الاعتذار عن الماضي.. أو تقشير البصل



مغالبة الماضي واستحضاره، واستعادة تفاصيله وذكرياته، وإعادة النظر في شخوصه وأفكاره، والاعتراف بما انطوي عليه من انتصارات وهزائم، وما أقدم عليه المرء من نزوات أو جرائم في حق نفسه أو في حق الآخرين.. هي جزء من ثقافة الاعتراف وطلب الغفران التي تدعو إليها الأديان، والتي ترجع في الأساس إلي ثقافة التطهر من الآثام والاعتذار عن الماضي.. حيث تصبح عملية التطهر طقسًا فكريا واجتماعيا ودينيا، أشبه بالنزول إلي مياه النهر في بعض العبادات الهندوسية، التي يغتسل المرء فيها من ذنوبه ليعود كيوم ولدته أمه.. أو مثل شعيرة الحج عند المسلمين. ولعل الأدباء والكتاب هم أكثر الناس خوضًا لهذه التجربة، التي يمتحن الكاتب فيها وجدانه ويستبطن مشاعره وذكرياته كلما أوغل في التفكير والتأمل، واحتك بالأحداث والمتغيرات التي تحيط به. فهو يستمد من أعماق تجاربه الذاتية ما وعته الذاكرة وما نسيته أو تعمدت نسيانه.. ويظل هذا الصراع بين ذكريات وخبرات يحاول أن يتذكرها ويحاول في آن معًا أن ينساها، بحثًا عن نقطة التوازن الداخلي التي تحقق له الاقتناع بأن ما ارتكبه من فعل كان صحيحًا في وقته ومكانه، إرضاء لما يسميه الفلاسفة بالضمير الأخلاقي، أو ما تعتبره الأديان اعترافًا بالذنب طلبًا لمغفرة الذات العلية. غير أن هذا التفاعل الداخلي سرعان ما يتحول ويتحور في أعماق الأديب أو المفكر إلي مصدر للإلهام الفني والإبداع الأدبي والفكري، الذي يتخذ شكل «السيرة الذاتية». يستعرض فيها الكاتب مراحل حياته وتقلباته، ونجاحاته وانكساراته، وتكوينه وتحولاته، وشذرات كاملة أو مبتسرة من تجاربه الشخصية، تستمد قيمتها الأدبية والتاريخية من عناصر متعددة.. أهم ما يميزها أن تكون علي درجة عالية من الصدق والتلقائية بغير تصنع أو زيف. وأن تلقي علي شخصية الكاتب أو المبدع في نشأته ومجتمعه والحقبة الزمنية التي عاشها من الأضواء والأجواء ما يسهم في فهمها وإدراك أبعادها، وتقييم أحداثها.. إن كاتب السيرة الذاتية، سواء كان أديبًا أو مفكرًا، سياسيا أو علمًا من أعلام عصره، يظل في الحقيقة صندوقًا مغلقًا علي أسرار وخفايا قد لا تتكشف لمعاصريه أو لمن بعدهم، ما لم يمتلك صاحبها من جسارة الروح وشجاعة العقل التي يفض بها مغاليق هذا الصندوق الذي أودعه أسرار طفولته وشبابه، ومجمل حياته، ودقائق تجاربه العاطفية ومشاعره الحميمة. وهو يعلم تمام العلم أنه يقدم نفسه قربانًا للحقيقة، غير نادم ولا عابئ بسهام النقد والتجريح والتشكيك، التي قد تأخذ منه أكثر مما تعطيه، وتظلمه أكثر مما تنصفه، حيا وميتًا. وقد كانت هذه علي الأرجح هي الحالة التي مر بها الكاتب والأديب الألماني الشهير، الحائز علي جائزة نوبل في الآداب عام 1999، جونتر جراس، أحد كبار الروائيين المعاصرين الذي سيطر علي المشهد الثقافي الألماني طوال سني ما بعد الحرب، ومازال يعتبر أفضل من عبر في كتبه ورواياته ومقالاته ومسرحياته عن الوجدان الألماني بكل آلامه وجراحه، وآماله وأشواقه في أعقاب سقوط النازية واندحارها وهزيمة ألمانيا في الحرب. فجأة أعلن جراس في اعتراف مثير أحدث صدمة في ألمانيا وفي العالم أنه انضم إلي قوات الحرس الخاص المعروفة بالـ S.S، أشد القوات النازية شراسة وقسوة في عهد هتلر، عندما كان في السابعة عشرة من عمره. وهي فترة وجد نفسه خلالها يتنفس أفكار المثالية الألمانية التي انحرفت تحت وطأة التأثيرات النازية التي سادت في تلك الحقبة. والتي كانت تعلي من روح النظام والجدية والعسكرية، وتبحث عن العبقرية الفردية التي تؤكد قيم العنصرية ونقاء الجنس، وتقدس معاني القوة والتفوق، وهي حقبة ملتبسة، سادت فيها أفكار ونظريات ملتبسة، انتشرت وذاعت في أوروبا والعالم، وأثارت من الجدل والنقاش أمواجًا من العداء والكراهية والحروب التي مزقت أوروبا، وقسمت شعوبها، وأريقت بسببها دماء لم تخلف وراءها غير التعاسة والشقاء. عندما أعلن جونتر جراس هذه الحقيقة في شهر أغسطس الماضي، ظن الكثيرون أنها مجرد حيلة دعائية وتدافعت الشكوك من كل حدب وصوب.. «إنه علي أهبة نشر كتاب جديد وهو يحاول لفت الأنظار إليه بهذه الخدعة.. إنه أسلوب رخيص لتسويق كتابه». لم يصدق الكثيرون أن مثل هؤلاء المشاهير يمكن أن تكون لهم أخطاؤهم وسقطاتهم، وأن ماضيهم لا يخلو من العثرات والفضائح والأسرار المخزية. ولكن الذين افترضوا أن يقدم جراس علي اصطناع هذه الحيلة التي يمكن أن تدمر مستقبله ومكانته، لم يدركوا أن إقدامه عليها لم يكن من أجل ترويج كتابه، بل من أجل إنقاذ سمعته وما أنجزه في حياته من مجد أدبي ومكانة أخلاقية شكلت شخصيته ورسمت صورته في أذهان الناس عبر جهد إبداعي شاق متصل، وضعه في مكان الصدارة العالمية. فقد فرض المناخ الذي ساد ألمانيا بعد الحرب علي كتابها ومبدعيها شروطًا ومطالب، وضعتهم في قلب «أزمة الضمير» الذي كان علي ألمانيا وشعبها أن يواجهها، وهي عقدة الشعور بالذنب إزاء الكارثة التي حاقت بالعالم من جراء إشعال الحرب العالمية الثانية، وظهور النازية التي دمرت أوروبا وأذلت شعوبها وارتكبت فيها من الفظائع والأهوال ما وضع الشعب الألماني في عداد الشعوب المارقة المحكوم عليها بالعزلة والاستبعاد والإقصاء من الجماعة الدولية. ولم يكن بوسع أديب أو مفكر أو سياسي أو أي شخصية عامة أن يلقي أدني قدر من الاعتراف أو القبول حتي علي المستوي الإنساني، ما لم يعلن براءته من هذه الحقبة النازية وإنكاره لأفكارها ومبادئها، وتنصله من كل ما له علاقة بها. ويمكن القول بأن جيلاً أو أكثر من جيل تواري واختفي من الساحة، أو هاجر إلي أصقاع بعيدة في أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا هربًا من محنة الذل والهزيمة وإلصاق الجرائم والفظائع التي ارتكبت في ميادين الحرب بألمانيا وشعبها. ومازالت جذور هذه الكراهية المشوبة بالخوف والتربص والحذر تلون علاقة ألمانيا بجيرانها وحلفائها حتي هذه اللحظة. ويدهش المرء إذ يري أنه بعد أكثر من نصف قرن علي مأساة الحرب العالمية الثانية، تغير خلاله العالم تغيرًا جذريا، قامت إمبراطوريات وسقطت إمبراطوريات، ونشأت دول وتفككت دول، وأقيمت تحالفات واندثرت معسكرات، مازالت المخاوف والشكوك كامنة تحت سطح كثير من التعاملات والمواقف الدولية، متأثرة بما خلفته الحرب العالمية الثانية من أطماع وأحقاد وضغائن. ولهذا لم يكن غريبًا أن تدور معظم الحوارات التي أجريت مع كتاب ألمانيا وأدبائها ومفكريها خلال هذه الفترة ــ حول آرائهم السياسية ومواقفهم من أحداث عالمية مثل قضايا التسلح والسلام الدولي والأسلحة النووية وعلاقات الشرق والغرب والحرب الباردة وسياسات نيكسون وبريجنيف وفيلي برانت وغيرها من عشرات المشاكل والأزمات التي شهدها العالم. ولم يكن جراس في بداياته معنيا بالسياسة وقضاياها. وبقيت رواياته الأولي بعيدة عن الغوص في مشاكلها، ولكنه بمرور الوقت حاول أن يرتبط بقضايا عصره وانضم إلي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ودخل في مجادلات سياسية دافع فيها عن صديقه المستشار الألماني الراحل فيلي برانت في معاركه السياسية التي خاضها ضد اليمين الألماني المحافظ. وفي نفس الوقت لاقت رواياته «طبل من صفيح» و«القط والفأر» و«ثلاثية دانزيج» من بواكير إنتاجه رواجًا واسعًا في ألمانيا وخارجها، حيث كانت تصور حياة أجيال طحنتها الحرب وخرجت منها مثخنة بالجراح. وفي هذه الأجواء لم يكن غريبًا في هذه المرحلة أن يساند جونتر جراس حق دولة إسرائيل في الوجود عندما زارها لأول مرة في صحبة المستشار الألماني فيلي برانت، وأن تظهر له بعدها بعض كتابات وخطابات عن إسرائيل، لا تتضمن شيئًا عن العرب أو حقوقهم. وهناك ما يدعو إلي الاعتقاد بأن هذا الموقف لم يكن مقصورًا علي جونتر جراس وحده، فلم يسع المثقفون والكتاب العرب في أي وقت من الأوقات إلي مد جسور التواصل والتفاهم مع المثقفين من رموز الأدب والفكر في الغرب إلا في حدود ضيقة لم تتعد بعض مشاهير الأدباء في فرنسا، كما أن انكفاء العرب علي قضاياهم وكوارثهم حال دون التعرف علي إنتاجهم الثقافي والأدبي، إلا في وقت متأخر بعد حصول نجيب محفوظ علي جائزة نوبل. ولم تتح لجراس فرصة زيارة دولة عربية إلا مؤخرًا، عندما شارك في ملتقي الرواية العربية الذي عقد بصنعاء قبل نحو ثلاث سنوات بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية. وفي هذه الزيارة الوحيدة لدولة عربية فتن بالعمارة اليمنية القديمة، وأسهم في إنشاء مركز للدفاع عن التراث اليمني المهدد، كما تدخل لدي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لإسقاط القضايا المرفوعة ضد الروائي اليمني وجدي الأهدل الذي كان فارًا وملاحقًا من الشرطة لمحاكمته علي روايته «قوارب جبلية». ليس من المبالغة القول إن جراس مثل جيل بأكمله من الألمان، قد وجد نفسه مسوقًا تحت ضغط الضرورة والإكراه في ظل حكم النازي للذهاب إلي الخدمة العسكرية حين استدعي للخدمة في سن السادسة عشرة. ويكشف جراس النقاب في سيرته الذاتية التي نشرها أخيرًا بعنوان «تقشير البصل» والتي أثارت هذه الضجة، إنه لم يتطوع للانضمام إلي قوات الحرس الخاص الـ SS، الذين كانوا يمثلون مجموعة من سفاكي الدماء، الذين قاموا بأسوأ عمليات الإبادة الجماعية وإدارة معسكرات الاعتقال الشهيرة، ولعبوا دورًا مهمًا في «الهولوكوست» المحرقة النازية التي مازالت أشباحها تطارد الشعب الألماني حتي الآن بكل فظائعها.. ولكنه وجد نفسه ملحقًا بصفوفها علي كل حال. وكانت الحرب العالمية الثانية في شهورها الأخيرة في ربيع عام 1945 وبوادر الهزيمة تدق الأبواب، بينما تستدعي القيادة العسكرية مجندين من الصبية تدفع بهم إلي ميادين القتال. لا يذكر جراس إن كان قد اختار قوات الـ SS بمحض إرادته أم أنه أرسل إليها، ولكنه في اعتذاره عن الماضي وإزاحته الستار عن هذه السقطة المريعة في صباه، يستخدم أسلوب «تقشير البصل» في إزالة لفائف الغموض الهشة المتراكمة طوال سني الانكسارات والدموع والمعاناة التي مر بها، وكأنه يدعو الآخرين لفهمه وتقدير موقفه، وهو يتعمد إضفاء مسحة من الغموض والإبهام علي وعيه بالماضي. إنها ليست خيانة الذاكرة، ولكنها حائط صد للدفاع عن موقفه عندما تأخر ستين عامًا في الكشف عن ماضيه السياسي خلال صباه. وهو الذي بني مجده الأدبي علي دعاوي أخلاقية، نابعة من التزام بالقيم الإنسانية وداعيا شعبه الألماني إلي إعادة إحياء هذه القيم، والتنكر للمبادئ والأفكار التي غرستها النازية في عقول وقلوب جيل أو أجيال لم تعرف غير الشقاء والتعاسة علي يد هتلر ونظامه الفاشي. وهو من أجل وصوله إلي هدفه في إزاحة الماضي، يقيم نوعًا من العلاقة المتوترة بين ما يقول أنه لم يقترفه: فلم يطلق رصاصة ولم يرتكب أي جريمة من جرائم الحرب أو يشارك في أي عمل من الفظائع التي عرفت عن قوات الحرس الخاص، وبين أسباب صمته طوال هذه السنوات، فلا يبوح بها إلا بعد أن هدأت العواصف وسكنت النفوس وتبددت المخاوف وتغير المشهد الأوروبي والعالمي بأسره. غير أن هناك من يري قصة جراس بعيون أخري.. فهذا الكاتب العملاق الذي بني مجده الروائي عبر خمسة عقود من الجهد والعرق، لم تغب عن طموحاته منذ البداية جائزة نوبل. وقد أدرك أنه الوحيد الذي يستحقها من بين مجايليه، ولكنه رأي كيف أن زيارة واحدة قام بها الأديب الأرجنتيني الشهير خورجي ل. بورجيس لديكتاتور شيلي بينوشيه، كلفته ثمنًا باهظًا فاستبعد من الترشيح للجائزة.. فهل كان من الممكن لشخص خدم في الحرس الخاص لهتلر أن تتاح له هذه الفرصة؟ ولكن بعد أن حصل جراس علي نوبل عام 1999، واستقر به المقام شخصية أدبية مرموقة ومعترفًا بها علي الصعيد الألماني والعالمي، بدأت تؤرقه أشباح الماضي لو ظهرت بعد موته وهو يناهز الثمانين. ولابد أنه أدرك بذكائه أن مكانته وشهرته لن تمنع الباحثين والمنقبين والنابشين في القبور من الصحفيين الذين يبحثون عن الإثارة، أن يعثروا حينئذ علي سره الدفين، ويشعلوا النيران في كل ما شيده من مجد بقلمه وفكره. وفي عالم اليوم لم تعد هناك أسرار يمكن إخفاؤها، وقد تتحول حكايته وتاريخه هو إلي قصة تلوكها الألسن وتدمر سمعته. ويعتقد الكثيرون أن الوصول إلي هذا السر لم يكن بالأمر العسير، بل لعله كان قاب قوسين أو أدني، بعد أن رفع الحظر مؤخرًا عن الأرشيف السري لجهاز «الاستاسي» الذي راكمته أجهزة التجسس في ألمانيا الشرقية وحفظت فيه أوراق الرايخ الألماني الهتلري ووثائقه، وبدأت السلطات في برلين تسمح بالإفراج عنه والاطلاع عليه لمن يريد. وهكذا اختار جراس أن يزيح بيديه الستار عن الماضي ويخرجـــــه بطريقته، ولا يتركه نهبًا بين يدي المشوهين والخباصين والمزورين المحترفين والباحثين عن الفضائح. من الطبيعي ألا تظل صورة جونتر جراس كما كانت، وسوف تتأثر علي الأرجح بما سيثيره أدعياء النقاء ومحترفو توظيف العداء للسامية لأهداف سياسية من اتهامات.. ولن تغفر الآلة الدعائية لدعاة الصهيونية وضحايا النازية القدماء الذين تحولوا هم أنفسهم إلي نازيين جدد، يمارسون أساليبهم، ويتفوقون في تطبيقها علي ضحاياهم من العرب باســـم الدفاع عن أمن إسرائيل وسلامة الجنس اليهودي، خطأ صبي ارتكبه في سن المراهقة تحت تأثير الدعاية الجبارة لنظام لم تقهره غير حرب عالمية، وامتلك شجاعة الاعتراف به عندما واتته القدرة علي مواجهة ماضيه والاعتراف به والاعتذار عنه. وأكبر الظن أن كثيرًا مما كتبه جراس في رواياته، كاشفًا عن هشاشة الإنسان في مواجهة أقداره، وما يثوي في أغوار النفس البشرية من قابلية للفساد والإفك، جنبًا إلي جنب مع ما تنطوي عليه من إخلاص وتضحية وسمو، إنما ينبئ عن الطبيعة المعقدة والمركبة لما تنقاد إليه النفس البشرية من آثام وأخطاء تعذب ضميره في لحظات الصحو ومحاسبة النفس.. وهذا هو ما سوف يبقي معنا وما سوف يخلد في التراث الأدبي للإنسانية. ولكن من الذي يملك عندنا في عالمنا العربي الجرأة علي مواجهة ماضيه، لاسيما عندما يبلغ الكاتب أوج شهرته وعطائه عالميا، ثم يجد نفسه طائعًا أو مكرهًا، مدفوعًا للهبوط من قمة الجبل إلي السفح ومن أعلي الشجرة إلي ما دونها؟! لا يحاسب نفسه علي أخطاء شخصية ونزوات عاطفية وانحرافات جنسية، ولكنه يحاسب نفسه علي جريمة الصمت أمــام رأي عام عالمي، يجلس علي منصته قضاة تجرفهم الأهواء الســـــياسية ونـــــوازع الأنانيـــــة، دون اعتبــار للظروف والعصر والقدرة علي التميــيز والاختيار؟ وهذه هي المعضلة!!

لا يذكر جراس إن كان قد اختار قوات الـ SS بمحض إرادته أم أنه أرسل إليها، ولكنه في اعتذاره عن الماضي وإزاحته الستار عن هذه السقطة المريعة في صباه، يستخدم أسلوب «تقشير البصل» في إزالة لفائف الغموض الهشة المتراكمة طوال سني الانكسارات والدموع والمعاناة التي مر بها

من الذي يملك عندنا في عالمنا العربي الجرأة علي مواجهة ماضيه، لاسيما عندما يبلغ الكاتب أوج شهرته وعطائه عالميا، ثم يجد نفسه طائعًا أو مكرهًا، مدفوعًا للهبوط من قمة الجبل إلي السفح

تحــــــــــــــولات الـــــــــــــــــروح يا رب قربتني إليك حتي إذا دنوتُ بعُدْت رفعتني من وهدة الضلال حتي إذا ارتقيت هبطت رققتني روحًا وبدنًا حتي إذا شففت غلظت أخرجتني من ظلمة الجهل حتي إذا رأيتُ عَميتُ بصرتني بالجمال حتي إذا أدركت تركت زودتني بالعقل حتي إذا عرفتُ جَهلت أترعت قلبي بالحب حتي إذا امتلأت فرغت *** يا رب أغدقت علي من نعمك فبطرت أسقيتني من خمر وصلك فسكرت أوقفتني علي حقيقتي فاغتررت صفيت نفسي من أدرانها فنكصت بحثت حولي عن اليقين فضللت أعشت عيني أضواء الطريق فما أبصرت *** يا رب أنِرْ بصيرتي حتي أراك واجعــلني أري ما يســـتحق أن يري وأسمع ما يستحق أن يسمع وأعرف ما يزيدني علمًا بك وأقرأ باسمك أسرار عظمتك وأسلك الطريق الذي لا أضل فيه أبدًا *** يا رب قطرة أنا في بحر الوجود تتخبط لحظة أنا من عمر الزمن كلمح بالبصر ريشة في فضاء الكون عبثت بها الريح ذرة في الهباء تضاءلت واختفت من يملك مسيرتي وصيرورتي غيرك؟ في قضائك قدري وفي قدري قضاؤك *** يا رب أخرجني من حيرتي كلما ادلهمت وثبت يقيني كلما تزعزع وجنبني عثرة الطريق لحظة الشك لا تذلني لسواك.. ولا تجعل علي سلطانًا لغيرك ولا تنزل في قلبي خوفًا إلا منك ولا حاجة إلي إليك ولا رجاء إلا عندك *** يا رب أخرجني من ثقوب الحياة السوداء واكفني شرور العولمة والهيمنة وجنبني الوقوع في براثن الطغاة وأزلامهم ولا تبتلني بأمراض العصر وأوبئته ولا تجعل خاتمتي تحت أنقاض الزلازل والأعاصير *** يا رب قني من شر عدو لا يرحم وصديق لا يصدق وانأ بي عن حبيب شيمته الغدر ورئيس مجبول علي الجهل وطاغية يعميه الظلم *** يا رب امنحني القدرة علي تغيير ما أستطيع تغييره والصبر علي ما أعجز عن تغييره وأدخلني في رحمتك يا أرحم الراحمين!
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة