أســـــــلمة الديمقراطية! سبتمبر 2006

حسام تمام

طرحت قضية إدماج الإسلاميين أو بناء تيار إسلامي ديمقراطي قبل سنوات في دراسات قليلة استشعرت أهمية حسم هذا الملف كجزء من عملية إعادة ترتيب البيت السياسي

المحـتــوي

طرحت قضية إدماج الإسلاميين أو بناء تيار إسلامي ديمقراطي قبل سنوات في دراسات قليلة استشعرت أهمية حسم هذا الملف كجزء من عملية إعادة ترتيب البيت السياسي العربي من الداخل. وقتها لم تأخذ القضية حقها من الاهتمام والجدل إلي أن عادت للظهور بقوة مؤخرا، والفارق أنها حين طرحت قبل عشر سنوات تقريبا كانت أقرب للتغريد خارج سرب كادت طيوره تلتئم في الدعوة إلي المواجهة مع الإسلاميين وليس دمجهم في النظام السياسي، وهو ما تغير مؤخرا مع تصاعد الحديث عن الإصلاح والتغيير في المنطقة العربية وحدوث ما يشبه التوافق أو الإجماع علي صعوبة- إن لم يكن استحالة الحديث عن مستقبل النظام السياسي العربي والمصري بخاصة دونما الحديث عن وضع الإسلاميين- أكبر القوي السياسية- في هذا النظام. حين بدأ الحديث يعلو في هذه القضية كان النقاش يدور - غالبا- حول إشكالية يمثلها سؤال يبدو- رغم تقليديته- استشراقيا بامتياز: هل يصلح الإسلاميون للدمج والاستيعاب داخل نظام ديمقراطي أم أن الجينات الإسلامية تحول دون ذلك؟. من هنا تأتي أهمية «إسلاميون وديمقراطيون: إشكاليات بناء تيار إسلامي ديمقراطي» الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عام 2005وضم عددا من الدراسات لباحثين مهتمين ومختصين بهذا الملف. لا تكمن الأهمية في المقاربات التي تضمنها فحسب وإنما أيضا من كونه تجاوز هذا السؤال المبدئي الاستشرافي واشتبك مع الإشكالية مباشرة معتبرا قضية الإدماج قضية أمر واقع؛ فدخل في التفاصيل واشتبك مع الإشكاليات النظرية وقدم تجارب عملية للإدماج. لكن الكتاب بمقارباته المختلفة يثير إشكالات أكثر مما يقدم من إجابات؛ وهي إشكالات تتعلق - بالأساس- بالمنهجية التي يمكن من خلالها مقاربة قضية دمج الإسلاميين في النظام السياسي..والتي يمكن أن يجمعها سؤال مركزي: في أي نظام يدمج الإسلاميون؟ وماذا يتبقي من «الإسلامية» بعد الدمج والدمقرطة؟. أول الإشكالات التي تلفت القارئ لهذا الكتاب والمتابع إجمالا لجدل الإسلاميين والديمقراطية تلك التي تتعلق بتحرير المصطلحات والمفاهيم التي تدور عليها مقاربات الكتاب: إسلاميون، إسلامية، ديمقراطية، دمج..حيث تبدو وكأنها محل اتفاق فتغيب تعريفات واضحة لهذه المفردات وهو ما تحتاجه قضية بالغة الأهمية كالتي يعالجها الكتاب..فلا نجد في الكتاب تعريفات واضحة ومحددة لمصطلحات مركزية في القضية وعلي رأسها مصطلح «الإسلاميون» وماصدقاتها أي تندرج تحتها من أفراد وتيارات وهيئات وجماعات، وكذلك «الإسلامية» وما تحيل إليه من دلالات ومعان، خاصة حين تطرح بمقابل مصطلحات أخري مختلفة مثل «العلمانية» أو «المدنية»..كما يغيب أيضا الوقوف علي التحولات التي طرأت في معاني ودلالات هذه المفردات في السنوات الأخيرة الماضية. وتبدو قضية التعريف مهمة في ضوء ما جري- مثلا- من تغير لدلالات «الإسلامية» عبر مراحل تاريخية مختلفة فقبل خمسة عشر عاما أو يزيد كان الحديث عن «الإسلامية» يأتي دوما في إطار الرؤية الكلية أو الرواية الكبري التي يطرحها الإسلاميون والتي تضم مجالا واسعا من المعاني والرموز والطقوس التي يتم فيها تسكين كل سكنات «الإسلامي» وحركاته، حيث لابد - بحسب إسلامي هذه الحقبة - أن تكون كل أفعاله وأقواله وحركاته وسكناته ضمن رؤية شاملة للكون والحياة تتجسد- عند الإخوان مثلا- في الخطوات الست التي حددها الإمام الشهيد حسن البنا (تبدأ من بناء الفرد فالأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم فالدولة الإسلامية وتنتهي بإقامة الخلافة وأستاذية العالم). ضمن هذه الرؤية الشاملة أو الرواية «الإسلامية» الكبري كانت تنتظم حركة الإسلاميين بدءا من النضال السياسي حتي العمل الاجتماعي بل وشئون الحياة الخاصة..فلم يك مقبولا لدي الإسلامي أن يأتي من الأفعال ما لا يمكن أن يسكن في هذه الرواية الكبري بما في ذلك شئونه الخاصة من التعليم والعمل إلي الحب والزواج! غير أن دراسات حديثة لـ «الإسلاميين» و«الإسلامية» تقول أن الواقع الحالي اختلف كثيرا عما كان عليه الحال قبل عقد ونصف أو عقدين من الزمن..فلقد تحول معني «الإسلامية» أو ضاق عما كان عليه زمن الرواية الكبري فتقلص المجال التداولي لها لدي إسلاميي هذه اللحظة ليعني أنه كل ما هو مفيد وممتع ولكن غير محرم..وأتصور أنه من المفيد تبني منظور اجتماعي أنثربولوجي في دراسة هذه القضية - الإسلاميون والدمج في النظام الديمقراطي- وأنه لابد من تكامل المدخل الاجتماعي مع المداخل السياسية والثقافية في دراسة ماذا تعني الإسلامية. ما قيل بشأن الإسلاميين والإسلامية يمكن أن يمتد كذلك إلي متعلقاتها من مفاهيم وأفكار وتصورات وعلي رأسها «الدولة» و«الدولة الإسلامية»..فدائما ما كان هناك التباس لدي الإسلاميين في تصور مفهوم الدولة وهو التباس كان يجري فيه إسقاط المثال التاريخي- الدولة الأموية أو العباسية أو دولة بني فلان..- علي مثال الدولة الحديثة دون وعي بمفهوم الدولة الحديثة التي هي أكثر تعقيدا مما يتصوره الإسلاميون خاصة في قضية المرجعية؛ فالدولة الحديثة مرجعية ذاتها ولها إطلاقية لم تكن للدولة في مرحلة ما قبل ظهور الدولة الحديثة..وهي أيضا دولة مطلقة في ذاتها تطرح اطلاقيتها في اتجاه الدين نفسه، ويؤرخ البعض بتأسيس الدولة الحديثة لعلمنة السياسة نفسها. لا تتوقف المقاربات الداعية لبناء تيار إسلامي ديمقراطي كثيرا عند طبيعة وشكل النظام السياسي الذي يمكن أن يدمج فيه الإسلاميون..ويبدو من الاتجاه العام لهذه المقاربات - علي الأقل في هذا الكتاب- أنه يتبني فكرة الدمج الاستيعابي حيث لابد لدمج الإسلاميين أن يمر عبر بوابة النظم السياسية التي نعيشها والتي تتبني النموذج الديمقراطي الليبرالي العلماني- أيا كان تطبيقها واقعيا- وكأن العلمانية أصبحت شرطا للإدماج دونما أي إشارة إلي أفق جديد أو إمكانية لإعادة تأسيس نظام سياسي جديد ليس بالضرورة علي النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي، فالمفارقة أن الحديث كله يناقش كيف يتغير الإسلاميون ليحلوا مندمجين في النظام السياسي القائم دونما أي حديث عن تغيرات يمكن أن تطال النظام السياسي نفسه لكي يشهد ولادة تيار

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions