قراءة فى أوراق إدارة «بوش» وعقلها! يونية 2003

محمد حسنين هيكل

أولا:محـاولـة للبـحــث عــن الحــقــيــقـــة! تفضل كثيرون غيرى وسبقوا إلى عرض واحد من أهم الكتب السياسية التى صدرت فى الولايات المتحدة عن رئاسة

المحـتــوي

أولا:محـاولـة للبـحــث عــن الحــقــيــقـــة! تفضل كثيرون غيرى وسبقوا إلى عرض واحد من أهم الكتب السياسية التى صدرت فى الولايات المتحدة عن رئاسة «جورج بوش» (الابن)، والذى ظهر تحت عنوان «بوش فى حرب» (Bush at War) ـ ومؤلفه «بوب وودوارد» هو الصحفى الأكثر اطلاعا فى العاصمة الأمريكية ـ ويشغل الآن منصب مدير تحرير جريدة الواشنطن بوست ـ الجريدة الأكثر نفوذا فى العاصمة الأمريكية. وكان «بوب وودوارد» قد بدأ صعوده إلى القمة منذ قام (مع زميله «كارل برنشتين») بتفجير فضيحة «ووترجيت» التى كسرت رئاسة «ريتشارد نيكسون» (سنة 1974)، وأدت إلى استقالته من رئاسة الولايات المتحدة، ومن يومها راح «بوب وودوارد» يتقدم حتى أصبح الآن عميد «صحافة التحقيق» التى أثبتت كفاءتها فى النفاذ إلى دخائل السياسة، والغوص فى خباياها، وتغطية أكبر مساحة من وقائعها، وكشف أدق أسرارها. .....................
..................... [وهذه مدرسة صحفية تدرك أن النفاذ إلى العمق ـ حق قارئ لا يعنيه ولا يرضيه أن تنحصر مهمة الصحافة فى مدح السلطان والإشادة بعظمته فيما فعل ولم يفعل، وتعرف ـ أيضا ـ أن قارئها يستطيع النظر إلى سطح الحوادث من متابعة التليفزيون، فى حين أن الكلمة المكتوبة ـ حياتها وشبابها ـ أصبحت موصولة بقدرتها على النفاذ إلى عمق لا تستطيع الصور أن تبلغه ـ أى بقدرتها على الذهاب وراء السطح بكل ما يتزاحم فوقه من اجتماعات واستقبالات ومراسم واحتفالات، وتصريحات وبيانات ـ وتلك كلها فى هذه الأزمنة وسائل تزويق وليست مناهج توثيق!]. .....................
..................... وبرغم أن كتاب «بوب وودوارد» ظهر أواخر سنة 2002، وبرغم أن غيرى سبق إلى عرضه كما أسلفت، فإننى أعود اليوم إليه بمنطق ربما يكون مختلفا لأنه لا يعرض للكتاب فى مجمله، وإنما يركز على صور محددة فى سياقه تكشف ـ أو كذلك ظنى ـ عن جواب سؤال يشغلنى، ولعله يشغل غيرى ـ مؤداه: «كيف تحول المشروع الإمبراطورى الأمريكى من الحرب ضد الإرهاب إلى حرب ضد العراق؟، وكيف انتقلت بؤرة الحوادث فيما جرى يوم 11 سبتمبر 2001 من نيويورك إلى كابول ـ ثم من كابول إلى بغداد؟، ثم كيف وقع استبدال الأقنعة من ملامح الشيخ «أسامة بن لادن» إلى ملامح الرئيس «صدام حسين» بهذه السرعة؟ والسؤال ليس فقط عن كيف؟، ولكن بعده عن من؟ ومتى؟، وأين؟، ولماذا؟ (وتلك أسئلة أولية ـ خصوصا فى صحافة التحقيقات التى يمثلها نجوم من مستوى «بوب وودوارد»، و«سيمور هيرش» وغيرهما!). ومع التسليم ـ كما طرحت فى أحاديث سبقت ـ بأن المطلب الأصلى للسياسة الأمريكية فى القرن الجديد ـ إمبراطورى مزدوج المقاصد فى الشرق الأوسط: يبسط السيطرة على أرضه (باعتبارها قلب العالم من بداية التاريخ وحتى حاضره)، ويمد يده إلى مكامن البترول تحتها (باعتبارها محرك التقدم المضمون حتى هذه اللحظة)، فإن تلك النقلة السريعة من نيويورك إلى كابول، ومن كابول إلى بغداد تظل لافتة للنظر، وداعية إلى التفكير من زاوية كشفها لمنطق القوة الأعظم فى هذا العصر، وفحصها لتركيب وترتيب عقلها، وأسلوبها فى اعتماد السياسات، ونظرها إلى الحوادث، وتقييمها للأطراف، ونبرة خطابها الموجه إلى عالم لابد له أن يهتم ويأخذ ما يراه جدا، لأن القرار الأمريكى ـ بصرف النظر عن كافة الاعتبارات ـ مؤثر فى الدنيا حيث يرضى الآخرون ـ وحيث لا يرضون!
وقد اخترت أن أعتمد فيما أعرضه من كتاب «بوب وودوارد» على أسلوب أشبه بعرض شريط صور، بظن أن ذلك أقرب إلى روح الكتاب، وكذلك أقرب إلى «المزاج الأمريكى» الذى أعطى للعالم «فن السينما» (الفن السابع) ـ وهو فن يقدم رؤيته لأى موضوع يتناوله فى شريط صور تتتابع إطاراته بسرعة وتكون من سرعتها حركة متصلة، يظهر فيها «الأبطال» بشخصياتهم ومواقفهم وانفعالاتهم وتعبيراتهم عن نواياهم وحتى غرائزهم، إطارا وراء إطار ـ حكاية وراء حكاية ـ فكرة وراء فكرة، بحيث يصل العرض فى النهاية إلى رواية لها دلالة ـ وأحيانا لها قيمة! والحقيقة أن كتاب «بوب وودوارد» قصة سينمائية من الدرجة الأولى، وهى قصة تعترف صراحة أنها تنقل عن الحقيقة ولا تتبرأ منها (كما فى بعض أفلام السينما حين ينبه أصحابها مقدما إلى أن أى تشابه بين وقائعهم وأبطالها مع الحقيقة مجرد مصادفة غير مقصودة!) ـ بل إن الأمر فى هذه الحالة مختلف، لأن الأبطال فى رواية «وودوارد» وبأشخاصهم وذواتهم ـ بملامحهم وألسنتهم هم الذين يقصون ويحكون، ويقدمون الدليل على صحة ما يقولون. ففى مقدمة الكتاب سجل مؤلفه (وأكد البيت الأبيض) أنه قبل أن يدق حرفا على الكمبيوتر ـ التقى مرتين بالرئيس «جورج بوش»: مرة فى مكتبه فى البيت الأبيض لمدة ساعة ونصف الساعة فى ديسمبر سنة 2001، ومرة ثانية فى مزرعته (كراوفورد) تكساس فى أغسطس سنة 2002 لمدة ساعتين و25 دقيقة. ثم يسجل «بوب وودوارد» ضمن المقدمة أنه حصل على تصريح سمح له بأن يقرأ محاضر خمسين جلسة لاجتماعات مجلس الأمن القومى، وأنه حين بدأ يعد لكتابه استأذن أن يستعمل بعض النصوص مما قرأ بحروفها، وكما أوردتها المذكرات والمحاضرات فى جلسات صنع القرار. وأخيرا يقرر «بوب وودوارد» أنه قابل مائة رجل وامرأة من الذين كان لهم دور فى صنع الحوادث فى واشنطن ضمن إدارة «جورج بوش» (الابن) على امتداد سنة 2001 وحتى ديسمبر سنة 2002 حين مثل كتابه للطبع، ثم يحدد قائمة بأسماء هؤلاء الرجال والنساء الذين قابلهم أثناء جمعه لمادة كتابه ـ والقائمة تضم أسماء كل من: رئيس الولايات المتحدة «جورج بوش» ـ نائب الرئيس «ريتشارد تشينى» ـ وزير الخارجية «كولين باول» ـ وزير الدفاع «دونالد رامسفيلد» ـ مستشارة الأمن القومى للرئيس «كونداليزا رايس» ـ مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «جورج تنيت» ـ رئيس هيئة أركان الحرب المشتركة الجنرال «ريتشارد مايز» ـ رئيس أركان البيت الأبيض «أندرو كارد» ـ قائد القيادة المركزية الأمريكية

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions