"القوات المسلحة فى السياسة الأمريكية!"



ملاحظــة: هذا الحديث يتعرض لمسألة شديدة الأهمية والحساسية، وهى العلاقة بين "السياسة والسلاح" فى الحالة الأمريكية الراهنة ـ أى بين إدارة الرئيس "چورچ بوش" (الابن) وبين هيئة أركان الحرب المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية فى شأن ما جرى ويجرى فى العراق ــ وفى غيره بعده. * وسبب الأهمية مفهوم ــ ومرجعه أنه فى مشروع إمبراطورى يهدف إلى تثبيت التفوق الأمريكى وتحويله إلى سلطة عالمية تفرض سطوتها على القرن الحادى والعشرين (على الأقل) ــ فإن السلاح له الدور الرئيسى فى كافة مراحل التخطيط والتنفيذ والتأمين، وتلك طبيعــــة الامبراطــــورية، ومعنى ذلك أن حوار السياسة والسلاح فى واشنطن ــ أخذا وردا ــ شدا وجذبا ــ له تأثـــيرات مهمـــة وواســـعة لا تقتصــــر على واشنطن وحدها، وإنما تمد انعكاساتها ونتائجها إلى الساحة العالمية الأوسع. * وسبب الحساسية مفهوم أيضا ــ وملخصه أن هذه العلاقة بين السياسة والسلاح ــ سواء فيما جرى ويجرى فى العراق وبعده ــ مسألة مُحاطة بالسرية والصمت. ومع أن الكثير من التفاصيل فى هذا الشأن تسربت، فإن المشكلة أن بعض التسريب كان مقصودا لكى تسبق الانطباعات وتؤثر، ثم إن بعضه الآخر كان مغلوطا حتى تتداخل الروايات، وتهتز الصور، ويختلط السياق، وتمتلئ الأجواء بضباب يتم تحت ساتره ترتيب الأشياء، ومن ثم تستقر القواعد الطارئة كأمر واقع يصبح بدوره قانونا يعطى للمؤسسة العسكرية الأمريكية دورا مختلفا فى مشروع إمبراطورى شديد الجرأة ــ جامع القصد!. وبسبب هذه "الأهمية" وهذه "الحساسية" ــ فإن أى كاتب صحفى يجد نفسه أمام مأزق مزدوج: ــ أهمية العلاقة بين السياسة والسلاح فى الشأن الإمبراطورى القادم ــ لا تسمح بتجنب الموضوع. ــ والحساسية التى تحيط به سرية وصمتا ــ لا تمكن بسهولة من النفاذ بعيدا فيه بثقة متأكدة مما تقول (خصوصا بالنسبة لصحفى عربى عابر مهما بلغ حسن ظنه فى قيمة مصادره. وإزاء هذا المأزق ــ ومن باب الإنصاف للحقيقــة وللقارئ معا، فقد كان واجبا أن توضع لسياق هذا الحديث حدود ظاهرة تفرق على سياقه بين ثلاثة عناصر: 1 ــ معلومات أكيدة ــ تتلاقى عندها درجة من الإجماع أو يعززها ظهور أوراق ترجح وأحيانا تقطع. 2 ــ شهادات مسئولة ــ يمكن قبولها اعتمادا على إطلاع أصحابها وصلاتهم ــ حتى وإن تعذر لأسباب بدهية إسنادها إلى مصادرها. 3 ــ استنتاجات ــ يقع التوصل إليها بالنظر فى المنطق الداخلى للوقائع ــ ويكون منها ما يكفى بقدر من الحدس المأمون جسورا بين المعلومات والشهادات، بحيث تتسق الصور وتتكامل. وهـــدف هـذه الحــــدود فى النهاية أن يكون أمام قارئ هذا الحديث حقه فى المعـــلومات، وحـقه فى تقدير ما يُعـــرض منها عليه، وحقه فى وزن الحوادث بمعياره المستقل ومنظوره، وكذلك كان الحرص على الإشارة خلال السياق لنوعية كل عنصر من عناصر الحديث ــ تنبيها مسبقا ــ يحاول أن يكون مسئولا. هيــگــل أولا:الجنرال يقفز بالبراشوت لتهـــدئة أعصـــابه خلفيـــــــــــــــــة من 11 سبتمبر 2001 وحتى 29 يناير 2002 ــ كانت القوات المسلحة الأمريكية تخوض حربا فى أفغانستان هدفها إسقاط نظام طالبان وزعيمه "الملا عمر" ــ وتصفية تنظيم القاعدة وزعيمه "أسامة بن لادن". ومع ذلك فإن رئاسة هيئة أركان الحرب المشتركة فى واشنطن ظلت تعتقد أن إدخالها فى الحرب على الإرهاب إقحام لها فيما هو خارج اختصاصها ووسائلها، فالإرهاب ــ فى تقديرها ــ اختصاص أصيل لوكالة المخابرات المركزية ولمكتب التحقيقات الفيدرالى، وأما القوات المسلحة فإنها تستطيع على أحسن الفروض أن تساعد بضربات صواريخ موجهة من بعيد تزعج وتخيف، وقد تزيد على ذلك ــ تطوعا ــ بدفع مجموعات من القوات الخاصة إلى بعض المواقع تبعثر أو تدمر ــ لكن تلك تظل عمليات جانبية ذات مقاصد محدودة، يصعب اعتبارها مجهودا رئيسيا فى حرب. وبصرف النظر عن الاختصاصات فإن القوات الأمريكية المسلحة اسْتُدرجت ــ ليس فقط ــ خارج اختصاصها، وإنما أيضا خارج عقيدتها المعتمدة منذ حرب الخليج سنة 1991، والتى اشتهرت "بعقيدة باول" على اسم واضعها الجنرال "كولين باول" رئيس هيئة الأركان المشتركة (ووزير الخارجية الآن). والحاصل أن هيئة الأركان المشتركة "تهاودت" مع الاستدراج بظن أنها مضطرة إلى قدر من المرونة يستجيب لدواعى السياسة ــ وضغوطها بعد مفاجأة سبتمبر 2001 ــ فلم يكن معقولا بعد حدث من ذلك الحجم أن تظل القوات الأمريكية المسلحة بعيدة عن "ردود أفعاله" بدعوى أنه ليس اختصاصها، ولا أن تتمسك "بعقيدة باول" بظن أنها شرط العمل العسكرى فى الزمن الجديد. كانت هيئة أركان الحرب المشتركة تدرك منذ البداية أن حربها فى أفغانستان معركة مع أشباح، وضد عدو يصعب الإمساك به، لأن القتال معه بلا جبهة ــ وبلا خطوط ــ وبلا منشآت اقتصادية وعسكرية وعقد مواصلات يمكن التركيز عليها ــ ومع ذلك فإن رئاسة الأركان قبلت بشيء مما طلب منها، وفى تقديرها أن المهمة "غطاء بالسلاح لجهد تقوم به وسائل العمل السرى لبلوغ المقصود سياسيا". ثم حدث أن هيئة الأركان المشتركة وجدت نفسها فى موضع اللوم بادعاء أنها لم تقدم للسياسة ما يسترها، ورغم أن نظام طالبان اختفى فقد كان واضحا لمن يريد أن يرى أن ذلك النظام تفكك وتفرق، لكن أعضاءه وأنصاره تحولوا من تجمعات فى الجبال إلى ذرات رمل على السفوح والوديان، كما أن "أسامة بن لادن" نفســـــه تبخــــــر وانقلب من زعيم إرهابى إلى شخصية تليفزيونية تشد اهتمام الرأى العام فى الحالتين، وذلك فى حد ذاته يكفيـــــــه، لأن الإرهـاب بالدرجة الأولى فِعْل يعتمد التأثير النفسى المدوى أكثر مما يقصد إلى العمل العسكرى المنظم. .....................
..................... وكان وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" هو الذى عرض موقف رئاسة الأركان المشتركة أمام الرئيس "بوش" فى اجتماعات مجلس الأمن القومى، بمقولة أنه لا يستطيع مع الظرف الموضوعى الراهن فى أفغانستان أن يطالب القوات المسلحة بأكثر مما فعلته، ومع أنه كان أول من ضغط عليها لكى تحقق نتائج أكثر إبهارا، إلا أنه الآن أول من يدرك استحالة مطالبتها بالزيادة، لأن "أفغانستان" ليس فيها هدف واحد يثير خيالا أو يغرى بجائزة. فقد كانت فى "أفغانستان" تسعة أهداف تم ضربها، وجرت العودة إليها مرة ومرات، والآن أصبح التكرار أضحوكة، وإذن فلابد من ميدان آخر غير "أفغانستان" تثبت فيه القوة الأمريكية اقتدارها، وكان "رامسفيلد" ومعه مجموعته الإمبراطورية ــ يضع عينه على العراق، وكان تعبيره فى محضر مجلس الأمن القومى (14 ــ 15 سبتمبر 2001) "إننا كلما رفعنا الــ: "بير سكوب" (منظار الغواصة) فوق سطح الماء، وأدرنا البصر على عرض البحر حولنا، لا نجد هدفا أنسب من العراق"، وفى تأكيده لرؤيته ذكر "رامسفيلد": 1 ــ الدول المساندة للإرهاب هى الأهداف الأولى بالعقاب، لأنها أساس البلاء ومصدر التهديد. 2 ــ أن هناك ذريعة مشروعة لحرب العراق تتمثل فى أسلحة الدمار الشامل التى يملكها ذلك البلد ويمكن أن تصل عن طريقه إلى أيدى الإرهابيين. 3 ــ أن العراق فى قلب المنطقة الحيوية للمصالح الأمريكية (الموقع والبتــــرول وإســـــرائيل!)، وهو من موقعه فى هـــــذه المنطقـة يهدد أصدقاء تقليديين للولايات المتحدة، وكذلك فهو بكل المعايير يستحق وصف "الدولة المارقة"! 4 ــ أن العراق منهك ومعزول ويســــــهل الاستفراد به وإسقاط نظامه، كما يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد فى جهدها على تحالف دولى وإقليمى يتعاون أطرافه معها بقواتهم وأموالهم وقواعدهم ومخابراتهم. 5 ــ وأن فى العراق أهدافا كبيرة يمكن ضربها بعمليات مبهرة، كما أن فى العراق جوائز هائلة يمكن الاستيلاء عليها بأقل تضحيات متصورة. وحتى شهر يناير 2002 لم يكن "دونالد رامسفيلد" ــ رغم جهده "التبشيري" بأفضلية نقل المعركة من "أفغانستان" إلى "العراق" ــ قد لقى الاستجابة التى توقعها ــ وكان الجميع فى مجـلس الأمن القــومى يرون وجاهـة ما يطْرَح ويوافقون عليه، مع خلافهم على التوقيت، أى أن ما يطلبه "رامسـفيلد" ليس الآن وقته، بل موعد لاحق ــ بحسب ما تجيء به التطورات. ....................
.................... ثم وقع أواخر سنة 2001 أن "كارل روفي" مستشار الرئيس الأقوى للشئون الداخلية، ومسئول حملته الانتخابية ــ تَحَسَّب مبكرا إلى أن "أفغانستان" لن تنفع الرئيس فى الانتخابات القادمة للتجديد سنة 2004، خصوصا أنه لا يتوقع مفاجآت سارة فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وعليه فإن العثور على نجاح ساحق خارجى يصبح مسألة ضرورية، وعندما راح "كارل روفي" يبحث ويستقصى ــ توصل هو الآخر بعد لقاءات مع "دونالد رامسفيلد" إلى أن العراق هو المسرح المهيأ. وكذلك فإن خطاب حالة الاتحاد الذى قدمه الرئيس "چورچ بوش" أمام مجلس الكونجرس يوم 29 يناير 2002 أطلق شعار "محور الشر" ــ موجها أصبع الاتهام بالتحديد إلى العراق وقائلا بالنص: "إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح للنظام الأشد خطورة فى العالم أن يهددها بواسطة أسلحة الدمار الشامل التى يملكها ويطورها ويقدر على استخدامها". وكذلك رُفعت من فوق الشاشات خريطة "أفغانستان"، وظهرت خريطة "العراق"، وغامت صورة "أسامة بن لادن"، ولمعت صورة "صدام حسين"!. ....................
.................... معلومات كان خطاب الرئيس "بوش" عن حالة الاتحاد يوم الثلاثاء (29 يناير 2002) ــ وصباح يوم الجمعة أول فبراير تجمع رؤساء أركان الحرب فى مكتب وزير الدفاع على موعد معه فى "البنتاجون"، وبدأ "رامسفيلد" حديثه معهم "بأن اللعبة الآن فى ساحة العراق، والقوات المسلحة الأمريكية ــ وليس أى طرف غيرها ــ هى اللاعب الأساسى، وعليها أن تكسب المباراة هناك وتفوز بالجائزة!". ولم يكن ما قاله وزير الدفاع مفاجئا للقادة وبالذات لرئيس الأركان الجديد الجنرال "ريتشارد مايرز"، فقد كان (مثل سلفه الجنرال "هيوشيلتون") ــ يتابع كواليس السياسة فى "واشنطن" ويعرف أن مهمة غزو العراق فى طريقها إليه (وكان الجنرال "مايرز" أهدأ أعصابا من سلفه الذى كان مستثارا معظم الوقت من رئيسه (وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد")، بما يسوقه بعد كل لقاء بينهما للذهاب إلى قاعدة جوية قريبة من واشنطن ليقفز بالباراشوت (وتلك هوايته)، حتى تهدأ أعصابه بينما هو ينزلق من الجو عشرين أو ثلاثين دقيقة ــ ويلامس الأرض وقد استعاد لطف مزاجه، وأصبح مستعدا لتحمل كل الناس بمن فيهم "دونالد رامسفيلد"!). ومضى وزير الدفاع ــ ذلك الصباح فى واشنطن ــ يشرح لرئيس أركان الحرب المشتركة وزملائه رؤيته للضرورات ويطلب منهم الاستعداد لحملة عسكرية على العراق، يريدها فكرا جديدا بالكامل وعملا يناسب المسرح المُهيأ هناك، مع وجود إمكانيات أمريكية لم تكن متاحة من قبل، ضد عدو لا يملك وسائل سلاح فعال، لأن ما لديه من عتاد (بما فى ذلك الطيران والدفاع الجوى والمدرعات ووسائل الاتصالات) ــ عمره ما بين خمسة عشر إلى عشرين عاما. وتوسع "رامسفيلد" فى شرح تصوره فى التحضير للعمل المحتمل، مركزا على مجموعة نقط مجملها: ــ أن الولايات سوف تعمل فى إطار الشرعية الدولية بأن تطلب عودة المفتشين الدوليين إلى العراق ليكملوا مهمة نزع أسلحة الدمار الشامل التى لم يتمكن السفير الاسترالى "ريتشارد بتلر" من إتمامها، وفى نفس الوقت تحرى ما قد يكون العراق أضافه إلى ترسانته من أنواع هذه الأسلحة خلال أربع سنوات توقفت فيها عمليات التفتيش. ــ أن العراق سوف يرفض استقبال بعثة مفتشين جُدد يرأسها "هانز بليكس" وزير خارجية السويد السابق، وشاهده أن الحكومة العراقية رفضت مجرد السماح لــ "بليكس" بزيارة "بغداد" للتباحث مع المسئولين فيها، ومعنى الرفض أن النظام العراقى سوف يتم ضبطه متلبسا فى حالة تمرد على الشرعية الدولية، وعندها يقوم تحالف دولى يفرض على "بغداد" احترام إرادة مجتمع الدول. ــ أن الولايات المتحدة سوف تكون المسئول الرئيسى عن "العمل الدولى بالقوة"، كما حدث فى المرة الأولى أيام حرب الخليج، فتلك طبائع الأمور. زاد "رامسفيلد": "إنه يريد طمأنة هيئة الأركان المشركة إلى أن الحرب سوف تكون مشروعة، بقرار من الأمم المتحدة وإعلان صادر عن مجلس الأمن. كذلك فإن أسلحة الدمار الشامل التى يملكها العراق، والتى توقف التفتيش عليها قرابة أربع سنوات تمثل خطرا مؤكدا يوفر للولايات المتحدة حقها القانونى والأخلاقى فى استعمال السلاح. أى أن الولايات المتحدة لن تنفرد بقرار الحرب وحدها، وإنما سوف تكون هناك على رأس تحالف دولى يمثل إرادة أوسع ــ تضم عددا من الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن. أضاف "رامسفيلد" متحفظا بما مؤداه: * أنه ليس مؤكدا أن كل الأطراف الدولية سوف تدخل المعركة الجديدة بنفس "الحماسة" التى دخلت بها سنة 1991 لعدة أسباب: ــ لأن بعض الدول اعترتها الوساوس بعد انتهاء الحرب ــ 1991 ــ بأن الولايات المتحدة كانت هى التى تفردت بالمنطقة ومواردها. ــ كما أن بعض الدول قد لا ترى فى الخطر العراقى ما تراه الولايات المتحدة، ومن ثم تميل نحو الانتظار حتى تجيء نهاية النظام العراقى بالسقوط من الداخل نتيجة للحصار وعواقبه. ــ ثم إن دول الإقليم الصديقة للولايات المتحدة سوف تكون جاهزة لما يطلب منها، لكنها فى الغالب لن تكون مندفعة للحرب بنفس المقدار الذى كانت عليه سنة 1991، حين كانت مستفزة بغزو العراق للكويت. ومعنى ذلك أن كل دول الإقليم الصديقة سوف تقدم قواعدها وتسهيلاتها لأى عمل أمريكى، لكن من المشكوك فيه أن تكون بينها دولة مستعدة للمشاركة عمليا بقوات على الأرض. وهو يتذكر أن زعماء هذه الدول كانوا فى المرة الأولى سبَّاقين للحرب باسم تحرير الكويت، لكنهم عندما تحقق ذلك تحفظوا على تقدم قواتهم فى أرض عراقية! ــ أضاف "رامسفيلد": "أن لدينا حلفاء داخل العراق نفسه، وربما يقاتل بعضهم معنا لأسبابه الخاصة": * "تركيا" موجودة فى الداخل وعلى أى حال فإن "تركيا" لديها حسابات. * "الأكراد" لهم شبه دول مستقلة فى الداخل وهم حريصون على تدعيمها، وقد يفضلون المراقبة قبل المشاركة. * "المعارضة العراقية" وأنصارها فى الداخل وسوف يتحركون بالتأكيد، لكن المسألة هى حجم قدرتهم بالتحديد. ومعنى ذلك فى النهاية (كذلك استخلص "رامسفيلد") أن أى تخطيط واقعى لعملية عسكرية عليه أن يأخذ فى حسابه أنها سوف تستند إلى تحالف دولى وعربى وعراقى عريض، لكن الفعل على الأرض سوف يكون إلى حد كبير أمريكيا. ثم زاد " إننا متأكدون أن بريطانيا سوف تشارك معنا، ولكن بقوات محدودة!". .....................
..................... وقرب نهاية حديثه قال "رامسفيلد" وهو يضغط على العبارات والكلمات إنه "يريد أن يحذر هذه المرة من الخطأ الشائع الذى يقع فيه التخطيط العسكرى دائما، وهو التفكير فى "الحرب الماضية"، لأن الظروف فى السنوات الإحدى عشرة بين الحربين تغيرت على نحو يجعل "التماثل" مستحيلا". أضاف "رامسفيلد" أنه لا يريد أن يزيد على ما قال لأنه يخشى أن يصادر أفكارا خلاقة لدى الچنرالات، لكنه يشدد على أن الظروف تستدعى خيالا يتجاسر على ما لم يسبق التفكير فيه، وهو من جانبه يستطيع أن يتصور عملية "رشيقة القوام" Lean تنجز المهمة المطلوبة فى الظروف المعروفة، وترسمها معركة خاطفة تحقق هدفها دون أعباء فادحة وخسائر بشرية كبيرة ــ ولا يكون لها صدى فى الداخل يسمح لبعض المترددين (وهم هناك دائما) ــ بأن يستعيدوا ذكريات "فيتنام" وعقدها التى مازالت مترسبة فى الوعى الأمريكي! وكان آخر ما قاله "رامسفيلد" للقادة فى ذلك الاجتماع أنه "يرجوهم أن لا يركزوا جهدهم على تحريك جبال من الفولاذ بلا داعٍ (وكان يقصد حشد الفِرَق المدرعة)". وفى الأيام والأسابيع التالية كان بعض ما توقعه "رامسفيلد" بشأن رفض العراق لعودة المفتشين إليه يتحقق فعلا: ــ يوم 13 فبراير (2002) أعلن نائب الرئيس العراقى "طه ياسين رمضان" أن العراق لن يسمح بعودة المفتشين الدوليين إلى أراضيه، لأنه ليس هناك سبب لعودتهم غير التجسس على العراق، فالكل يعرف أن العراق خال من أسلحة الدمار الشامل، "وأنه إذا أرادت الأمم المتحدة إرسال جواسيسها إلى العراق لصالح الولايات المتحدة، فإن العراق ــ ممارسا لسيادته ــ لن يسمح لهم بالعودة". ولم يكن ذلك منصفا للأمم المتحدة ولا لأمينها العام "كوفى أنان"، الذى كانت علاقاته واتصالاته تمكنه من متابعة ما يجرى فى واشنطن، وكان بعض ما سمعه يثير قلقه، وقد كشف "كوفى أنان" عن مخاوفه لبعض الدول ذات العلاقة القريبة من "بغداد"، وضمنها "روسيا" و"فرنسا" طالبا تدخلها لإقناع الحكومة العراقية بقبول التفتيش الدولى على منشآتها العسكرية والمدنية التى يمكن أن تكون موضع اشتباه فى صناعة أسلحة كيماوية أو جرثومية! وفى قول "كوفى أنان": "أنه فى تلك اللحظة لم يكن يمارس حرب أعصاب على "بغداد"، وإنما كان رجلا يلمح الخطر من بعيد ويحاول تجنبه، ثم إنه حين أبلغته باريس أن المشكلة الحقيقية ليست فى الأمم المتحدة، وإنما فى "شك مستحكم" لدى النظام العراقى بأن الولايات المتحدة تتقصَّدَه، وأن رئيسها الحالى (چورچ بوش) مصمم على افتعال الذرائع لضربه ــ فإن الأمين العام للأمم المتحدة وجد من حُسن التصرف أن يطمئن العراق علنا، فأصدر يوم 24 فبراير تصريحا قال فيه: "إن أى عملية لغزو العراق وإزاحة نظامه سوف تكون عملا غير حكيم Unwise". وكان "كوفى أنان" يريد بذلك أن يؤكد لبغداد استقلاليته، ويطمئنها إلى أن المفتشين العائدين لن يكونوا جواسيس "المنظمة الدولية" لحساب الولايات المتحدة الأمريكية. ثانيـــا:نظــــــرية "رامســــفيلد"لـ: نصـــف الحــــرب! شهادات مضت الحوادث فى واشنطن ترسم لنفسها مسارا مستقلا لا ينتظر أحدا، ويوم الاثنين 8 أبريل (2002) كان وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" على موعد (الساعة 8 صباحا) فى "البنتاجون" مع هيئة أركان الحرب، ومع عدد من كبار مستشاريها، وكانت رئاسة الأركان قبلها بأسبوع قد أرسلت إلى مكتبه مقترحاتها فى شأن التكليف الذى أعطاه لها (أول فبراير 2002). وطبقا لرواية أحد كبار المستشارين (لزميل له فى قيادة حلف الأطلنطى بعد عشرة أيام من الاجتماع) ــ فإن وزير الدفاع "رامسفيلد" دخل إلى القاعة "المؤمنة" و"المعزولة" فى مبنى "البنتاجون" ــ يحمل ملفا كبيرا يضم مشروع خطة "غزو العراق" كما أرسله إليه الجنرال "ريتشارد مايرز"، وفوق الملف مجموعة أوراق كبيرة صفراء كتب عليها "رامسفيلد" ملاحظات بخط يده ــ لكنه طوال الاجتماع لم ينظر فى أوراقه وإنما تدفق فى الكلام، ومن الواضح أنه كان معبأ بما لديه. ولم يضيِّع وزير الدفاع وقتا فى المداخل والمقدمات، وإنما تكلم بطريقته المميزة التى تعكس باستمرار إيحاءً بنفاد الصبر، وبدت على وجهه ملامح تشى بأنه يريد "تلقين قادته درسا"، لأنه قام بعملية "تفكيك منظم" لكل ما أعدوه وقدموه له. بدأ فقال ما مؤداه: "لسوء الحظ أن ما كان يخشى منه وقع ــ لأن خطة هيئة الأركان المشتركة كما قدمت إليه نسخة منقَّحَة لخطة "عاصفة الصحراء" القديمة مع بعض التعديلات". وملاحظاته المحددة كما يلي: * أولا: حجم القوات المطلوبة بقوة 13 فرقة (مشاة ومدرعات وقوات خاصة)، و6 حاملات طائرات غير القواعد الجوية الجاهزة فى المنطقة، وهو يسأل: هل المهمة فى الظروف الحالية تقتضى هذا الحجم من القوات؟ (أكثر من ثلاثمائة ألف جندى باحتساب العناصر المساعدة). وعلق: "بأن الرئيس لا يفكر فى إعلان تعبئة عامة أو جزئية، والخطة بهذا الحجم سوف "تأخذ" نصف القوة الأمريكية العادية أو أكثر، ومعنى هذا أنه حتى طبقا "لنظرية باول" التى "يرى من حوله أصدقاء كثيرين لها" ــ فإن الولايات المتحدة عندما تخصص ذلك كله لمسرح العراق ــ لن يكون لديها ما يمكنها من مواجهة احتمالات قد تطرأ على جبهة أخرى فى أى لحظة (كوريا الشمالية)". * ثانيا: الخطة فى رأيه أخذت بالافتراضات القديمة التى شكَّلت حرب الصحراء (سنة 1991)، ولم تأخذ فى حسابها أوضاعا جديدة. وعلق: "أن حرب عاصفة الصحراء كانت على نحو ما من فصيلة التفكير التقليدى، وأما الحرب الجديدة فإن لديها إمكانيات جديدة لم تكن هناك قبل عشر سنوات، وهو يتحدث بالذات عن ثلاثة مجالات: * مجال الدقة الشديدة فى التصويب، وهذا مجال ركزت عليه القوة الأمريكية وجعلته هدفا أساسيا لها، ففى حين كانت دقة التصويب فى صواريخ "توما هوك" أثناء حرب 1991 بنسبة 26%، فإن هذه النسبة ارتفعت إلى قرابة 70%، وذلك فارق مهول فى فاعلية السلاح. * مجال السرعة الفائقة فى جمع المعلومات وتوصيلها، فالحروب كانت دائما ثلاثة أبعاد: بر وبحر وجو، والآن فإن هناك بُعدا رابعا دخل الساحة وقلب الموازين وهو بُعد الفضاء، ذلك أن أى ميدان قتال يمكن تغطيته الآن بأقمار صناعية ترصد أى حركة وهمسة عليه وترسلها فى لمح البرق إلى القيادات الميدانية على الأرض، ومعنى ذلك أن دخول الفضاء لا يكشف المعلومات العسكرية فقط ــ ولكنه يتيح على الفور كافة البيانات الضامنة لكفاءة المعارك (بما فى ذلك الطقس وتغيراته المحتملة فى كل بقعة، والحركة على الطرق المؤدية إلى كافة المواقع، وأحجام الحشود وأنواع السلاح لدى الوحدات المعادية فى أى اشتباك)، وذلك يزود القوات بكفاءة مذهلة لم تكن متصورة من قبل. * والمجال الثالث هو مجال التفاعل واختصار المسافة بين الدقة والسرعة، وكانت المعلومات فى عاصفة الصحراء تصل من مواقع جمعها إلى مواقع الاستفادة منها فى ظرف ساعات، وأما الآن فإن التقدم فى مجال التنسيق جعل الوصول فوريا فى نفس اللحظة، بمعنى أن أى معلومة يمكن أن تكون لدى قوات المواقع الأكثر تقدما فى ظرف دقائق، وذلك يجعل الاستجابة بالفعل فورية أو شبه فورية". يواصل "رامسفيلد" كلامه (وفق شهادة المصدر الذى نقل عنه): فى صُلب الخطة (المُقدمة إليه) حسابات لقوة العراقيين مُبالغا فيها بضراوة Fiercely، لأنه اطلع على تقدير لحجم الحشد العراقى يقول أن لديهم نصف مليون رجل تحت السلاح فى الجيش وفى الحرس الجمهورى. اطلع أيضا على تقديرات لقوات المتطوعين: سواء من مقاتلى حزب البعث ــ أو من فدائيى "صدام" ــ أو من الحرس الوطنى المحلى تشير إلى عشرات الألوف! وتعليق "رامسفيلد": "أن هذه الأرقام لا تعنى شيئا لأنه ليس لدى العراقيين سلاح جوى يمكن أن يؤدى دورا فعالا، لديهم طائرات من 300 إلى 350، لكننا اختبرنا كفاءة هذه الطائرات فى مناطق الحظر الجوى شمالا وجنوبا فى العراق ــ وقد تأكدنا أنه ليست لديهم فرصة لمواجهة طيران حديث، طائراتهم كلها عجوزة ــ ليس لدى طياريهم نوع التدريب اللازم لمواجهة طيراننا ــ ليست عندهم الوسائل الأرضية التى تخدمهم فى أى معركة، وفى كل الأحوال فإنه يبدو واضحا أمامنا أن القيادة العراقية لا تريد دفع سلاحها الجوى إلى معركة يائسة بل تريد ادخارها، لأن هذه القيادة تحت وَهْمْ حاجتها للطيران تتمكن من السيطرة به على الداخل كما وقع فى المرة الأولى (1991)". استطرد: ــ "بالطبع ليست هناك قوة بحرية عراقية. ــ علينا فوق ذلك أن نلاحظ أن العراق فى أى معركة قادمة سوف يكون داخل صندوق مقفول، لأن كل من حوله يقفون ضده: إيران فى الشرق ــ تركيا فى الشمال ــ سوريا والأردن فى الغرب ــ الخليج فى الجنوب. ميدان المعركة مغلق حولهم تماما، وهذه مسألة مهمة. سوف نقرأ جميعا عن تحرك "ما يسمونه" الشارع العربى، ومعلوماتنا أن أى تحرك عاطفى فى شوارع المدن العربية سوف يكون مما تقدر حكومات الدول العربية الصديقة أن تضبطه وتسيطر عليه. نحن إذن فى حالة تفوق كامل: برى ــ جوى ــ بحرى ــ فضائى ــ وسياسى أيضا. والعراقيون فى حالة عجز وعُزلة كاملة سواء فيما عندهم أو فيما هو محيط بهم. وهذه حقائق لا يصح أن تُنسي". يواصل "رامسفيلد" كلامه: "سؤالى الآن هل نحن فى حاجة إلى خطة من هذا النوع الذى جاءنى منكم؟ ــ جوابى مؤكدا بالنفى. ثم جاء تعليقه بأن: "أى جيش فى العالم هو أول من يحس بنقط الضعف عنده، لأن الساسة يستطيعون ــ خصوصا فى العالم الثالث ــ أن يتحدثوا كما يشاءون، لكنه حين تصل الأمور إلى نهاياتها ويصبح الاختبار الحاسم مرهونا بالقتال، فإن كل الأطراف تستطيع أن تدعى كما تشاء إلا القوات المسلحة. وهو هنا (رامسفيلد) يريد أن يتحدث عن الجيش العراقي". "التقديرات تقول أنه 500 ألف فى الجيش والحرس الجمهورى، ومعهم عشرات ألوف من المتطوعين، والسؤال المهم هو ما هى مقدرة الفعل لدى هؤلاء جميعا؟ أولا: هناك الجيش أو ما بقى منه، نحن نعرف يقينا أنه لم يتلق إضافات على سلاحه، ولم يجدد شيئا كان عنده، ومعنى ذلك أنه نفس المستوى الذى عرفناه سنة 1991، مخصوما منه النصف أو أكثر. ثانيا: الحرس الجمهورى تلقى إضافات فى السلاح من كوريا الشمالية، ومن الصين، ومن روسيا، ومن بعض الدول العربية، لكن ما حصل عليه محدود ــ متخلف ــ وكان الذين باعوه للعراقيين يريدون التخلص منه. ما الذى يبقي؟: جماعات المتطوعين من "الحزبيين" ومن "فدائيى صدام"، وهؤلاء يصعب قياس قيمة تأثيرهم إلا عند التجربة العملية، وفى ظروفها، لكن فعلهم ــ مهما كان ــ محدود. كذلك تقول مصادرنا!". يواصل "رامسفيلد" (وفق شهادة المصدر الذى نقل عنه) ــ داعيا المشاركين فى الاجتماع معه إلى النظر بدقة أكثر فى أحوال القوات العراقية: الجيش والحرس. ودخل "رامسفيلد" عميقا فى تحليل أوضاع الاثنين (الجيش والحرس)، وعماد تحليله أن أى قوة فى مثل هذا الوضع الحرج لا تستطيع أن تقاوم بكفاءة إلا إذا وجدت مددا معنويا يلهم تشكيلاتها وأفرادها حتى درجة الموت ــ أو حافة البطولة". وقرر "رامسفيلد" "أنه يصعب عليه تصور وجود مثل هذا المدد المعنوى لدى القوات العراقية النظامية سواء فى الجيش أو فى الحرس الجمهورى ــ ومضى يشرح رأيه، ومؤداه أنه "فى المرة الأولى ــ أثناء حرب الخليج بين العراق وإيران ــ كان دافعَ الحرب المعنوى تناقض تاريخى قديم بين العرب والفرس، يرجع إلى أيام كانت الإمبراطورية العثمانية (السنية) تواجه الإمبراطورية الفارسية (الشيعية)، ومنذ ذلك الوقت وهناك بين إيران والعراق ثأر نائم، لكنه جاهز كى يستيقظ فى أى وقت. "وقد أيقظه صدام"! وفى حرب الخليج الثانية ــ حرب الكويت ــ كان الجيش العراقى مدفوعا بالجائزة الكبرى لإقليم يعتقد كثيرون فى العراق أنه جزء من وطنهم، كما أنه مخزن كنز عظيم. أما فى المرة القادمة فما الذى يمكن أن يحرك الجيش العراقي؟!". أفاض "رامسفيلد" فى الشرح: "فى العادة فإن الجيوش يحركها الدافع الوطنى لاستقلال بلادها، لكن الجيش العراقى وكذلك الحرس يعرفان من الحقائق ما هو أكثر. يعرفان أن منطقة الحظر الجوى فى الجنوب ــ أخرجت جنوب العراق فعلا من مسئولية الجيش، ثم إن الشمال تقوم فيه الآن إدارتان كرديتان لكل منهما استقلالها الذاتى، وإذن تبقى منطقة الوسط وحدها تحت سيطرة النظام ــ وهذه المنطقـــــة هى ثلث البــــــلد، وهى الثلث الفقيـــــر لأن الثــــروة النفطية للعراق موزعة بين الجنوب (الشيعى حول البصرة) والشمال (الكردى حول كركوك). ويزيد أن الجيش العراقى يعرف تماما أن الثروة النفطية لشعب العراق لم تعد ملكه، لأن قرارات الأمم المتحدة بفرض الحصار مبكرا عليه (13 أغسطس 1990) ــ حجزت على النفط، ثم سمحت للعراق بتصدير جزء محدود منه على أساس برنامج النفط من أجل الغذاء، والبرنامج كله فى يد الأمم المتحدة، فهى التى تحصل على العائدات، وهى التى تصرح بالعقود، وهى التى تجنب نصيبا منه لتعويضات الحرب، وتقتطع نصيبا آخر للنفقات الإدارية لهيئاتها وبعثاتها العاملة فى العراق، وبينها هيئة التفتيش على أسلحة الدمار الشامل. وإذن فإن الأرض العراقية مكشوفة، والنفط العراقى مصادر، والسيادة العراقية منزوعة. وإذا لم يكن هناك تراب وطنى ــ وإذا لم تكن هناك ثروة وطنية ــ وإذا لم تكن هناك سيادة وطنية فمن أجل أى شيء يحارب الجيش العراقى ويضحى ضباطه وجنوده بحياتهم فى معركة يعرفون أنها يائسة ــ إذا دخلتها الولايات المتحدة بقوتها. ليست مسألة شجاعة، لأن الشجاعة لا تكون إلا دفاعا عن مبدأ أو عن سيادة. فى هذه الحالة الراهنة ــ ليس أمام الجيش العراقى مبدأ، وإنما هناك حزب وهناك مجموعة حكم وهناك رجل واحد فقط. فى هذه الحالة كذلك ــ لم تعد هناك سيادة عراقية على شيء: لا أرض ولا موارد. هذه أوضاع لا يموت الجنود دفاعا عنها مهما كانت الأوامر الصادرة لهم. طبقا لكل معلوماتنا فإن الجيش العراقى لن يحارب، ولن يشعر أحد من قادته ــ فى أعماقه ــ أنه يخون وطنه إذا امتنع عن الحرب ــ بالعكس سوف يشعر أى قائد عراقى أنه يخون جنوده إذا أمرهم بالقتال حتى الموت فى هذه الظروف! يواصل "رامسفيلد" (وفق شهادة المصدر الذى نقل عنه): قد يسألنى البعض لماذا نرى الجيش والحرس حتى هذه اللحظة متمسكين بالولاء للنظام، وردى أن ذلك لا تفسير له إلا: 1 ــ قسوة إجراءات الأمن الداخلى ووجود مندوب حزبى فى كل وحدة يمنع أى "جنرال" من مُفاتَحة زملائه أو مساعديه بما يدور فى عقله وضميره. 2 ــ القوات العراقية معزولة عن أى اتصال خارجى، وهنا فإن قادتها لا يعرفون كيف يتصرفون على فرض أنهم وجدوا فرصة للقيام ضد النظام. 3 ــ هناك سبب أهم هو ما يظهر لنا أحيانا من أن معظم جنرالات الجيش العراقى الحاليين ليسوا واثقين من أن الولايات المتحدة مصممة هذه المرة على شن الحرب والمضى فيها حتى إسقاط النظام، وهم إلى هذه اللحظة ــ وفق معلوماتنا من الداخل ــ يتصورون إما أننا غير معنيين ــ وإما أننا نفضل بقاء "صدام" فى السلطة شبحا نخيف به بقية دول الخليج ــ وإما أننا غير جادين لا نريد أن ندفع تكاليف تغيير النظام ــ أو أننا سوف نتعثر فى النهاية أمام عقبات دبلوماسية تثيرها دول مستفيدة من الوضع الحالى فى العراق (روسيا أو فرنسا مثلا). استطرد "رامسفيلد" (وفق ما نقل المصدر): هذه النقطة الأخيرة هى البداية التى يلزم أن نبدأ منها: كيف نقنع جنرالات الجيش العراقى والحرس الجمهورى بأن الولايات المتحدة قررت هذه المرة بشكل قاطع ونهائى أنها سوف تضرب بكل قوتها. كيف نفعل ذلك ــ هذا هو السؤال؟ هناك مدرستان فى الإجابة عليه: ــ إما أن نحشد قوة هائلة ــ على طريقة حرب الخليج التى سبقت، ثم نخوض حربا نمزق فيها الجيش العراقى ــ تلك هى المدرسة الأولى، ولست (رامسفيلد) من أنصارها. ــ وإما "وهذه هى المدرسة الثانية التى أعتقد بصحة منهاجها وذلك بإشهار موقفنا بأسلوب تركيز قوة التأثير النفسى ــ وتركيز قوة النار ــ وتركيز قوة الحركة السريعة". بمعنى أن فصل الخطاب يكون بضربة "صدمة ورعب" يفهم منها الجيش العراقى ويستوثق أننا نقصد ما نقول، ومصممون على تنفيذه، وقادرون من أول لحظة على قطع رأس هذا النظام (وكانت تلك أول مرة يذكر فيها تعبير قطع الرأس "Decapitate"، قد أصبح هذا الوصف فيما بعد اسما رمزيا للمرحلة الأولى من الحرب على العراق). استطرد "رامسفيلد": "لابد أن تكون ضربة قطع الرأس عنيفة إلى درجة ترغم الجنرالات ــ فى الجيش وفى الحرس ــ على النظر إلى الحقيقة فى وجهها بحيث يعرفون أنه لم تعد هناك فائدة، وأن دعاوى الشجاعة انتحار، وأن إلقاء السلاح ليس خيانة، لأن الأهداف الوطنية ضائعة من الأصل، ولأن ما بقى من النظام لا يستحق الموت فى سبيله. سوف أضيف ملاحظات أخيرة لابد من اعتبارها، وأنتم تعيدون النظر فى الخطة: ــ لا نريد أن نضرب المدنيين فى العراق، لأنه يهمنا أن نؤكد لهم أننا نقصد النظام ولا نقصدهم. ــ ولا نريد تخريب المرافق العامة، لأننا ســــــوف نستعملها بعد سقوط النظــــــام ودخــــــول العـــــــراق، وليـــــس منطقيا أن نهدمـــها اليوم ونعيد إصلاحها غدا. ــ وإضافة إلى ذلك لا نريد تدمير الجيش العراقى، لأننا قد نحتاج إلى بعض تشكيلاته وأفراده لحفظ الأمن وضبط استقرار الأوضاع بعد سقوط النظام. كان رؤساء أركان الحرب ومستشاروهم يسمعون فى صمت ــ يريدون أن يصلوا إلى السطر الأخير المهم فى كشف الحســـــاب ــ وقد وصــــل إليه "رامسفيلد" فعلا وقال (طبقا لشهادة المصدر الذى نقل عنه): ــ ما أتصوره هو حرب ذكية ورشيقة (Smart and Lean)، ولا تحتاج عملية من هذا النوع إلى أكثر من ثلاث فرق وليس ثلاث عشرة فرقة كما تفترض الخطة 1003 (التى قدمتها له رئاسة أركان الحرب المشتركة). ــ فرقتان تزحفان من الخليج إلى جنوب العراق دون تهديد تخشاه، لأن مهام الحظر الجوى فى المنطقة أكدت لنا تردى أحوال وأوضاع القوات العراقية. ــ فرقة واحدة فى الشمال، مع فرقة إضافية من الجيش التركى، ووحدات كافية من "البشمرجة" (القوات الكردية) ــ للزحف على "الموصل". ــ ضربة أولى بالصواريخ "لقطع الرأس" وتأكيد الرسالة بحيث يفهموا "أننا مصممون إلى النهاية". ــ وتكثيف صاروخى وجوى من قواعدنا فى المنطقة وبواسطة أربع أو خمس حاملات لا يترك للعراقيين وقتا ليفكروا فى شيء آخر. ــ وعلينا فى النهاية أن نتذكر ما يؤكده لنا أصدقاؤنا من أن القوات الأمريكية الزاحفة سوف تجد حولها ووراءها ــ وربما قبلها ــ كتلا من الجماهير العراقية تنقض على النظام عندما توقن أن لحظة الخلاص قد دنت. وسكت "رامسفيلد" ونظر حوله وبدأت المناقشات. وكان مدار المناقشات "أن ما قاله وزير الدفاع مفهوم ومنطقى، لكنه بالدرجة الأولى يعتمد على افتراضات، وشأن أية افتراضات، فهو قابل لأن يكون صحيحا، وقابل فى نفس الوقت أن لا يكون، وهذا أساس يصعب أن تبنى عليه خطط عسكرية تمس مصالح حيوية للولايات المتحدة، فى الشرق الأوسط وهو منطقة مجهودها الرئيسى سابقا ولاحقا فى إطار مشروعها العالمى المطروح الآن للتنفيذ. والعنصر الحرج فيما عرضه وزير الدفاع هو حجم القوة التى اقترح الوزير تخصيصها للخطة، ذلك أن التقدير المبدئى لهيئة أركان الحرب المشتركة أن هذا الحجم غير كاف، لا لضمان النجاح ــ ولا للحفاظ على الهيبة، وكذلك فإن هناك اعتبارين إضافيين: * حجم القوات ليس كافيا لإقناع البلدان التى سوف تنطلق منها قوات الغزو (فى الخليج) ــ بأن النصر مضمون، بحيث تطمئن هذه البلدان وتتعاون دون تحفظ. * ثم إن حجم القوات على هذا النحو ليس كافيا لتوفير احتياطى حاضر على الأرض لدخول المعركة فورا إذا ظهر أن الافتراضات التى قامت عليها الخطة تحتاج إلى تعزيز. ورد وزير الدفاع ــ موجها كلامه مباشرة إلى الجنرال "تومى فرانكس" (قائد المنطقة المركزية المسئولة مباشرة عن غزو العراق): "إن ما قام بعرضه على المشاركين وكبار القادة فى هذا الاجتماع هو بالدرجة الأولى محاولة فى لفت النظر إلى أننا أمام واقع جديد يقتضى تفكيرا متجاوزا للمألوف ــ جريئا يتعدى التصورات التقليدية التى لم يعد لها الآن لـزوم ــ بســـبب مستجدات هائلة دخلت على فكرة "إدارة الحرب". وهناك أيضا مــسألة لابد أن تأخذوها فى الاعتبار مؤداها "أن هناك ظروفا اقتصادية وتشريعية لا تسمح للرئيس أن يذهب إلى الكونجرس مسبقا فى طلب اعتــمادات تثير وســــاوس أعضـائه وتستنفر قلق الرأى العام عندما يشيع الإحساس بأن المعركة القادمة باهظة التكاليف". وعلى أى حال فإن ما يطلبه الآن من القادة "أن يعيدوا النظر فى تقديراتهم، ويعاودوا التخطيط "آخذين فى اعتبارهم مجمل ما عرضه عليهم". وحين تسربت بعض التفاصيل مما جرى فى هذا الاجتماع أحست العاصمة الأمريكية أن "البنتاجون" عاد إلى منطقة الزلازل مرة أخرى بعلاقة مشدودة بين مكتب وزير الدفاع وبين هيئة أركان الحرب المشتركة، (مع ملاحظة أن بعض القادة بدا لديهم استعداد لتجربة نظرية "رامسفيلد" التى طلع بها الآن، حتى لو اختلفت مع نظرية "باول" التى استقر قبولها حتى الآن). ثالثـــا:افتتاحيــــة الـحــــــرب:معركة سياسية مع أوروبا اســتنتاجات طوال شهور صيف سنة 2002 ــ لم يكن ما يجرى فى واشنطن خافيا على عواصم العالم الكبرى (والصغرى أيضا)، وربما أن بعض التفاصيل كانت غائبة، لكن الخطوط العريضة للنوايا الأمريكية بدت واضحة، كما بدا واضحا أيضا أن العراق ليس الهدف النهائى لمشروع أمريكى إمبراطورى، لكنه افتتاحية البداية. والحقيقة أن جماعة المشروع الإمبراطورى الأمريكى لم يبذلوا جهدا فى تغطية مطالبهم، بل على العكس كشفوها ولعلهم أرادوا استجلاب التأييد بــ "دغدغة" أعصاب أطراف داخل الولايات المتحدة، خصوصا فى مجالات الإعلام والنشر، وبالفعل فإن قوى كثيرة راحت ترى أن اللحظة قد حانت للجهر علانية بالحلم الإمبراطورى وتثبيته وفرضه. وفى "موسكو" و"باريس" و"برلين" وحتى فى "بكين" (التى أبدت إيثارا للعزلة) ــ سرى شعور بالقلق والتوجس من المشروع الأمريكى الإمبراطورى ومن أسلوب تنفيذه، وبدا مؤكدا أن الدورة الجديدة للأمم المتحدة وموعدها سبتمبر (2002) ستكون موقعة صاخبة، لأن الولايات المتحدة ســــوف تحـــــاول من خـــــلال الجمعية العامة ومجلس الأمن أن تمهد لتحالف دولى يقف معها شكليا فى شن حرب على العراق، لكنها فى القصد الحقيقى تسعى لكى تنتزع من الأمم المتحدة تفويضا يضفى الشرعية الدولية على تصرفها فى العراق (كيفما تشاء). وكانت العواصم الأوروبية الكبرى تلك اللحظة تجرى حساباتها ــ عارفة أنها مقبلة على لحظة حرجة ومحيرة، فهذه العواصم لا تريد لأمريكا أن تنفرد، وفى نفس الوقت لا تريد لأمريكا أن تنعزل، ومع أن العواصم الأوروبية الكبرى وأولهــــــا "باريس" و"بــــرلين" تــــدرك أنها لم تعد فى حاجة إلى المظلة النووية الأمريكية تحميها ــ فإنها فى نفــــــس اللحظة ليســــت مســــــتعدة لعواقب انقسام فى الغرب الذى مازال يعتبر أن الاقتصاد الأمريكى والتكنولوچيا الأمريكية والقوة الأمريكية بعموم هى قاطرات النمو فى العالم، وعليه فليس فى مصلحة أوروبا أن تتصادم مع إدارة أمريكية مستفزة أو غاضبة. وقد زادت الهواجس فى "باريس" و"برلين" عندما أعلن فى أواخر شهر أغســـــطــــــــــس (2002) أن الرئيـــــــــس "چــــــــــــورچ بوش" ســـــــــــــوف يحضـــــــــــــر بنفســــــــــه افتتاح دورة الجمعية العامة، ويلقى خطــــــابا هـــــــاما حــــــول أزمـــــة العراق. ثـــــم أعــــلن فـــــى نفـــــس الوقـــــت أن رئيس وزراء بريطانيا "تونى بلير" ســــــــيقضى عطلة نهاية الأسبوع فى "كامب دافيد" لخلوة مع الرئيس الأمريكى ــ وحدهما ــ فيما وُصف بأنه: "قمة قرار". وتأكـــــدت "باريـــــس" و"برليـــن" و"موســـــــكو" أن "تونــــــى بليـــــــر" قـــــــرر أن يلــــقى الورقـــــــة البريطانيــــــة فى نفس المربع مع "چورچ بوش". معلومات ولم يكن القرار سهلا فى "لندن"، فالفكرة الإمبراطورية هناك قديمة اســــــتهلكت نفسهــــــا ولم يبــــــــق انتظــــــار نفع منها أو حنين، وخطط السلاح والغزو ثقيلة على الرأى العام البريطانى، خصوصــــــا إذا كانت بالشــراكة مع الولايات المتحدة، لأنها فيمـــــــا ســـــبق من التجـــــــارب ــ شريك صعـــــب يريد أن يحصل على كل شيء ولا يترك لشــــــركائه بعــــده كثيرا ــ أو قليلا. ومبكرا ــ ووسط أسابيع الصيف قبل أن يذهب "بلير" إلى لقائه مع "بوش" فى "كامب دافيد" لقمة قرار ــ قام رئيس الوزراء البريطانى بعملية استطلاع للرأى واسعة: ــ دعا عددا من كبار مسئولى شركات البترول وضمنهم بالتحديد أعضاء فى مجلس إدارة شركة "داتش شل" (أهم شركات البترول الإنجليزية)، وسمع منهم جميعا دون استثناء تقريبا "أنهم لا يحبذون حربا فى العراق، لأن ما بقى لهم من امتيازات فى الخليج مأمون، وأية تغييرات على الوضع الراهن بالسلاح قد تأتى بمفاجآت مفتوحة العواقــــب، خصوصــــــا إذا انتهـــــت التغييرات إلى احتلال أمريكى عسكرى للعراق، وهو أمر لا شك فيه إذا صممت الإدارة الأمريكية على خيار الغزو العسكرى. ــ والتقى "تونى بلير" مع عدد من كبار قادة حزب العمال، وكان معظمهم يعارض الحرب لأسباب عملية وقانونية وأخلاقية، وكان أخطر ما سمعه رئيس الوزراء البريطانى ما ذكره له صديقه القديم وزير خارجيته السابق وزعيم الأغلبية بمجلس العموم الآن "روبين كوك"، وطبقا لرواية "روبين" نفسه فإنه قال لصديقه "توني": "إنـــه فى دهشـــــــة من مقــــــولة أن العــــراق يملك أســـــلحة دمـــــار شـــــــــامل، وأن تجـــــريده مــــن هــــذه الأســــــلحة المدمـــرة هو المبرر القانونى والأخلاقى للغزو. فهو يعــــــلم أن العــــــراق كانت لديه مثل هذه الأسلحة فى حرب الخليج التى سبقت ــ قبل 11 سنة ــ لكنه مقتنع بأنها لم تعد موجودة الآن، والأسباب متعددة: * العراقيون لم يستعملوا هذه الأسلحة فى الحرب السابقة (1991)، لأنهم أدركوا أن عواقب استعمالها كارثية بعد أن تلقوا إنذارا بأن الرد على استعمالها سيكون ضربهم بالقنابل الذرية. ــ وبعد الحرب وعندما صدر قرار تشكيل لجنة "أونسكوم" برئاسة "ريتشارد بتلر" التى ذهبت للتفتيش على أسلحة العراق ونزعها، فإن العــــــراقيين بادروا إلى تدمير معظم ما لديهم من هذه الأســــلحة، ثم إن لجنة التفتيش السابقة ("أونسكوم") قامت بتدمير الباقى. * وعلى فرض أن العراقيين أخفوا أشياء ــ وذلك ما تقــــــول به التقـارير ــ فإن الخبراء البريطانيين يقررون أن هذه الأنواع من الأسلحة لها مدة صلاحيـــــــة لا تعود نافعـــــة بعــــد انقضائها. مدة صلاحية الأسلحة الكيماوية خمس سنوات. ومدة صلاحية الأسلحة البيولوچية ثلاث سنوات. وذلك معناه أن هذه الأسلحة حتى على فرض أن بقاياها مازالت موجودة ــ لم تعد نافعة! * ومن المحتمل نظريا أن يسعى النظام فى العراق إلى إعادة تصنيع وتعبئة الحمولات (الصواريخ والقذائف) الكيماوية والبيولوچية ــ لكن المصانع التى يمكن بها تنفيذ ذلك وقع تدميرها، وهو (روبين كوك) واثق من أن العراقيين لم يتمكنوا من إعادة بناء وتشغيل هذه المصانع (لتجديد صلاحية أسلحتهم الكيماوية والبيولوچية)، وهو بنفسه كان يتابع هذا الموضوع عندما كان وزيرا للخارجية، بحكم تبعية هيئة المخابرات الخارجية M.I.6 لوزارته، وقد كان يجتمع بالمسئولين عنها مرة كل أسبوع، ولم يسمع ولم يقرأ ورقة واحدة تشير إلى إعادة بناء تلك المصانع أو تشغيلها، بل العكس فقد كان تقدير خبراء M.I.6 " أن النظام فى العراق بعد أن أدرك عدم قدرته على استعمال هذا النوع من السلاح فى حرب سنة 1991 ــ وبعد اضطــــــــراره إلى تدميــر ما لديه منها فى أعقاب الحرب ــ وبعد مجيء "الأونســــــكوم" لتكمل مهمــــــة التدمير ــ لم يعد حريصـــــــا ولا كانت لــــديه الوسـائل اللازمة ولا الاستثمارات الفائضـــــة ليعيد اســـــتيراد مصــــــانع تعبئة يجـــــدد بها أسلحة الدمار الشامل". .....................
..................... معلومات [والحاصل أن "روبين كوك" كان قريبا من الحقيقـــــة بأكثـــــر ممـا قدر، ذلك أن العراقيين عندما وجدوا أن صلاحية ما أخفوه من الأسلحة الكيماوية والبيولوچية استنفدت صلاحيتها ــ وجدوا أنفسهم أمام خيارات مستحيلة: فهــــــــم لا يســـــتطيعون تجـديدها، وهـــــم لا يســـــتطيعون الاحتفــــــاظ بهــــا فى حــــــالة تآكل وتهـــــــالك، لأن بعـــــض هذه الأسلحة (خصوصا فى المجال البيولوچـــــي) قــــــــابلة للتســــــرب بحــــــركتهــــــــــــــا الذاتيــــــة، لأنهــــــــا فـــــى الواقــــع من أنواع الجــــــراثيم، ومعـنى ذلك أن خطـــــــــرها على الشـــــــعب العــــــراقى بسبب التســرب يصبح أكثر احتمالا من خطـــــــرهــــــا على أى عـــــدو مهـــــاجم عــــلى الأقل باستحالة استعمالها. وفى الحالتين فإن استمرار بقاء هذه الأسلحة فى هذه الأحوال يعرض أمرها للانكشاف بواسطة بعثات التفتيش، وبالتالى يؤخر رفع العقوبات عن العراق. وهنا وفى وقت ما بين 1994 ــ 1995 تقــــــرر التخــــلص من تلك الأســلحة تماما والانتهاء من أمرها، مع الاعتماد على وجــــود ما يكفى من العلم بأمورها فى عقــــــول الفنيين وفى أوراق أبحاثهم]. .....................
..................... معلومات ــــ واستطلع مكتب "تونى بلير" آراء عدد من الرجال والنساء المؤثرين على اتجاهات الرأى العام ــ وبينهم زعامات فى الحركة النقابية، ولم يجد تأييدا واسعا لحرب على العراق بالشراكة مع الولايات المتحدة، ومن اللافت أن معظم التأييد الذى لقيه "بلير" جاء من أعداء تقليديين لحزب العمال وافقوه على ضرورة ــ ! ــ امتلاك العـــــراق لأســــلحة دمار شامل ــ وكان بينهم "روبرت مردوخ" مالك مجموعة صحف "التيمس"، و"كونراد بلاك" صاحب مجموعة "التلجراف". وفى نهاية المطاف فإن رئيس الوزراء ظل مقتنعا بأنه لا يملك خيارا غير "الالتحام" بالموقف الأمريكى ومنطقه قائم على عدة أسباب: * إن غزو العراق سوف يقع سواء شاركت بريطانيا أو امتنعت (ولهذا فالأفضل لها أن تشترك). * إن العمل الأمريكى القادم بالسلاح فى منطقة الخليج العربى ــ وهى منطقة من العالم مازالت تعترف ببقايا نفوذ إمبراطورى بريطانى (ولذلك يستحسن أن تكون بريطانيا هناك). * إن أوروبا الغربية مازالت تشك فى بريطانيا المترددة فى اعتبار نفسها جزءا لا يتجزأ من القارة، فإذا زاد على الشك الأوروبى ــ شك آخر أمريكى ــ فإن بريطانيا تصبح فى عُزلة كاملة عن كافة "القوى فى العالم". * إن هنــــــاك مواريث ثقـــــــــافية ــ بحــــكم اللغة الإنجليزية على الأقل ــ تربط بريطانيا مع الولايات المتحدة بعلاقة خاصة، ومن واجب بريطانيا أن تحرص على هذه المواريث، لأنها فى النهــــــاية تقبل الترجمة إلى لغة المصالح. وهكذا فى أوائل سبتمبر 2002 قام "تونى بلير" بإبلاغ "چورچ بوش" أنه يســـــتطيع أن يعتمـــــد على بريطانيا كائنـــــا مـــــا كان قــــــراره، فذلك الحـــــــلف بين البلدين لا يتزعــــــزع، ثم هــــو صــــــــداقة مبرأة من انتهـــــــازية الآخرين!!< رابعــــا:قــــرار وخطــة الحـرب! يوم الخميس 12 سبتمبر وقف الرئيس "چورچ بوش" على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، يلقى بيانه المُنْتَظَر وكان ملخصه: "أنه إما أن يقبل العراق عودة المفتشين إليه للبت فى موضوع أسلحة الدمار الشامل، والعثور عليها، والخلاص منها نهائيا مع بقاء نظام دائم للرقابة ــ وإما أنها الحرب، وليس بين الاحتمالين مجال لحل وسط، كما أنه ليس مستعدا لسماع شروط، وإنما طلبه الوحيد هو الانصياع الكامل بلا قيد ولا تحفظ". وفى اليوم التالى أعلنت الحكومة العراقية رفضها لطلب الرئيس الأمريكى، مؤكدة فى الوقت نفسه أنها لا تملك أسلحة دمار شامل من أى نوع: لا نووية ولا كيماوية ولا بيولوچية. والحقيقة أنه كان هناك شبه إجماع دولى على أن العراق فقد قاعدة إمكانياته النووية عندما قامت إسرائيل بتدمير مفاعله (أوزيراك) فى غارتها الشهيرة عليه (ربيع 1981)، وكان كثيرون فى العالم على قناعة بأن النظام فى العراق توصل إلى أن الخيار النووى يتعدى قدراته الراهنة، وكان ذلك ــ أيضا ــ رأى لجنة الطاقة النووية، التى كان رئيسها فى ذلك الوقت هو رئيس فريق المفتشين الجديد: الدكتور "هانز بليكس"، لكن منطقة الظل الرمادى ظلت قائمة إلى حد ما فى مجال الأسلحة الكيماوية والبيولوچية، لأن أمرها يحتمل الالتباس، خصوصا أن الرأى العام العالمى ــ على مستوى المتابعة الإخبارية السريعة ــ لا يتذكر أن هذه الأنواع من الأسلحة لها مدة صلاحية لا تتجاوزها ــ إذا لم تتوافر وسائل تجديدها مرة أخري! وكان هناك أطراف دوليون على استعداد لتصديق العراق فى نفيه لوجود أسلحة كيماوية وبيولوچية لديه، وكان بين هؤلاء الأطراف من أبدى استعداده لمواجهة سياسية فى مجلس الأمن حول هذا الأمر مع الولايات المتحدة ــ والشرط أن يقبل العراق بالتفتيش، باعتبار أنه إذا لم يكن لديه ما يخفيه فما الذى يخيفه من استقبال "بليكس" وفريقه فى العراق وتمكينهم من أداء مهمة تكشف براءته بشهادة الخبراء؟ لكن النظام فى العراق ظل يحاول أن يجد مخرجا، ولم تُجْدِ المحاولات، وبينها دعوة لــ "بليكس" إلى زيارة فى العراق "للتباحث فى الموضوع"، وأعلن "بليكس" أنه يرفض الدعوة. ولم تكن الولايات المتحدة راضية ــ ولا كان لديها الوقت لتسمع، لأن اهتمامها كان من الأول للآخر محصورا فى الخطط العسكرية، وزادت عليه تلك الخلافات التى احتدمت حولها داخل "البنتـــــــاجون" بين مكتب وزير الدفاع وبين هيئة رئاسة الأركان المشتركة، خصوصا عندما دخل الجنرال "تومى فرانكس" قائد المنطقة المركزية المكلفة بالحرب ــ على الخط معتمـدا على صداقة قديمة تربطه بالرئيس "چورچ بوش". معلومات كان "چورچ بوش" هو الذى دعا قائد المنطقة المركزية ــ المكلف "بعملية العراق" إلى قضاء عطلة نهاية الأسبوع الثالث من شهر أغسطس (2002) معه، فى مزرعته (كراوفورد) فى تكساس، وكان الرجلان ــ وكلاهما من ولاية تكساس (كان "تومى فرانكس" من مواليد بلدة ميدواى ــ تكساس) ــ قد عرفا بعضهما من زمن طويل، ثم حدث أن علاقاتهما توثقت عندما تقابلا عدة مرات فى فلوريدا، لأن "جيب بوش" شقيق الرئيس هو حاكم فلوريدا، وفلوريدا هى مقر قيادة قوات المنطقة المركزية (التى يقودها "تومى فرانكس"). وقد سُئل الجنرال "فرانكس" وهو يغادر مزرعة الرئيس بعد الغداء يوم الأحد (25 أغسطس)، وكان رده على الصحفيين الذين سألوه: "إنه جاء إلى هنا مع زوجته بوصفهما أصدقاء لأسرة "بوش"، وهو يعرف الفارق بين الاجتماعى والوظيفى، وهو لم يفاتح الرئيس مبتدئا فى شيء لأنه لا يستطيع أن يتكلم مع القائد العام بدون حضور وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان". لكنه طبقا للذين يعرفون التفاصيل (بحكم مواقعهم) ــ فإن "بوش" بالفعل أثار موضوع العراق، مبتدئا بقوله للجنرال "فرانكس": "إنه يراجع الآن نص خطابه أمام الأمم المتحدة (بعد ذلك بثلاثة أسابيع)". واتسع باب الكلام ووصل إلى مسألة الخلافات بين وزير الدفاع وهيئة أركان الحرب، وعندها اعتبر الجنرال "فرانكس" أن من حقه أن يشير إلى النقطة الحيوية بالنسبة له وهى حجم القوات المتاحة المخصصة لعملية العراق، وأبدى "فرانكس" أن وزير الدفاع حاول أن يتوصل خلال اجتماعات أخيرة إلى صيغة حل وسط مع هيئة أركان الحرب المشتركة، إلا أن الحد الذى عرضه لا يزال ــ فى تقديره ــ (تقدير الجنرال "فرانكس) دون الكفاية، ومع أن هيئة أركان الحرب تحاول بكل وسيلة أن لا تثير مشاكل مع الوزير ومعاونيه، فإن هناك مسائل معلقة لا يمكن أن يحسمها غير القائد العام (أى الرئيس نفسه). كان "رامسفيلد" فى تلك الاجتماعات قد وافق على قوة توازى ضعف ما كان عرضه أولا، أى قرابة مائة ألف جندى، ولم تكن رئاسة الأركان مع تقديرها لنظرية الوزير عن معركة تدور بأقصى سرعة وأقصى خفة Fighting Fast and Fighting Light - تعتقد أن ما يعرضه "رامسفيلد" الآن يكفيها، وأبدى "فرانكس" أنه "فيما يتعلق به شخصيا كقائد مسئول عن الحرب القادمة فهو يريد أن يساعد، ولكنه لا يريد أن يغامر، ولكى يسهل الأمور على الوزير ومعاونيه فإن ما يستطيع أن يساعد به هو تقليل مدة بقاء القوات فى الميدان إلى أقصى حد ممكن، وهو لا يريد الآن أكثر من أن يطمئن على هياكل القوات وعلى خطوط إدارة العمليات، لكنه لا يريد وصول القوات إلى مسرح العمليات إلا قبل ساعة الصفر بأسابيع قليلة، هذا مع أنه لا يرغب فى تدفق مكشوف للقوات على المسرح فى آخر وقت". وأبدى الجنرال "فرانكس" تقديره لأن القوات البريطانية أبلغته أنها سوف تسبق فى الوصول إلى مواقع الحشد، لأن قواعدها جاهزة، ولأنها لا تريد زحاما فى اللحظة الأخيرة يحْدِث للحكومة حرجا سياسيا إذا بدت فى موقف عناد مستفز للرأى العام البريطانى، وبالطبع فإنه مما يساعد البريطانيين على ذلك أن مشاركتهم محدودة بأربعة ألوية من المدرعات والقوات البرية والقوات الخاصة ــ (ما بين خمسة وثلاثين إلى أربعين ألف رجل)، وذلك يريحه (الجنرال فرانكس) على نحو ما، لأن معناه درجة من الانتشار حول مسرح العمليات وعلى مداخله، خصوصا وهو شبه واثق أن العراق ليس بمقدوره أن يوجه ضربة استباقية للقوات حتى وهو يراها تحتشد أمامه. وطبقا لما لديه من معلومات فإن مواقع القوات العراقية لم تتغير خلال السنوات الأخيرة وهو أمر يدهشه، ثم إن التركيز الرئيسى لهذه القوات فى الشمال بتوقع أن تكون الضربة الرئيسية فى اتجاه "بغداد" مباشرة عن طريق كركوك (الموصل). .....................
..................... معلومات [وثبت أن الجنرال "تومى فرانكس" كان دقيقا فيما أورده عن تحركات القوات البريطانية، لكن الذى تكشف فيما بعد هو أن القيادة البريطانية السياسية والعسكرية ــ ورغبة منها فى التستر على تحركات قواتها نحو العراق سبتمبر 2002 ــ حرصت ألا تبعث بقوات إلى مسرح العمليات فى الخليج من القواعد البريطانية ذاتها، بل آثرت إرسال تشكيلات من قواتها العاملة فى ألمانيا تحت لواء حلف الأطلنطى، وكذلك بدا أن القوات التى تتحرك من الجزر البريطانية قاصدة إلى أوروبا (بالتوافق مع قوات بريطانية تغادر أوروبا فى نفس الوقت إلى الخليج)، وإمعانا فى الإخفاء فإن هذه القوات المتحركة من أوروبا إلى الخليج توجهت إليه فى البداية دون عتادها بل ودون مهماتها، وقد ظهر عند التجربة العملية (وطبقا لتقرير صادر عن الجيش البريطانى أواخر شهر يونية 2003 ــ أى بعد انتهاء العمليات بثلاثة شــــهور) "أن فرقة المشـــــاة الخفيفـــــة الأولى شاركت فى القتال حول البصرة بغير أسلحتها القتالية الثقيلة والعادية، وبغير ملابسها الصيفية، وبغير خوذات الميدان على رؤوس أفرادها، وبغير قنابلها اليدوية، وبغير مناظير الرؤية الليلية، وبغير حتى أحذية الصحراء".] ....................
.................... معلومات وفى نهاية لقائه مع الرئيس "بوش" فى مزرعة "كراوفورد" (تكساس) أبدى الچنرال "فرانكس" أنه سوف يسافر إلى منطقة قيادته ويغيب هناك فترة لا تزيد عن أسبوعين ثم يعود ومعه آخر صورة على الطبيعة، لكنه حتى ذلك الوقت يرجو الرئيس بوصفه القائد العام أن يهتم بقضية العلاقات بين هيئة رئاسة الأركان وبين وزير الدفاع وأعضاء مكتبه من المدنيين (وفى الغالب فإنه كان يشير إلى "بول وولفويتز" مساعد الوزير، و"ريتشارد بيرل" رئيس مجلس سياسات الدفاع)، "ذلك أن هذه العلاقة لاتزال خشنة، وتحتاج إلى عملية "تزييت" تجعلها "سلسة" ". وقبل أن يتوجه الجنرال "فرانكس" إلى مركز قيادته، دعاه نائب الرئيس "ريتشارد تشيني" إلى إفطار معه لأنه أراد أن يسمع منه مباشرة (وفى الغالب أن ذلك تم بطلب من الرئيس "بوش"). وبعد أيام كان الجنرال "تومى فرانكس" فى طريقه إلى المنطقة قاصدا أن يتفقد مركز قيادته فى "قطر"، ويحضر تجربة عملية لمراكز الربط بين القوات فى الميدان ومع مركز الإدارة الجديدة لنقل المعلومات الفورية إلى مستوى "السرايا"، بما فى ذلك سرايا القوات الخاصة حيث تكون، وقد أنشئ لهذا الربط جهاز إدارة خاص، أدخل الفضاء عنصرا لأول مرة فى الحرب ــ وكان مقر ذلك الجهاز قاعدة الأمير "سلطان" فى "السعودية". متابعة فجأة يوم الاثنين 16 سبتمبر ــ أى بعد أربعة أيام من خطاب الرئيس "بوش" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد ثلاثة أيام من رفض عراقى قاطع لعودة المفتشين الدوليين ــ تلقى الأمين العام للأمم المتحدة تبليغا بأن الحكومة العراقية غيرت رأيها، وقبلت استقبال المفتشين الدوليين ــ "هانز بليكس" وفريقه، وكذلك الدكتور "محمد البرادعي" (رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية). وقام "دوفيلبان" (وزير خارجية فرنسا) بإخطار السكرتير العام للأمم المتحدة أن وزير خارجية العراق السيد "ناجى صبري" سوف يطلب مقابلة فى دقائق لينقل إليه رسالة حُسن نية، يعلن فيها نزول العراق على إرادة المجتمع الدولى وقبول تفتيش كافة منشآته وقواعــده وأى مكان فى أرضــــه، بما فى ذلك القصور الرئاسية ــ وبدون قيد أو شرط. وكان ذلك منعطفا رآه معظم أعضاء مجلس الأمن بابًا إلى انفراج الأزمة، وجرى التعبير عن ذلك فعلا فى "باريس" و"موسكو" و"برلين". لكن ردة الفعل فى "واشنطن" بدت مستغربة، ومؤكدة لأسوأ مخاوف هؤلاء الذين تشككوا من البداية فى النوايا الأمريكية مهما فعل العراق، لأن القضية لم تعد وجود أو عدم وجود أسلحة للدمار الشامل، وإنما القضية هى "الاستيلاء على العراق" وإسقاط النظام فيه واحتلال البلد. معلومات وبالفعل فإنه يوم الاثنين 23 سبتمبر 2002، كان الرئيس "چورچ بوش" يجلس فى قاعة مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض ومعه نائبه "ريتشارد تشيني"، وحول المائدة من ناحية جلس وزير الدفاع ومساعدوه، وعلى الناحية الأخرى جلس رؤساء هيئة أركان الحرب ومعهم مجموعة محددة من المستشارين ــ فقد جاء الآن وقت عرض خطة العمل العسكرى، وكان على رئيس الأركان الجنرال "ريتشارد مايرز" أن يشرح هيكلها العام، وبعده يجيء الدور على الجنرال "تومى فرانكس" قائد القيادة المركزية المكلفة بالحرب على العراق ــ ليتحدث عن تفاصيل العمليات والتحركات. .......................
....................... شهادات [وطبقا لرواية "بول وولفويتز" (مساعد وزير الدفاع) فى شهادة مسجلة بصوته فى حديث للملحق الأسبوعى لمجلة "نيويوركر" فإن "الاجتماع بدأ بملاحظات سريعة حول اتجاهات الرأى العام، بما فيها مظاهرات جرت فى نيويورك، وتعليقات نشرتها الصحف، وتدخل الرئيس فى المناقشة قائلا وهو يهز رأسه بأسف: "إن هؤلاء "الكُتَّاب اليســــــاريين" لن يرضــــوا عنى مهما فعلت"، ثم راح يروى نكتة تشــرح وجهة نظره ــ روي: "أن بابا الفاتيكان كان ضيفا على عائلته فى عطلة نهاية الأسبوع فى "كينيبنكبورت" على شاطئ ماين، وأخذه هو (بوش) فى نزهة بحرية فى قارب سريع راح يشق الموج وسط الريح، وفجأة إذا بقوة الريح تخلع قبعة البابا وتقذف بها وسط الأمواج. يستكمل "بوش" النكتة: النكتة تقول إننى أوقفت القارب ونزلت إلى الماء ماشيا على سطح الموج واستعدت قبعة البابا وعُدت بها إليه. الصُحُف فى اليوم التالى لم تقل فى عناوينها أننى حين مشيت على الموج قمت بمعجزة، لكن خرجت تقول: "هذا الرئيس الغبى لم يتعلم درس السباحة، ولم يتقن فن العوم!". واستطرد "بوش" معلقا: "هذه النكتة لها معنى بالنسبة لى ــ هو أن ليس على أن أهتم بأى شيء يقوله هؤلاء المغرضون ــ ومهما فعلت فإننى لن أعْجِبهم، ولا يهمنى أن أعجبهم!"]. ......................
...................... شهادات كان وزير الخارجية "كولين باول" مشاركا فى الاجتماع بوصفه عضوا فى مجلس الأمن القومى، وقد قال لمستشارة الأمن القومى "كونداليزا رايس" قبل الاجتماع "أنه سوف يقلص تدخله عند مناقشة الشئون العسكرية إلى أقصى حد، لأنه يقدر أن ذلك الآن ليس اختصاصه، ثم إنه يريد للاجتماع أن يكون "مناقشة عسكرية راهنة" معلقة بهذه اللحظة وليس بما قبلها، وفى إطار ما يراه المسئولون عن تنفيذها وليس فى أى إطار آخر. وفيما بعد أشار "كولين باول" إلى أن ذلك الاجتماع كان من أصعب ما شارك فيه، "فهو بحكم تجربته يعرف أكثر من آخرين، لكنه بحكم مسئوليته الحالية يرد نفسه". وقد سمع أثناء المناقشات إشارات إلى آرائه التى شكلت الإستراتيچية الأمريكية العسكرية خلال السنوات العشر الأخيرة ــ لكنه برغم ذلك منع نفسه من التعليق، وإن اضطر للتدخل عدة مرات خلال المناقشة حتى لا يثير حساسيات أو مشاكل جانبية. .....................
..................... [ روى "كولين باول" هذه التفاصيل فى إطار جلسات مخصصة لتسجيل ســــريع لوقائع وانطباعات حية لا تزال فى ذاكرة وناظـــــرة أصحابهـــــا، وذلك أســـــــوة بما فعـــــله الرئيس "چـــون كنيدي" أيام أزمة الصواريخ، إذ أمر بتسجيل كل اجتماعات مجلس الأمن القومى بالصوت والصورة أثناء وقوعها لكى يمكن الإمساك بالتاريخ حيا "مرئيا ومسموعا".] .....................
..................... معلومات كان ذلك الاجتماع فى 23 سبتمبر (2002) هو الفرصة التى تمكنت فيها هيئة الأركان المشتركة من إقناع الرئيس بزيادة حجم القوات المخصصة للعملية، بحيث زادت من حدود الخمسين ألفا التى اقترحها "رامسفيلد" فى البداية، إلى حدود مائة ألف التى قبل بها كحل وسط مع هيئة الأركان ــ إلى مائة وخمسين ألفا فى حضور الرئيس، وبعد ذلك عرض الجنرال "تومى فرانكس" العائد لتوه من منطقة الحرب القادمة تقريره عما لاحظه. وكان إطار الخطة المعروض فى الاجتماع ــ (طبقا لتقرير أعده "مركز دراسات الأمن العالمي" برئاسة الجنرال المتقاعد "چون بيت") ــ على النحو التالي: ــ 9 قواعد فى منطقة العمليات وحولها، منها سبعة فى سبع دول عربية، واثنتان إحداهما فى تركيا والثانية فى جزيرة "دييجو جارسيا" (يحدد التقرير الأصلى مواقع هذه القواعد فى الدول العربية، ولم أشأ أن أنقلها فى هذا الحديث حتى لا يتصور طرف أن إحراجه مقصود). ــ 6 حاملات طائرات تتواجد فى المنطقة على أهبة الاستعداد للاشتراك فى العمليات، تتوزع من الخليج إلى البحر الأحمر إلى المحيط الهندى. ــ 4 مناطق حشد للقوات المتقدمة على الأرض من ثلاثة بلدان عربية، واحدة منها تُخَصَّصْ لتحركات القوات الخاصة الأمريكية ــ ومبكرا قبل ساعة الصفر بأسابيع. ــ حجم القوات المشاركة فى العملية: 7 ــ 8 فرق أمريكية (حوالى مائة وخمسين ألف رجل). 4 ألوية بريطانية (ما بين 35 إلى 40 ألف رجل). فرقتان من الجيش التركى (بحجم خمسين ألف رجل). ــ قوات خاصة غير نظامية تابعة لفرق عراقية معارضة: 15000 من قوات الحزب الديمقراطى الكردى (مسعود برزاني). 10000 من قوات الحزب الوطنى الكردستانى (جلال طالباني). 6000 قوات شيعية (تابعة لجماعات معارضة). 5000 قوات تابعة لأحزاب عراقية فى المنفى، وقد توجه بعضها للتدريب فى معسكر خاص فى المجر. وكان تقدير التحركات (طبقا لنفس التقرير الذى وقعه "چون بيت") ــ كما يلي: 10 أيام لحشد المعدات فى مواقع الهجوم. 10 أيام لدخول القوات إلى الخطوط استعدادا لساعة الصفر. 10 أيام للوصول إلى بغداد وتجاوز المدن دون خشية، لأن أى محاولة عراقية لقطع الخطوط يمكن تثبيتها والقضاء عليها بالطيران. وكان هناك اتفاق عام على أن الخطة يمكن تنفيذها فى هذه التوقيتات، ولم تكن هناك خشية من حرب على نطاق واسع فى المدن، لأن هذا النوع من الوقفات الباسلة (على طريقة ستالينجراد وليننجراد) فات وقته، وأنهته أسلحة الصواريخ والليزر والقنابل العنقودية. وكان المنطق الرئيسى للخطة هو أنه عندما تبدأ "ضربة الصدمة والرعب" الأولى وتشعر القوات العراقية (الجيش والحرس) أن الموضوع جد لا هزل فيه، وأن القتال إلى النهاية محتوم ــ وفى ظروف ينعدم فيها التوازن بين الطرفين المتحاربين، وفى غيبة هدف وطنى يستحق التضحية ــ فإن هذه القوات لن تخوض معركة يائسة من أجل لا شيء. لأن العسكريين يموتون فى المواقع دفاعا عن وطن، وأما إذا ضاع الحافز الوطنى فأى عسكرى يعرف أن التضحية بالدم انتحار لا فائدة منه، ثم إنه لا يسجل تاريخا لأن دافع المبدأ وداعى الوطنية وراءه ضائع. وكانت كل المعلومات الواردة من الداخل خصوصا بواسطة شبكة استطلاع تصغى إلى كل همسة تجرى فى القواعد العراقية والمعسكرات ــ تزكى الافتراض الأمريكى بأن الحرب سوف تكون بالفعل سريعة وخفيفة ــ عنيفة وقاسية فى نفس اللحظة. ويوما بعد يوم ــ ساعة بعد ساعة كانت الخطة العسكرية تتكامل، بينما انتقلت بؤرة الحركة إلى الساحة السياسية: واشنطن ونيويورك ولندن ــ باريس وموسكو وبرلين، وتصادمت وتراشقت السياسات والمواقف والبيانات والتصريحات ألسنة لهب (بارد!) تشتعل وتنطفئ ثم تعود إلى الاشتعال مرة أخرى. خامســــا:قـــــــوة الشـــرعية أو قــــوة الســلاح! متابعة كانت الصورة فى مجلس الأمن فوضى عارمة، فالمعلومات الواردة من واشنطن إلى نيويورك تكشف للوفود جميعا أنه برغم استعداد العراق لقبول عودة المفتشين إليه لاستئناف مهمتهم بلا قيد ولا شرط (حتى فى القصور الرئاسية) ــ فإن الولايات المتحدة وبريطانيا تقومان الآن بالتعطيل بادعاء عدم الجدوى، لأن النظام فى العراق لم يقبل بعودة فريق المفتشين إلا بعد أن تمكن من إخفاء ما لديه من أسلحة الدمار الشامل. وفى أوائل أكتوبر كان الملحقون العسكريون لسفارات فرنسا وروسيا وألمانيا فى واشنطن يحضرون يوميا إلى نيويورك لإحاطة وفود بلادهم علما بمدى تقدم الاستعدادات للحرب، وبتصميم الرئيس الأمريكى على إسقاط النظام فى العراق واحتلال البلد، وباعتبار أن الولايات المتحدة وبريطانيا لديهما من الذرائع ما يكفى ــ دون حاجة لقرار من مجلس الأمن تصدره وفود لا تعرف ما فيه الكفاية، وتعبر عن حكومات ليست معنية بغير ما يمسها مباشرة ــ ثم إن معظمها حكومات لا تنوى المشاركة مهما كان فى العمليات العسكرية المقبلة، لأنها مرتبطة مع النظام العراقى إما بمستحقات ديون تنتظر تحصيلها، وإما بعقود استغلال للبترول آجلة تتمسك بها ولا يضمن تسليمها غير النظام الحاكم فى العراق الآن. وبدا أن المواجهة السياسية فى نيويورك تجرى على عدة مستويات: ــ مستوى وفود الدول الكبرى فى مجلس الأمن، ومعها الأمانة العامة للأمم المتحدة، وطلب هؤلاء المُلِحْ إعطاء المفتشين الدوليين تفويضا من مجلس الأمن يمنحهم سلطة فوق حكومة العراق ذاتها. ــ ومستوى آخر شعبى تولاه فكر وإعلام مستنير خصوصا فى أوروبا، وساندته قطاعات ضخمة من الرأى العام الدولى ــ حتى فى الولايات المتحدة ــ لأن الكل بدأ يرى نوايا العدوان ظاهرة وبادر إلى إدانتها، بظن أن فى الإمكان إيقاف العملية قبل أن تدور تروسها! ــ ومستوى ثالث من المواجهة ــ حشدت فيه الإدارة الأمريكية أقطابها من الإمبراطوريين الجُدد ــ صروحا من الصخر لا تتأثر، وتطل على ما ترى أمامها وتسمع دون استجابة، وبدا أنه عناد تحكم فى العقل، وأنه غرور القوة وآخذ أصحابه إلى منتهاه. شهادات على أن قصارى ما كانت الإدارة فى واشنطن على استعداد له هو إلحاحها المستمر على امتلاك معلومات سرية عن أسلحة الدمار الشامل كيماوية وبيولوچية (وربما نووية أيضا) يملكها العراق، ومن المدهش أن وكالة المخابرات المركزية فى ذلك الوقت كانت أول من يشكك فى صدق المعلومات التى تدعى الإدارة الأمريكية بامتلاكها. وحدث بالفعل أن السكرتير العام للأمم المتحدة "كوفى أنان" انتهز فرصة لقاء مع المندوب الأمريكى الدائم السفير "چون نجروبونتي"، وسأله إذا كان ممكنا وبصفة شخصية وسرية أن يحصل على ملخص معلومات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ــ يؤكد امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وكانت هناك سوابق لمثل هذا الطلب فى مناسبات سابقة حين أرادت واشنطن أن تكون الأمانة العامة للأمم المتحدة على علم بدواعيها فى تصرف معين أو ظرف طارئ، وفى تلك المناسبات السابقة تلقى الأمين العام بصفة شخصية ملخص معلومات ــ وفى بعض الأحيان جاء إلى مكتبه مندوب خاص من الوكالة يقدم له مباشرة "إيجازا" يحوى ما يلزم له أن يطَّلِع عليه. ومع أن المندوب الأمريكى الدائم السفير "چون نجروبونتي" وعد "كوفى أنان" بنقل طلبه إلى واشنطن، إلا أن السكرتير العام للأمم المتحدة لم يتلق ردا، وقد يئس من تلقى الرد عندما شاعت فى أروقة مجلس الأمن ــ (نقلا عن المُلْحَق العسكرى لإحدى القوى دائمة العضوية فى المجلس) ــ روايات مؤداها "أن وكالة المخابرات المركزية اضطرت إلى عقد صفقة تراضى مع المجموعة الإمبراطورية فى الإدارة، وبمقتضى الصفقة تسكت الوكالة وتكتم شكوكها ــ وفى المقابل فإن الآخرين يسكتون ويكتمون على إهمال الوكالة وتقصيرها فى شأن حوادث 11 سبتمبر 2001. ....................
.................... متابعة فى الوقت نفسه كانت رئاسة الوزارة البريطانية منهمكة فى عملية "دعاية سوداء" مماثلة، فقد أصدر مكتب "تونى بلير" رئيس الوزراء "بيان معلومات" لما تملكه الحكومة البريطانية من أدلة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وأحدث ذلك البيان توترا ملحوظا فى "هوايتهول"، داعيه أن أجهزة المخابرات المسئولة وفيها جهاز المخابرات الخارجية M.I.8)) راحت تسرب معلومات بأن ما أذيع عن طريق مكتب رئيس الوزراء لم يكن من عندها، وإنما جاء من مصادر أخرى لا يعلمها غير مكتب رئيس الوزراء، لأن ما لديها هى (M.I.6) يتناقض مع ما صدر رسميا عن مكتب "تونى بلير"، ووصل الأمر إلى حد أن بعض المسئولين فى جهاز المخابرات اتصلوا فعلا ــ فى سابقة قل نظيرها ــ بأعضاء فى الوزارة (منهم وزيرة التعاون الدولى "كلارا شورت" وفق روايتها) كى يبرئوا ساحتهم من مسئولية هذه المعلومات وما قد يترتب عليها من عواقب. يوم 7 أكتوبر (2002) ــ وكانت عملية المواجهة السياسية تتطور بسرعة ــ دفع الرئيس "چورچ بوش" عجلة الحوادث إلى الدوران أسرع بإعلانه فى بيان لــ: الأمة الأمريكية "أن صدام حسين يستطيع مهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها الأقربين بأسلحة الدمار الشامل فى أى "يوم يختاره"، وأن إدارته سوف تؤدى الواجب العاجل المفروض عليها لمواجهة أسوأ الاحتمالات". وطلب الرئيس "بوش" تفويضا من الكونجرس باستعمال القوة المسلحة إذا وجد ذلك ضروريا، وبالفعل حصل على هذا التفويض يوم 11 أكتوبر (2002)، وفى ظرف ساعات كان وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" يطلب من هيئة أركان الحرب المشتركة أن تتحرك مجموعة الجيش الخامس وفرقة جنود المارينز الأولى إلى منطقة الخليج. وفى هذه اللحظة (منتصف أكتوبر 2002) وقع "إشكال من نوع ما" لا يستطيع أحد أن يقطع فى تفاصيله، بين مكتب وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" وبين هيئة أركان الحرب المشتركة وعلى رأسها الجنرال "مايرز". كان الإشكال فيما يبدو متصلا بصياغة التوجيه السياسى إلى القوات المسلحة بشن الحرب على العراق. كانت العلاقات من الأصل متوترة بين وزارة الدفاع وبين رئاسة أركان الحرب، والأسباب معروفة: ــ فيها رغبة وزير الدفاع الجديد فى وضع العسكريين فى مكانهم الصحيح بعد نوع من "الشرود" زمن إدارة "كلينتون" (كذلك تقدير "رامسفيلد"). ــ وفيها نوعية الرجال الذين جاءوا مع "رامسفيلد" إلى وزارة الدفاع وأحاطوا به معتبرين أنفسهم خبراء فى الإستراتيچية، ولهم مشروع إمبراطورى عالمى شامل. ــ وفيها اعتقاد الوزير ورجاله بأن المؤسسة العسكرية الأمريكية (چنرالات "كلينتون") ترهلوا وفقدوا شهية القتال، وأعفوا أنفسهم من مسئوليته. ــ وفيها خلاف "رامسفيلد" مع عقيدة "باول" التى حددت شروطا لاستعمال القوة، تقوم على أساس أن ظهور تفوقها قد يغنى عن استعمال سلاحها. ــ وفيها ما وقع خلال التحضير لعملية العراق من خلافات حول حجم القوات الضرورية لتنفيذها. ــ وفيها أيضا ما يتصل بالخطوط الإستراتيچية العامة التى يقترحها "رامسفيلد"، والتى تعتمد على ضربة أولى بالصدمة والرعب، يعقبها تقدم سريع مباشرة إلى بغداد دون اهتمام كبير بتأمين المؤخرة والحفاظ على خطوط المواصلات والإمداد وتأمينها. والآن وإزاء كل ما كان يجرى فى "واشنطن" و"نيويورك" و"لندن"، وفى "باريس" و"موسكو" و"برلين" ــ فإن رئاسة القوات عاودها ما استوجب "إشكالا" "من نوع ما" مع وزير الدفاع. معلومات فى يوم من أيام الأسبوع الأول من أكتوبر (2002) اتصل وزير الخارجية "كولين باول" بمستشارة الأمن القومى للرئيس "بوش" السيدة "كونداليزا رايس"، ورتب معها اجتماعا على غداء لا يحضره غيرهما، وبالفعل وقع الاجتماع على الغداء فى الجناح الخاص بوزير الخارجية فى مبنى الوزارة المشهور باسم ("فوجى بوتوم"). وفيما هو متاح من التفاصيل ــ فإن وزير الخارجية قال لمستشارة الأمن القومى ما مؤداه "إنه يشعر بأزمة تضارب ولاءات ــ فولاؤه للرئيس لا يحتاج منه إلى تأكيد، وولاؤه لعمله يستطيع الرئيس تقديره، كما أن ولاءه لوطنه يشهد عليه تاريخ طويل فى الخدمة العامة، وأخيرا فإن ولاءه للمؤســسـة التى أفنى فيها عمره (يقصد القوات المسلحة) مستغن عن أى شرح. ومضى إلى "أنه حاول منذ أُسندت إليه وزارة الخارجية أن يؤدى واجبه، لكنه هذه اللحظة يشعر أنه وصل إلى موقف قد يضطره إلى ما لا يريد، وأنه لو كانت الظروف عادية لقدم استقالته للرئيس حتى يحافظ على ولاءاته كلها سليمة ومتسقة، مع علمه بأنه إذا قدم استقالته يرتاح ويريح آخرين يتصورون أنهم انفردوا بالمكتب البيضاوى وحجبوا غيرهم عن الوصول إليه ــ إلا أنه الآن (باول) لا يجد كملاذ أخير ــ إلا أن يطلب مقابلة الرئيس وحده لحديث من القلب إلى القلب، وهو يطلب ــ بصداقة وثقة متبادلة بينهما (باول وكونداليزا رايس) ــ أن ترتب لإجراء مثل هذا الاجتماع، وأن تبلغ الرئيس "چورچ بوش" نقلا عنه: "إنه فى حاجة إلى جلسة خاصة معه لا يحضرها غيرهما"، ويظهر أن "باول" شرح لكونداليزا رايس بعض أسبابه، وأنها اقتنعت على الأقل بضرورة حديث مباشر بينه وبين الرئيس. وبعد أيام (وعلى الأرجح يوم 16 أكتوبر) اتصلت "كونداليزا رايس" بــ"كولين باول" تبلغه أن "الرئيس ينتظره الليلة على العشاء فى الجناح الخاص للبيت الأبيض، وأنهما سوف يكونان وحدهما، وأن الرئيس على استعداد لسماعه بعقل مفتوح وتمنت له حظا سعيدا". ومساء (الأربعاء) 16 أكتوبر (على الأرجح) وفى الساعة السادسة والنصف كان "كولين باول" يدخل بابا جانبيا للبيت الأبيض يؤدى مباشرة إلى الجناح الخاص الذى يعيش فيه الرئيس مع أسرته! وفيما هو مُتاح من التفاصيل ــ فإن الرئيس "بوش" بادر وزير الخارجية حين دخل عليه غرفة المعيشة المجاورة لغرفة الطعام الخاصة ــ مبديا ملاحظة عن نتائج استفتاء جرى فى العراق على "تجديد" رئاسة "صدام حسين"، وكانت هذه النتائج قد وصلت إليه قبل قليل، وكانت ملاحظة "بوش" بما معناه "هل رأيت مثل هذا الجنون؟!... "صدام" حصل على أصوات 100% من أصوات الشعب العراقي"، ثم أضاف أنه لا يعرف "كيف يصنــــع هؤلاء النـــــاس مثل هـــــذه النتــائج؟" ــ وزاد ضاحكا "علينا فى المرة القادمة (انتخاباته هو للرئاسة سنة 2004) أن نطلب خبراء من عندهم!!"، وضحــــك الاثنــــــان عالـيــــا (ويبدو أن "چـــــــــــــورچ بـــــوش" أراد تخفيـــف توتـــر "باول" لأنـه أحــــــــس "أنه مشـــــــحون بمــــــا يريد قوله له"!). وبدأ "باول" بمقدمة قريبة مما سبق وقاله لكونداليزا رايس، وأبدى "بوش" "أنه سمع من "كوندي" وأنه من جانبه يريد أن يؤكد ثقته بوزير خارجيته الذى اعتبره دائما عمودا قويا راسخا "Pillar" من أعمدة إدارته، وهذا أيضا رأى "ديك تشيني" نائب الرئيس، (ولم يكن ذلك دقيقا، لأن "ديك تشيني" كان باستمرار أقرب إلى "رامسفيلد" ومجموعته الإمبراطورية). ....................
.................... وقال "باول" ما مؤداه: "إنه يريد أن يتحدث مع الرئيس فى موضوع واحد وهو "القيمة المعنوية المطلوبة ضروريا" لأى عمل عسكرى تقوم به الولايات المتحدة فى العراق، وهو بصفة عامة يفهم ويقدر ويؤيد الأسباب التى تدعو إلى التعامل بشدة وحزم مع نظام "صدام حسين"، فهذا النظام بالتأكيد لابد له أن يسقط ــ وذلك موضوع لا يختلف هو عليه مع أحد وإنما الخلاف على الأسلوب. واستطرد "باول" "بأنه كان فى "نيويــــــورك" طوال هذا الأسبوع يشارك فى مــــــداولات الـــــدورة الجـــــديدة للجمعيــــــة العامة للأمـــم المتحدة، وقد رأى أشياء وسمع أشياء تخص موقف الولايات المتحدة فى مجتمع الدول، ثم إنه بعد ذلك عاد إلى "واشنطن" وفى العاصــــــمة رأى وســـــمع أشياء أخرى تخــــــــص موقـــــف القــــوات المســـــلحة الأمريكية والمهمة الموكولة إليها فى العراق". وفى رأيه أن هناك صلة بين الاثنين، بل إنهما فى الواقع موضوع واحد وليسا موضوعين منفصلين!". استطرد "باول" يحكى عما رأى وسمع فى "نيويورك" وملخص ما عنده فى هذا الصدد: "أن الولايات المتحدة بتصميمها على المضى فى حرب ضد "صدام حسين" دون قرار من الأمم المتحدة ــ وفى وجه معارضة ظاهرة فى مجلس الأمن تلح على وجوب صدور قرار جديد عن المجلس يظْهِر حزم المجتمع الدولى إزاء النظام العراقى إذا اعترض عملهم. بينها: أن الولايات المتحدة سوف تبدو فى حالة تحدٍ لمجلس الأمن وللميثاق، وذلك يؤثر على مشروعية عملها فى العراق، ويأخذ من قيمته، ويظهره وكأنه مسألة طمع إمبراطورى فى ذلك البلد أو فى موارده، وذلك مُسيء للولايات المتحدة. وبينها: أن ظهور مثل هذه المعارضة من جانب أصدقاء للولايات المتحدة وحلفائها، سوف يؤثر على "أخلاقية" التصرف الأمريكى، إلى جانب التأثير على قانونيته، وذلك يغذى موجات المعارضة الشعبية للسياسة الأمريكية، وهى الآن تزداد اتساعا حتى فى أقرب العواصم الأوروبية إلينا ("لندن"). وبينها: أن هؤلاء الأصدقاء والحلفاء الذين يظهرون المعارضة ضدنا فى مجلس الأمن لا يفعلون ذلك "لأنهم اكتشفوا مرة واحدة أنهم يكرهوننا"، وإنما هم يفعلون ذلك بتأثير حرص يبدونه (سواء كانوا صادقين فيه أو منافقين) على قواعد استقرت فى ممارسات النظام الدولى، وفى تقديره وهذا حساب خبراء وزارته (الخارجية) "أن هؤلاء جميعا يمكن أن يتماشوا مع قرار أمريكى صارم ضد العراق إذا جريا اتباع الإجراءات التى استقرت عليها الممارسات فى الأمم المتحدة ووفق الميثاق". وبينها: أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى "لوي" ذراع أحد، بل إنها تستطيع بقليل من الجهد أن تحصل على القرار الذى تريده من مجلس الأمن، وهو شخصيا (كولين باول) يضمن بعد كل ما أجراه من مشاورات مع زملائه من وزراء الخارجية الذين شاركوا فى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المجلس يمكن أن يصدر بالإجماع ــ وبموافقة فرنسا وروسيا وألمانيا وحتى سوريا، وهى العضو العربى الوحيد فى مجلس الأمن ــ قرارا قويا حازما يعطى الرخصة القانونية للقوة الأمريكية تتصرف كما تشاء. وبينها: أنه يتفهم عدم حاجة الولايات المتحدة إلى حلفاء معها لشن الحرب، لكن الأفضل (وهذا رأى خبراء الخارجية) أن يتم ما يلزم إتمامه فى العراق بواسطة تحالف دولى واسع، ويرى أن ذلك هو الإطار الأمثل رغم كل ما يعرفه هو بالتجربة الشخصية من صعوبة "إدارة العمل فى نظام تحالفات". قال "باول": إن ذلك سوف ينقله إلى النقطة الأخرى وهى متصلة به، لكنها تخص القوات المسلحة للولايات المتحدة الأمريكية. ثم استطرد فى هذا الصدد بما مؤداه: "إنه لا يريد أن يتدخل فى الشأن العسكرى ــ بوصفه محاربا قديما ــ لكنه الآن وكسياسى يجد نفسه مضطرا إلى استذكار ماضيه القريب، والاعتماد على التجربة التى تعلمها ــ وإنما يثير قلقه أنه أحس بأصداء قوية فى واشنطن نتيجة لما يجرى فى "نيويورك"، وفى بقية العالم من معارضة للسياسة الأمريكية فى أسلوبها الراهن". استطرد "باول": "إن أول درس تعلمه فى الخدمة العسكرية "أن القوة الأمريكية دائما فى خدمة مبدأ، وهذا المبدأ يلزمه دائما غطاء قانونى وغطاء أخلاقي". ثم إن الولايات المتحدة حاربت باستمرار من أجل مبادئها ومع حلفاء لها يشاركونها نفس المبادئ. وكان اتحاد هذين العنصرين: المبدأ والتحالف ــ هو الذى أعطى للقوات المسلحة الأمريكية أفضل أسلحتها ــ أى معنوياتها وإيمانها بما تفعل. وأشار "باول" إلى أمثلة: ــ فى الحرب العالمية الأولى كنا نحارب من أجل الحرية، ومع حلفاء لنا، وانتصرنا. وفى الحرب العالمية الثانية كنا نحارب ضد النازية والفاشية ومع حلفاء لنا وانتصرنا ــ وحتى فى "كوريا" ــ بعد الحرب العالمية الثانية ــ فإننا حاربنا تحت علم الأمم المتحدة. أضاف "باول" "أنه حين انفردنا بالعمل وحدنا فى "فيتنام"، فإن النتيجة كانت ما يعرفه الجميع. وأمامنا هذه المرة فى العراق خيار صعب، من ناحية نحن نستطيع شن الحرب على العراق وحدنا ــ لكننا فى هذه الحالة سوف نكون بغير عنصرين أساسيين: ــ غطاء قانونى وأخلاقى يغطى العمل العسكرى. ــ وتحالف معنا تبدو فيه الحرب مسئولية مشتركة مع أصدقاء لنا فى الموقف. أضاف "باول" أنه خلال الأسبوع الأخير فى "واشنطن" ــ بعد عودته من "نيويورك" ــ أحس بالقلق الذى يساور هيئة الأركان المشتركة بسبب "الانكشاف المعنوى للتدخل العسكري". وأكد "أن أحدا من هيئة أركان الحرب المشتركة لم يتصل به ولم يصارحه بهمومه، لكنه من تأثير خبرة عمره شعر بأن القوات لديها أزمة". أضاف "باول": "إنه بالنسبة للسياسة فإن الغطاء القانونى والأخلاقى لعمل عسكرى يكون مطلبا مرغوبا فيه، لكنه بالنسبة للعسكريين قضية أكثر دقة وحساسية، لأنه بدون الغطاء القانونى والأخلاقى يتحول القتال إلى مجرد قتل، لا يختلف فيه جنرال على كتفه أربعة نجوم عن مرتزق يمسك فى يده بسكين، وهذه مسألة بالغة الدقة ــ ويتعين عليه ("بوش") بوصفه القائد العام للقوات المسلحة أن يضعها فى اعتباره، لأن الغطاء القانونى والأخلاقى بالنسبة للقوات المسلحة ليس مسألة إجراءات شكلية، لكنه مسألة ضرورة تميز (فى أداء المهمة) بين أن يكون المحارب مقاتلا، وبين أن يكون المحارب قاتلا، أى أن المشروعية هنا هى المبرر الحقيقى لكل ما تفرضه الحرب على الرجال! عنـــــــدها انتهى "بــــــاول" مــــن كلامه، كان واضحــــــا أنه اســـــــتطاع إقنــــــــــــاع "چـــــــورچ بوش" بما عرضه عليه، وفى تقدير أقرب مساعدى "باول" "أن النقطة التى تخص القوات المسلحة الأمريكية كانت العامل الحاسم فى تحول موقف الرئيس". .......................
....................... رواية [هناك رواية أخرى ترددت أمامها، فقد أحسست بشيء من الافتعال فيها حتى باعتبار حساسية العلاقات بين "كولين باول" (وزير الخارجية) و"دونالد رامسفيلد" (وزير الدفاع) ومع ذلك فقد وجدتها دالة فى حد ذاتها على أجواء واشنطن السياسية ذلك الوقت وإلى الآن ــ بصرف النظر عما إذا كانت التفاصيل كاملة أو أصابها التحريف. وملخص الرواية أن "كولين باول" بعد أن طلب من "كونداليزا رايس" (مستشارة الرئيس للأمن القومي) ترتيب مقابلة خاصة بينه وبين الرئيس، بعث لها قصاصة بمقال رآه فى جريدة، ويحتوى على عرض لديوان شعر تنشره "دار سيمون وشوستر" الشهيرة بنيويورك، والشاعر هو "دونالد رامسفيلد" نفسه الذى لا يعرف كثيرون أنه شاعر له ديوان يصــــــدر فى موســــم النشــــر الجديد (أكتوبر 2003). وفى هذه القصيدة التى نُشرت مبكرا من الديوان فى جريدة "كريستان ساينس مونيتور"، يقول الشاعر ــ "دونالد رامسفيلد" بالنص: "كما نعرف فهناك أشياء لا نعرفها بعضها نعرف أننا لا نعرفه وبعضها الآخر لا نعرف أننا لا نعرفه الأشياء التى لا نعرفها ــ لا نعرفها والأشياء التى نعرفها قد لا نعرفها!". وبجوار هذه القصاصة كتب "كولين باول" بخط يده (ولعله أراد تذكير "كوندي" بطلبه): "إذا كنا لا نعرف ما يجرى فى رؤوسنا، فكيف لنا أن نزعم معرفة ما يجرى فى العالم!"] ....................
.................... متابعة فى الأسبوع الأول من شهر نوفمبر كان "كولين باول" يقود ما أسماه هو "معركة مصداقية" فى مجلس الأمن. وقد يختلف الناس هنا فى نسب هذه المصداقية: وهل مصداقية "كولين باول" أمـــــــام الأمــــــم المتحدة (القانون والمبدأ)، أو أنها مصداقية "كولين باول" أمام الرئيس "چــــورچ بوش" (الغطاء والملاءمة). وعلى أية حال فقد بدا "كولين باول" فى مجلس الأمن مقاتلا شديد المراس فى طلبه إلى مجلس الأمن إصدار "قرار قوي" إلى درجة الصرامة ضد العراق، ومع أنـــه واجــــه معارضــــة شـــــديدة أثنــــــاء إعــــــداد مشروع قرار يحظى بموافقة إجماعية ــ فإنه مارس جهدا امتزج فيه الحزم والمرونة مع فنون الصياغة ــ مع تلميحات إلى عهود ووعود يمكن تفسيرها باعتبارها نوعا من التعهد بالرجوع إلى مجلس الأمن مرة أخرى قبل التصرف النهائى ــ وقد نجح فى النهاية. وفى هذه الأجواء يوم 8 نوفمبر صدر قرار مجلس الأمن 1441 الذى يفرض على العراق عودة المفتشين، ويأمر النظام فيه بفتح كل الأبواب أمامهم "دون عوائق"، ويعطى لرئيسهم "هانز بليكس" مهلة ثلاثة أسابيع لا تزيد لكى يعود بتقرير إلى مجلس الأمن عن مهمته الأولية فى العراق، وهل وجد تعاونا كاملا وأبوابا مفتوحة فى أى لحظة وأى مكان، أو أن هناك عراقيل توضع فى وجهه، وفى وجه زميله الدكتور "محمد البرادعي" (رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية) ــ وكان التلويح باستعمال القوة يرن فى كل فقرات القرار وتعبيراته. وكان اللافت للنظر أن "سوريا" وهى العضو الوحيد العربى فى مجلس الأمن ــ وافقت على القرار. ....................
.................... [ويقول الوفد السورى أن دمشق وافقت بعد أن تلقت تأكيدات بأن صبغة الحزم الطاغية على القرار كانت تهدف إلى "تخويف العــــراق" بحيث ينصـــاع، وتمر الأزمة هذه المرة بسلام كما حدث فى مرات سابقة، ولم يكن فى الحسبان ووفق التطمينات التى أُعطيت للوفد السورى أن القرار تفويض مفتوح للولايات المتحدة تتصرف بالسلاح كما يحلو لها]. ....................
.................... وفى اليوم التالى لصدور قرار مجلس الأمن (1441)، أُعلن فى بغداد أنه سوف يعرض على المجلس الوطنى العراقى ليرى فيه رأيه. ووقف الرئيس "چورچ بوش" فى مؤتمر صحفى ليعلن أن انصياع العراق دون قيد أو شرط لقرار مجلس الأمن مسألة لا تتعلق بإرادة أحد فى العراق يقبل أو يرفض. وأن أمام "صدام حسين" أسبوعا واحدا لكى يعلن امتثاله بالكامل لقرار مجلس الأمن ودعوة المفتشين ليقوموا بمهمتهم دون عوائق، وإلا فإن الولايات المتحدة تحتفظ لنفسها بحق التصرف بالقوة دون انتظار. وفى واقع الأمر فإن الرئيس "چورچ بوش" فى تلك اللحظة لم يكن يوجه إنذارا إلى "صدام حسين"، وإنما كان يوجه رسالة إلى القوات المسلحة الأمريكية، وإلى هيئة أركان الحرب المشتركة، بأنه يعمل جاهدا ليوفر لها الغطاء القانونى والأخلاقى الذى تحتاج إليه. كان قد اتخذ فعلا قراره بالحرب. لكن همه الآن كان أن يشعر الضباط والجنود الأمريكيون أنهم فى العراق لمهمة قتال ــ وليس لمهمة قتل! .....................
..................... وكانت تلك لحظة تستحق إطالة النظر فى التأثير على المستقبل، وبما هو أوسع من حرب على العراق! وكان الجنرال «مايرز» أهدأ أعصابا من سلفه الذى كان مستثارا معظم الوقت من رئيسه (وزير الدفاع «دونالد رامسفيلد")، بما يسوقه بعد كل لقاء بينهما للذهاب إلى قاعدة جوية قريبة من واشنطن ليقفز بالباراشوت (وتلك هوايته)، حتى تهدأ أعصابه بينما هو ينزلق من الجو عشرين أو ثلاثين دقيقة ــ ويلامس الأرض وقد استعاد لطف مزاجه، وأصبح مستعدا لتحمل كل الناس بمن فيهم «دونالد رامسفيلد»!). رامسفيلد لهيئة اركان الحرب : وإذا لم يكن هناك تراب وطنى ــ وإذا لم تكن هناك ثروة وطنية ــ وإذا لم تكن هناك سيادة وطنية فمن أجل أى شيء يحارب الجيش العراقى ويضحى ضباطه وجنوده بحياتهم فى معركة يعرفون أنها يائسة ــ إذا دخلتها الولايات المتحدة بقوتها. «روبين كوك»زعيم الأغلبية بمجلس العموم موجها حديثه الى «توني بلير » رئيس الوزراء:«إنـــه فى دهشـــــــة من مقــــــولة أن العــــراق يملك أســـــلحة دمـــــار شـــــــــامل، وأن تجـــــريده مــــن هــــذه الأســــــلحة المدمـــرة هو المبرر القانونى والأخلاقى للغزو فالعــــــراق كانت لديه مثل هذه الأسلحة فى حرب الخليج التى سبقت ــ قبل 11 سنة ــ لكنه مقتنع بأنها لم تعد موجودة الآن، والأسباب متعددة: وفى نهاية لقاء الجنرال «فرانكس»مع الرئيس «بوش» رجاه بوصفه القائد العام أن يهتم بقضية العلاقات بين هيئة رئاسة الأركان وبين وزير الدفاع وأعضاء مكتبه من المدنيين (وفى الغالب فإنه كان يشير إلى «بول وولفويتز» مساعد الوزير، و«ريتشارد بيرل» رئيس مجلس سياسات الدفاع)، «ذلك أن هذه العلاقة لاتزال خشنة، وتحتاج إلى عملية «تزييت» تجعلها «سلسة» ». بادر الرئيس «بوش» وزير خارجيتة «باول »مبديا ملاحظة عن نتائج استفتاء جرى فى العراق على «تجديد» رئاسة «صدام حسين»، وكانت النتائج تفيد ان «صدام» حصل على 100% من أصوات الشعب العراقي»، ثم أضاف أنه لا يعرف «كيف يصنــــع هؤلاء النـــــاس مثل هـــــذه النتــائج؟» ــ وزاد ضاحكا «علينا فى المرة القادمة (انتخاباته هو للرئاسة سنة 2004) أن نطلب خبراء من عندهم!!»،
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة