 ـ بعثت حركة المشاة المتمركزة على الحدود فى العريش برسالة تأييد إلى اللواء نجيب. 8 ـ تعليق: رغم أننى غير متأكد من معلومة وصلتنى الآن ملخصها أن ضباط الحركة فى القاهرة يفكرون فى التخلص من الملك فاروق للقضاء نهائيا على سلطته فى العمل ضدهم ـ إلا أننى أرسل لكم هذه المعلومة كما بلغتنى حتى تتأكدوا منها. ...................
................... [مرة أخرى تظهر الإشارة إلى «مصطفى كمال صدقي» كقائد للحركة العسكرية أن سفارات الدول الكبرى فى القاهرة لم تكن لديها معلومات كافية عن الحركة العسكرية وأن محاولاتها لمتابعة الحوادث كانت تعتمد على الإشاعات والتخمينات أكثر من الاعتماد على معلومات حقيقية.] طوارئ ـ سرى للغاية من القائم بالأعمال البريطانى إلى وزير الخارجية (رقم 1074) الساعة 11 صباحا 1 ـ لم يتمكن مرتضى المراغى من مقابلة اللواء نجيب فقد طلب إليه بعد وصوله إلى القاهرة أن يجيء لمقابلته فى وزارة الداخلية ولكن نجيب رد عليه بالطلب إليه أن يجيء هو («المراغي») إلى قيادة الحركة. رفض المراغى وعاد فورا إلى الإسكندرية. 2 ـ طلب المراغى أن يقابلنى أو يقابل مسئولا مفوضا من السفارة البريطانية وبعثت هاملتون لمقابلته. 3 ـ أوضح المراغى ما يلي: أ ـ أن على ماهر (باشا) ضالع فى المؤامرة ويعاونه فيها مصطفى كمال صدقي(!) ومعهم بعض الضباط، وقد وضعوا خطة التمرد ونفذوها حتى الآن بنجاح باهر. ب ـ إن الحركة العسكرية كما يراها «منظمة» و«موجهة» بواسطة الشيوعيين والإخوان المسلمين وقد طرحوا ثلاثة شروط: أن يتولى على ماهر تشكيل وزارة جديدة ــ أن تجرى انتخابات برلمانية بأسرع وقت ــ أن تلغى الأحكام العرفية. 4 ـ فى تقدير المراغى أن الملك فاروق انتهى عمليا وأن العسكريين يريدون الخلاص منه وإزاحته عن طريقهم (!) 5 ـ أنه («المراغي») يتقدم إلينا بطلب تدخل عسكرى بريطانى قبل أن يتعقد الموقف ونجد أنفسنا أمام تحالف من الإخوان المسلمين والشيوعيين يمسك بالسلطة فى مصر ويوجه نتائج الانتخابات على هوى أفكارهم المتطرفة المعادية لمبادئ الرأسمالية. 6 ـ ســوف أقــابل المراغى بنفسى وأسمع منه. من السفارة ـ مصر إلى وزارة الخارجية 5265/91/1011 سرى جدا قابلت الآن مرتضى المراغى وهو متشائم جدا من احتمالات الموقف ورأيه أن كل ما أعلن عن أهداف الحركة العسكرية هو ذر للرماد فى العيون

جيفرسون كافرى
(pure eye wash) مقصده التضليل، فى حين أن الهدف الحقيقى من الحركة هو إقامة حكومة عسكرية من ضباط كانت لهم جميعا أدوار فى العمليات الإرهابية التى وقعت ضد القوات البريطانية فى منطقة قناة السويس فى الشتاء الماضى، وهم جميعا خليط من فوضويين وشيوعيين وإخوان مسلمين. وهو يعتقد أنهم إذا تركوا لتدعيم موقفهم فى السلطة فإنهم لن يلبثوا بعد قليل حتى يدخلوا فى حرب عصابات حقيقية ضد القوات البريطانية فى منطقة القناة. وقد أحسست أن المراغى متأثر برؤاه ـ كما أن الشعور بالمفاجأة والعجز غالب عليه ولذلك فهو يبالغ فى «سواد» الصورة على أنه ليس بمقـدور أحـد أن يدَّعى أن الصورة بيضاء ولذلك فإن متابعة الاستعدادات لا بد أن تأخذ طريقها. طوارئ ـ سرى جدا من السفارة البريطانية فى مصر إلى وزارة الخارجية ـ لندن 23 يوليو 1952 (رقم 206/1018) الساعة الرابعة (بعد الظهر) أبلغنى السفير الأمريكى كافرى أن الملك فاروق اتصل به قبل قليل (الساعة 3 بعد الظهر) وأبلغه أنه الآن لا يجد بديلا عن قبول مطالب العسكريين بما فيها استقالة الهلالى وتعيين على ماهر رئيسا للوزراء، خصوصا وأن على ماهر عندما ذهب إليه بعض المندوبين العسكريين عن القيادة لتوجيه الطلب إليه بتشكيل وزارة جديدة رجاهم أن يصدر إليه التكليف من الملك رعاية للدستور. وهكذا فإنه سوف يكلفه برئاسة الوزارة دون مشاكل! أبدى الملك فاروق للسفير الأمريكى شعوره بالمرارة الشديدة ضدنا (بالطبع لأننا لم نبلغه باستعدادنا للتدخل). بل إنه قال لكافرى أنه يعرف أننا نحن المدبرين الحقيقيين للانقلاب ضده وهو على أى حال مستعد الآن لمواجهة كل الاحتمالات ولن يترك البلد مهما كان. ..........................
.......................... [يلفت النظر أن هذه الصورة كانت مختلفة عن الانطباع الذى تكوَّن عند «أحمد نجيب الهلالي» (باشا) ـ الذى روى لى فيما بعد (وفى حضور زوج ابنته الدكتور «محمود محفوظ» وابنه الأستاذ «نبيل الهلالي») ـ أنه توجه إلى قصر رأس التين بعد حديثه مع اللواء «نجيب» (فى حضوري) وعرض عليه الموقف بطريقة لا تحتمل اللبس ـ وبما مؤداه أن: 1 ـ هناك حالة تمرد فى الجيش ـ لكن التمرد كما هو واضح فى بيان «الحركة العسكرية» الذى أذيع قبل قليل (الساعة السابعة صباحا) من إذاعة القاهرة ينص على طرد عدد من ضباط الجيش الفاسدين، وعلى إخراج بعض رجال الحاشية الذى كان الملك بنفسه قد وافق على إبعادهم (بطلب منه ـ أى من «الهلالي» ـ عندما كلفه برئاسة وزارته الثانية). ومع أن قرار الإبعاد تأخر لسوء الحظ ولم يصل إلى علم ضباط الحركة ومن ثم تصرفوا على النحو الذى تصرفوا به ـ فإن «ضرورات أمن البلد» تقتضى الآن قبول طلباتهم «حتى لا يتسع الخرق». 2 ـ إن جلالة الملك فى هذه اللحظة مطالب بالارتفاع من مشاعره الشخصية والقبول بمطالب الحركة حتى يمكن «حصر الفتنة» ولا ينفتح المجال لاحتمال تدخل خارجى. 3 ـ إنه «كرئيس لوزراء جلالة الملك» ـ وكخادم مخلص له يرجوه ألا يلجأ إلى طلب تدخل أجنبى بريطانى أو غيره فى هذا الوقت حتى لا يكرر موقف عمه الخديو «توفيق» الذى طلب تدخل الأسطول البريطانى ضد «عرابي» (ثورة «عرابي» 1882)، وهو الطلب الذى أدى إلى احتلال مصر ووقوعها فى قبضة الاستعمار البريطانى. وفى رواية «نجيب الهلالي» (باشا) أن الملك «فاروق» وافق على ما قال وأضاف إليه «أنه ليس الرجل الذى يطلب تدخلا بريطانيا مسلحا لحماية عرشه أو أسرته أو نفسه، وقد استبعد هذا الخاطر من حساباته فور سماعه بما جرى فى القاهرة لأنه «لا يريد أن يعطى الانجليز هذا الشرف ـ ولا هذه الفرصة للشماتة فيه فضلا عن أنه لا يثق فى نواياهم أو حسن مقاصدهم». وقال «نجيب الهلالي» «أنه خرج من المقابلة مع الملك مستريحا مطمئنا إلى صدق مشاعره الوطنية!» وكذلك قدَّم له استقالة وزارته حتى يعطيه حرية التصرف بعد أن عرف أن الحركة تريد تغييرا وزاريا!] المــــلك «فـــاروق» أبلغ الســــفير الأمريكى «كافـــري»، أنه فكـــر فى المغــــادرة بواسطة اليخت الملكى «المحروسة» لكن القومنـــدان «جلال علوبة» قائد اليخت أبلغ جلالته أنه يخشى أن تكون بطاريات الســـواحل مواليـــة للانقلابيين ومن ثــم تقــــــوم بضــــرب اليخــــت الملكى بمدافعهـــــا وتعطلــه أو تغرقه 4
طلب تدخل عســكرى بريطانى
طوارئ ـ سرى جدا من القائم بالأعمال البريطانى إلى وزارة الخارجية ـ لندن (رقم 91 / 1014) 24 يوليو 1952 الساعة 6:10 صباحا

أنطونى إيدن/div>
تقابلت الآن مع السفير الأمريكى المستر كافرى. قال لى أن الملك فاروق يلاحقه بالتليفونات منذ الفجر يقول له «إن الوسيلة الوحيدة لمساعدته هى تدخل عسكرى لإنقاذه وإنقاذ أسرته». وهو لم يطلب تدخل السفارة البريطانية ـ لكن تلميحاته واضحة نحو ذلك الطلب، ومن الواضح أن كافرى يريد أن يعرف رد فعلنا فى هذه الحالة وقد أخبرته أنه يستطيع أن ينقل إلى الملك ما يلي: 1 ـ إن حكومة جلالة الملكة على علم بما يجرى، وكذلك رئاسة أركان الحرب الإمبراطورية، ونحن فى انتظار تعليمات منهم. 2 ـ أنه إذا أراد رأيى الشخصى فهو الآن أمام مشكلة داخلية عويصة ومن المشكوك فيه أن تدخلا أجنبيا يمكن أن يساعده على حلها ـ على أنه إذا أراد تدخلا عسكريا لصالحه فسوف نطلب منه توضيح طلبه. 3 ـ سألت كافرى إذا كان ما سمعه منى سوف يؤدى إلى جعل الملك أكثر يأسا بحيث يحاول مغادرة البلاد فى أسرع وقت. وقال كافرى أن الملك فى حالة ذعر هائل (tremendous panic) وهو يبذل قصارى جهده لتهدئة مخاوفه وإقناعه بأن ينتظر فى ثبات. طلبت من كافرى أن ينقل إلى الملك أن تلك أيضا نصيحتى. وحتى الآن فإنه لا يبدو لى أن المتمردين فى القاهرة قد فرضوا عليه شيئا يخصه ـ وإذا انتظر فقد تتطور الأحوال لصالح ملك دستورى. 4 ـ قال لى كافرى «إن الملك ذكر له أنه ما زال حتى الآن يستطيع أن يعتمد على ولاء البحرية المصرية واستعداد قيادتها لمساعدته. 5 ـ لاحظنا ـ كافرى وأنا ـ أن الملك فى هذه الأزمة قطع صلته بحكومته وهو يجرى اتصالاته بنفسه وحتى بدون وساطة الديوان الملكى. وقد أبلغه كافرى أنه سوف يبعث إليه برسول معتمد يلازمه حتى يترجم له رغبات سيده فى حالة انقطاع الاتصالات التليفونية. طوارئ ـ سرى جدا من القائم بالأعمال البريطانى مايكل كرسويل إلى وزير الخارجية ورئاسة الوزراء 24 يوليو 1952 الساعة 8:10 يتضح لى أكثر فأكثر أننا أمام خطر حقيقى بقيام نظام عسكرى متطرف فى مصر ولذلك أتقدم بالمقترحات التالية: 1 ـ وضع الخطة روديو (التدخل العسكرى لاحتلال الدلتا والقاهرة) فى وضع الإنذار لتكون الخطة قيد التنفيذ بعد إخطار لا يزيد على أربع وعشرين ساعة، مع إمكانية أن تتقدم بعض الوحدات إلى نقط التماس ـ خط «أرسكين» الدفاعى (خط بلبيس ـ بحيرة المنزلة) بحيث يعرف الانقلابيون على الفور أن احتمال التدخل العسكرى من جانبنا وارد وجدى. أقترح أيضا إجراء تحركات بحرية ظاهرة قرب الشواطئ المصرية. كذلك يمكن إخطار السلطات المصرية المعنية أن المدمرة البريطانية جلاسجو التابعة لأسطول صاحبة الجلالة البريطانية فى البحر الأبيض ومعها مدمرة ملحقة بها سوف تتوجه إلى ميناء الإسكندرية بدلا من وجهتها الأصلية إلى ميناء بورسعيد. ورأيى أن هذه الوحدات ـ وغيرها ـ لا يجب أن تظهر على الشواطئ المصرية حتى لا تتسبب فى تفجير مظاهر عداء ضد الرعايا البريطانيين والأجانب فى مصر وحين تكتمل الاستعدادات لبدء تنفيذ العملية روديو. 2 ـ إن ملحقنا البحرى قد أقام صلات طيبة مع قيادة الأسطول البحرى المصرى ونحن واثقون أن وحداتنا البحرية لن تقابل بردود فعل عدائية من جانبهم. على أن موقف قائد بطاريات السواحل ليس مؤكدا حتى الآن. 3 ـ إننا نرى خطرا كبيرا يزحف بسرعة على الموقف فى مصر، وهو يتطور على نحو فورى يدعو للقلق ويتطلب حلا وقائيا قبل أن تفوت الفرصة. والغالب أننا الآن على نحو مماثل مما عانته روسيا أيام الثورة البلشفية على طريقة كيرنسكى بمعنى ظهور واجهة تبدو معتدلة وهى فى الواقع تمهد للمتطرفين. ورأينا أن غالبية ضباط الجيش سوف يعودون إلى رشدهم إذا أحسوا بالخطر المحدق عليهم اليوم. وقد عرفنا الآن أن كل ضباط الجيش فوق رتبة العقيد قد طلب إليهم البقاء بعيدا عن وحداتهم حتى إشعار آخر، وذلك يخلق مناخا مناسبا لما نفكر فيه. من وزارة الخارجية ـ لندن إلى القائم بالأعمال البريطانى ـ الإسكندرية طوارئ ـ عاجل الساعة 1:15 صباحا 24 يوليو 1952 ردا على مقترحاتكم: 1 ـ نرى أن فترة الإنذار الخاصة بالخطة روديو يمكن تقصيرها بحيث تكون الخطة جاهزة للتنفيذ فى ظرف 28 ساعة للمرحلة الأولى ـ 96 ساعة للمرحلة الثانية ـ وسوف تقوم رئاسة أركان الحرب بإصدار التعليمات المناسبة. 2 ـ نختلف معكم فى شأن القيام بحشود بحرية أمام الإسكندرية على الأقل فى هذه المرحلة. 3 ـ إننى أفكر فى إجراء اتصالات مع كل من اللواء محمد نجيب ورئيس الوزراء المقترح على ماهر (باشا). إشارة عاجلة من القائد العام للبحر الأبيض إلى رئاسة أركان الحرب تقديراتنا لمقترحات الإسكندرية: 1 ـ لا يبدو لنا أن تقدم وحدات عسكرية من «فايد» إلى خط التماس مع وحدات الجيش المصرى مناسبا فى هذا الوقت. 2 ـ المعلومات المتوافرة لدى القيادات العسكرية فى فايد تظهر أن قوات الجيش المصرى تقف بالكامل وراء حركة اللواء نجيب وأفرادها متحمسون لإقصاء الحاشية السيئة للملك فاروق وتحجيم نفوذه. وعليه فنحن نعتقد أن أى مظاهرة عسكرية من جانبنا لن

أحمد أبو الفتوح
تؤدى إلى تعليم ضباط الجيش المصرى درسا فى التعقل بقدر ما سوف ندفعهم أكثر إلى الوقوف وراء الحركة العسكرية. 3 ـ إن منطقة قناة السويس هادئة الآن، وفى رأينا أن أى ظهور عسكرى بريطانى سوف يجعل الجميع ـ بما فيهم قوات البوليس ـ فى حالة عصبية تمكن لقوى الشغب أن تعاود نشاطها. وسوف يبدو مثل ذلك النشاط فى الوقت الراهن مبررا بتدخلنا فى صميم الشأن المصرى وتأييدا لملك تخلَّى عنه رعاياه. 4 ـ لا نرى فائدة محققة من اقتراح التظاهر البحرى أمام الإسكندرية، وإذا كان مثل ذلك التظاهر لازما فإن توقيته لا بد أن يجيء مصاحبا لتنفيذ الخطة روديو إذا استقر الرأى على ذلك. وفى حالة ما إذا كان قراركم هو إجراء مظاهرة عسكرية بالقوة أمام الاسكندرية فسوف نجد أننا أمام ضرورة أن أتلقى منكم توجيها عن الهدف النهائى السياسى الذى يستدعى إجراء التظاهر البحرى المقترح. من وزارة الخارجية إلى السفارة البريطانية (مايكل كرسويل القائم بالأعمال) ـ فى مصر مذكرة ـ عاجل وسرى 24 يوليو 1952 (الساعة 4:15 بعد الظهر) إننا لا نريد ـ ولا نقصد ـ ممارسة هواية قيادة السيارات من المقعد الخلفى (backseat driving) . ونحن نرى أن المعلومات الواردة من مصر لا تزال غير كافية لاتخاذ قرارات كبيرة. ومن الأفضل أن ننتظر حتى جلاء الأمور. وحتى إذا تحوَّل اللواء نجيب إلى ديكتاتور عسكرى فنحن لا نريد أن نظهر باعتبارنا الطرف المعتدى من أول لحظة وقبل أن تتضح نوايا الآخرين على أن ذلك لا يمنع أن نكون مستعدين لكل الاحتمالات. ونحن نقترح عليه إخطار رئيس الديوان الملكى حافظ عفيفى بوجهة نظرنا رغم أننا نشعر أن الديوان الملكى فى عزلة عما يجرى لدرجة أن عفيفى (باشا) لم يستطع أن يفرق بين اللواء محمد نجيب وبين شقيقه اللواء على نجيب واعتبر الأخير هو قائد الانقلاب العسكرى، ويكون إبلاغ حافظ عفيفى بوجهة نظرنا فى الحدود التالية: 1 ـ إننا سوف نبذل جهودنا ونوظِّف وسائلنا لمنع قيام ديكتاتورية عسكرية فى مصر. 2 ـ من مصلحة الملك أن يخرج من هذه الأزمة ملكا دستوريا، وهذا يعنى أن عليه أن يترك حكومة يرأسها على ماهر ـ الذى اختاره بنفسه قبل شهور لرئاسة الوزارة ـ تعمل دون عراقيــل، وإذا كان له أن يقــوم بدور بناء فعليه تشجيع حكومته للوصول فى الوقت المناسب إلى تسوية مناسبة للعلاقات بين بلدينا. 3 ـ ولعلمك الخاص فنحن الآن لا نرى بأسا من أن يشعر فاروق بالخوف .(scare) إلى وزير الخارجية ـ أنتونى إيدن من وكيل وزارة الخارجية ـ آلين مذكــرة اتصل بى تليفونيا عبد الفتاح عمرو (سفير مصر فى لندن) يبلغنى رسالة مقتضاها أن من المهم جدا أن نتجنب أى اشتباك بين القوات البريطانية فى منطقة قناة السويس وبين الحركة العسكرية التى قامت فى مصر. ومع أنه يرى ضرورة أن نكون مستعدين لكل الاحتمالات فإنه من الخطر أن يظهر وكأن القوات البريطانية تستعد لاجتياح الدلتا والقاهرة. وهو يرى أنه إذا كان ضروريا أن تقوم طائراتنا فى قواعد القناة بعمليات استطلاع جوى فمن المستحسن أن يظل عمل الطائرات فى أجواء منطقة القناة. طلب منى عمرو أن أنقل ذلك إليكم وإلى مجلس الوزراء بسرعة ـ وأبلغته أن تفكيرنا ليس بعيدا عما يقترحه. عاجل ـ سرى (إشارة 225) من قيادة القوات البريطانية فى فايد إلى السفارة البريطانية فى مصر 24 يوليو 1952 هناك معلومات قد تهمكم فى الجانب السياسى من الأحداث الجارية فى مصر الآن. أولا ـ إن الكولونيل ميللور من رئاسة أركان القوات البريطانية فى فايد توجه اليوم (24 يوليو) لمقابلة اللواء شوقى بك (اللواء «أحمد شوقى عبد الرحمن») قائد القيادة الشرقية المصرية (فى منطقة قناة السويس) يستطلع رؤيته للموقف الجديد فى القاهرة وقد أبدى له اللواء شوقي: 1 ـ أنه تلقى اتصالا تليفونيا من اللواء نجيب الذى أبلغه بقيام الحركة وأنه سوف يتلقى منه الأوامر من الآن فصاعدا ـ وقد رد عليه اللواء شوقى بأنه يقبل سلطته. 2 ـ إن معـلومات شــوقى عن اللواء نجيب أنه رجل لا يهتم بالسياسة وهو رجل طيب(a good man) وإنما وراءه مجموعة من الضباط الشبان الوطنيين لم يستطع بعد أن يتعرف على أسمائهم. 3 ـ إنه يعرف من اتصالات سابقة أن القوات البريطانية لن تتدخل لإنقاذ الملك من مستنقع سياسى تسبب فيه لنفسه ودخل إليه بحماقة، وهو يأمل أن يظل ذلك موقفنا حتى تنجلى الأمور ـ وإنه يعرف أن قوات الجيش المصرى وضعت عوائق ضد الدبابات على طريق السويس وأنهم مستعدون لمقاومة أى تدخل لأن ذلك يجنب الجميع بدائل خطرة وغير مؤكدة. 4 ـ إننا لم نصل بعد إلى نتيجة مؤكدة تقنعنا بقبول الأحوال المستجدة فى مصر ـ لكن علينا أن نراقب بحذر ـ مستعدين لمختلف الاحتمالات. 5 ـ فى رأينا أن الوقت قد يكون مناسبا لاتصال على مستوى معين مع محمد نجيب، ومن الأفضل أن يتم الاتصال بواسطة دبلوماسى من هيئة سفارتك. من القيادة العامة للقوات البريطانية ـ فايد إلى السفارة البريطانية (عاجل ـ سرى رقم 1668/ت.ن.أ) للعلم فإن البريجادير جولبرن (الملحق العسكرى البريطانى فى مصر والذى كان قد سافر بالأجازة يوم 18 يوليو 1952) عاد إلى هنا بالجو من قبرص. وقد التقى أمس باللواء شوقى (اللواء «أحمد شوقى عبد الرحمن» ـ قائد المنطقة الشرقية) فى قيادته

محمد التابعى
بالمعسكر، وطبقا لما قاله اللواء شوقى يظهر الآن: 1 ـ اللواء نجيب دفع إلى قيادة الحركة بواسطة عدد من الضباط الشبان الذين يكرهون الملك. 2 ـ إن هذه المجموعة من الضباط الشبان لا يزيد عددها على عشرة وهم الذين قاموا على التنظيم. 3 ـ إن الوفد والإخوان ليس لهم دور فى الحركة ـ ولكن التأييد يصل إلى القيادة من كل أنحاء البلاد. 4 ـ إن هدف الحركة تطهير حاشية الملك ووضع حد للفساد فى السياسة ـ والعناية بقوة الجيش. 5 ـ إن سياسة قيادة الحركة الآن تجنب تدخل عسكرى بريطانى ضدها. 6 ـ إن الملك فاروق عندما أحس بحرج موقفه السياسى قبل أسبوع طلب من بعض رجاله فى البوليس السياسى تدبير عملية اغتيال لعدد من الرعايا البريطانيين فى مصر حتى يحوِّل اهتمام الشارع المصرى من مشاكل الداخل إلى مخاطر خارجية، وإن مثل ذلك الاحتمال كان واردا فى ذهن اللواء فؤاد صادق عندما فاتحه بعض شباب الضباط كى يقود حركة تفرض الإصلاح على الملك، وأن ذلك الاحتمال كان أول أسبابه عندما تردد فى قبول عرضهم. 7 ـ إن اللواء نجيب كان هو الذى اختار على ماهر لرئاسة الوزارة بعد الحركة لأنه يعرفه من وقت ترشيحه وزيرا للحربية بعد حريق القاهرة. 8 ـ إن ضباط الحركة لا يفكرون فى إجراءات متعصبة (fanatic) ضد الملك، بل هم على استعداد لقبوله وفق شروط مختلفة. 9 ـ إن ضباط البوليس مستاءون من ضباط الحركة بسبب اعتقالات وقعت ضد قياداتهم خصوصا اللواء طلعت (قائد بوليس القاهرة)، وقد اضطر هو (اللواء «أحمد شــوقى عبــد الرحمن») إلــى تهدئــة خواطــر ضباط البوليــس فى بورســعيد حتـــى لا يتصرف أحد منهم بحماقة. 10 ـ إن اللــواء نجــيب يتلقــى التوجيهــات مــن عــدد مــن الضبــاط الشـــبان الـذين يريدون تصحيح العلاقة مع بريطانيا باتفاق جديد يسمح بتقوية الجيش المصرى. وهنا قال البريجادير جولبرن للواء أحمد شوقى عبد الرحمن إذا كنت تستطيع إيجاد وسيلة لإبلاغ هؤلاء الشبان فى القاهرة فأرجوك إبلاغهم بما يلي: ليســت هنــاك معاهدة جــديدة منــا (no new treaty) وليــس هنــاك ســلاح جــديد لهــم (no new arms) طوارئ ـ سرى (170) من السفارة البريطانية (القاهرة) إلى القائم بالأعمال البريطانى (الإسكندرية) 24 يوليو 1952 هذه الرسالة من هاملتون (المستشار القانونى للسفارة) إلى كرسويل (القائم بالأعمال) «التقى مساعد الملحق العسكرى الكولونيل «تاملين» هذا الصباح مع صديق له على اتصال مع بعض ضباط نجيب وعرض عليه فكرة ترتيب اجتماع لى معه. وقد عاد هذا الصديق واتصل بـ«تاملين» وأبلغه أن فكرة اللقاء غير مناسبة لأن القيادة العسكرية تفضل أن تجرى اللقاءات العسكرية مع رئيس الوزراء «على ماهر» ـ خصوصا وأن أهداف «حركة الجيش» ليست سياسية. طوارئ ـ سرى جدا من وزير الخارجية ـ أنتونى إيدن إلى القائم بالأعمال البريطانى فى مصر ـ الإسكندرية ـ مايكل كرسويل 24 يوليو 1952 ـ (رقم 524/96/1011) إذا لم يكن لديك ما يدعوك إلى الاعتراض فإننا نرى أن عليك مقابلة على ماهر بأسرع ما يمكن والتحدث إليه بالخطوط التالية: 1 ـ إن حكومة صاحبة الجلالة الملكة لا ترغب فى التدخل فى الشأن المصرى لكنها تجد نفسها إزاء ضرورة إخطار رئيس الوزراء المصرى بأن الحكومة البريطانية لن تتردد فى التدخل إذا نشأت أحوال تتطلب حماية أرواح الرعايا البريطانيين. ولذلك فإن حكومة صاحبة الجلالة البريطانية أصدرت أمرها إلى قواتها المسلحة فى مصر بأن تكون فى حالة الاستعداد القصوى للتدخل. وقد أبلغنا اللواء نجيب بوسائلنا («جولبرن» إلى اللواء «شوقى عبد الرحمن») ليكون واضحا أمامه أن أية استعدادات تراها وحدات من الجيش المصرى ليست موجهة بشكل من الأشكال فى صورتها الراهنة ضد القوات المصرية المسلحة. بل إن الأوامر لدى القوات البريطانية هى تجنب وقوع أى حادث. 2 ـ عليك أن تنتقل من هذه المقدمة إلى إبلاغه بأننى شخصيا أراقب تطورات الموقف فى مصر خلال الشهر الحاضر بكثير من القلق وأشعر أن المستجدات الأخيرة طرأت نتيجة حتمية لفساد شديد وسوء فى الحكم سببا أضرارا كبيرة لمصر، لكننا نأمل أن تتحسن الأوضاع فى ظل إدارة مستقرة. ومع أنه من الصعب علينا التنبؤ بمسار الحوادث فإننا نخشى أن الحديث فى الساعات الأخيرة عن إلغاء الأحكام العرفية وإجراء انتخابات نيابية كلها سابقة لأوانها لأن أهم شيء هذه اللحظة هو إعادة شيء من التوازن تستطيع به مصر أن تقف على قدميها. فى إشــــارة من القـــــائد العـــام البريطانى للبحر الأبيض إلى رئاسة الأركان: المعلومـات المتوافـــرة لـدى القيـــادات العســـكرية فى فـايد تظهر أن قوات الجيـش المصـرى تقف بالكامل وراء حـــركة اللـــــواء نجـــيب وأفرادها متحمســـون لإقصــــــــــــاء الحاشــــية الســــــيئة للـمــلك فــــــاروق وتحجيـــــم نفــــــــوذه 5
طـــابــــور مســـــلح يتجــــــــه إلى الإسكندرية
طوارئ ـ عاجل إلى وزير الخارجية ـ أنتونى إيدن ـ لندن من مايكل كرسويل القائم بالأعمال البريطانى ـ الإسكندرية 25 يوليو 1952 1 ـ قابلت على ماهر هذا الصباح وأبلغته برسالتكم وطلب منى نصا مكتوبا للفقرتين (1) و (2) منها. ويظهر كما ألمح أنه يريد هذه النصوص مكتوبة فى حوزته لأنه يخشى أن يضغط الانقلابيون الجدد على الوزارة بدباباتهم وطائراتهم! وقد ألمحت له

الأمير محمد على
بأن هؤلاء الشبان عليهم أن يعرفوا أن هناك دبابات أقوى وطائرات أحدث مما لديهم! 2 ـ كان على ماهر يبدى الود الخالص طوال المقابلة وقد أبلغنى أن أشكركم بحرارة على رسالتكم وحتى تعرفوا أنه يرى الموقف بوضوح ويوافق على كل شيء فى رسالتكم. 3 ـ قدم لى على ماهر وصفا تفصيليا لأحداث الأزمة، وأبلغنى أنه جاء إلى الإسكندرية أمس (24 يوليو) يحمل مطالب محددة من اللواء نجيب وضباطه وهى على النحو التالي: أ ـ بالنسبة للجيش: تثبيت اللواء محمد نجيب قائدا عاما للقوات المسلحة وتفويضه بإجراء تطهير فى الجيش يتضمن إنهاء خدمة 56 ضابطا بينهم 21 لواء وقع اعتقالهم فعلا. وبالتوازى مع ذلك ضرورة البدء فى تسريح الحرس الحديدى التابع للملك مباشرة وتسليم سلاحه إلى الجيش، كما أنه يتعين على أعضائه تسليم أنفسهم إلى قيادة الحركة فى القاهرة. ب ـ بالنسبة للقصر: طرد سبعة رجال من أعوان الملك فاروق فورا وهم: محمد حسن أمين الخدمة الشخصية ـ وأنطون بوللى مدير شئونه الخاصة ـ وإلياس أندراوس مدير أعماله المالية ـ وكريم ثابت مستشاره الصحفى ـ والقائمقام حلمى سائقه الخاص الذى أصبح قائد الملكية ـ ويوسف رشاد طبيبه الخاص ـ واللواء عاكف طياره الخاص. وأضاف على ماهر أنه عندما قابل الملك بطلبات الجيش وجده فى البداية عنيدا يرفض الاستغناء عن أقرب رجاله ـ لكنه استسلم للحقائق فى النهاية بشرط ألا يطرد هؤلاء جميعا وإنما يقدمون استقالاتهم. 4 ـ ذكر لى على ماهر أنه لا يعرف من هو القائد الحقيقى للانقلاب لكن تخمينه أنه «البكباشي» أنور السادات الذى جاءه صباح يوم الانقلاب يبلغه باختياره لتشكيل وزارة جديدة، وهو لا يعرف عنه الكثير، وإن كان الملك فاروق قال له عندما قابله أمس أن «هذا الضابط أنور السادات هو فى الواقع مجرم (criminal). 5 ـ قال لى على ماهر أيضا أنه أبلغ بعد أن غادر القاهرة إلى الإسكندرية أمس أن القيادة العسكرية أمرت باعتقال قائد بوليس القاهرة اللواء طلعت وكذلك مدير القلم السياسى المخصوص فى وزارة الداخلية إلى جانب وكيل الوزارة ـ وقد أضيف إليهم اعتقال الأخوين مصطفى وعلى أمين وأبدى أن هذه تصرفات لا تريحه على الأقل لأنه لم يعلم بها إلا بعد حصولها. 6 ـ وأبلغنى على ماهر أنه يتوقع وصول مبعوث من اللواء نجيب إلى الإسكندرية ولا يستبعد وصول اللواء نجيب نفسه ظهر اليوم ـ وعلى أى حال فهو ينوى إعادة الحكومة إلى القاهرة وإنهاء مصيفها فى الإسكندرية مع نهاية الأسبوع. أبلغنى أيضا أن الأحزاب السياسية كلها تحاول الاتصال به وهو ينوى تشكيل وزارة من المستقلين لكنه سوف يختار وزير دولة معه يتولى مهمة ضابط اتصال بين الوزارة وبين الأحزاب السياسية الرئيسية. وعلى أى حال، فإنه قرر بالفعل إبقاء الأحكام العرفية وتأجيل أى تفكير فى إجراء انتخابات نيابية. وقد طلب من القيادة العسكرية أن تترك له القرار فى هذه المسائل لأنها موضوعات سياسية يختص هو شخصيا ووزراؤه بالقرار فيها. 7 ـ تكلم على ماهر عن خطط لديه لإعادة تنظيم الحكومة وتطهير الإدارة الحكومية من الفساد السياسى الذى لحق بها من جراء التعيينات الحزبية وأهواء الوزراء المتعاقبين، وأنه كذلك سوف يعمل على تخفيف حدة الأزمة التموينية، وعلى سبيل المثال ذلك النقص الخطير فى السكر. 8 ـ وصل على ماهر إلى القول بأن الجيش يشعر بالضيق لتخلف سلاحه، وهو يفهم مشاعر الضباط فى هذا الصدد خصوصا وأن القيادة العليا فى الجيش اقتصرت على المقربين من القصر الملكى، وأن تسليح الجيش وتدريبه أهمل أمره وصرفت الاعتمادات العسكرية فى غير موضعها. ونبهت رئيس الوزراء إلى أن تلك كلها مشاكل يمكن تسويتها عندما نتوصل إلى اتفاق دفاعى مع مصر. ..........................
.......................... [كان اعتقال الأستاذين «مصطفي» و«على أمين» نتيجة لتبليغ من رئيس تحرير جريدة «المصري» (الأستاذ «أحمد أبو الفتح») يتهم فيه الأخوين بنقل معلومات حساسة عما يجرى فى مصر إلى جهات أجنبية. وقد سجل الأستاذ «مصطفى أمين» هذه الواقعة بخط يده فى التحقيق الذى أجرى معه (بعد ذلك بسنوات). وفى مسار الوقائع بعد اعتقال الأخوين فقد سارعت بالاتصال بـ«جمال عبد الناصر» ورتبت مقابلة حضرها معنا الأستاذ «محمد التابعي»، وكان عرضنا للموضوع بحضوره وحضور اللواء «محمد نجيب» نفسه أن اعتقال اثنين من الصحفيين فى مصر فى الساعات الأولى من الثورة مسيء إلى صورتها، ثم أن العلاقة بين أسرة «أبو الفتح» وأسرة «أمين» ـ علاقة معقدة شهدت فى بعض الأحيان شراكة مالية كما شهدت فى بعضها الآخر عداوة لا تتضح أسبابها الحقيقية، وأن المسألة تحتاج إلى تحقيق دقيق لأن التهمة خطرة والأوقات مضطربة. وفى كل الأحوال فإن «الحركة» لا ينبغى لها من الساعات الأولى لعملها أن تقوم بإجراءات تبدو منحازة ـ أو تحسب فى الخارج وكأنها تخويف للإعلام المصرى وإنذار له]. ..........................
.......................... إلى وزارة الخارجية البريطانية من مايكل كرسويل القائم بالأعمال البريطانى فى مصر (رقم 91 / 1095) 25 يوليو 1952 ـ الساعة الثالثة بعد الظهر أبلغنى القنصل الفرنسى العام أن هناك وحدات من قوات الجيش المصرى تصل الآن إلى الإسكندرية وتتجه إلى معسكر مصطفى باشا كما أن بعضها تمركز فى استاد الإسكندرية قرب محطة السكة الحديد. وفى رواية القنصل الفرنسى أن هذه القوات القادمة إلى الإسكندرية قوبلت بترحيب وحماس عند مرورها فى حى المكس وتجمع حولها حشد من الجماهير مهنئين للجيش ولنجيب ويطلقون شعارات معادية للملك بلغت حد الوقاحة. وفى معلومات القنصل الفرنسى أيضا أنه سمع من مصادر مطلعة أن هناك خلافات بين رئيس الوزراء على ماهر وبين اللواء محمد نجيب الذى وصل إلى الإسكندرية فعلا فى الصباح الباكر بالطائرة. إلى وزير الخارجية ـ لندن من القائم بالأعمال فى مصر عاجل جدا (96/1095) 25 يوليو 1952 أبلغنى السفير الأمريكى جيفرسون كافرى أن الملك فاروق اتصل به منفعلا يطلب حاملة طائرات أمريكية تقترب من الشاطئ المصرى أمام قصره وتنقله إليها طائرة هليوكوبتر تابعة لها لأنه مقتنع الآن بضرورة الإفلات هربا من بلده. وقد بذل السفير الأمريكى كل نفوذه وحججه ليقنع الملك بعدم مغادرة بلاده حتى لا يفتح الطريق أمام إعلان جمهورية متطرفة، وذلك خطر شديد على مستقبل أسرته. ومن المحتمل أن ينجح كافرى فى إقناع الملك بالبقاء خصوصا إذا لم يشعر فاروق بأن هناك إجراءات مستجدة تتخذ ضده. وقد أبلغت السفير الأمريكى أننى أوافق على موقفه بغير تحفظات. ويظهر أن الحرس الملكى قرر نقل ولائه إلى اللواء نجيب، وقد عرف فاروق ربما عن طريق التنصت أن اتصالا جرى بين عدد من ضباط حرسه وبين قيادة اللواء نجيب، كما أن قادة الحركة تلقوا معلومات عن اتصالات قام بها الملك فاروق وطلب خلالها تدخلا بريطانيا ضدهم وأن ذلك أثار الانقلابيين عليه. وقد أبلغنا الملحق البحرى الأمريكى أنه شاهد طابورا عسكريا يحوى عناصر من الدبابات يزحف بسرعة على الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية، وأن طلائعه تصل إلى الإسكندرية فى أية لحظة. وفى الغالب فإن الملك فاروق أمامه ساعات مزعجة. (درجة السرية القصوى للمعلومات) من جفرسون كافرى (السفير الأمريكى بالقاهرة) إلى وزير الخارجية (واشنطن) اتصل بى الملك فى الساعة الثامنة صباحا ليبلغنى أن قصره محاصر ـ ثم عاد يتصل بى بعد نصف ساعة ليقول لى أن هناك إطلاق نار فى محيط القصر وأنه فى موقف «يائس» (desparate) ويسألنى إذا كنت أستطيع أن أساعد بسرعة could I help quickly) كافرى إلى وزارة الخارجية ـ لندن من السفارة فى مصر (مايكل كرسويل القائم بالأعمال) ( 9 ج 2 ـ 1018 ) أبلغنى رئيس الوزراء على ماهر أنه حينما غادر القاهرة يوم 24 يوليو قادما إلى الإسكندرية كان ما فهمه من اللواء نجيب أن ضباط الحركة لن يذهبوا إلى أبعد مما وصلوا إليه من إجراءات تتصل بإقصاء عناصر من حاشية الملك. لكنه عندما لحق به اللواء محمد نجيب فى الإسكندرية ـ فى اليوم التالى 25 ـ عرف منه أنه وضباطه قرروا المضى إلى أبعد من ذلك وفيه اتخاذ إجراءات حاسمة يتطلبها الموقف وإلا فإن الملك سوف يلجأ إلى ألاعيبه القديمة مرة أخري(his old tricks) وقال لى على ماهر أنه بعد التروى والتفكير توصل إلى أن تفكير «الحركة» فى الاتجاه الصحيح. من رئاسة أركان الحرب الإمبراطورية ـ لندن خطة طوارئ لإنقاذ الملك فاروق رقم (أ / 240 ـ 1018) 25 يوليو 1952 ـ ليلا 1 ـ لقد سئلنا فى واشنطن ـ البرقية رقم 1420 مساء 25 يوليو بواسطة وزارة الخارجية ـ عن موقفنا عندما تظهر الحاجة إلى إنقاذ الملك فاروق وتعرضت حياته للخطر وما إذا كنا مستعدين لإرسال سفينة حربية للمشاركة فى العملية. وقد ناقشنا الموضوع آخـذين فى اعتبـارنا أن قوات الحركة العسكرية تحاصر القصر الملكى الذى يوجد فيه فاروق. 2 ـ وجوابنا أن المدمرة «مانكس مان» وهى أسرع سفينة فى الأسطول البريطانى فى البحر الأبيض المتوسط تستطيع القيام بالمهمة. وفى اللحظة الراهنة فإن هذه المدمرة موجودة فى ميناء بورسعيد وتستطيع أن تصل إلى الإسكندرية فى ظرف عشر ساعات ونصف، ويمكن اختصار هذه المدة بمقدار ساعتين ونصف إذا صدر إليها أمر بالتحرك مبكرا لأن الست ساعات ونصف هى مدة الإبحار الفعلى إذا كانت لدى المدمرة أوامر مبكرة من الأميرالية. ولذلك فقد ترون من المناسب إخطار الأميرالية بالاستعداد حتى قبل اتخاذ القرار بالمشاركة فى إنقاذ الملك فاروق. ونحن نستحسن ذلك فى كل الأحوال لأن عطلة نهاية الأسبوع (كان الوقت مساء جمعة) قد تتسبب فى غياب بعض طواقم البحارة. 3 ـ لا بد أن نأخذ فى اعتبارنا أننا لا نستطيع إنقاذ الملك فاروق من قصره بقوة السلاح لأن ذلك قد يتسبب فى اشتباكات بيننا وبين القوات المصرية التى تحاصر القصر مما تنتج عنه عواقب سياسية خطيرة، مع العلم بأن المقصود بإنقاذ الملك هو إنقاذ حياته، وعليه فلا يجب تعريضه لموقف يجد نفسه فيه وسط اشتباكات مسلحة. 4 ـ وعلى هذا الأساس فإن الملك فاروق أمامه من الناحية الواقعية خياران: أ ـ إما أن يجد وسيلة يطير بها إلى قاعدة قناة السويس ب ـ أو يجد وسيلة يخرج بها من ميناء القصر وملاقاة المدمرة «مانكس مان» خارج المياه الإقليمية. وفى هذه الحالة فإنه يسهل علينا اعتباره لاجئا إلى الأسطول البريطانى. 5 ـ هنـــاك خيار يستحق أن يبحـــث وهو إصـــدار تعليمات حـــازمة إلى الوزيــر المفوض البريطانى فى مصر مايكل كرسويل بأن يتدخل بطريقـة حازمة مــع المتمردين (the rebels) محذرا من التعرض لحياة الملك أو إصابته بسوء. وفى هــذا الســياق فإنه يســتطيع إخطــارهم بأنه من الأفضــل أن نتلقى منهـــم موافقــة على إرســال إحـــدى قطعنا البحرية إلى الإسكندرية لكى تأخذ الملك فاروق منها. إلى القائد العام للبحرية البريطانية بالبحر الأبيض المتوسط من الأميرالية عمليات ـ عاجلة 1 ـ قد تنشــأ الحاجة بســبب التطـــورات الجـــارية فى مصــر الآن إلى التقـــاط (to pick up) الملك فاروق خارج المياه الإقليمية المصرية أمام الإسكندرية. وفى هذه الحالة فإنه يمكن إعطاؤه حق الحماية (sanctuary) إذا وصل فى مثل هذه الظروف إلى إحدى قطع أسطول صاحبة الجلالة البريطانية. 2 ـ وإذا نشأت الضرورة لهذه العملية فإن رأينا أن المدمرة «مانكس مان» هى الأكثر ملاءمة للمهمة. 3 ـ وفى اللحظة الراهنة فإننا نرى وضعها تحت الإنذار استعدادا للحركة فى ظرف أربع ساعات. 4 ـ وفى هذه الحالة فإننا سوف نرسل إليكم إشارة رمزية هى الكلمة (halo Manx Man) وهذه الإشارة الأولى تعنى أن «مانكس مان» عليها أن تكون مستعدة للتحرك فورا ولكن دون إبحار. 5 ـ وعندما تتسلمون الإشارة الرمزية وفيها كلمة «برسيل»persil) (قبل (halo Manx Man) فإن «مانكس مان» لا بد أن تتحرك نحو الإسكندرية بأقصى سرعة. 6 ـ سوف نبعث إليها أثناء الإبحار بالموعد المتفق عليه وإشارات التعارف اللازمة لإتمام المهمة. من الأميرالية ـ لندن إلى وزارة الدفاع إن قائد الأسطول(The First Lord) يريد أن يكون الأمر واضحا فى ذهنه بشأن طلبكم إلى الأميرالية استخدام المدمرة «مانكس مان» فى إنقاذ الملك فاروق. ويريد قائد الأسطول أن يتأكد أن المهمة الملقاة على «مانكس مان» فى هذه الظروف تحظى بموافقة رئيس الوزراء مباشرة وبنفسه. إن بطــاريات المدافع الساحلية المصرية فى حالة جيدة ويمكن أن تكون فى هذه الظروف مستعدة للعمل. ولذلك فإن وقوع خسائر أمر محتمل وهو ما يتطلب موافقة رئيس الوزراء. إلى وزارة الخارجية ـ لندن من السفارة البريطانية ـ مصر (القائم بالأعمال مايكل كرسويل) 26 يوليو 1952 بعثت الآن بالملحق البحرى ومعه نسخة من تعليماتكم الأخيرة للتنسيق مع قائد البحرية المسئول فى قصر رأس التين (فى عملية ترتيب أية وسيلة بحرية يجدها الملك للوصول إلى موقع المدمرة «مانكس مان» ـ بما فى ذلك التوقيت والموقع). وقد وجد الملحق البحرى أن الطريق إلى قيادة البحرية وإلى القصر مغلق بحشود من الجماهير ووحدات من الجنود كما شاهد بعض قطع المدفعية مصوبة إلى القصر. وقد أبلغوه فى قصر رأس التين أن ضباط البحرية مشغولون باجتماع فى ثكنات البحرية بالأنفوشى. وقصد إلى هناك حيث وجد عددا من شباب الضباط الذين أبلغوه أن أية رسالة لا بد أن تذهب إلى اللواء نجيب وهو يقوم بتحويلها إلى الجهات المعنية. وقد تكوَّن لدى ملحقنا البحرى الانطباع بأن ضباط القيادة برأس التين جرى اعتقالهم بواسطة شباب الضباط الذين كانت نظراتهم إليه غير ودية، وقد شعر بالقلق لأن جموعا من الناس أحاطت بالقيادة وبدت مشاعرهم متحفزة ضد عسكرى بريطانى رأوه أمامهم. لاحظ الملحق البحرى أن بعض القوات تتجه إلى قصر المنتزه. علمت الآن أن سفير الولايات المتحدة قد بعث برسالة عاجلة إلى على ماهر وإلى اللواء نجيب يحث على ضبط النفس وسوف أتوجه الآن لمقابلة المستر كافرى والتنسيق معه. من جفرسون كافرى إلى وزارة الخارجية الأمريكية واشنطن تمكن السكرتير الأول للسفارة (ماكلينتوك) من مقابلة اللواء نجيب وأبلغه بقلقنا من التطورات الحادثة هذا الصباح كما أبلغه أنه ليس من مصلحة أحد أن تتدهور الأمور إلى حد يمس شخص الملك. وقال اللواء نجيب أن التحركات العسكرية الجارية الآن هدفها تعزيز القوة العسكرية فى الإسكندرية بعد معلومات تلقتها قيادة الحركة عن نشاط تقوم به عناصر من الطابور الخامس، وأن نشاط هذه العناصر قد تمت مواجهته بحزم (severely dealt with) وأن هناك اعتقالات أخرى جارية، وأن ذلك هو ما استوجب الإجراءات الإضافية التى تقرر اتخاذها اليوم. قال السكرتير الأول للسفارة للواء نجيب إننا نعتمد على كلمته فى أن ضررا لن يلحق بالملك. حاولت أن أتصل بالملك تليفونيا بنفسى لأبلغه تأكيدات اللواء نجيب ولم يجب قصر رأس التين. واتصلت برئيس الديوان حافظ عفيفى فى بيته أبلغه الرسالة بظن أنه قد يجد وسيلة لإبلاغها للملك، واكتشفت أن رئيس الديوان تحت الإقامة الجبرية فى بيته. إلى وزارة الخارجية ـ لندن من القائم بالأعمال بالسفارة فى مصر (مايكل كرسويل) 1 ـ اتصل الملك فاروق تليفونيا بالسفير الأمريكى وأبلغه أن الموقف يتدهور دقيقة بعد دقيقة، وأن إطلاق النار يشتد. بعث السفير الأمريكى مرة أخرى بالسكرتير الأول للسفارة (روبرت ماكلينتوك) ليقابل اللواء محمد نجيب فى ثكنات مصطفى باشا. وفى نفس الوقت اتصل بعلى ماهر يطلب منه ألا يكون هناك سفك للدماء. أكد اللواء نجيب لمبعوث كافرى أنه وقع سوء فهم لأن أفرادا من الحرس الملكى أطلقوا النار على إحدى الوحدات المكلفة بحصار القصر الملكى مما تسبب فى جرح بعض الجنود. وقد أكد اللواء نجيب أنه يدرك أهمية الحيلولة دون سفك الدماء وحفظ الأمن والقانون، وأنه يتعهد بأن الملك لن يصاب بسوء. وقال أنه يعطى كلمة شرف بضمان هذا الوعد. 2 ـ لم يستطع كافرى أن يتصل بالملك تليفونيا لأن الخطوط كلها قطعت، وقرر إرسال سكرتيره الخاص لمحاولة الوصول إلى قصر رأس التين ومقابلة الملك بأى وسيلة. (وكان سكرتير السفير وهو الكولونيل سمبسون صديقا شخصيا للملك فاروق). 3 ـ توجه المستر كافرى الآن لمقابلة على ماهر وتسليمه رسالة من الحكومة الأمريكية. من جفرسون كافرى (السفير الأمريكى فى القاهرة) إلى وزارة الخارجية ـ واشنطن 26 يوليو 1952 عندما فشلت كل وسائلى فى الاتصال تليفونيا بالملك فاروق أرسلت إليه سكرتيرى العسكرى الكولونيل سمبسون الذى قاد سيارته إلى قصر رأس التين مصمما فى كل مرحلة وأمام كل عقبة على الوصول إلى أبواب القصر. وقد تمكن فعلا من دخول القصر فى الساعة 11:15 صباحا، وأخذوه مباشرة إلى حيث كان الملك فاروق. وهناك قدم له الضمانات التى قطعها محمد نجيب على نفسه بشأن سلامته الشخصية. قال له الملك فاروق أنهم أخطروه الآن بأن عليه أن يعلن تنازله عن العرش لصالح ابنه، وأنه لا يملك وسيلة غير الرضوخ. وقام الملك بإبلاغ سمبسون رسالة لى يطلب فيها ألا أتدخل لصالحه من أجل تغيير قرار تنازله عن العرش، لكن لديه منى طلبين محددين: الأول : أن أضمن سلامته حتى يخرج من مصر والثاني: أن أكون بنفسى معه حتى يغادر. أرتب الآن لكى أقابل الملك وأبقى معه حتى أودعه. إلى وزارة الخارجية ـ لندن من السفارة فى مصر (الوزير المفوض مايكل كرسويل) 26 يوليو 1952 2:12 ظهرا قال لى على ماهر أنه سعيد لأنه كلف بأن ينقل إلى الملك فاروق طلب التنازل عن العرش، لأنه كان يخشى أن يقوم اللواء نجيب أو أحد من ضباطه بهذه المهمة ويتصرف بطريقة غير مناسبة مع الملك فاروق. ويكفى أن إنذارهم له كان مكتوبا بصيغة مهينة جدا(in very insulting terms) وقال لى على ماهر أن ذلك الخطاب أحرجه إلى درجة أنه نسيه دون قصد فى سيارته عندما دخل من باب القصر ليقابل الملك ويقدم له الإنذار. قال لى على ماهر أيضا أن الملك بعد أن اطمأن بعض الشيء قال موجها كلامه لرئيس الوزراء «إنهم سوف يطردونك بعد قليل من رئاسة الوزارة كما طردونى من العرش» ـ ثم أضاف «أنه فى الواقع أدرك خطورة مطالب الضباط ومداها البعيد عندما وجدهم يطلبون السيطرة الكاملة على وزارة الداخلية.» من جفرسون كافرى (سفير الولايات المتحدة فى مصر) إلى وزير الخارجية ـ واشنطن قابلت على ماهر الذى أعطانى كل التأكيدات التى طلبتها عن سلامة الملك فاروق وعن مسئولية الحركة العسكرية عن حماية أرواح الرعايا الأجانب فى مصر. أبلغنى على ماهر أن الملك اختار أن يسافر باليخت الملكى «المحروسة» ومعه عائلته ـ زوجته وكل أبنائه. وأن الملك سوف يتنازل لصالح ابنه لكنه مصمم أن يأخذه معه إلى أوروبا وقد وافقه على ماهر فى ذلك. وقال لى على ماهر إن بعض الضباط المتهورين(hotheaded young officers) كانوا مصممين على قتل الملك ولذلك قرر اللواء نجيب ألا يتواجد أى ضابط شاب قرب الملك عند سفره. أبلغنى على ماهر أن ضباط الحركة وافقوا على سفر الملك على المحروسة شريطة أن يتعهد بعودتها إلى مصر فور وصوله إلى ميناء نابولى. أولوية ـ أولوية إلى وزارة الخارجية ـ لندن من السفارة فى مصر (مايكل كرسويل الوزير المفوض) (1122/263) 26 يوليو 1952 ـ الساعة السابعة مساء غادر الملك فاروق الأراضى المصرية فى الساعة السادسة مساء بالضبط. وفيما يلى المشهد الذى وصفه لى المستر جفرسون كافرى السفير الأمريكى الذى كان مشاركا فى وداع الملك بناء على طلبه (طلب الملك): 1 ـ لم يكن هناك غير على ماهر والمستر كافرى وقائد اليخت الملكى وعدد من ضباط الحراسة الشخصية للملك وبعض من أفراد الخدمة الخاصة لجناحه. وقد انفجر هؤلاء بالبكاء عندما بدأ الملك يتحرك نحو القارب الذى ينتظره، وفى هذا الوقت كان الملك محافظا على أعصابه أثناء إجراء مراسم الشرف العسكرية التى أديت له. 2 ـ قبل أن يخطو الملك إلى القارب التفت إلى كافرى وإلى على ماهر قائلا لهما «إن هؤلاء الذين أرغموه على الخروج هم مجرمون وأن على ماهـر سـوف يكتشف ذلك بنفسه مع الأيام، وهو متأكد أن أيامه لن تطـول ويعتقـد أن على ماهر لن يظل على رئاسة الوزارة إلا لعدة أيام». 3 ـ تأخر اللواء نجيب وضباطه الذين كان مقررا أن يشاركوا فى وداع الملك. وعندما سمع الملك دقات الساعة السادسة من برج القصر قال «إن الوقت قد حان للذهاب فهذه لحظة انتهاء الإنذار وهو ليس مستعدا للمجازفة بالبقاء على الأرض المصرية ثانية واحدة بعدها». وبعد تحرك قاربه وصل اللواء نجيب ومعه بعض ضباطه وقد أبدوا ضيقهم لأن فاروق تحرك قبل وصولهم ولحقوا به إلى اليخت الملكى المحروسة. 4 ـ إن وجهة سفر الملك ليست محددة بالضبط ولكنها إلى إيطاليا. 5 ـ انتشرت أخبار سفر الملك وامتلأت شوارع الإسكندرية عن آخرها بجماهير تحتفل وتصفق بحماسة للمركبات العسكرية التى يتصادف مرورها. 6 ـ قال لى كافرى فى ختام تلخيصه للموقف «إن لديه شعورا بالقلق وإن أمامنا أياما من الشك لأنه إذا ظهر أن الإخوان المسلمين لهم دور فى الحركة العسكرية فإن العواقب قد تكون بالغة الخطورة. وقد طلب منى أن أنصح بإبقاء استعداداتنا العسكرية للتدخل قائمة حتى تنجلى الأمور. من الاستطلاع إلى القائد العام للأسطول البريطانى فى البحر المتوسط ( أ س 5919 ) 26 يوليو 1952 برجاء إخطار الأميرالية تم رصد اليخت الملكى المحروسة الآن ومرافقته ـ موقع اليخت الآن فى اتجاه جزيرة كريت: 34 درجة 54 دقيقة شمالا 21 درجة 50 دقيقة شرقا اتجاه 310 درجات سرعة 18 عقدة تم تبادل إشارات التعارف بيننا وبين اليخت. من جفرسون كافرى (السفير الأمريكى فى القاهرة) إلى وزارة الخارجية ـ واشنطن كان الملك فاروق مرتابا عندما صافحته للمرة الأخيرة وسألنى إذا كان يمكن لإحدى قطع الأسطول الأمريكى أن تتولى حراسته. وعندما عدنا إلى الرصيف بعد سفر اليخت الملكى المحروسة اتصل بى رئيس الوزراء على ماهر يبلغنى أن العسكريين يريدون إرسال طائرة عسكرية لملاحقة اليخت الملكى وإرغامه على العودة مرة ثانية لأنهم عرفوا أن صناديق محملة بالذهب قد نقلت ضمن أمتعته. وأبلغت رئيس الوزارة أن مثل هذه الخطوة لو اتبعت فسوف تكون خطأ قاتلا (a fatal mistake) وقد وافقنى رئيس الوزراء، لكنى أشعر أنه غير مطمئن إلى الضباط. وأنا أعد الساعات راجيا أن يكون اليخت الملكى قد جاوز المدى الذى تستطيع أن تبلغه طائرات السلاح الجوى المصرى على فرض أن الأوامر صدرت إليها بمطاردة المحروسة. وآمل أن أقصى ما سوف يستطيعون تحقيقه هو أن يجعلوا أنفسهم مزعجين. وأتمنى أن أتلقى من مالطا تأكيدا أن اليخت أصبح الآن فى دائرة الأمان. من وزارة الخارجية البريطانية ـ لندن إلى سفيرها فى مصر ( 529 ـ 142 ـ 1011) اتصل الأمير محمد على (عم الملك فاروق الذى كان ولى عهده قبل أن تنتقل ولاية العهد إلى ابن الملك فاروق) بمكتب وزير الخارجية وعزز اتصاله كتابة بتبليغ أكد فيه: «إنه ابتداء من الآن فصاعدا يعتبر نفسه المسئول عن حقوق الأسرة المالكة فى مصر وأن قرارها فى الشأن المصرى ابتداء من الآن فى يده وحده». ..........................
.......................... ولم يدرك الأمير «محمد علي» أن ما فى يده كان قبضة رماد من بقايا حريق، وأن القرار فى الشأن المصرى لم يعد لأسرة «محمد علي» لأن صفحة من التاريخ المصرى طويت، وصفحة أخرى بدأت ـ ومعها زمان مختلف! من القائم بالأعمال البريطانى فى مصر إلى وزير خارجيتـه فى لنـــدن: «أبلغنــا الملحــق البحـرى الأمريكى أنه شاهد طابورا عسـكريا يحـــوى عناصر من الدبـابات يزحف بسرعة على الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية، وأن طلائعه تصل إلى الإسكندرية فى أية لحظة. وفى الغالب فإن الملك فاروق أمامه ساعات مزعجــة» قـــام المـلك بإبلاغ الكولونيل «سـمبسون» السكرتير العسكرى للسفير الأمريكى بالقاهرة «كافري» رسالة يطلب فيها ألا يتدخل لصالحه من أجل تغيير قرار تنازله عن العرش، لكن لديه طـلبين محددين: الأول : أن يضمــــن ســلامته حتى يخـــرج من مصـــــر والثـــاني: أن يكـــون الســــفير بنفســـــه مــــعـــه حــــتى يـغــــادر
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة